إن كان لا بدّ من رباطٍ عاطفي يربطنا بالجامعة اللبنانيّة فهو يعود إلى عام ١٩٥١ عندما خرج طلاب الطبقة العاملة والفقيرة مطالبين بتأسيس جامعةٍ وطنيّةٍ لهم، فمن منّا لا يملك عواطف خاصة تجاه صرح تعليمي تأسّس بنضالات الطلاب ودماء الشهداء ضدّ البورجوازيّة اللبنانيّة آنذاك؟ إلّا أنّ العاطفة هذه لا تغيّر شيئًا، على اسم "فرج الله حنين"، شهيد الجامعة اللبنانية، أن يضعنا أمام مسؤوليّاتنا كطلاب في الجامعة لاستكمال نضاله الّذي لم ينتهِ مع انتزاع حقّ الفقراء في تأسيس الجامعة.
إنّ نظام الخصخصة وحكم المصرف وحكم ال1% القائم اليوم في لبنان يُدخِل معركتنا الطبقية معه إلى قلب الجامعة اللبنانية. هكذا تعمل الأنظمة الرأسمالية، كما يؤكد الفيلسوف والمفكر نعوم تشومسكي، تضرب القطاع العام لتخلق تبريرًا لخصخصته. وكأيّ نظامٍ رأسمالي آخر، يضرب النظام اللبناني جامعة الوطن إمّا لخصخصتها فيما بعد، أو لحثّ طلّابها على تركها والنزوح إلى الجامعات الخاصة الّتي تتعاون مع المصارف لتأمين قروضٍ تعليمية للطلاب لا حرصًا منها على تنمية البلاد بل رغبةً بإثراء أصحاب رؤوس الأموال والمصرفيين.
لأجل هؤلاء الرأسماليين، ربط النظام اللبناني الجامعة اللبنانية بمجلس الوزراء، فغدت كلّ قراراتها الإدارية والمالية صادرةً عنه أو لا تمرّ إلّا بموافقته، فطالت المحاصصة الطائفية إدارة الجامعة وإدارات الكليات وأساتذتها وموظفيها، وضُرِبت بعرض الحائط الكفاءة، كما حصل في منتصف العام الدراسي السابق حيث أقيل أساتذة في كلية العلوم الطبية وجيء بآخرين تابعين لأحد أحزاب السلطة.
تطال الجامعة اللبنانيّة أيضًا سياسات التقشف الّتي تلجأ إليها الدولة عند كلّ عجز في موازنتها، وكما يدفع المواطنون الفقراء ثمن فشل النظام عندما ترفع الدولة الدعم عن بعض المنتجات تطبيقًا لسياساتها التقشفية، ندفع نحن طلاب الجامعة اللبنانية من صحّتنا الجسدية والنفسية أثمانًا باهظة كلّما قلّصت الحكومة من الموازنة المخصصة للجامعة تطبيقًا لسياساتها التقشفية أيضًا. هذا ويتم هدر مبالغ كبيرة من موازنة الجامعة، إذ أنّ بعض هذه الأموال تُدفع بدل إيجارات مبانٍ لا تستخدمها الجامعة ولا يستفيد منها الطلاب مثلًا بدلًا من إنفاقها في سبيل تطوير البنية التحتية في المباني الجامعية أو في سبيل تطوير بحوثٍ علمية تشكّل خطوةً من خطواتٍ كثيرة يجب اتخاذها للبدء بالإنتقال نحو اقتصادٍ منتج. وفي الحديث عن الهدر، أذكر ما صرّح به وزير التربية في الحكومة المستقيلة طارق المجذوب خلال مقابلته في برنامج "يسقط حكم الفاسد" حول تجديد العقد مع شركة دنش والإستشاري LACECO لتشغيل وصيانة مجمع الحدث الجامعي مع بداية شهر نيسان الفائت وحتى نهاية شهر تموز، وقد طلبت الشركتان تخصيص مبلغ مليوني دولار من موازنة الوزارة لتغطية النفقات اللازمة، وقد هوجمت ورفضت مطالب الوزير بالإفادة عمّا تم تنفيذه من أشغال في المجمع منذ تاريخ ١/٤/٢٠٢٠ في مثلٍ حي عن استيلاء الشركات الخاصة على المال العام الّذي يفترض أنّه مخصّص لاستفادة الطلبة منه.
كلّ هذا الإهمال للجامعة الوطنية انعكس عجزًا واضحًا في إيجاد حلول للمشاكل التي تواجهها، فخلال جائحة كورونا الّتي تطلبت إقفال الجامعة واعتماد التعليم عن بعد الّذي لم يتم تقييمه حتّى الآن بطريقةٍ علميّة، وفي ظل لامبالاة الإدارة بصرخاتنا الّتي علت في تلك الفترة لافتةً الأنظار إلى الّطلاب الفقراء جدًّا الذي لا تتوفر لديهم أجهزة لابتوب أو اشتراك شهري بالإنترنت، كنّا نحن الطلاب نساعد بعضنا في مبادراتٍ بسيطة، إما عبر التبرعات المادية لزملائنا أو عبر تأمين اشتراكاتهم في خدمات الإنترنت. هذه الإدارة نفسها الصامتة أمام الأزمة الإقتصادية الّتي أفقرت الناس، لا تبذل أي مجهود لإيجاد حلول لمن يعجز من الطلاب عن دفع رسوم التسجيل، ومرة أخرى نقف نحن الطلاب لنساعد بعضنا ونجمع التبرّعات في ظل مطالبتنا بتعليم مجاني لائق للجميع.
قرارات الإقصاء من السكن الجامعي المحصور بفرع واحد أصلًا، المجالس الطلابية التي لم ننتخبها والّتي تنصّب نفسها علينا حاكمًا وقاضيًا وتمنعنا من المشاركة في التظاهرات الطلابية، التعميمات البوليسية التي تقمع حرية التعبير وإجراءات الطرد الّتي اتخذت بحق الطلاب الذين أبدوا آراءهم على مواقع التواصل الإجتماعي، قانون انتخاب مجلس الطلاب المفصّل على مقاس السلطة والّذي يقصي غير اللبناني منّا، مناهج السلطة القديمة غير المحدّثة المستوردة من بلاد الاستعمار والّتي تغرّب الطلاب عن واقعهم السياسي والاجتماعي والاقتصادي، تصديرنا إلى الخارج حفاظًا على الإقتصاد الريعي المعتمد الّذي ينظر إلى الطلاب والطالبات على أنّهم/ن رأسمال بشري "يضخّ" العملات الصعبة في البلاد، كلّ هذا يجعل الجامعة الوطنية مؤسسةً أخرى من مؤسسات البنية الفوقية للبورجوازيات اللبنانية، وكلّها تقذفنا إلى قلب صراعنا الطبقي، كلّها تؤكّد على ضرورة الإنخراط في الحراك الطلابي الّذي يحمل خطابًا سياسيًا معاديًا للسلطة ورأس المال لنكمل طريق من سبقنا، لنعيد للفقراء جامعتهم الوطنية وحقهم في التعليم المجاني اللائق.
ريم دياب