السكن والمواصلات مشكلة وحل مترابطين:جهنم الفقراء مميز

 

 

السكن والمواصلات مشكلة وحل مترابطين:جهنم الفقراء

بشار بحسون

الأغنياء هنا في هذه البلاد يتمتعون بكل اشكال الرفاه والراحة، والفقراء في جهنم الضواحي وزحمات السير. كيف لنا ان نعيش هنا؟ وهناك من يتمتع بكل ما يلزم ان يكون لنا جميعا؟ لماذا اهالي المناطق المنمّقة فيها مياه حلوة اما نحن نتعايش مع المياه المالحة؟ يمكن لقاطني تلك المناطق ان يتنزّهوا في احد المنتزهات المحيطة، اما نحن مصيرنا مساحات ملوثة خطرة؟ لماذا نحن من نموت في وسائل النقل الخاص بالحر والشتاء وهم ينعمون بأفخم السيارات؟ لماذا علينا ان نخسر 4 ساعات من عمرنا وهم ينامون بهم؟ هم ونحن امام مسار لا يمكن ان يلتقي إلّا بعدالة اجتماعية شاملة تشمل الاجور والسكن والمواصلات وتوزيع الثروة.

عند صباح كل يوم اثناء اتجاهنا للجامعة/المعهد/العمل... يخطر على بالنا الحل الذي ممكن ان نصل له لتخطّي ازمة كل يوم. ببساطة في عملية حسابية بسيطة، نحتاج للساعتين كمعدل للوصول الى بيروت التي تتمركز بها كل نواحي الحياة الحصرية، اي حوالي 4/24 من نهارنا. المشكلة تكمن ان بيروت تحتوي معظم الشركات والمعامل والمرافق الحيوية العامة والخاصة، يضاف لها الجامعات الرسمية والخاصة. كل محاولات اللامركزة والانماء في مناطق الأطراف باءت بالفشل.

ترتبط مشكلة السكن والمواصلات بشكل عضوي، فحلُّ الأولى يؤدّي لحل الثانية. خروج بيروت من معادلة المركز الوحيد وما ترافقه مع انهاء عنق الزجاجة عند مداخل العاصمة يؤدي فعلياً لانفراج ازمات عديدة من خسارة الوقت، الضغط النفسي والتلوث...

هناك سؤال اساسي يطرحه الشاب على نفسه كيف انتقل من عرسال الهرمل او عيترون اوصاليما او عكار الى مكان عملي او جامعتي؟

الجواب سياسي بامتياز، السلطة لم تعتمد اي سياسية انمائية للاطراف مما قد ينتج فرص عمل ومراكز اكاديمية تعفي اهلها من النزوح للعاصمة. 

حول السكن: لنبني ناطحات سحاب فارغة ولنترك الفقراء لمصيرهم

تنقسم مدننا طبقياً بشكل واضح جداً وسط المدينة والضواحي( الفقراء/الاغنياء) حيث كل وسائل الراحة بينما الجهة الاخرى دون اي خدمات بسيطة.

مئات ناطحات السحب في بيروت شبه فارغة بمقابل ألوف المنازل المتداخلة وفي ظروف معيشية لا تليق بالبشر، يضاف لهذا الواقع مخيمات اللاجئين الفلسطينين. في إطار هذا النموذج الإقتصادي الريعي الموجود منذ عقود، كان متوقعاً أن تعفي الدولة نفسها مما أعلنته مراراً وتكراراً بعدد كبير من التصريحات الإدارية في مطلع التسعينات عندما قالت عبر وزارة الإسكان التي كانت موجودة أصلاً، بأنها تريد بناء ثلاثين ألف وحدة سكنية، كان هناك تصور يومها أن هناك أمل بسياسة إسكانية، ولكن بعد أن ألغوا وزارة الإسكان وظهر أن كل ما قيل مجرد كلام ولم يُنفّذ منها شيء مع أننا نملك إحتياطي أراضي عامة ضخم.. لدينا أراضي بلديات، ومشاعات(تطرح للبيع للمصارف لتعويض خسائرها او نهبها)

بعض الاجراءات الضرورية لتحسين ظروف السكن:

العمل على تحرير قطاع السكن تدريجييا من سيطرة عوامل الريع بأشكاله المختلفة، عبر مقاربة إنمائية لموضوع ترتيب إستخدامات الأراضي اللبنانية، وبلورة إجراءات ضريبية تحدّ من المضاربات ومن إنتاج الريع لمصلحة كبار الملاكين والمطوّرين العقاريين، وتصون القيمة الإجتماعية للعقارات، وتضبط مخزون الشقق الشاغرة بغية تحفيزها نحو سوق الإيجار. 

