للمرّة الثالثة في شهرين، سيضطر مجلس الوزراء إلى إعادة النظر في قراره القاضي بزيادة الأجور؛ فالقرار المتوقّع صدوره في الأسبوع المقبل سيكون مدعوماً بموقف موحّد لتكتّل التغيير والإصلاح وحزب الله وحركة أمل، وتحرّك ضاغط لهيئة التنسيق النقابية، ورأي ثانٍ لمجلس شورى الدولة
محمد زبيب
طلب وزير العمل، شربل نحّاس، رسمياً إعادة إدراج ملف تصحيح الأجور على جدول أعمال جلسة مجلس الوزراء المقبلة، واستند في كتاب أرسله أمس إلى مقام مجلس الوزراء إلى التطورات التي أعقبت صدور القرار الأخير، التي تحتّم إعادة النظر به وإدخال التعديلات اللازمة عليه، داعياً إلى إعطاء هذا الملف الأولوية القصوى لكي يكون ممكناً إصدار المرسوم بصيغته الجديدة المقبولة قبل نهاية هذا العام، منعاً للمزيد من الأضرار التي تصيب الاقتصاد ومصالح الأُجَراء والمؤسسات.
وقال نحّاس لـ«الأخبار» إن الإضراب الناجح والتظاهرة الحاشدة التي نظّمتهما هيئة التنسيق النقابية أول من أمس لإسقاط القرار الأخير، وتغيّر مواقف العديد من الأطراف التي صوّتت لمصلحة هذا القرار في مجلس الوزراء، فضلاً عن صدور رأي مجلس شورى الدولة الذي يطالب بإدخال تعديلات جوهرية على القرار نفسه شرطاً للموافقة عليه... كلّها تطورات مهمّة تضغط على مجلس الوزراء لكي يتراجع مجدداً عن قراره «المرفوض»، ويبدأ فوراً بمناقشة التقرير الخاص بنتائج أعمال لجنة المؤشّر وتوصياتها، الذي جرى تجاهله مرّتين خلافاً للأصول التي أعاد مجلس الشورى تأكيدها في رأيه الثاني كما في رأيه الأول.
موقف نحّاس سبقته إعادة تموضع يقوم بها حزب الله وحركة أمل، ولا سيما في ملفي تصحيح الأجور ومشروع الموازنة؛ إذ عُقد اجتماع مساء أول من أمس، ضمّ إلى نحّاس كلاً من الوزراء: جبران باسيل وعلي حسن خليل وحسين الحاج حسن ومحمد فنيش، وخلص إلى اتفاق على توحيد الموقف وتكوين أكثرية في مجلس الوزراء لا تقل عن 17 وزيراً لدعم الطلب الرامي إلى إلغاء قرار تصحيح الأجور ودعم إقرار مشروع وزير العمل المحال في تاريخ 28/11/2011، «لكن بعد فصل بند تأمين التغطية الصحيّة الشاملة لجميع اللبنانيين المقيمين عن البنود الأخرى الواردة في المشروع»، فضلاً عن دعم ما طرحه نحّاس، باسم تكتل التغيير والإصلاح، في الجلسة الأخيرة المخصصة لمناقشة مشروع الموازنة لجهة فرض الضريبة على الربح العقاري بنسبة 25% وزيادة الضريبة على ربح الفوائد إلى 15% مع شروط كافية لضمان عدالة هاتين الضريبتين وحماية صغار الملّاك والمودعين وصرف النظر عن أي تفكير بزيادة الضريبة على القيمة المضافة أو التقشّف في الاستثمار بتطوير شبكات الحماية الاجتماعية وتوسيعها وإعادة بناء قطاعات الكهرباء والمياه والنقل.
