اختفت وجوه شبابية عديدة من 14 آذار. شباب نشط وحرك وناضل عام 2005، وإذ به اليوم يعتكف ويراقب. خيبات تلو أخرى وسوء تنظيم وإدارة متواصل. لا مكان للشباب في ثورة الأرز. القيادة تخطئ، فتؤكد العودة إليهم في بحث متواصل عن «الجذور»
نادر فوزأين القيادات الشبابية لـ14 آذار 2005؟ معظمها لم يُلمح في البيال أمس. تجلس معظم هذه القيادات اليوم في منازلها، تراقب عن بعد ما يحصل داخل 14 آذار وعلى الساحة السياسية. هي وجوه حرّكت الجامعات والطلاب ونظّمت سير الأمور في ساحة الشهداء قبل 7 أعوام. الوجوه باتت بعيدة عن المشهد، ولو أنها ناشطة «فايسبوكياً» وفي النقاشات الضيّقة.
منها من اعتكف عن حضور الذكرى السابعة لاغتيال رفيق الحريري، ومنها من تراجع قبل مدة نتيجة «الخيبات المتتالية». لا نعني بهذه الخيبات 7 أيار أو خروج 14 آذار من السلطة حصراً، إنما تمتدّ على ما هو في صلب علاقة الشباب بقيادتهم ومراكز القرار السياسي.. أم باتت لكل من هؤلاء الشباب اهتمامات ومسؤوليات جديدة؟من المؤكد أن المشكلة ليست في كون أن «العيال كِبرِت» وباتت لها التزامات تجاه نفسها وعائلاتها، بل المشكلة في 14 آذار نفسه. في عناوينه ومشروعه وأسلوب عمله ومنطق تفكيره.بعض من شباب 2005 الذين حضروا المهرجان أمس يعترفون بأنه «حضور بروتوكولي، واجب». وهذا الواجب ما كان ليلبّى لولا أنّ «سوريا» حاضرة في الكلمات والوجهة السياسية. لكن من يصرّ على الاعتكاف ينظر إلى المسألة من منظار آخر: حتى لو حضر الملف السوري، من يضمن أنّ القيادة لن تخطئ في معالجته كما فعلت في معظم الملفات الأخرى؟غابت أمس الوجوه الثلاثينية أو المشارفة على الثلاثين، وحلّت مكانها أخرى عشرينية. لا يعني ذلك أنّ ثمة تجدداً في حركة 14 آذار، بل أنّ البعض قرر إخلاء مواقعه. ثمة ملاحظات على كل شيء في 14 آذار 2012. في الشكل، يوجد تشكيك في الشعارات المستجدة حول انتفاضة الاستقلال والربيع العربي. يرى بعض المعتكفين أنّ في ذلك «استقواءً بعضلات الغير» وتبجّحاً بالريادة اللبنانية.في المضمون، مشاركة المجلس الوطني السوري في ذكرى اغتيال الحريري برّدت الأجواء قليلاً. لكن التساؤلات مستمرة: «لماذا لم يحضر ممثل عن المجلس؟» إذا كان السبب «لدواع أمنية»، فذلك يعني «أننا عاجزون وخائفون ولن نجرؤ على أي خطوة أكبر من هذه». وإذا كان «الأمن» بدعة وجدها البعض، فذلك يعني أنّ قيادة 14 آذار لا تزال تنتظر الموقف الغربي من المجلس وتنتظر نيله الشرعية من هناك. وبذلك «هي تربط نفسها بالمشاريع الدولية وأنّ تطوّرها مرهون بهذه الأجندات». أما أحد القياديين الفاعلين في تيار المستقبل فيقول انّ العلاقة بالمجلس الوطني تتّجه إلى المزيد من الزخم، واضعاً مهلة «الأسبوع الأخير من شباط» ليتم ذلك.يقول أحد المعتكفين أنّ جزءاً من قيادة 14 آذار عرقل التمثيل الفعلي للمجلس في احتفال أمس، لأهداف شخصية. يعني ذلك أنّ هذا الجزء فرض على المعارضين السوريين قراراً. يضيف: «تماماً كما تفرض القيادة الأشياء على جمهورها».قبل عام، في شباط 2011، قال الرئيس سعد الحريري انه حان موعد «العودة إلى الجذور»، إلى الناس. وإذ به في شباط 2012، يكرّر الأمر نفسه، معلناً تحمّله المسؤولية عن الأخطاء التي ارتكبت. يعني ذلك أنّ عاماً من «العودة إلى الجذور» لم يصلح شيئاً وأنّ الأخطاء مستمرة وتتراكم.كلام الرئيس الحريري لم يعد يقنع الجميع. ومن عايش ثورة الأرز عن قرب في ساحة الشهداء، يندفع اليوم إلى الحركة بعيداً عن التنظيم والإعلام والمناصب والاجتماعات المملة، فيتّجه معظم المعتكفين إلى الأماكن «الصعبة» ويناضلون بما يرونه مناسباً: في تقديم المساعدات الطبية للاجئين السوريين، في متابعة أخبار التنسيقيات السورية، في دعم الحراك السوري إلكترونياً.شعار شباط 2012 كتبه الشهيد سمير قصير: «ربيع العرب حين يزهر في بيروت إنما يعلن أوان الورد في دمشق»، لكن من المعتكفين من يحذّر من «نحمد القدر أن مصير الثورات تلك لم يكن مثل مصير حركة 14 آذار».
أوّل اطلالة له في أرض عربيّة
بعد سنوات من الغياب قضاها في التبشير والإنشاد الديني، يقف كات ستيفنس مجدداً على الخشبة، انطلاقاً من الدوحة ثم بيروت. المغني البريطاني الإشكالي الذي تعرّض لحملات إعلامية وقضائية مختلفة بسبب اعتناقه الإسلام، يحمل رسالة أمل إلى المنطقة المضطربة
بشير صفيرللمرّة الأولى في مسيرته كمغني بوب ــ روك، يزور يوسف إسلام (كات ستيفنس) المنطقة العربية لإحياء حفلتيْن تاريخيتيْن، الأولى في قطر (مساء الغد)، والثانية في بيروت مساء السبت المقبل في مجمّع BIEL (بدعوة من «مهرجانات بيت الدين»). زار الفنان البريطاني الإشكالي منطقتنا مرات عدة، لكنها ستكون إطلالته الفنية الأولى بعد سنوات من الابتعاد عن عالم الغناء، قضاها في التبشير بالدين الإسلامي، وإنشاد النصوص الدينية من دون آلات موسيقية باستثناء الإيقاعية منها.
