تصحيح الأجور: «الزودة» تنتظر قراراً رابعاً

لم يُصدر مجلس الشورى بعد رأيه بقرار تصحيح الأجور الذي أصدره مجلس الوزراء الأسبوع الماضي. والمعلومات المتداولة تفيد بأن رأي «الشورى» سيتيح لمعارضي القرار إعادة طرحه على طاولة الحكومة. وبدأ الحديث عن «صفقة» تقضي بإصدار قرار رابع يستند إلى الاتفاق بين أرباب العمل وقيادة الاتحاد العمالي

أصبح قرار مجلس الوزراء الثالث المتعلّق بتصحيح الأجور مائلاً إلى السقوط؛ إذ نجح معارضوه، في القوى السياسية والهيئات الاقتصادية، بمنع صدوره حتى الآن بالصيغة التي اقترحها وزير العمل شربل نحّاس وصوّت لها 15 وزيراً في الجلسة الشهيرة في 21/12/2011. فقد بلغت الضغوط عتبة مجلس شورى الدولة، الذي بات يعاني ارتباكاً واضحاً دفعه إلى تأجيل إعلان رأيه إلى ما بعد جلسة مجلس الوزراء أمس. وقالت مصادر مطّلعة على عمل مجلس الشورى إن القضاة المنكبّين على دراسة الموقف «القانوني» من مشروع المرسوم المحال عليهم حائرون بين اتجاهين: الأول ينطلق من أن «بدل النقل» باطل أصلاً، وبالتالي لا يجوز التعامل معه إلا بموجب تفويض أو إقرار من مجلس النوّاب ليصار إلى اعتباره جزءاً من الأجر أو تعويضاً منفصلاً عن الأجر يمثل كلفة الانتقال من العمل وإليه، إلا أن هذا الاتجاه قد يؤدّي إلى إجهاض حق مكتسب للعمّال إن لم تُبَتّ وضعية بدل النقل في مجلس النواب. والاتجاه الثاني ينطلق من أحكام القانون التي تعرّف الأجر باعتباره يتضمن كل العناصر، مهما كان نوعها أو تسميتها، وبالتالي يرى أصحاب هذا الاتجاه مرسوم «بدل النقل» بالصيغة التي صدر فيها عام 1995 مخالفاً للقانون، ولذلك لا بد من فتوى تسمح بحفظ حقوق الأُجراء بعدما تكرّس «بدل النقل» في الواقع على مدى 16 عاماً.

وبعيداً عن ساحة مجلس شورى الدولة ورأيه الحاسم المنتظر، تتكثّف الاتصالات السياسية لاستكمال العناصر المطلوبة لإبرام «صفقة» جديدة يمكن أن تعيد النقاش إلى النقطة الصفر وتحرم الأُجراء تصحيح أجورهم لشهر إضافي أو أكثر. وتحاول هذه «الصفقة» إعادة إنتاج قرار رابع في مجلس الوزراء يستند إلى الاتفاق الموقّع بين هيئات أصحاب العمل وقيادة الاتحاد العمّالي العام، والمعروف باسم «اتفاق الغرفة الجانبية» في قصر بعبدا.

إلا أن رئيس تكتل التغيير والإصلاح، النائب ميشال عون، لا يزال يرفض الدخول في أي صفقة من هذا النوع؛ لأنها لا تصبّ في مصلحة العمّال وحقوقهم، وقالت أوساطه إن حزب الله بات شريكاً في هذا الموقف وليس مجرد داعم؛ إذ لم يعد سهلاً على الحزب الانقلاب على قرار مجلس الوزراء الأخير بعدما صحّح من خلاله علاقته مع جمهوره أكثر مما صحّح علاقته مع النائب عون وجمهوره. وأضافت هذه الأوساط أن ما قاله النائب عون بعد اجتماع تكتله يوم الثلاثاء الماضي واضح ولا يقبل التأويل؛ فهو يتمسك بقرار مجلس الوزراء الأخير، ولا سيما ضم بدل النقل إلى الأجر، لكونه ينطوي على إصلاح بنيوي لسياسة الأجور في لبنان التي تعرّضت لتشويه طويل. وقالت أوساط عون إن ما قصده بشأن إمكان النقاش في القرار، من دون أي وعود مسبقة، هو الجانب المتعلّق بكيفية دعم القطاعات المتضررة، إذا ثبت تضررها، وهذا يمكن أن يحصل من خلال قرارات جديدة إضافية يتخذها مجلس الوزراء في سياق إصلاح الاقتصاد واستعادة دور الدولة.

