ـ«دافــع عــن لقمــة عيشــك»: لبنان أيضاً «يريد إسقاط النظام»ـ

السفير: جعفر العطاركانوا، بالأمس، يثورون على فقرهم كما في كل مسيراتهم. يتظاهرون على رموز نظامهم في بلادهم. لقد ناموا على ثورة في تونس، واستيقظوا على أخرى في مصر، ثم تذكّروا واقعهم كلبنانيين. لكن مسيرة الأمس، لم تكن كسابقاتها: فقد ضمّت المئات من ناشطي «اتحاد الشباب الديموقراطي» يهتفون، في شوارع بيروت «الشعب.. يريد.. إسقاط النظام».في مسيرات الاتحاد الدورية، والتي تنوعت عناوينها بين «أنت في خطر» وبين «دافع عن لقمة عيشك» و«دفاعاً عن الرغيف المسلوب»، كان المارة يقابلونهم بنظرات استغراب وشفقة، كأنهم يقولون لهم «مساكين أنتم. هذا لبناننا وسيبقى هكذا». أما هم، العشرات، فكانوا يبتسمون ابتسامات الطموح، والجموح عن الفساد، والثورة على النظام.بالأمس، انطلقوا من أمام تمثال الشهيد جورج حاوي، وجابوا شوارع بيروت مروراً بمار إلياس، وصولاً إلى مبنى السرايا الحكومية. وقبل يوم واحد، كانوا يشاركون في نصرة الشعب المصري الثائر على نظامه، بشعارات ثورية رفعوها قبالة السفارة المصرية. هناك، طالبوا بـ«العيش»، رغيف خبز المصريين، وهنا يطالبون بخبزهم.من شرفاتهم، أطلّ الأهالي بحثاً عن مصدر الصوت. حيّوا الشبان ولاقوهم. منهم من نزل والتحق بهم، ومنهم من ردّد الشعار «الشعب.. يريد.. إسقاط النظام». المئات يمشون تحت زخات المطر القوية، وهناك سيدات طاعنات في السنّ يوزّعن قصاصات من الورق بعنوان «إلى شباب لبنان».تقول قصاصة الورق المبتلة بالمطر: «لأننا نبحث عن أجوبة حول واقعنا، ولأننا لسنا أبناء طوائف، ولسنا منخرطين في الصراعات المذهبية والطائفية التي لا تخدم إلا الطبقة السياسية الحاكمة، غير العابئة بهموم الناس ومشاغلها الحقيقية، فإننا نبحث عن أفق وإمكانيات تحسينه».محاصرون بالقوى الأمنية، وأمطار غزيرة، استكملوا سيرهم وسط نظرات وزعها المارة، كأنها تتضامن معهم. نظرات أمل زُرع بعد ثورة «الياسمين» وانتفاضة أبناء عبد الناصر. «يكفينا جوع.. ويكفينا ذل» يردّدون، ومعهم رغيف خبز يعلو في الهواء مبتلاً بحبّات المطر.يصدح صوت الزغاريد، متداخلاً مع أصوات الأناشيد الثورية. تدلّ وجوه الشبان على ثقة بالنفس ازدادت إلى رصيدهم، فازدانت بثوب طويل يضمّ المئات. ثوب يستطيع أي «زعيم» لبناني أن يحيك ما هو أكبر منه حجماً، ما إن يرفع قبضته عالياً ليطالب برحيل «زعيم» خصم له. وما إن يرفع قبضته، حتى يضمّ الآلاف في داخله. غير أن مئات الأمس، كانوا يطالبون برحيل كل «الزعماء».ينضم إلى المسيرة، عند مار الياس، شبان مصريون كان قد سبقهم الصحافي التونسي منصف بن علي. تغرورق عينا سيدة أربعينية بالدموع، وقفت للتو عند مدخل مبنى قديم. تقول، بصوت حزين «الله يحميكن». يزداد هطول المطر، وتشتد قوة العواصف، ويزداد معهما عدد المشاركين.ينتصف النهار، مع مرور ساعة من السير. يشبه المشهد، في أسلوب سيرهم وطريقة تعبيرهم عما يعانون وماذا يريدون، مشهد نزول أبناء محافظة سيدي بوزيد في تونس. تصل الحشود إلى النفق المحاذي للسرايا الحكومية، حيث انتشرت عناصر القوى الأمنية بأعداد مضاعفة للمسيرات السابقة. كأنهم كانوا يعرفون بأن ثورة مصر ستدفع بعض من كان يلازم المنازل، إلى النزول إلى الشارع، من دون انتظار تلويحة يد من «الزعيم».يقول رجل ستيني، التحق بالمسيرة من مار الياس، لصديقه: «أبناء الطوائف والمذاهب يلازمون منازلهم، وينتظرون أوامر أحزابهم». يقولها بنبرة تعبّر عن فرحة، كمن يميّز نفسه عن أولئك. يسأل الرجل شاباً عشرينياً: «من سيسقط النظام؟»، فيجيبه مبتسماً «نحن.. نحن!».يطلب أحد منظمي التظاهرة من المتظاهرين، أن يقفوا قبالة نوافذ السرايا «حتى يشاهدونا». يرتفع صوت النشيد اللبناني. ثمة حماسة واضحة على وجوه المشاركين. يتأملون وجوه بعضهم البعض.تبدأ الكلمات، مطالبة «الزعماء» بالرحيل وإلغاء النظام الطائفي. كلمات تتوعد ببناء وطن على ركام «الطغاة». يتحدثون بحماسة تحمل في حروفها ثقة بالنفس وإيماناً بالتغيير. فهؤلاء، تعودوا على النزول إلى الشارع وحدهم، بالعشرات.يقولون إنهم يتحركون «نتيجة للتحدّيات الكبيرة والهواجس الكثيرة التي يعيشها المواطن اللبناني، بفعل السياسات الاقتصادية التي يشوبها الكثير من الخلل، والتي أنتجت مديونية هائلة تجاوزت كل الخطوط الحمر الاقتصادية».من الهمّ اللبناني، انتقلت كلمة «الاتحاد» إلى تونس ومصر: «نجتمع اليوم وفي جعبتنا بعض الرسائل. أولها للوزير الأول الغنّوشي، فنقول له لا مكان أمثالك في تونس بعد الثورة. وثانيها لحسني مبارك. فنسأله ماذا نقول فيك، والرئيس عبد الناصر خرجت لأجله الملايين عندما قرر التنحي عن الحكم، مطالبين بعودته».بالأمس، حملوا رغيف خبزهم، ومشوا في شوارع بيروت. لم يكونوا عشرات. ولم يرددوا اسم «زعيم» ما يزال متربعاً على «عرشه».تنفسوا هواء مصر، وأريج «الياسمين»، فسكنت الحماسة في نفوسهم. رفعوا رغيف خبزهم، ثم حملوه إلى السفارة المصرية، كمن يبحث عن وطن...

آخر تعديل على Wednesday, 08 February 2012 08:37

الأكثر قراءة