اسمه الأصلي ستيفن جورجيو، ولد في بريطانيا عام 1948، لأم سويدية وأب قبرصي يوناني. غيّر ستيفن اسمه مرتين. في الأولى، أصبح كات ستيفنس، وفي الثانية يوسف إسلام.
من هو كات ستيفنس؟ إنه الفتى الموهوب في كتابة الشعر والموسيقى والعزف على الغيتار والغناء. دخل عالم الفن عام 1966، فاتخذ اسماً فنياً، وراح يصدر الأغنيات الخاصة المستقلة. بين 1970 و1971، أطلق ألبوميْ Tea for the Tillerman وTeaser and the Firecat اللذين يعدّان من أهم ألبوماته. موسيقياً، تندرج أعماله في خانة البوب ــ روك ــ فولك البريطاني، بين نفَس هادئ ورومانسي عموماً. أصوله لوالده تدفعه في مرات نادرة إلى تطعيم أعماله بالنكهة اليونانية الشعبية، نغمةً ولغةً أيضاً، إضافةً إلى إدراجه آلة البوزوكي التقليدية (كما في أغنية Rubylove). أما نصوصه، فعاطفية أو وجدانية شخصية، تنطق بالسهل الممتنع أو بالسهل البسيط أحياناً، أو تدعو إلى السلام والتغيير والتآخي على طريقة Imagine لجون لينون.منذ مراهقته، اهتم ستيفنس بالروحانيات. عام 1976، زار شقيقه القدس، وأتى له بنسخة من القرآن كهدية في مناسبة عيد ميلاده الـ28. ويقال إنّ ميول الفنان الشاب الروحانية تعزّزت بعد نجاته بأعجوبة من غرق محتوم. وما كان تعمّقه في الآيات القرآنية، إلّا المحفّز النهائي ليضع حدّاً لحياة الشهرة. هكذا اختار اسم يوسف إسلام.من هو يوسف إسلام إذاً؟ اعتنق كات ستيفنس الإسلام عن قناعة تامة عام 1977، وغيّر اسمه ليتناسب مع حياته الجديدة والمختلفة جذرياً عن ماضيه. راح يبشّر بدينه الجديد، ويعمل على وضع الأناشيد الدينية وأدائها، وتوزيع عائدات نشاطه المادية على ضحايا الحروب والكوارث الطبيعية، وخصوصاً الأطفال واليتامى. هكذا بات رسول السلام والخير، فحاز العديد من التقديرات لجهوده الإنسانية، من جهات إسلامية ومدنية حول العالم. عندما اعتنق الفنان الإسلام في السبعينيات، لم تكن العنصرية الغربيّة تجاه المسلمين قد اشتدّت. صحيح أنّ جذور القضيّة قديمة، إلا أنّها لم تأخذ منحى متطرّفاً كذلك الذي شهدته أوروبا وأميركا بعد هجمات 11 أيلول 2001. معتنق الإسلام هو في أحسن الأحوال بريء حتى تثبت إدانته. وفي أسوئها متّهَم حتى تثبت براءته. وفي أظلمها إرهابي. واجه يوسف إسلام كلّ أنواع التمييز والإدانة، بسبب خياره الشخصي في اعتناق الإسلام. في 2004، مُنع صراحة من دخول أميركا بتهمة الإرهاب، استناداً إلى تقرير إسرائيلي ملفّق يتّهمه بدعم حركة «حماس». وساد الظنّ أنّ الاتهام مبنيّ على زيارته إلى فلسطين عام 1988 دعماً للانتفاضة التي انطلقت رداً على ممارسات الجيش الإسرائيلي الوحشية تجاه الأطفال والنساء. ولتوضيح هذه المسألة، كتب يوسف على موقعه الرسمي: «يومها لم أكن قد سمعت باسم «حماس». وعلمت لاحقاً أن «حماس» لم تكن آنذاك مصنّفة كمنظمة إرهابية من قبل إسرائيل، التي كانت تدعم هذه الحركة على نحو غير مباشر لكونها مناهضة لياسر عرفات».من جهة ثانية، جلب له اعتناقه الإسلام مشاكل من نوعٍ آخر، لكنّها عادت على مشروعه بالفائدة في النهاية. تعرّض مراراً لحرب إعلامية، أبرز فصولها قيام صحف أميركية بنشر مقالات مزوّرة باسمه، لتشويه سمعته، كالقول إنه صرّح برفضه التحدّث إلى نساء غير محجّبات. غير أنّه ربح كل الدعاوى في هذه القضايا، وكان يجيِّر التعويضات المالية الناتجة عنها للأعمال الخيرية. كلّ هذه الممارسات لم تثن يوسف إسلام عن تأدية رسالته. في عام 2009 استعاد مع الموسيقي الألماني المخضرم وصديق الـ «بيتلز»، كلاوس فورمان، أغنية The Day the World Gets ‘Round لعضو الفرقة المذكورة الراحل جورج هاريسون، وعاد ريعها لعائلات قطاع غزة.من جهة ثانية، شهد عام 2006 تغيّراً طفيفاً في قناعاته. بعد امتناعه عن إنتاج البوب منذ أواخر السبعينيات، أطلق الفنان البريطاني ألبوماً بعنوان An Other Cup بعد نحو ثلاثة عقود على آخر إصداراته في هذا المجال. في مطلع آذار (مارس) الماضي، وبعد انطلاق الربيع العربي في تونس ومصر، طرح يوسف إسلام مجاناً على الإنترنت، أغنية بعنوان «شعبي» My People، مطالباً بالسلام، وبالكرامة والحرية للشعوب العربية الرازحة تحت أنظمة الاستبداد. قد لا يكون كات ستيفنس رمزاً فنياً عظيماً، إلا أنّ يوسف إسلام سيبقى شخصية استثنائية طبعت تاريخ الصراع بين الشرق والغرب.
يفيض الحديث مع عائلة جورج عبد الله عن مغالطات قانونية وقضائية تشوب محاكمته ومنها:
- اكتشاف أن محاميه الأول جورج جان بول مازورييه يتعاطى المخدرات وتم ّتجنيده من جانب الأمن الفرنسي، ثم تمّ طرده من نقابة المحامين.
- تأكيد الرئيس السابق لجهاز الاستخبارات الفرنسية إيف بونيه (دي إس تي) أنّه «لم يكن لدينا أدلّة مهمّة ضدّه، فقط أوراق مزوّرة وضبطنا أسلحة ومتفجرات».