استحداث مؤسسة عامة تكون معنية بإحصاء وإستعادة وإدارة الاملاك العامة وتعظيم استثمارها وفقاً لأولويات ترتبط بالمصلحة العامة، والإسراع في تسوية الأوضاع القانونية لهذه الأملاك وتحصيل الضرائب والغرامات على المنشأت القائمة، وتحريم المخالفات عليها مع مفعول رجعي، وضبط الإنشاءات الجديدة الخاصة المزمع إقامتها في العديد من المناطق الشاطئية، وبخاصة في رأس بيروت والرملة البيضاء والبترون وعدلون... بالتالي حماية الاملاك البحرية واسترجاعها.

العمل على تعزيز فرص تملّك المساكن من جانب الأسر ذات الدخل المتوسّط والمتدني، وذلك عبر إستخدام الدولة والبلديات للإحتياط العقاري المتجمّع لديها، وزيادة الإقتطاعات الضريبية من الريوع العقارية بهدف المساهمة في تمويل بناء مساكن للفئات الأكثر فقرا (ومن ضمنهم فقراء قدامى المستأجيرن) التي لا تحظى بفرصة الحصول على قروض سكنية نظامية من المصارف. 

تقييم الاحتياجات المُلِحَّة لتحسين ظروف الأحياء الحضرية الفقيرة ومعالجتها بحسب الأولوية، وإعادة بناء علاقات الثقة بين المؤسسات الرسمية (الأجهزة الحكومية والبلديات) وسكان هذه الأحياء الفقيرة، وذلك من خلال عمليات إعادة تأهيل واسعة النطاق للبنى التحتية في الأحياء الشديدة الإكتظاظ، ومن خلال تزويدها بالخدمات العامة والاجتماعية الأساسية.

 

بعض المحاولات للانماء وخاصة على مستوى الجامعات تمّت على صعيدين:

-الجامعة اللبنانية التي فرّعت على اسس طائفية ودون امكانية لاستكمال التعليم في الاطراف(بعلبك،حاصبيا،طرابلس،صور...) بالتالي حل انتج مشاكل معقّدة.

-الجامعات الخاصة التي استغلّت غياب الجامعة اللبنانية في سبيل طرح نفسها بديل وحيد ولا ننسى ما ترتِّبه من اعباء على العائلات.

في المواصلات: مليوني سيارة واربع ساعات من يومنا خسارة

في لبنان، الكارثة أكبر بكثير، فزحمة السير، أصبحت من يوميات المواطنين. عمر هذه الزحمة سنوات طويلة وباتت مشكلة وطنية، مع استمرار غياب الحلول الاساسية ومنها وسائل النقل العام المنظّم والعصري الذي يشمل جميع الأراضي اللبنانية، مما يؤدّي إلى وثوق اللبنانيين باستخدامه والتخلّي عن استعمال سياراتهم الخاصة في تنقّلاتهم. بالفعل، ومع غياب النقل العام المنظمة، تسجل أعداد المركبات الآلية ازدياداً مطرّداً وسريعاً، وتتحوّل الطرق إلى مرائب كبيرة، مهما جرى تطويرها أو توسعتها أو استحداثها.

 

آخر دراسة دولية خصّصت لتداعيات أزمة السير في لبنان، اعدتها جامعة هارفرد ولويزيانا بالتعاون مع الجهات اللبنانية المتخصصة، أشارت الى ان كلفة فاتورة السير في لبنان تصل الى مليار دولار سنوياً بفعل الوقت الضائع الذي يخفف الانتاجية وحرق الطاقة وصيانة السيارات. وقد استندت هذه الدراسة الى أرقام أصدرها مجلس الانماء والاعمار وقدّرت دخول ما يقارب 400 الف سيارة الى بيروت يومياً، مقارنة بوجود ما يقارب 1.6 مليون سيارة مسجلة في لبنان، تضاف اليها أعداد هائلة من السيارات والمركبات المخالفة وغير المسجلة وسيارات اللاجئين السوريين.

