في وقت تلوح في الأفق بوادر أزمة، ولأن كلام معظم السياسيين اللبنانيين- الصغار قبل الكبار- إضافة إلى الغالبية الساحقة من الكتاب والمحللين السياسيين المفترضين، لا يعدو كونه صدى لأفرقاء خارجيين في حدِّه الأقصى، أو رأياً شخصياً في حدِّه الأدنى، من المفيد العودة إلى بعض ما ينشر في الخارج، خصوصاً من جانب بعض مراكز الدراسات والأبحاث الأميركية، لاستشراف بعض ما يمكن أن يحمله المستقبل، مع الإشارة إلى أن غالبية الأدبيات المنشورة باتت تتمحور حول عنوان واحد: احتمال اتهام حزب الله باغتيال رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري.
ففي مقال يتناول التعاطي الأميركي مع حزب الله، نشره معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى قبل مدة، يشير الكاتب آش جين، وهو عضو سابق في فريق تخطيط سياسة وزارة الخارجية الأميركية، إلى أن منذ انتهاء حرب عام 2006، سعت الولايات المتحدة إلى مواجهة حزب الله بالتقدم على ثلاثة محاور رئيسة:
أولاً: استمرت في دعمها تحالف 14 آذار الذي يعارض الوضع الراهن لحزب الله كميليشيا مسلحة.
ثانياً: أنفقت مبالغ كبيرة من المال لتعزيز قدرة الحكومة اللبنانية الموالية للغرب اعتباراً من عام 2006، من خلال تخصيصها بأكثر من 600 مليون دولار كمساعدة أمنية، إضافة إلى 500 مليون دولار كمساعدة لبرامج مدنية.
ثالثاً: عززت جهودها الدولية لتشويه صورة حزب الله وتقييد أنشطته المالية عبر العالم.
ويشير المقال في هذا المجال إلى أن الجهود المبذولة في هذه النقاط الثلاث أثمرت في حزيران 2009 فشلاً للخط المعارض لتحالف 14 آذار في الحصول على غالبية المقاعد في الانتخابات النيابية.
غير أن المقال عينه يلفت إلى أن الانتصار النيابي للفريق المدعوم من الولايات المتحدة لم يترجم تقليصاً للقوة السياسية لحزب الله، بل على العكس، فتحالف 14 آذار هو الذي تمزق.
وبناء على ذلك، يشير المقال إلى بروز أصوات أميركية باتت تدعو إلى مقاربة جديدة مع حزب الله، كان أولها لنائب مستشار الأمن القومي الأمريكي جون برينان الذي دعا إلى التواصل مع عناصر معينين من حزب الله، بما يمكن أن يؤدي إلى اعتدال المجموعة إيديولوجياً.
ويضيف المقال: وفقاً لتقارير وسائل الإعلام، طرح مؤخراً تقويم مسرب لـ "الفريق الأحمر" التابع لـ "القيادة المركزية الأمريكية" خطاً مماثلاً من التفكير.
غير أن كاتب المقال الذي يشهر معارضته نمو التوجه الجديد، يبني موقفه على قضية تتعلق بالمحكمة الدولية الخاصة بلبنان، فيقول: لو صدقت الشكوك المثارة حول حكم المحكمة الخاصة بلبنان لناحية تورط حزب الله في اغتيال الحريري، فإنها ستوضح أن الحزب لا يخشى تحويل مهاراته الحاذقة في الاغتيالات القاتلة ضد خصومه السياسيين المحليين.
ويضيف المقال: لن يؤدي التعاطي الأمريكي الجديد في هذه الحال إلا إلى المصادقة على القدرات المتزايدة للمنظمة، والتعزيز من شرعيتها المحلية والدولية، وسوف يزيد أيضاً في إضعاف ما تبقى من الحكومة المنتخبة ديمقراطياً والموالية للغرب في بيروت، وعلى نطاق أوسع، سيشير مثل هذا التحول الجوهري في السياسة، إلى تراجع واشنطن عن مواجهة الإرهاب.
وبالاستناد إلى كل ما تقدم، يخلص المقال إلى طرح اتباع نهج أكثر صرامة مع حزب الله يقوم على ما يلي:
أولاً: زيادة الضغط على سوريا وإيران، إذ ينبغي على الولايات المتحدة شن حملة لفرض عقوبات من الأمم المتحدة على سوريا بسبب انتهاكاتها الواضحة لقرار مجلس الأمن رقم 1701، إضافة إلى رض عقوبات على إيران لانتهاكها قرار رقم 1747 حول حظر نقل الأسلحة. إن قيام مثل هذه الحملة من شأنه أن يساعد أيضاً على إضفاء الشرعية على الضربات الجوية المحتملة ضد المنشآت السورية على طول الحدود اللبنانية إذا استمر نقل الأسلحة إلى حزب الله.
ثانياً: تحديد دور حزب الله في الحكومة، إذ ينبغي على المسؤولين الأميركيين أن يناقشوا حلفائهم في لبنان والمنطقة في ما يتعلق بشروط استمرار مشاركة حزب الله في حكومة الوحدة الوطنية.
ثالثاً: تقوية الشيعة المستقلين، وتعزيز قدرتهم على تشكيل حركة سياسية بديلة.
رابعاً، تعزيز التنسيق مع الحلفاء، خصوصاً إسرائيل ومصر والأردن والسعودية، لوضع الأساس العملي لديبلوماسية مشتركة في حال نشوب صراع بين حزب الله وإسرائيل.
جاد ابو جودة-
موقع التيار الوطني الحر