- استيفاؤه كل الشروط المطلوبة للإفراج عنه (السلوك الحسن داخل السجن، وجود من يقدم المساعدة له في حال الإفراج عنه، يتمتع بقدرات لممارسة مهنة، أن لا يشكل خطراً على المجتمع الفرنسي لا سيما أن الحكم الصادر بحقه يقضي بترحيله إلى لبنان، والوضع النفسي السليم).
- اتخاذ محكمة الإفراج المشروط في مقاطعة بو الفرنسية قرارا بالإفراج عنه، لكنّ النيابة العامّة استأنفت الحكم بناء على طلب وزير العدل الفرنسي وقتذاك، ما أدّى في النهاية الى نقض حكم محكمة بو.
- تلكؤ السلطات اللبنانية الرسمية في الرد على استفسارات القضاء الفرنسي للسير في الإفراج المشروط من خلال تأمين جواز سفر له.
- ملف جورج عبد الله سيكون قريباً في عهدة قاضي تنفيذ الأحكام، ولجنة إعادة النظر بالأحكام. ويفترض أنها فرصة جديدة وجدية للإفراج عنه، بعدما تقدم بطلب جديد للافراج المشروط عنه.. هو الثامن من نوعه.
تعهّد الرئيس نجيب ميقاتي بطرح ملف المعتقل السياسي في السجون الفرنسية، جورج إبراهيم عبد الله. وفي حال وفى ميقاتي بوعده، يكون أول سياسي ورجل دولة لبناني يأتي على ذكر هذا الاسم أمام السلطات الفرنسية، منذ اعتقال جورج عبد الله في تشرين الأول 1984. مستشارو الرئيس يؤكدون أنّ هذه القضية موجودة على جدول أعمال الرئيس في زيارته الباريسية.الديبلوماسيون الفرنسيون في بيروت يفضّلون عدم سؤالهم عن هذا الملف. لكن عند الإصرار يشيرون إلى أنّ القضية مطروحة باستمرار في لبنان، وأخيراً في فرنسا. يعتقدون أنّ ميقاتي سيطرحها خلال زيارته. وماذا بعد ذلك؟ يضع الفرنسيون قفازاتهم من جديد، ويجيبون: بعد إثارة الملف رسمياً، سيترتب على ذلك إجراءات قانونية وقضائية. عساه خيراً. مع العلم أنّ وزير الخارجية، عدنان منصور، سبق أن أرسل كتاباً حول الموضوع إلى السفارة اللبنانية في باريس، لتنقله بدورها إلى الخارجية الفرنسية لوضع هذه القضية على جدول أعمال ميقاتي.
أما على صعيد أصدقاء عبد الله واللجنة الدولية لإطلاق سراحه، فالأمور واضحة وعبّر عنها أمس شقيق المعتقل، جوزف عبد الله. شكر الأخير الدعم اللبناني الذي بدأ يظهر والدعم السياسي من قبل بعض الجهات السياسية، «لكن على الرغم من ذلك، نحن مستمرون بالضغط على فرنسا بالسبل الديموقراطية والمعنوية، بيانات واعتصامات لحين إطلاق سراح جورج». وفي نشاط أقامه اتحاد الشباب الديموقراطي في مركزه في مار الياس أمس، تحدث جوزف لأول مرة بتفاؤل محافظاً في الوقت نفسه على ضرورة عدم تهدئة الملف. وتماشياً مع موقف جوزف، دعا ممثل «اتحاد الشباب» في اللجنة الدولية لتحرير جورج، حسن صبرا، إلى اعتصام يوم الأربعاء في 15 شباط، أمام السفارة الفرنسية في بيروت، لتأكيد «الحرية لجورج إبراهيم عبد الله».
الاربعاء ٨ شباط ٢٠١٢يوماً بعد آخر، تظهر مؤشرات جديدة على كيفية تعامل رئيس مجلس إدارة شركة طيران الشرق الأوسط كشركة عائلية خاصة، زرع فيها موظفين من أقاربه وأصدقائه للسيطرة على أغلب مفاصلها. وقد أدى هذا الأمر إلى بروز عدد من المخالفات، ومنها ما بات يُهدّد سلامة الطيران المدني في لبنان وسمعة الشركة، بحسب مسؤولين فيها. في جديد «الشركة» إقامة مبنى لتدريب الطيارين داخل حرم المطار، علماً بأن الحرم نفسه يضم مبنى آخر مشيداً منذ سنين، يبعد عن المبنى المنويّة إقامته مسافة مئات الأمتار. لا أحد يملك الإجابة عن السبب وراء إقامة مبنى جديد لاستخدامه مركزاً للتدريب، وخصوصاً أن عدداً من الطيارين يؤكّدون أن مساحة المبنى القديم كافية لاستيعاب مركز تدريب متطوّر، وأن جلّ ما يحتاجه هو التجهيزات الحديثة. لكن الحوت، لغاية لا يعلمها غيره، قرر تشييد مبنى جديد. بدأ ذلك المخطط منذ عامين. هذا نظرياً. أما عملياً، فما جرى خلال العامين الماضيين هو عمليّة سحب رمول من المنطقة. وبحسب موقع شركة طيران الشرق الأوسط على شبكة الإنترنت، يُعيد مركز التدريب تجديد نفسه حالياً «من خلال مراجعة لمهماته ووظائفه وتجهيزاته ليضم أحدث تقنيات التدريب المحترف في قطاع الطيران التجاري».في الأيّام القليلة الماضية، أرسلت نقابة مستخدمي وعمّال شركات الطيران في لبنان، رسالة إلى كلّ من رئيس الجمهوريّة ميشال سليمان ووزير الداخليّة مروان شربل ووزير السياحة فادي عبود تتحدّث فيها عن سحب الرمول بكميّات كبيرة. وبيعت هذه الرمول إلى ورش البناء، وآخر عمليّة سحب حصلت قبل أيّام، بعد أن ظنّ العاملون في المطار أن العمليّة قد توقّفت.