طلاب اللبنانية في مواجهة ميدانية مع كورونا-سكينة بسما مميز

طلاب اللبنانية في مواجهة ميدانية مع كورونا

في لبنان فقط، نرى الأرقام أضعف من أن تعكس دقّة الواقع. فبعد أن أخذت أرقام حسابات الناس المصرفيّة صفة الوهميّة مقابل ما تبقّى لها فعليّاً في المصارف، نتصادم يوميّاً مع تفاوت هائل في أعداد الإصابات المسجَّلة في صفوف المقيمين والوافدين بوباء كوفيد ١٩. الأمر الذي يؤكّد غياب أي رؤية واضحة لما سيؤول اليه الوضع الصحي في الأشهر القادمة، إذ نجد عملية تخفيف التعبئة العامة بمرحلتها الثالثة في تجدّد مستمر، في حين توظّف السُلطة طاقاتها الضئيلة في تحرير مخالفات لضبط الشوارع متناسيةً حقوق شعبها المهدورة من مُياوم، إلى أستاذ، وصولاً لطالب، لِما لذلك من تعارض مع مصالح أصحاب النفوذ فيها.

في حين تُعلن أغلب الجامعات الخاصة تعديل روزناماتها السنوية، مُنهيةً عامها الدراسي إلكترونيّاً، يتّجه أصحاب القرار في الجامعة اللبنانية بمعظم كلّياتها وفروعها نحو العودة الى الحياة الجامعيّة ما بين شهري حزيران وتمّوز لإستكمال الفصل الثاني من العام الجامعي بشقّه التطبيقي وتقديم الامتحانات النهائية بدوراتها الأولى والثانية. هذا ما يجعل الطلاب في مواجهة ميدانية مع الوباء، مخيَّرين ما بين ممارسة حقهم بالتعلّم في كنف الجامعة الوطنية أو حماية صحتهم الجسدية والنفسية كما صحة عائلاتهم. من هنا، إن سلّمنا بقدرة هؤلاء الطلاب سابقاً على متابعة تعليمهم عن بُعد, بعيداً عن حقيقة وجود عثرات متعددة بسبب ضعف في البنى التحتية اللازمة من جهة وإهمال وزارات التربية والاتصالات لصرخات الطلاب من جهة أخرى، تبقى المشاكل التي سيواجهها الطلاب خلال عودتهم للحياة الجامعيّة متراكمة. ومع أن الجهات المسؤولة تطمح الى هندسة العودة ضمن أساليب وقائية، إلّا أنّ الطالب يصبح عِرضة للمرض منذ لحظة خروجه من منزله، نتيجة حاجته لارتياد النقل العام الغير آمن حيث تغيب سبل الوقاية الضرورية والتعقيم اليومي للمقاعد والابواب ، وصولاً الى الحرم الجامعي حيث أعداد الطلاب هائلة في العديد من الكليات، نذكر منها كل من كلية العلوم وكلية الحقوق والعلوم السياسية في مجمّع الحدث، حيث يصل عدد الطلاب الى المئات في السنة الدراسية نفسها مما يعيق تحقيق التباعد الاجتماعي المطلوب وفقاً لبيانات منظمة الصحة العالمية داخل كلّية ذو مساحة ثابتة وعدد محدود من المداخل. وإن تحقق دخول الطلاب الى القاعات بأقل خطر ممكن، يبقى كل من الطالب والمُحاضر المراقب عرضة للفيروس عبر الورق المتناقل بين غرف التصوير و قاعات الامتحانات. من داخل كليّات الجامعة ننتقل الى المجمّعات السكنيّة بغرفها المشتركة ومداخلها العامة،حيث يستحيل الحد من الاختلاط بين ابنائها الذين بدورهم يعودون في نهاية كل أسبوع للاختلاط بعائلاتهم.

إنّ كل ما ذُكر سابقاً، يندرج في إطار الوضع الصحي، في حين لا يغيب عنا وجود واقع اقتصادي مُرهق عند الشعب اللبناني عامةً و طلّاب الجامعة اللبنانية - جامعة الفقير، خاصةً. لتأتي العودة بما يترتب معها من نفقات مادية على الطالب من سكن جامعي اختلفت اسعاره نتيجةً لانهيار العملة الوطنية واستيفاء إيجارات أغلب المجمعات السكنية بالدولار ، الى تكاليف النقل العام والخاص اليومية والأسبوعية، كما تكاليف الأدوات الوقائية اللازمة من كمامات ومعقّمات وغيرها، وصولاً الى ضرورة شراء أدوات للعمل التطبيقي في بعض الكليات، نذكر منها كلية الفنون وكلية طب الأسنان، هذه الأدوات التي اختلفت اسعارها ايضاً نتيجة عدم تثبيت سعر صرف الدولار مضيفةً عبئاً جديداً على كاهل الطلاب وأهاليهم. وأخيراً، الصعيد النفسي المُهمّش دائماً من قبل المعنيين، وكأن صحّة الطالب النفسية ليست أولوية لقدرته على التعايش مع حقيقة وجود مرض منتشر في المجتمع كما الاستمرار في العمل ضمن واقع يضحد يومياً تطلّعاته للغد لما يغرق به هذا الوطن من مستنقعات نتيجة سياسات هذه السلطة .

إنّ جوهر مشاكل الطلاب اليوم، هو عجز هذه المشاكل عن إيجاد صوت قوي ينادي بها، بعد شرذمة السُلطة للاتحاد الوطني لطلاب الجامعة اللبنانية عند انتهاء الحرب الاهلية، هذا الاتحاد الذي جسّد حركة نقابية مثّلت حق الطلاب بالتصويت في مجلس الجامعة، كما ساهمت في انتزاع حقوق الطلاب من السُلطة في الشوارع. إنّ هذا الغياب لصوت الطلاب في اتخاذ القرار، يجعل من جديد طلاب الجامعة اللبنانية رهينة السلطة بهندساتها السياسية القائمة بناءً على مصالح حزبية لا مصالح طلابية شعبية، إذ نشهد احتكار المسؤولين لحق اتخاذ القرار، بدون العودة لمرجعيّة واضحة تمثّل الطلاب باختلافها، بعد غياب الانتخابات الطلابية عن الكليات لحوالي الإحدى عشر عاماً، تاركةً حق التمثيل للمجالس الطلابية نفسها، الأمر الذي يُفقد هذه المجالس شرعيتّها لعدم انبثاقها بناءً على أصوات الطلاب الحاليين ورغبتهم.

إنّ أزمة الجامعة اللبنانية ما هي إلا صورة مُصغّرة عن أزمة هذا البلد، كما أنّ أزمة طلّابها ما هي إلا صورة مصغّرة لأزمة الشعب الذي تم تفقيره. ويبقى استقلال النقابات- عكّاز الشعب، هو الخطوة الأولى لقيام وطن.

الأكثر قراءة