صندوق النقد الدولي: اقتلوا الفقراء!!-هادي المصري مميز

صندوق النقد الدولي: اقتلوا الفقراء!!

 

في خضم النقاشات حول صندوق النقد الدولي والواقع اللبناني وسبل الخروج من الأزمة الراهنة. ترتسم أمامنا معركة أيديولوجية، يخوضها الفكر المناضل في ضرورةِ واقعٍ تتكثف فيه كل مستويات الصراع الطبقي على المستوى السياسي. فتمسي الكتابة من موقع النقيض الطبقي سلاح الكادحين في المعركة السياسية الدائرة.

أما الأساسي في مادتنا هذه، قد بدأناه في مادة سابقة نشرت في مجلة النداء[1]، وهو تأثير تدخلات صندوق النقد الدولي على مأساة الشعوب، عبر عرض تجربة تشيلي والاتحاد السوفياتي. كما أننا نستفيد من التجارب التي عرضتها الزميلة ليا قزي في مقالها في الأخبار المعنون "تجارب دول مع صندوق النقد الدولي: المأساة الاجتماعية"[2] وذلك لكي نطال في هذه المادة تجارب بعض الدول التي لم يذكرها المقالان.

 

كولومبوس قادم!!

 

الاشكالية الأساسية القائمة هو التناقض بين الموقع الطبقي للحكومة، بالتالي الكوابح البنيوية التي تحكم فضاء حركتها في معالجة الأزمة، وبين عمق هذه الأخيرة التي تفرض بالضرورة حلا جذريا يحمي فئات الشعب الكادحة. وما الاتجاه نحو صندوق النقد الدولي الا تأكيدا على هذه النقطة وتكثيفا لخلاصات عدة، أهمها عجز الحكومة عن القيام بأي انقاذ للفئات الكادحة من جهة، وتأكيدها موت الفضاء السياسي الذي كان مهيمنا في لبنان على الأقل منذ ما بعد الطائف تحت وطأة الأزمة العميقة من جهة أخرى.

لذلك تقوم الطغمة المالية في البلاد بترويج أسطورة المنقذ "كولومبوس" الذي سوف ينتشل لبنان من الأزمة، كما أنقذ الأخير أمريكا من "البرابرة" عبر ابادتهم، والذي لا يتعاون مع الفاسدين وكأن الفساد قائم بذاته خارج بنية النظام الرأسمالي التابع. فوق ذلك فان خطة الحكومة الأخيرة التي يُفترض كانت أن تكون برنامج طريق للخروج من الأزمة، تبين أنها مجرد ورقة محاسبة. والأكثر من ذلك انها تُمرر بعض ما سيطرحه الصندوق من شروط، كطريقة لارضاء الأخير ومنظومة النهب الدولي من خلفه، التي على رأسها الولايات المتحدة الأمريكية.

   

 

 

تجربة ايرلندا:

 

في العام 2008 بدأت الأزمة الاقتصادية في ايرلندا مدفوعة بعوامل عدة أهمها سيطرة الرأس مال المالي وزيادة التفاوت الاجتماعي، أعلنت منظمة الأمم المتحدة، أنه وفي العام 2004 كان التفاوت الاجتماعي في ايرلندا أكبر تفاوت بعد الولايات المتحدة الأمريكية في قائمة الدول الغربية. وكانت شرارة الأزمة الركود العظيم عام 2008. اجمالا سيطرة رأس المال المالي أي المصارف يكون دائما مصحوبا بكمية فساد ضخمة، وهو الحال مثلا في لبنان. بعد انفجار الفقاعة المالية والفقاعة العقارية انهار الاقتصاد الايرلندي مخلفا وراءه مجازر خصيصا في الطبقات الفقيرة. بالطبع عند أزمات من هذا النوع سوف يحاول الجميع تحميل الفئات الشعبية نتائج الأزمة، وهذا تمام ما فعلته الحكومة الايرلندية في محاولة منها لانقاذ المصارف وذلك عبر موازنات تقشفية وعبر الاستدانة. مثلا بلغت مديونية الدولة الايرلندية في حزيران 2010 حوالي530 مليار يورو منها 369 مليار اقترضتها من مصادر مالية أوروبية. وللحيلولة دون افلاس البلد الذي قد يهدد مصارف ألمانيا وأمريكا (المصارف الألمانية مثلا كانت قد منحت جهات ايرلندية قروض ب110 مليلارات يورو) تدخل صندوق النقد الدولي ومعه الاتحاد الأوروبي بقرض انقاذ فارضا الشروط النمطية، أهمها:

·      الغاء 24750 فرصة عمل في القطاع العام.

·      تخفيض المدفوعات التحويلية المخصصة للأسر كثيرة الأطفال، وللعاطلين عن العمل.

·      زيادة الضرائب على الأجور.

·      تخفيض الحد الأدنى للأجور.

·      تجميد ثم خفض معاشات التقاعد الخاصة بالأفراد الذين عملوا في المرافق الحكومية.