وحتى اللحظة، فإن الحفرة التي تُسحب الرمول منها باتت على النحو الآتي: الطول 200 متر، العرض 75 متراً والعمق 15 متراً. وبعمليّة حسابيّة، فإن كميّة الرمول المسحوبة تبلغ 225 ألف متر مكعّب. وبحسب المعنيين بقطاع البناء، إن معدل سعة كميون الرمل هو 20 متراً مكعّباً، كذلك إن المعدّل الأدنى لسعر المتر المكعّب هو 20 دولاراً أميركياً، بحيث إن سعر الكميون هو 400 دولار. وبقسمة 225 ألف متر مكعّب على 20 متراً للكميون، هناك 11250 كميوناً من الرمل سُحبت من مطار بيروت، ويبلغ معدّل سعر هذه الكمية أربعة ملايين ونصف مليون دولار.لا يقف الأمر عند هذا الحدّ، بل إن من ضحايا هذا المبنى المشتل الخاص ببلديّة بيروت الذي نُقل إلى منطقة قصقص، رغم أن السيدة رلى العجوز، المسؤولة عن اللجنة البيئيّة في عهد البلديّة السابقة، والمقربة من شركة طيران الشرق الأوسط، كما قالت بنفسها، تؤكّد أن هذه الأرض ملك مطار بيروت، وليست للبلديّة.حاولت «الأخبار» الاتصال برئيس مجلس إدارة طيران الشرق الأوسط محمد الحوت، لكن الأمر تعذّر بسبب وجوده خارج البلاد. كذلك، قال العاملون في مكتبه، في اتصال هاتفي إنهم لا يعرفون شيئاً عن موضوع الرمول ولا يُمكنهم تقديم أي إجابة.لكن في أوساط العاملين في مطار بيروت، هناك من يقول إن إدارة الشركة صرفت النظر عن بناء مركز التدريب، ويستدلون على ذلك بأن المتعهّد لم يقم بأي خطوة عمليّة غير سحب الرمول من فترة إلى أخرى.لا يقف الأمر في مطار بيروت عن حدود الرمول؛ فهناك الموظفون العاملون في شركة ترانس الصايغ للحمولة، وهي التي لُزِّمت نقل الأمتعة داخل المطار من قبل شركة MEAS التابعة لشركة طيران الشرق الأوسط (التي يرأس مجلس إدارتها النائب غازي يوسف الذي لا يحضر إلى مقر الشركة إلا نادراً كما يقول عدد من العاملين في المطار. وإضافة إلى ذلك، ثمة رأي قانوني يرى في تسلم يوسف رئاسة مجلس إدارة شركة رأسمالها من المال العام مخالفة واضحة للقانون الذي يمنع الجمع بين النيابة ورئاسة مجلس إدارة شركات مماثلة). وتتلقى شركة ترانس الصايغ مبلغاً شهرياً قيمته 155 مليون ليرة شهرياً بدل رواتب لـ160 عاملاً في الشركة. إلى هنا كلّ شيء جيّد. لكن شركة ترانس الصايغ لا تدفع لهؤلاء رواتبهم، والحجّة أنهم يتلقون أجرة من الركاب مقابل نقل أمتعتهم، علماً بأن الموظفين في هذه الشركة يرفضون التحدّث عن هذا الواقع؛ لأن ما يجنونه شهرياً يفوق بأضعاف ما كانوا سيحصلون عليه من الشركة.
تصادف غداً الذكرى الثامنة لإنجاز احدى عمليات تبادل الأسرى بين حزب الله واسرائيل. عملية تنفّس إثرها أنور ياسين حريته، بعد أسر طال سبعة عشر عاماً. لكن ماذا عن والدته التي أوصلت قضيته ابنها ورفاقه إلى آخر مدى؟ اين هي أجمل الأمهات، جميلة ناصر؟
يمرّ شهر كامل ونحن ننتظر والدة الأسير المحرّر أنور ياسين، لتنزل من بلدتها الدلافة (قضاء حاصبيا)، فنلتقيها في بيروت أو صيدا. وقد اخترنا هاتين المدينتين، لاعتقادنا أنها لا تزال تقصدهما باستمرار لزيارة أولادها وعائلاتهم فيهما. لكن الشهر مرّ ولم تترك «أم علي» الضيعة.. حتى نصحنا أنور بأن نقوم نحن بزيارتها في الدلافة، كي لا تدهمنا الذكرى الثامنة لتحريره ونحن لا نزال ننتظر اليوم الذي ستترك فيه قريتها الهادئة وبيتها وحقلها الصغيرين وتعود إلى ضوضاء المدن. قررنا زيارتها يوم الإثنين الفائت الذي صادف التاريخ الذي علم فيه أنور بخبر الإفراج عنه من قبل مندوب الصليب الأحمر الدولي. فهل شكل ذاك التاريخ بداية «نهاية» أيقونة أمهات الأسرى واستعادتها لهويتها، بأنها السيدة جميلة ناصر وحسب؟
الطريق إلى الدلافة تمتد لأكثر من مئة كيلومتر. الساعة والنصف التي كانت تفصلنا عن لقاء أم أنور، جعلتنا نغرق في تخيّل حالها بعد ثماني سنوات من ابتعادها عن الأضواء. كيف تمضي وقتها في منطقة نائية بعدما كانت تتنقل بين المناطق اللبنانية حاملة قضية ابنها ورفاقه، وشاركت في مئات الأنشطة والاعتصامات طوال سبعة عشر عاماً؟ هل صنعت لنفسها في الدلافة تجربة تجعل منها «المختارة» بين الأهالي، كما كانت أيقونة خلال دورها في الحركة الأسيرة في لبنان وفلسطين المحتلة والعالم؟ تأخذنا الأفكار فنتخيلها «أبو ملحم» الدلافة التي يشاورها الجميع في شؤون عامة وخاصة. هل قادت النسوة إلى مشروع تنموي أم أسست تعاونية زراعية وحرفية؟. تلك السيدة التي قابلت شخصيات ودخلت مقارّ ومجالس يسمع عنها أهل القرية من وسائل الإعلام فحسب. نتساءل، بعدما كانت أجندتها مليئة بآلاف المواعيد، هل هناك من يزورها بعد مرور كل تلك السنين من آلاف المسؤولين والصحافيين والناشطين والثوريين من لبنان والعالم الذين جعلوا من بيتها السابق في الرميلة محجة؟ تحتدم الاحتمالات في مخيلتنا ونحن نتأهب لملاقاة السيدة التي لم نكن نخبر أحداً بأمر زيارتنا لها، حتى يحمّلنا السلام والتحية إليها، متسائلاً: «أوف، وين صارت؟».نخترق أزقة القرية للوصول إلى بيت محمد ياسين. تبدو مقفرة تماماً. لا أحد يتنقل على الطرقات أو يتحرك في محيط بيته. نسأل إن كان السبب هو الطقس البارد، فيشير أنور إلى أنها خالية في معظم أيام السنة بسبب تواجد أبنائها إما في بيروت أو في بلاد الاغتراب. نصل إلى البيت الذي يكتنفه هدوء مماثل، لكن الدخان المتصاعد من مدخنة السطح والضوء المنبعث من غرفتين، يدل إلى وجود حياة هنا. يدق أنور الباب، فتفتح لنا سيدة بنغالية قرر وأشقاؤه الاستعانة بها لمساعدة والدته على أعمال المنزل. بلهجة عربية «مكسرة» تنادي: «ماما تعي شوفي... إجا حبيب قلبك». تركض أم أنور متلهفة باتجاهه. «يا تقبرني». تردّدها مراراً وهي تحضنه وتشمه، إذ إنها لم تره منذ عيد رأس السنة. ولأن لقاءهما يعتمد على «فضاوة» أنور، فإنه يقتصر على مرة واحدة في الشهر أحياناً. نحن أيضاً نأخذ نصيبنا من الاستقبال. وإن كنا قد التقينا بها مراراً في السابق، إلا أنها لا تتذكرنا بالضرورة، إما لأننا كنا جزءاً من جمهور طويل مرّ عليها، أو لأننا انقطعنا عنها بعد الإفراج عن ابنها. «العمر إلو حق» تبرّر. تبرير لا يخفي عتباً خفياً على تلهي الناس عنها وعن رفاقها ورفيقاتها من الأسرى وعوائلهم وما قدموه للوطن من دون تكريم لائق. عتب تقطعه بالقول: «هيدي حال الدنيا».تنهمك سريعاً بإعداد وجبة لنا من دون أن تتزامن مع موعد الطعام. هذا طبعها وجزء من عادات القرويين. ترتّب سفرة على الأرض حول «الصوبيا»، ناصحة بتذوق الزيتون، صنع حقلها ويديها. يتناوب زوجها وابنها على مناداتها «يا حجة»، إذ إنها بعد اطمئنانها إلى ابنها، تفرّغت للقيام بواجباتها الدينية. أدّت مناسك الحج مع زوجها وزارت المقامات المقدسة. حتى أنها غيّرت في حجابها، فاستبدلت الإيشارب الذي كانت النسوة الجنوبيات يعتمدنه، بحجاب محكم يغطي الشعر والرقبة.حول المائدة، تدخل الأسرة في أحاديث عائلية. بداية السؤال عن وليام وراشيل، طفلي أنور. ثم جولة مفصلة على أحوال الأشقاء والشقيقات الثمانية وأولادهم وأحفادهم. يغرقون في مناقشة هموم كلّ منهم ومشاغله. نقاش ينسي المرء أنه أمام عائلة مثّلت طوال سبعة عشر عاماً شعاراً لقضية نضالية واحدة. بل نحن أمام عائلة عادية لها أفراحها وأحزانها. حتى أن السيدة محور الزيارة، لم تعد أم أنور بل أصبحت أم علي. هي كذلك في الأساس نسبة إلى ابنها الأكبر، لكن الكنية الأخرى لبستها تدريجياً لتمييزها من قبل الناس بأنها والدة أنور ياسين. تلفت نظرنا إلى أنها لم تعد أم علي فحسب، بل عادت أيضاً جميلة ناصر. احدى الأمهات اللواتي ينذرن حياتهن لرعاية أبنائهن وأحفادهن وخدمتهم، ملتزمات البيوت. في الفترة الماضية، لم تتخلّ أم علي عن هذا الدور، لكنها تقرّ بأنها أعطت الجزء الأكبر منه لابنها الأصغر بسبب ظرفه الاستثنائي. تلك التجربة عكست جواً دائماً من المرارة والحزن الذي خيم على الأسرة لا سيما على الأم. الأعياد والأفراح والواجبات الاجتماعية والنزهات تفقد مذاقها.يطول النقاش العائلي الذي يربكنا ويمنعنا من مقاطعته لطرح أسئلة حول تجربة الماضي. انشغال أم علي بالهموم الحياتية لأولادها يجعلنا نشعر بأنه لم يعد من جدوى لتذكيرها باللحظة التي أخبرها فيها الشهيد جورج حاوي أن المقاوم الذي حملت همّه، ودعت لأمه بالصبر بعدما أسره العدو الإسرائيلي من أرض المواجهات خلال عملية بطولية في جبل الشيخ، هو ابنها. مثل جرح اندمل، نؤثر عدم تذكيرها بالأداء الرسمي تجاه قضية الأسرى وبالأمراض التي أصابتها من الهمّ.تختصر جميلة ناصر تجربة السبعة عشر عاماً ببعض الصور لأشخاص ومناسبات شكلت محطات مفصلية، كأنها لا تريد أن تتذكر سواها. في غرفة الجلوس التي تمضي فيها الوقت الأكبر، رفعت صورة للسيد حسن نصر الله الذي قابلته مرات عدة وتحفظ له ذكريات وأقوالاً خاصة. في غرفة أخرى، رتبت على طاولة صورة تؤرخ لحظة وصول أنور إلى صالة المطار إثر الإفراج عنه وأخرى للشهيد جمال ساطي الذي أطلق ابنها اسمه على عمليته تيمناً.
رفقة العمر
الرابح الأكبر من عودة أم علي (82 عاماً) هو أبو علي. يتشارك «الختياران»، الأيام المتبقية لهما. يزرعان الحقل ويختلفان على الطرق الزراعية في التتريب والسقاية. لكنهما في هدأة الليل الطويل، يتفحصان كيس نايلون جمعت فيه مئات الجرائد التي نشرت مقالات وأخباراً لأنور منذ اعتقاله وحتى خسارته في الانتخابات النيابية في العام 2005.
