عند إلتفاتنا نحو الأدب العربي الحديث، لا يمكن غض بصيرتنا عن القّاص والروائي الفلسطيني غسان كنفاني، الذي لعب دور كبير في تصوير الشقاء والعذاب الذي كان يعاني منه الشعب الفلسطيني من تأثيرات النكبة سنة ١٩٤٨.
رواية رجال في الشمس، الرواية الأولى لكنفاني كتبها سنة ١٩٦٣، تلك الرواية فرضت حضورها في عوالم الإبداع السردي بإستيفائها شروط البناء والجمال.
وقد استطاع كنفاني أن ينقل من خلال هذه الرواية الى القارئ كثيراً من تطورات المبدعين الفلسطينين للوجود وتوصيفاتهم المختلفه للمراحل التي عاشها الفلسطيني داخل نطاق فكري تحدده مقتضيات الرؤية الإبداعية.
تدور أحداث الرواية حول ثلاثة رجال من فلسطين يعيشون مأساة النكبة كل يوم ويحاولون الهرب منها إلى مكان أفضل.
تتطوّر أحداث الرواية لتنقل لنا مسيرة الرجال في تخطيطهم للهرب، ومعاناتهم للوصول إلى خارج الأراضي الفلسطينية.
في البعد الأدبي، إن الظروف التي كُتبت فيها الرواية بمنحاها السياسي والإجتماعي في العالم العربي وخصوصاً في فلسطين، تتطلب من أديب ملتزم ككنفاني إتخاذ تيار أدبي يمكِّنه من رسم الواقع المعاش والأليم، حيث وقع إختيار كنفاني على التيار الواقعي الرمزي الذي جعل للرواية مكاناً محفوظاً عند من يقرأها. يمكن وصف الرواية بأنها مزيج من ٣ اتجاهات فنية، يترأسها الإتجاه الواقعي ويليها كل من الإتجاه الرمزي والرومنسي. ويتدرج حضور الأخير من خلال علاقة شخصية الرواية بعنصرين، الأرض من جهة والحلم بالخلاص من جهة ثانية.
عودةً للرواية، ما عاشه هؤلاء الرجال في مسيرة هروبهم من الواقع المرير الذي فُرض عليهم بعد النكبة هو تجسيد غير بعيد عن ثورة حقيقية بدأها ثلاثة رجال من أجيال مختلفة بهدف موحّد.
فالثورة تغيير مفاجئ في الأوضاع السياسية والإجتماعية للدولة بوسائل تخرج عن النظام المألوف ولا تخلُ عادةً من العنف. والثورة الحقيقية هي التي تنبعث من الشعب وتعبّر عن ميوله ورغباته.
من الناحية السياسية استُخدم مفهوم الثورة في أواخر القرون الوسطى، على ان الثورة أداة تطور تاريخي للمجتمعات الإنسانية فهي حدّ فاصل بين النظام للقديم والجديد، تُحدث تغييراً جذرياً للبناء السياسي والإجتماعي والإقتصادي وحتى الثقافي، ويستهدف هذا التغيير قرار منظومة تجسد مطالب الثورة وتحققها.
كما الحال في لبنان منذ ١٧ تشرين، ما أحدثه اللبنانيون من تغيير مفاجئ بكافة الأصعدة ليس إلا ثورة مباشرة في حياتنا كلبنانيين قبل أن تكون ثورة على النظام السياسي العفن المبني على الإنقسامات الطائفية.
فالحال اختلف من ما قبل ١٧ تشرين الى يومنا هذا إن كان على الصعيد السياسي، الإقتصادي، الإجتماعي او حتى الثقافي، فنحن على حافة الخروج من مستنقع النظام الذي نعيشة فيه، ليُبنى لبناننا على يد الفقراء الكادحين.