 

كل الاجراءات لم تمس الضريبة على الشركات التي بقيت كما هي، كما وفرت حماية للمصارف التي حققت أرباحا خيالية على حساب الشعب الايرلندي. فوق ذلك وبكل وقاحة يقول دومينيك شتراوس الرئيس السابق للصندوق "من الصعوبة بمكان اقناع المواطنين، بأن الواجب يحتم عليهم تقديم التضحيات الضرورية لتنفيذ التقشف المالي". نتائج مثل زيادة الفقر بمستوى انفجاري وحماية المصارف كانت متوقعة.

 

 

يوغوسلافيا: تجربة دموية.

 

المسألة اليغوسلافية معقدة بشكل عام، لا مكان هنا لمناقشتها، انما ذكر الدور لدموي لصندوق النقد الدولي هو واجب. فبعد اغراق يوغوسلافيا بالديون فترة الثمانينيات، فرض الصندوق شروط نقيضة للنموذج الاشتراكي اليوغسلافي وأجبرها تسديد ديونها الى بعض الجهات الغربية والداخلية. النتائج المقصودة من تدخلاته بدأت بالظهور في أواسط الثمانينيات، مثلا عام 1985 انهارت مصانع وازدادت البطالة، كما انخفضت الأجور بمعدل 40 في المائة. وتنفيذا لتوصياته جُمدت الأجور عند المستوى التي كانت عليه عام 1989 وبلغ التضخم في العام 1992 معدل 937 في المائة. كل هذه التغيرات دفعت وعززت تفاقم الشعور القومي لدى البلدان الفقيرة ممهدة الأرض للحرب . الهدف من ذكر يوغسلافيا هو تبيان مدى الترابط  بين تحقيق مصالح الولايات المتحدة الأمريكية والرأسمال المالي الغربي وبين ممارسات صندوق النقد الدولي وبرامجه. لذلك دخول هذا الصندوق اليوم بوصفاته  على لبنان هو ليس حدثا بسيطا بل هو حدث يُعبد الطريق الى مشنقة فئات الشعب الكادحة.

 

الشعوب في وجه الصندوق

 

عام ١٩٧٦ إندلعت في الأرجنتين إحتجاجات جماهيرية ضد مناشدة صندوق النقد الدولي الأرجنتين  الى ضرورة العمل على تجميد الأجور لفترة أمدها ١٨٠ يوما، فإستولى الجيش على السلطة، وفرض حكم عسكري، وقمع الإحتجاجات بشكل دموي حيث راح ضحيتها ثلاثون ألف مواطن أكثرهم من النقابيين ومن طلبة الجامعات.

عام ١٩٧٧ إندلعت في مصر إحتجاجات كان محور غضبها مطالبة صندوق النقد الدولي والبنك الدولي الحكومة المصرية بضرورة شطب الأموال التي تخصصها كل عام لدعم المواد الغذائية الأساسية. قتل في سياق الإحتجاجات ٧٩ متظاهرا وجرح أكثر من ٥٥٠ مواطن.

عام ١٩٨١ أعلنت النقابات المغربية إضراباُ وذلك لأن الصندوق قد ربط منح الحكومة المغربية قرض قيمته ١.٢ مليار دولار شرط إلتزامها بإلغاء الإنفاق الحكومي المخصص لدعم أسعار المواد الغذائية الأساسية. حصيلة الإضرابات كانت مقتل أكثر من ٦٠٠ متظاهر.

عام ١٩٨١ إندلعت في الدومينيكان مظاهرات صاخبة، إحتجاجا على إجراءات التقشف المالي التي أملاها الصندوق على حكومة البلاد. أدى التقشف مثلا إلى إرتفاع أسعار العقاقير الطبية إلى ضعف ما كانت عليه قبل التقشف، حصيلة المظاهرات ٤٠٠٠ معتقل و٥٠ قتيلا بالرصاص.

في أيار ١٩٨٦ قتل نحو ٢٠ طالبا في زاريا بنيجيريا بعدما إحتجوا على بدأ تنفيذ برامج التكييف الهيكلي.

في شباط ١٩٩٠ أضرب طلاب نيامي في النيجرعن حضور المحاضرات إحتجاجا على إشتراط صندوق النقد الدولي على الحكومة تقليص مخصصات التعليم الجامعي، الذي كان أصلا في غاية التدني. رغم الإحتجاج السلمي قتل ٥ طلاب.

في ٢٣ شباط عام ١٩٨٩ إندلعت مظاهرات صاخبة في فينزويلا إحتجاجا على إتفاق حكومة بيريز(الذي كان رئيس فينزويلا) مع صندوق النقد الدولي على برنامج يؤدي الى إرتفاع كبير في أسعار البنزين، وبالتالي الى ارتفاع في تكاليف إستخدام وسائل النقل. ما أدى إلى مقتل أكثر من ٦٠٠ متظاهر.[3]

 

 

 

[1]  هادي المصري، شبح صندوق النقد الدولي ومهام المرحلة، النداء، 25 كانون الثاني 2020

[2] ليا قزي، تجارب دول مع صندوق النقد الدولي: المأساة الاجتماعية، الأخبار، 15 أيار 2020

[3][3]  أغلبية المعلومات عن تاريخ الصندوق يستطيع القارئ أن يجدها في كتاب ارنست فولف: "صندوق النقد الدولي قوة عظمى في الساحة العالمية"، صادر بالعربية عن سلسلة عالم المعرفة، العدد 435، ابريل 2016.

الأكثر قراءة