وبحسب المعلومات التي تقاطعت بين أكثر من مصدر مطّلع، أبلغ رئيس الجمهورية ميشال سليمان، وفد الهيئات الاقتصادية (أول من أمس) ووفد قيادة الاتحاد العمالي العام (أمس) أنه ورئيس مجلس الوزراء نجيب ميقاتي، يراهنان على استجابة مجلس شورى الدولة للدعوات الموجّهة إليه لرفض الموافقة على صيغة المرسوم الأخير لكي يوضع الاتفاق بين هذين الطرفين موضع التنفيذ بعد إقراره في جلسة مجلس الوزراء في مطلع العام المقبل. وقد أشار بيان صادر عن رئاسة الجمهورية بعد اللقاء مع وفد من المجلس التنفيذي للاتحاد العمالي برئاسة غسان غصن إلى أن الرئيس سليمان يرى أن «الاتفاق بين طرفي الإنتاج مبعث ارتياح ويؤسس لنهج اقتصادي جديد يقوم على شراكة حقيقية بين الطرفين»، وهو ما عُدّ بمثابة دعم علني ومباشر لهيئات أصحاب العمل المطالبة بإسقاط قرار مجلس الوزراء الأخير؛ لأنه يميل إلى العمّال.

ورغم أن مجلس الوزراء لم يتطرق في جلسته الأخيرة لهذا العام (أمس) إلى ملف تصحيح الأجور، إلا أنه وافق على طلب وزير الصحّة علي حسن خليل بإلغاء أحد القرارات الثلاثة التي أقرّها المجلس سابقاً، المتمثّل بزيادة معدّل الاشتراك في فرع التعويضات العائلية والتعليمية في صندوق الضمان الاجتماعي إلى 9% لتمويل التقديمات التعليمية التي ستنتقل مسؤولية تسديدها من صاحب العمل إلى الصندوق. وبرّر الوزير خليل طلبه بأن مجلس الوزراء لم يطّلع على مضمون هذا القرار عندما جرى التصويت عليه في الجلسة السابقة التي تقرر فيها تصحيح الأجور بحسب اقتراح وزير العمل. وأكد الوزير جبران باسيل أن ما طرحه خليل سبق أن جرى الحديث عنه بين الحلفاء الذين صوتوا إلى جانب مشروع نحاس، لافتاً إلى أنه «في الحقيقة، هذا القرار لم يُناقَش قبل إقراره في الجلسة الماضية؛ لأن ما نوقش من مشروع شربل (نحاس) قبل التصويت عليه هو قرار تصحيح الأجور».

في هذا الوقت، توالت مواقف الوزراء المؤيّدين لمطالب هيئات أصحاب العمل، فقال وزير المال محمد الصفدي عند وصوله إلى قصر بعبدا «إن مجلس شورى الدولة قال سابقاً إن المهم الاتفاق بين أرباب العمل والعمال، وعندما توصلوا إلى اتفاق رفضه مجلس الوزراء»، فيما وزير الاقتصاد والتجارة نقولا نحّاس كان أكثر وضوحاً في حديث أدلى به صباحاً لإذاعة «صوت لبنان»؛ إذ قال: «مهما كان رأي مجلس شورى الدولة، فإن مجلس الوزراء سيعالج موضوع الأجور على مبدأ التوافق بين الهيئات الاقتصادية والعمالية»، وأضاف أن «الرئيس ميقاتي سيجد الحل المناسب».

والمعروف أن الاتفاق الموقّع بين قيادة الاتحاد العمّالي العام وهيئات أصحاب العمل لا يحظى بموافقة مجلس شورى الدولة؛ لأنه تضمّن المخالفات نفسها في القرارين السابقين اللذين رفضهما، ولا سيما لجهة اعتماده على الزيادة المقطوعة وعدم ارتكازه على مؤشّرات ارتفاع الأسعار ودراسات لجنة المؤشّر. فهذا الاتفاق ينصّ على رفع الحد الأدنى للأجور إلى 675 ألف ليرة وزيادة بنسبة 35% على الشطر الأول من الأجر حتى مليون ليرة، على ألّا تتجاوز قيمة هذه الزيادة 200 ألف ليرة. بمعنى أن هذه النسبة لن تطبق إلا على الحد الأدنى للأجور، لتصبح فعلياً زيادة مقطوعة على بقية الشطر. وكذلك ينص على زيادة لا تقل ولا تزيد على 50 ألف ليرة للشطر الثاني بين مليون ومليون و500 ألف ليرة، وزيادة مماثلة على الشطر الثالث بين مليون و500 ألف ومليوني ليرة.

الجدير بالإشارة أن النقابات العمّالية، ولا سيما هيئة التنسيق النقابية، أعلنت رفضها للاتفاق المذكور، ورأت أن قرار مجلس الوزراء الأخير يمثل الحد الأدنى الذي يمكن أن تقبل به، وبالتالي إن إسقاط هذا القرار لمصلحة إحياء الاتفاق يعني العودة إلى الشارع، وصولاً إلى إعلان الإضراب المفتوح، بحسب ما أعلنته مصادر قيادية في هيئة التنسيق النقابية والاتحادات العمّالية المعارضة لقيادة الاتحاد العمّالي.

(الأخبار)

الأكثر قراءة