السبت ٢٨ كانون الثاني ٢٠١٢علينا أن نعترف للست لارا فابيان بفضل واحد على الأقلّ، هو تسليط الضوء على واقعنا الموزّع بين عبثيّة وفجور. فنّانة من رموز الأغنية الفرنسيّة الاستهلاكيّة، باتت ضحيّةً من ضحايا حريّة التعبير في لبنان. المغنية الساذجة التي يمثّل فنّها تهديداً للذوق العام (لكن تلك مسألة أخرى)، لا تفهم ما هي خطيئتها كي تستحق كل هذه العدائيّة. لم تفعل لارا الطيّبة سوى التعاطف مع إسرائيل، والتضامن مع حملة صهيونيّة في «حلقة بن غوريون» أو سواها، فأين المشكلة؟ ممنوع التعبير عن الرأي في هذا الوطن الصغير والجميل، المحاصر بالظلام؟ إذا أضفنا إلى ما سبق وزير سياحة «على الحياد»، ووزير ثقافة لم يقل له أحد ماذا يجري، وامبريزاريو قلبه على «السياحة في لبنان»، وإعلام يردّد كالببغاء «حريّة، حريّة، حريّة»، وسياسي فذّ، مثقّف وذوّاقة، خائف على «رسالة لبنان»... تجتمع عناصر مسرحيّة فودفيل رديئة لا يمكن عرضها إلا في بيروت!«الإرهاب الثقافي» منع المغنية البلجيكيّة ـ الكنديّة من المجيء، عنونت «النهار» أمس، من دون أن يرفّ لها جفن. «الإرهاب» هنا، هو التحرّك السلمي الديموقراطي المشروع الذي بادرت إليه «حملة مقاطعة داعمي إسرائيل». بلال شعيب مدير المسارح في «كازينو لبنان»، صرّح بأنّها «ليست الطريقة المثلى للدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني»، لكنّه (لحسن الحظّ) لم يعطنا وصفته السحريّة. وكانت النهاية التراجيكوميديّة: «لن نأتي لأسباب أمنيّة» قالت شركة فابيان لموقع CNN العربي، ولمّحت: «تلقينا تهديدات»! «حمامة السلام» كادت تأتي إلى بلد نصف أهله (على الأقلّ) من الأباشو وأكلة لحوم البشر. الله ستر! أما محبّو الحياة والبزنس والانفتاح والسياحة، فيبقى لهم عزاء. نكاية بالجميع ستغنّي لارا live يوم «عيد العشّاق»، احزروا على أيّة محطّة لبنانيّة! تلك التي استعارت أحد مراسليها من القناة الأولى للتلفزيون الإسرائيلي. تصبح لارا فابيان، والحالة هذه، من أنصار المقاومة!
العدد ١٦٢٣ الثلاثاء ٣١ كانون الثاني ٢٠١٢هكذا تعاطى لبنان مع «عاشقة إسرائيل»
زينب مرعي
لارا فابيان لن تأتي إلى لبنان. «الجواب نهائي» أكّده توقّف «فيرجين ميغاستور» أول من أمس عن بيع التذاكر لحفلتيها اللتين كانتا مقررتين في 14 و15 شباط (فبراير) في «كازينو لبنان»، ودعوة كلّ من اشترى تذكرة إلى استعادة ثمنها ابتداءً من اليوم.
هكذا، أنهت المغنية البلجيكية الكندية جدلاً دام ثلاثة أسابيع لم يحسمه قرار الدولة اللبنانية بمنح التأشيرة لفابيان وتوفير الطمأنة اللازمة للفنانة «المذعورة». بقيت صاحبة «أحبك» تتأرجح بين قرار المجيء وعدمه، إلى أن وجدت أنها غير مستعدة لتحمّل «المخاطرة بسلامة أفراد طاقمنا». لكنّها «وعدت» جمهورها اللبناني بأنّها ستتواصل معه عبر أثير إذاعة «نوستالجي» ومحطة «أم. تي. في» التي هرولت لاحتضان المغنية «المسكينة» الصهيونية الهوى. هكذا، ستقدّم صاحبة «عارية» أمسية في 14 شباط (فبراير) من باريس لتطرب جمهورها في لبنان عبر نقل مباشر لهذه الحفلة، يسبقها تصريح لفابيان عن الجدل الذي أشعلته على الساحة اللبنانية.إذاً، خافت فابيان ورأت نفسها مهدَّدة، مع أنّ الرسالة التي وجّهتها لها «حملة مقاطعة داعمي إسرائيل في لبنان» لم تهدّدها إلا... بمقاطعة حفلتيها. لكن هل استشفت فابيان عنفاً مثلاً عندما احتلّ بعض ناشطي الحملة صفحتها على فايسبوك؟ هناك، وضعوا مقطع الفيديو الذي تظهر فيه وهي تؤدي أغنية صهيونية باللغة العبرية (راجع المقال أدناه) ضمن احتفال أقيم في باريس عام 2008 في مناسبة «الحفل الستين لتأسيس إسرائيل»! تعليقات هؤلاء سرعان ما حُذفت عن الصفحة، لتبقى تعليقات اللبنانيين الذين يعتذرون عن «جهل» مقاطعي الحفلة.المدير العام لشركة «ديلارا للإنتاج الموسيقي» ومنظّم الحفلتين مع «كازينو لبنان» جان صليبا، رأى أنّ مجرد توجيه رسالة إلى فابيان ودعوتها إلى عدم الحضور إلى لبنان ووصفها بـ«الصهيونيّة» تهديد لها! مع العلم بأنّ «حملة مقاطعة داعمي إسرائيل في لبنان» لم تصف فابيان بالصهيونيّة، بل أوردت في رسالتها التي وجهتها إليها «قمتِ بأداء أغنية صهيونيّة بالعبريّة». رئيس «الجمعية اللبنانية لدعم مقاطعة إسرائيل» الناشط في حملة المقاطعة عبد الملك سكريّة، نفى أن تكون الحملة قد هدّدت الفنانة، مشيراً إلى أنّ هدفها «التوعية وشرح قضيتنا. مهمتنا أن نشرح للفنان عن الكيان الصهيوني المحتلّ والعنصري، وسبب عدم ترحيبنا به كي يبدأ بدوره بالتفكير في الموضوع». في المقابل، لا يرى صليبا مشكلة في دعوة فابيان إلى لبنان: «ما المانع من حضورها الاحتفال التأسيسي لإسرائيل؟ يمكنها أن تعلن حبّها لأي بلد. في النهاية، هي فنانة لها حساباتها الخاصة». وإن كان يحقّ لفابيان أن يكون لها حساباتها الخاصة، فهل من المعيب أن يكون لنا أيضاً حساباتنا الخاصة تجاه مََن يتعاطف مع دولة محتلة ارتكبت المجازر بحقّ اللبنانيين، وآخرها عام 2006؟