موازنة الجامعة اللبنانية.. رهينة لسياسات ربابينها!
الدولة هي شخصيّة معنويّة مُجرَّدة، تهدف لتلبية الإحتياجات المختلفة للأفراد. تنشئ هذه الدولة لأنَّ الفرد ضعيفٌ بمفرده ممّا يجعل الإئتلاف ضرورة، ويبلغ هذا الإئتلاف غاياته عندما يشعر المواطن بالإنتماء لا بالحِصار من قِبَل سُلطة مُنحازة لفئة أو طبقة أو حاشية معيّنة. لذلك، يسقط مصطلح "الدولة" هنا، نتيجةً لغياب دور السُلطة اليوم عن تلبية احتياجات الأفراد المختلفة الإقتصادية منها والتعليميّة في ظل واقع معقّد يوحي بإنفجار قريب سنشهد أبرز "سيناريوهاته" في الجامعة الوطنيّة حيث يغيب التخطيط عن طاولات حوار أربابها.
لا يُخفى على أحد أنّ وضع الجامعة اللبنانيّة بطلّابها وأساتذتها بات على المحك لِما يتحمّله هؤلاء من تراكم لأزمات سابقة، يُضاف إليها اليوم أزمات جديدة ما هي إلّا انعكاس لِوضع البلد ككُل. فبعد أزمة التعليم عن بُعد وتقديم الإمتحانات ميدانيّاً، تُشرف الجامعة اللبنانية على خوض مرحلة جديدة مليئة بالعقبات تبدأ مع ازدياد أعداد الطلاب في مطلع العام المُقبل. تضمُّ الجامعة اللبنانيّة سنويّاً حوالي الثمانين ألف طالب يتوزّعون على فروعها كافة، يُضاف إليهم هذا العام عدد إضافي نتيجة توزيع الإفادات على طلّاب الثانوية العامة مما يعني ارتفاع نسب النجاح من معدّل تقريبي لكل الفروع وهو ٨٠٪ الى ١٠٠٪ مقارنةً بالعام السابق. إنّ أغلب هؤلاء الطلاب سيتجه نحو الجامعة اللبنانية نتيجةً للأزمة الإقتصادية الحالية في البلد، كما أنّ الأعداد الإضافية ستتمركز في الكليات التي لا تشهد امتحانات دخول ولا تقبل أعداد محددة. هذه الكليات التي تعاني أساساً من التُخمة، إذ نجد أنّ القاعة الواحدة في كلية العلوم- الفرع الأول (حدت) تضم حوالي الأربعمائة طالب، يجلس بعضهم على مقاعد جانبية حيناً أو يفترش أرض القاعة وأدراجها أحياناً. فأين خطة المسؤولين لحماية حق هؤلاء في الحصول على مقعد ثابت؟
من جهة ثانية سنشهد نزوحاً نحو الجامعة اللبنانية من الجامعات الخاصة بعد دولرة الأقساط فيها وربطها بسعر الصرف، كما سنشهد عودة عدد كبير من الطلاب المغتربين للأسباب السابقة نفسها، نضيف إليها أزمة التحويلات المالية للمغتربين.
إنّ ارتفاع عدد الطلاب يوازيه ارتفاع الحاجة للأساتذة و مراكز التعلّم بمتطلّباتها، في حين أنّ ميزانيّة الجامعة اللبنانية عاجزة عن تغطية هذه التكاليف، إذ ليس بغريب أنّ هذه الميزانية في تناقص مستمر بسبب تهميش السلطة للجامعة واقتطاعها الدائم من ميزانيتها، لتأتي أزمة العملة الوطنية اليوم وتقضي على قيمة هذه الميزانية، في حين أنّ أغلب إحتياجات الجامعة مرتبطة بسعر الدولار.
إنّ هذه الميزانية تنقسم إلى شقّين، الأول يغطي الرواتب والأجور والثاني يُعنى بتأمين المتطلبات من معدّات، أثاث ومازوت وغيره.عن أي شق تتوقّع السُلطة أن نتخلّى لكي نستمر؟
إنّ أسوء ما في سيناريوهات العام المُقبل هو انفصال ربابين الجامعة عن واقع طلابها واساتذتها، إذ أنّ في ظل حُكم الone man show، لا يوجد مَن هو مَعني بدراسة الجوانب الإقتصادية والأكاديميّة والنفسية لهؤلاء، وكأننا غير مقبلين على أزمة تتبلور بعجز الطالب عن تأمين رسوم تسجيله أو تنقّله بعد هذه الصعوبات المادية المتزايدة. عليه، لا بُدَّ من التشديد على ضرورة الإسراع في اتخاذ إجراءات فعلية على الأرض بعيداً عن"بروباغندا" الإعلام الشهيرة، وتتمثّل برفع موازنة الجامعة اللبنانية، البت بملف التفرّغ، دعم مجانية التعليم بشكل رسمي بعيداً عن صناديق العلاقات الزبائنيّة والمحسوبيات، إيجاد اختصاصات جامعية تستوعب كافة الطلاب المقدمين على الجامعة وقيام توازن بين هذه الاختصاصات وسوق العمل كي لا نرفع من نسبة بطالة المتعلّمين، وأخيراً توظيف خبرات واختصاصات الجامعة اللبنانية في المؤسسات الوطنية بدلاً من التعاقد مع الشركات الأجنبية.
بعد العودة الى تاريخ قيام الجامعة اللبنانيّة، نُدرك أنّ بداية الحل تكمن بتوحّد الحركات الطلّابيّة ما بين قديم ووافد، في ظل حُكم سلطة لطالما رجّحت كفّة القطاع الخاص على القطاع العام لما يحمله الأول من منفعة مادية وزبائنيّة وإيديولوجيّة عليها. لذا، إنّ بقاء الجامعة اللبنانية هو مسؤوليتنا نحن، عسكر هذه الجامعة المواجه لمن يحاول اسقاطها.