ومن المقرر أن يلتقي هؤلاء الوزراء مجدداً مساء يوم الاثنين لوضع صيغة أخيرة لاتفاقهم، تتضمن إلغاء التشوّهات التي أصابت الأجور منذ عام 1995، وبالتالي دمج بدل النقل في الأجر ليحصل عليه الجميع من دون استثناء، سواء كانوا في القطاع النظامي أو خارجه، واحتساب هذا البدل في تعويضات نهاية الخدمة ومعاشات التقاعد، وتطبيق الأحكام القانونية القاضية بتوفير المنحة التعليمية عبر صندوق التعويضات العائلية والتعليمية في صندوق الضمان الاجتماعي، وبالتالي رفع قيمة منحة التعليم ورفع معدّل الاشتراك لتمويلها. وتقضي الصيغة المقترحة أيضاً برفع الحد الأدنى للأجور إلى 861 ألف ليرة، لكي لا يبقى هذا الحدّ وهمياً بحجّة جذب المستثمرين والتنافس مع مستويات الأجور المتدنية في الدول المحيطة ولدى العمالة الأجنبية، وتقديم دعم مباشر من الدولة لتحسين مستوى الأجور؛ إذ لا يجوز أن تبقى الدولة تدعم الأرباح من خلال الإعفاءات من الضريبة ودعم فوائد القروض ودعم الاستثمارات العقارية والسياحية من خلال تقديم الحوافز المكلفة، فيما ترفض الحكومة دعم الأجور، وأخيراً تصحيح الأجور بما يتلاءم مع القوانين وبما لا يؤدّي إلى تخلّف الحكومة عن تنفيذ وعودها في القرار الأول.
هذا الاتفاق الثلاثي دعمه أمس رأي مجلس شورى الدولة بمشروع المرسوم المتعلّق بتطبيق قرار تصحيح الأجور الأخير، وخلافاً لما جرى تداوله إثر صدور هذا الرأي، أوضحت مصادر المجلس أن خلاصته تعني «الموافقة في معرض الرفض»، أو بمعنى آخر، قرر المجلس أن «ينأى بنفسه» عن الصراعات الدائرة التي جعلته «متراساً» في قضية حسّاسة تفترض تصرّف الجميع إزاءها بمسؤولية عالية جدّاً، فصاغ هذه الخلاصة بعبارة دقيقة، أخذت وقتاً طويلاً من نقاشاته، وجاء فيها أن مجلس الشورى يرى «الموافقة على مشروع المرسوم شرط الأخذ بالتعديلات الواردة أعلاه».
إلا أن «التعديلات الواردة أعلاه» التي استحوذت على 3 صفحات من أصل 5 صفحات (فولسكاب) وضع عليها المجلس رأيه كفيلة بنسف قرار مجلس الوزراء من أساسه.
فماذا جاء في رأي المجلس؟ وما هي التعديلات التي اشترطها للموافقة على قرار تصحيح الأجور؟
بحسب بيان صادر عن وزير العمل يتضمن شرحاً تفصيلياً لهذا الرأي، أعاد مجلس شورى الدولة تأكيد رأيه السابق بوجوب التزام أحكام القانون 36/67 وعدم التوسع في تفسيره، وكرر المجلس في رأيه الثاني «أن المشترع فوّض إلى السلطة التنفيذية (فقط) تعيين الحد الأدنى الرسمي للأجور وتحديد نسبة غلاء المعيشة وكيفية تطبيقها بالاستناد إلى الدراسات وجداول تقلبات أسعار كلفة المعيشة التي تضعها وزارة التصميم العام»، مشيراً إلى أن هذه المهمة (أي وضع الدراسات والجداول) انتقلت إلى لجنة المؤشر بموجب المرسوم 4206 بتاريخ 8/8/1981، وبالتالي تكون لجنة المؤشر هي الجهة المكلفة «وضع الدراسات وجداول تقلبات الأسعار» التي أوجبت المادة 6 من القانون 36/67 بناء المرسوم عليها. بناءً عليه، «يجب أن يستند مشروع المرسوم إلى نتائج أعمال لجنة المؤشر الصادرة في تقريرها بتاريخ 28/11/2011»، التي جاء فيها: «إن مؤشر إدارة الإحصاء المركزي يظهر ارتفاعاً بنسبة 17% بين 2008 وتشرين الأول 2011».