 

"معدل الخسائر الإجمالية، المباشرة وغير المباشرة، تقّدر ب 2 مليار دولار"

 

بالحلول المطروحة لهذه الازمة، فهي تتوزع على مراحل عدة، منها ما يمكن تنفيذها على المدى القريب ومنه ما يحتاج للمدى المتوسط والبعيد ليبصر النور.هذه الحلول كالآتي:

 

ضرورة تعزيز دور وزارة الدولة لشؤون التخطيط ورفع مستوى التنسيق بين الوزارة المعنية بورش البنى التحتية، والمشاريع التي قد تؤدي الى ازدحام السير، لاستباق الازمة وعدم انتظار وقوعها لمواجهتها. وهذا التنسيق أيضاً يجب ان يكون مع مديريات السير والقوى الامنية، والبلديات والتنظيم المدني.

 

- الاسراع في تنفيذ مشروع Rapid Bus Transfer RBT الذي يربط الطريق الساحلية من بيروت الى طبرجا، بخط باصات تخفف من زحمة السير وتساهم في تفعيل قطاع النقل العام، علماً انه يمكن الانتهاء من الدراسات خلال مدة أقصاها 7 اشهر بحسب ما كشفه لـ"النهار" منذ ايام المدير الاقليمي في البنك الدولي لمنطقة الشرق الاوسط فريد بلحاج. وبحسب مهنا، هذا المشروع هو جزء من الخطة الشاملة لتطوير النقل العام في لبنان، وقد تصل كلفة هذا المشروع الى نحو 100 مليون دولار، يمكن تمويله من القطاع الخاص، بعد إقرار قانون الشركة بين القطاعين العام والخاص. مع الاشارة الى ان كلفة صيانة هذه الباصات وتشغيلها متدنية، ويمكن ان يتحمّلها القطاع الخاص. وللتذكير، خصَّصت مجموعة البنك الدولي 200 مليون دولار في مطلع شباط الفائت، لتطوير شبكة الطرق في لبنان وتمويل إصلاح نحو 500 كيلومتر منها في المرحلة الأولى لخطة حكومية أوسع لتجديد قطاع الطرق المتردّي في البلاد.

 

- إمكان تنفيذ الدراسات التي وضعت حول اقامة اوتوستراد الجسر البحري الذي يمتد من اقصى الشمال الى اقصى الجنوب مع نقاط سياحية بحرية في طرابلس، شكا، البترون، جبيل وجونية وصولاً الى النبطية مع استراحات بحرية وتاكسي بحري. ولكن هذا المشروع، لن ينفذ في المدى القريب نظراً الى غياب التمويل اللازم. وهنا يؤكد إبداء عدد من الشركات الاقليمية اهتماماً جدياً في هذا الموضوع من خلال تمويل لفترة 10 سنوات وفق نظام الخصخصة BOT من خلال انشاء اشغال ومن ثم تحويلها الى الدولة اللبنانية، علماً ان كلفة هذا المشروع اقل من كلفة الاوتوستراد الدائري بسبب الاستملاكات العقارية.

- إستخدام سكة الحديد الموجودة حالياً لتنفيذ مشروع طريق سريعة على طول الساحل اللبناني، مع إمكان إنشاء خطة قطارات فوق الارض شبيه بالمشروع الذي نفذته إمارة دبي.

- العمل على تعديل ساعات سير الشاحنات الكبيرة، على ان تحدد معظمها خلال فترة الليل، مما يساهم في خفض الكلفة على الشركات المالكة لهذه الشاحنات نتيجة تراجع الكلفة التي تتحمّلها في زحمة السير، بالاضافة الى التخفيف من الازمة خلال ساعات النهار.

- السماح للمستثمرين والمطورين باعتبار الطبقات المخصصة لمواقف السيارات فوق مستوى الارض غير خاضعة لعامل الاستثمار، مما يحفذهم على بناء طبقات إضافية فوق الارض تخصص للسيارات. (علماً ان كلفة بناء هذه الطبقات تحت الارض أكبر بكثير من فوق الارض، مما يحفّز المطوّرين على بنائها).

باختصار، تُحمّل أزمة زحمة السير الاقتصاد اللبناني خسائر يومية تقارب 5.5 ملايين دولار هذا عدا عن الضغط النفسي والوقت.

 

إمّا أن نبقى في جهنم أو نغيّر نحو العدالة في كل الميادين. 

 

 

 

 

 

الأكثر قراءة