لعلّ هذا الأمر قلّما يهم الـ«دي. دجاي» صليبا المشغول بحسابات الربح والخسارة. لقد أعلن انضمامه إلى جهاد المرّ، متوعداً الناشطين في الحملة بأنّ دعوى قضائيّة ستصلهم قريباً للتعويض عن خسائره. بل إنّ صليبا المناصر للحريات وحريّة فابيان بزيارة لبنان توعّد بإقفال صفحة الحملة على فايسبوك، مطالباً الدولة بـ«قمع هذه المجموعة» التي نزع عنها الهوية اللبنانيّة!الطرف الثاني في الموضوع، أي «كازينو لبنان»، كان أكثر حذراً. حاول رئيس مجلس إدارة الكازينو حميد كريدي إبعاد المسؤوليّة عن الكازينو بما أنّ «شركة ديلارا هي من أبرمت العقد مع فابيان، واستأجرت صالة في الكازينو كأي شركة أخرى» على حد تعبيره. و«أسف» كريدي لمنح الدولة تأشيرة لفابيان كي تبعد كأس القرار المرّة عنها. لكنّ مصدراً في الأمن العام يقول إنّ التأشيرة منحت لفابيان لأنّه ليس هناك نصّ قانوني يمنع هذا الأمر. مع ذلك، كان يتمنى أعضاء حملة المقاطعة أن يصدر موقف عن وزيري السياحة والثقافة تحديداً لدعم موقف المقاطعة. وزير السياحة فادي عبّود يقول: «لست مع منع كل إنسان زار إسرائيل من الدخول إلى لبنان، بل ضد دخول مَن أدّى واجب الخدمة العسكريّة في إسرائيل مثلاً». ويضيف: «يجب فتح أبوابنا للأجانب المتأثّرين بالبروباغندا الإسرائيليّة ليتعرّفوا إلى وجهة نظرنا». لكن عبود تناسى أنّ المنظّمين أعلنوا قبل إلغاء فابيان زيارتها أنّها ستُستَقبَل في صالون الشرف في المطار وفق ما يقول الناشط في «حملة مقاطعة داعمي إسرائيل في لبنان» رباح شحرور.وهنا، تجدر الإشارة إلى أنّ وزير الشباب والرياضة فيصل كرامي قدّم اقتراح قانون يقضي بمنع استقدام كل رياضي لعبَ في أندية إسرائيلية، إلى لبنان. لكن حتى الآن، لم يستجب عبّود لطلب أعضاء الحملة بالاجتماع به. كذلك الأمر بالنسبة إلى الوزير السابق طلال أرسلان، بما أنّ وزير الدولة مروان خير الدين الذي ينتمي إلى «الحزب الديموقراطي اللبناني» هو من يملك الـ«فيرجين ميغاستور». ولم يتلقّوا ردّاً من رئاسة الجمهوريّة على الرسالة التي وجّهوها إليه أو حتى من وزير الداخليّة. أمّا وزير الثقافة كابي ليّون، فقد وافق على مضض على الاجتماع بهم غداً. كذلك اجتمع ممثلّون عن الحملة أمس بوزير العمل شربل نحّاس الذي وعد بالاشتغال على تغيير قانون مقاطعة إسرائيل الصادر عام 1955 عبر «تكتّل التغيير والإصلاح»، علماً بأنّ القانون اللبناني يركّز على قضايا التعامل التجاري مع إسرائيل دون المجالات الأخرى بحسب أستاذ القانون محمد طيّ الذي يضيف: «يجب توسيع القانون ليشمل كل أنواع التبادل مع إسرائيل». مع ذلك، هناك نقاش مستمرّ داخل «حملة داعمي مقاطعة إسرائيل في لبنان» في ما إذا كانت هناك ضرورة لتعديل القانون أو ترك المسألة كـ«قضية رأي عام» كما يقترح الباحث في القانون الدولي والناشط في «مركز حقوق اللاجئين» (عائدون) وسام صليبي؛ إذ يرى أنّه لا يمكن التوسّع في تفسير القانون الجزائي؛ لأنّ الأمر حسّاس قد يمسّ الحريّات العامة.
الدولة تحتاج إلى موازنة. هذا شرط من شروط وجودها، إذ لا حاجة إلى الدولة من دون الموازنة، وبالتالي لا حاجة إلى الموازنة من دون الدولة. هما كالجندي مع سلاحه.في لبنان، لا يشعر الحكّام بحاجتهم إلى الموازنة، لأنهم لا يشعرون بحاجتهم إلى الدولة، أو أن أكثريتهم لا تريدها. الحكّام هنا يتصرّفون كالغزاة، لا تعنيهم هذه الأرض إلا بوصفها مصدراً للثروات أو ممراً إليها، ولا ينظرون إلى سكّان هذه الأرض إلا بوصفهم محكومين، ليس بيدهم حيلة، يجبون منهم الضرائب كما لو أنها جزية، يدفعونها وهم صاغرون، وينفقون الأموال كما لو أنها رشى، تماماً كما يتصرّف أيّ غازٍ. أليس وراء كل غزو مصالح وأعمال ومشاريع وشركات؟ أليس الغزو استثماراً كبيراً جدّاً؟ الغازي يحكم ولا يبني دولة، يدمّر ولا يعمّر، ينهب ويفرّق ويستقوي بحفنة من الخونة والعملاء والجواسيس وطلّاب المنافع وبائعي الولاءات والمستثمرين في تجارة الدم والأرض والعرض والكرامة.لبنان بلا موازنة حقيقية منذ عام 1979. لا يوجد تدقيق في حسابات الدولة المالية منذ ذاك التاريخ (انتهى دور ديوان المحاسبة يومها)، وكل الحكومات التي تعاقبت طيلة 32 عاماً لم تحترم أياً من أحكام الدستور أو القوانين في إعداد الموازنات العامّة وصرف الأموال وجباية الإيرادات. عام 1979 هو العام الذي بدأت تظهر فيه ملامح ما سمّي يومها «الإدارات المدنية»، أي تلك الإدارات التي أقامتها الميليشيات لتحلّ محلّ الدولة في تسيير شؤون المناطق التي أخضعتها لسيطرتها: صار لكل ميليشيا قوانينها الخاصّة وإدارتها الخاصة ومحاكمها الخاصّة وجيشها الخاص وأمنها الخاص وعلاقاتها الخارجية الخاصّة ونظام خدماتها الخاص... بمعنى أكثر وضوحاً، صار لكل ميليشيا حصّتها واقتصادها ومنافعها ومنظومة مصالح طويلة عريضة مرتبطة بها، فوصلت الأمور إلى التجنيد الإجباري وإقامة المعابر الحدودية في الحوض الخامس ومرافئ جونية والأوزاعي والجيّة والناقورة... صارت الميليشيات تتمتّع بالسيادة على «أرضها»، تفرض الضرائب وتتحكّم في الثروة وتقيم آلياتها لإعادة التوزيع: غزت الميليشيات الدولة، انهارت الليرة، انقسم الجيش، ومئات آلاف اللبنانيين ماتوا أو جرحوا أو فقدوا جنى عمرهم أو هاجروا أو شرّدوا أو حملوا السلاح طلباً للعيش حتى مع «جيش أنطوان لحد».