انطلاقاً من هذا الرأي القانوني، يكون مجلس شورى الدولة قد اتخذ موقفاً ضمنياً يرى أن قرار مجلس الوزراء الأخير يتضمن عيباً واضحاً من خلال استناده إلى اقتراح رئيس مجلس الوزراء، لا إلى نتائج أعمال لجنة المؤشّر واقتراح وزير العمل، ومن خلال تجاوز نسبة ارتفاع مؤشّر الإحصاء المركزي منذ عام 2008، وتحديده نسباً للتصحيح لا ترتكز على دراسات وجداول ترصد تقلبات أسعار كلفة المعيشة، ومن خلال تقسيم الأُجَراء إلى فئات، لا تقسيم الأجور إلى شطور واعتماده مبالغ مقطوعة مموّهة بنسب مئوية، وتدخّله بتحديد قيمة المنحة التعليمية... فقرار مجلس الوزراء الأخير نص على تعيين الحدّ الأدنى للأجور بقيمة 100 ألف ليرة، وقسّم الأُجراء إلى فئتين: فئة أصحاب الأجور دون المليون ليرة، وفئة أصحاب الأجور فوق المليون ليرة، فأعطى الفئة الأولى زيادة بنسبة 30%، بشرط ألا تقل عن 150 ألف ليرة ولا تزيد على 200 ألف ليرة، فأوجد بذلك حدين أدنيين للأجور: الأول بقيمة 600 ألف ليرة لمن سيدخل إلى العمل بعد نفاذ القرار، والثاني بقيمة 650 ألف ليرة لمن دخل إلى العمل قبل نفاذه، وهذا ينطوي على تمييز واضح، فضلاً عن أن نسبة الزيادة المحددة لا تنطبق إلا على الأجور بين 500 ألف ليرة و666 ألف ليرة، لتتحول الزيادة بعدها إلى مبلغ مقطوع بقيمة 200 ألف ليرة... كذلك أعطى القرار زيادة بنسبة 20% للفئة الثانية، بشرط ألّا تتجاوز 275 ألف ليرة، وهذه النسبة لا تنطبق إلا على الأجور بين مليون ليرة ومليون و375 ألف ليرة، لتتحول بعدها إلى زيادة بمبلغ مقطوع قيمته 275 ألف ليرة.
لذلك، طالب مجلس الشورى بإدخال التعديلات الآتية كشرط (مسبق) لموافقته:
1 ـــــ أن يبنى قرار مجلس الوزراء على اقتراح وزير العمل بالاستناد إلى المادة 66 من الدستور. وهو ما لا ينطبق على القرار الأخير.
2 ـــــ أن يستند مشروع المرسوم إلى نتائج أعمال لجنة المؤشر، وهو ما خالفه مجلس الوزراء بقراره الأخير؛ إذ لم يناقش قط تقرير اللجنة واقتراح وزير العمل ليبني عليهما قراره.
3 ـــــ أن لا يتوسع مشروع المرسوم في تفسير المادة 6 من قانون 36/67، أي أن يستند إلى لجنة المؤشر. وأكد مجلس الشورى أن تحديد المنحة المدرسية يخرج عن نطاق هذا التفويض، ولفت النظر إلى أن المشترع أناط صلاحية إعطاء التقديمات التعليمية بالصندوق الوطني للضمان الاجتماعي وفقاً لأحكام المادة 46 من قانون الضمان الاجتماعي، وهذه الإشارة تدعم مباشرة اقتراح وزير العمل.
4 ـــــ أن يُعمَد إلى تجزئة الأجور إلى شطور، لا إلى تقسيم الأُجَراء إلى فئتين، كما ورد في مشروع المرسوم. وقد اقترح مجلس شورى الدولة شكلاً قانونياً للصياغة، معتمداً ـــــ على سبيل المثال ـــــ على الأرقام التي وردت في مشروع المرسوم بعدما نقض مشروعيتها في الشروط الواردة أعلاه. بمعنى أنه أعطى درساً لمن لم يفهم بعد الفارق بين تقسيم الأُجَراء إلى فئات وتقسيم الأجور إلى شطور.
في المواقف، رحب وزير العمل بالرأيين الصادرين عن مجلس شورى الدولة؛ لكونهما يعززان مسيرة تصحيح المخالفات التي تراكمت منذ عام 1995 والتي أدت إلى تشوهات كبيرة في الأجور ومفهومها وآليات تصحيحها، بما ألحق أضراراً بالغة بالانتظام القانوني وبالمصلحة الاقتصادية للبلاد وبحقوق الأُجَراء. وقدّر كذلك التحرك النقابي الذي حصل (أول من أمس) وأسهم في إعادة إحياء الحركة النقابية. وقال: «بات اليوم ممكناً، ليس فقط تحسين الأجور، بل وتحصينها أيضاً بالقانون».
من جهتها، رأت هيئة التنسيق النقابية أن «رأي مجلس شورى الدولة يؤكد صوابية مطالب هيئة التنسيق النقابية وملاحظاتها»، مطالبة مجلس الوزراء بـ«تصويب قرار تصحيح الأجور المهين والمذل بحق العمال والموظفين والأساتذة والمعلمين وكل الأُجَراء والمتقاعدين والمتعاقدين»، وحذرت من «المماطلة».