طارت «الدولة» في عقد الثمانينيات، ومنذ ذاك التاريخ يعيش اللبنانيون من دونها، بمعزل عن نوعها أو صنفها أو مدى القبول بها. كل ما تغيّر أن «المتحاربين» اضطروا إلى تنفيذ «الأوامر» بوقف إطلاق النار على بعض خطوط التماس، احياناً إذا شعرت ميليشيا ما بأن سيادتها مهددة تسارع إلى مخالفة «الأوامر» وتعمد إلى إطلاق النار الحي على الناس، أو تُوقف معمل الكهرباء أو تحتل طبقة في وزارة الاتصالات أو تمنع إمرار مشروع قانون استثنائي لتغطية إنفاق عام إضافي بقيمة 8900 مليار ليرة... أو تطالب بأن ينتخب كل مذهب نوّابه!تكيّف اللبنانيون مع هذا «الغزو» ورضخوا له. تصرّفوا كما يتصرّف الخاضعون للاحتلال. هنا حققت «عقيدة الصدمة» نتائج مبهرة. عرض متواصل وبنجاح كبير: فعندما اعتقد اللبنانيون أنهم يلملمون أشلاء أولادهم ويبحثون عن مصير المفقودين منهم... كانت الميليشيات تستكمل غزوها؛ صادرت أملاكهم البحرية والنهرية، وأملاكهم الخاصة في وسط بيروت، وسيطرت على المطار والمرافئ لترعى الاتجار بالسلاح والمخدرات وتحتكر استيراد السلع الحيوية: النفط، القمح، الدواء... وأقامت شركاتها باسم «سوليدير» و«سوكلين» و«ماباس» (مغارة جعيتا) و«باك» (السوق الحرّة)، وأزالت الجبال بالمرامل والمقالع والكسّارات، ودفنت النفايات السامّة في جوف الأرض، حفرت الآبار الارتوازية لتبيع مياه الشرب، ونصبت المولّدات في الأحياء لتستغل الحاجة إلى الكهرباء، هيمنت على وسائل الإعلام وتوزيع القنوات الفضائية وخطوط النقل المشترك والاتصالات والأحزاب السياسية والنقابات العمّالية والهيئات الأهلية، سرقت المازوت المدعوم والطحين المدعوم والتبغ المدعوم، نشطت في تبييض الأموال وبيع «النساء»، وراكمت مديونية تاريخية... كل ذلك باسم إزالة آثار الحرب والإعمار ودعم النمو والاستثمار... والمصارف.لا أثر للدولة في لبنان في ظل الرضوخ لغزو الميليشيات: عساكر ورجال أعمال... فلا تنتظروا الموازنة، لأنها إذا جاءت فستكون كسابقاتها: تطبيقات إضافية لعقيدة الصدمة. فبذريعة الخوف من الانهيار، سيُجلد الناس بضرائب وديون تذهب إلى جيوبهم، وستضرب مجدداً أغاني «الخصخصة» و«الشراكة مع القطاع الخاص» الرخيصة، ليستكملوا عملية «النهب المنظّم» باسمكم، ومن أجل خلاصكم.
العدد ١٦٢٢ الاثنين ٣٠ كانون الثاني ٢٠١٢هذا المساء، نحن على موعدٍ مع مثلث صمودٍ فنيّ يجمع بين ضهور الشوير (المتن الأعلى) وأنطلياس (ساحل المتن) وزبدين (جبيل) بقيادة الرحّالة سامي حوّاط على رأس فرقة موسيقية تتألف من أحمد الخطيب (إيقاعات)، رمزي بو كامل (كيبورد)، رائد بو كامل (فلوت وكلارينت)، فؤاد بو كامل (باص)، طوني بو جدعون (كمان)، هلا غريب وجوليا ساموتي (كورال).
كيف اجتمعت هذه القرى اللبنانية الثلاث في هذا المشروع؟ يبدأ الجواب من مكانٍ رابع هو شارع المكحول (الحمرا/ بيروت). منذ أكثر من سنتين، ترك الفنان الملتزم بيته في الشارع البيروتي الجميل، عائداً إلى كوخٍ في قريته النائية التي هجرها في الحرب الأهلية. هناك، في زبدين الهادئة والموحشة، بنى الفنان الخمسينيّ «مسرح سامي حوّاط الريفي» وافتتحه مطلع الخريف بأمسية شاملة شارك فيها عددٌ من الفنانين، من بينهم منير كسرواني الذي قدّم عرضاً مسرحياً ومرسيل خليفة الذي شارك غناءً، وشوقي بزيع الذي ألقى مقتطفات من شعره.هذا المساء، بدعوةٍ من بلدية ضهور الشوير، يقدّم حوّاط أمسية وحيدة في قاعة «الأخوين رحباني» في «كنيسة مار الياس» في أنطلياس، يعود ريعها إلى المسرح المذكور. النشاطات معلّقة في الوقت الحاضر في زبدين، لكن الدعم المادي سيتيح لسامي استكمال المشروع واستهلال العمل بعد انقضاء الشتاء.لا جديد على برنامج أمسية الليلة كما علمنا من سامي الذي سيقدّم أغنياته المعروفة التي تقلقنا دوماً لأنها لا تزال راهنة (مع الأسف)، رغم مرور كل هذه السنوات، مثل «لا تسألني عن ديني»، و«الرأي العام»، و«أحد الإخوان» و«نشيد التعب» ... سامي وغيره من الفنانين اليساريين الملتزمين، قضوا سنوات يطرحون المشاكل الاجتماعية والاقتصادية والسياسية اللبنانية، ويعالجونها بطريقة جديّة أو ساخرة في أغانيهم، علّ المتلقّي يدرك مثلاً خطر الطائفية، أو ضرورة العدالة الاجتماعية. ورغم كل ما حدث، فسامي حوّاط هو النفس الطويل، وهذا ما دفعه مجدّداً إلى حزم أمتعته والتفتيش عن شقة صغيرة في بيروت في شارع المكحول تحديداً، إذ لا مجال للعمل خلال فصل الشتاء في المسرح الريفي، والحراك في «الوقت البدل من الضائع» قد لا يكون أقل أهمية في تحقيق الهدف.