
على ضوء الرفض النقابي والعمالي الذي واجهه قرار الحكومة تصحيح الأجور الأسبوع الماضي، اتفق ثلاثي الأكثرية، حزب الله والتيار الوطني الحر وحركة أمل، على إعادة طرح المشروع على طاولة مجلس الوزراء، مع الاخذ في الاعتبار موقف الرئيس نجيب ميقاتي، وبغض النظر عن المواقف التي اتخذها وزراء الكتل السياسية الثلاث
استكمالاً لما تم الاتفاق عليه خلال الاجتماعين الاخيرين اللذين عقدهما الثلاثي، الوزيران علي حسن خليل وجبران باسيل، والمستشار السياسي للأمين العام لحزب الله حسين خليل، في شأن تفعيل التنسيق بين الاطراف الثلاثة الرئيسية المكونة للأكثرية الحكومية، عقد في مجلس النواب أمس اجتماع ضم الوزراء خليل وباسيل وشربل نحاس ومحمد فنيش وحسين الحاج حسن. وفيما تكتم المجتمعون على ما دار في الاجتماع بسبب اتفاق على عدم التسريب، علمت «الاخبار» ان جدول الجلسة الوزارية المصغرة تضمّن موضوعيّ تصحيح الاجور والموازنة.
وفي ما يتعلق بتصحيح الاجور، اجمع المجتمعون على ان القرار الذي اتخذه مجلس الوزراء لا يحظى برضى شرائح معنية، به والدليل الاضراب الذي دعت اليه هيئة التنسيق النقابية امس والاضراب الذي دعا اليه الاتحاد العمالي العام في 27 من الشهر الجاري. واتفق الحاضرون على ضرورة الفصل بين مبدأ اعادة طرح المشروع على مجلس الوزراء من جهة وموقف مجلس شورى الدولة من جهة أخرى. كما اتفق الاطراف الثلاثة على الفصل بين مشروع تصحيح الاجور ومشروع التغطية الصحية الشاملة، بسبب التداخل بين مشروعي كل من الوزيرين خليل ونحاس. وفي ما يتعلق بالموازنة، اتفق الاطراف الثلاثة على ضرورة تخفيف العبء عن الفئات الفقيرة واجراء اصلاح ضريبي يؤدي الى زيادة موارد الدولة وتحميل الاعباء الضريبية تبعاً للدخل الفردي للمواطن. وخصص جزء من الاجتماع للمصارحة، واتفق على أن يكون اللقاء فاتحة لاجتماعات دورية يعقدها وزراء الكتل الثلاث، وهي لن تكون محصورة بمن اجتمعوا امس، بل سيحضرها الوزراء المعنيون بالقضايا المطروحة سواء على المستوى السياسي او على طاولة مجلس الوزراء، على أن يعقد الوزراء انفسهم اجتماعاً آخر الاثنين المقبل.
وكان قرار «البانادول» الحكومي لتصحيح الأجور، امس، في مواجهة مع الشارع (رشا أبو زكي). الأساتذة والمعلمون كانوا هم الصورة في تظاهرة دعت اليها هيئة التنسيق النقابية. ممثلو الاحزاب السياسية من جناحي السلطة: 14 و8 آذار، حشدوا ربطات أعناقهم، وبدلاتهم الانيقة، ونزلوا فرادى، بلا أتباعهم المتضررين من «الزودة» الهزيلة. عدد من ممثلي النقابات كان حاضراً أيضاً، وفرادى طبعاً.
في ساحة رياض الصلح، غابت الألوان كلها، حتى البرتقالية منها. فقاعدة التيار الوطني الحر بحضورها شبه المعدوم كانت تعاكس تيار الشارع. اللون الأصفر غاب ايضاً، فـ«خطأ» تصويت حزب الله لصالح قرار رئيس الحكومة نجيب ميقاتي لم يلق «تصحيحاً» عملياً في الشارع بحسب ما اوحت به بيانات التعبئة التربوية والعمالية. عدد قليل من الشبان حملوا لافتات ضخمة لا تحمل اي مطالب، حاولت ايجاد مكان لها في «الصورة» لتوحي أن قطاعات تابعة للحزب موجودة بين الحشود. «ثانويات الضاحية الجنوبية تدعم التحرك النقابي» جالت هذه اللافتة على التظاهرة، لافتة «مدارس المهدي تدعم التحرك» ثبتت خلف المتحدثين في ختام التحرك، أمام الكاميرات. وبين معلمي لبنان، قلة من الشباب اليساري والشيوعي، مع عدّتها الحمراء الدائمة، كانت تهتف بحماسة، فرئيس هيئة التنسيق النقابية حنا غريب لقبه «غيفارا» لدى هؤلاء، وهو ما تبقى لديهم في التحركات المطلبية في ظل قيادتهم الغافية. في رياض الصلح، قرب مجلس الوزراء، كان هناك مواطنات ومواطنون يريدون استعادة بعض من كرامة تحاول الحكومة وتجارها سلبهم اياها. كما كان عدد كبير من الأساتذة والمعلمين مطعمين بمجموعات شبابية، وقلة من الحزبيين، كانت تظاهرة لم يهتم أحد لتعداد أرقامها لأنها لا تصرف في الاسواق الطائفية والسياسية وحتى «العمالية» بمعناها الدقيق... رفع الاساتذة إصبع التهديد والتحذير، ليس بوجه الطلاب هذه المرة، فمن رسب في الامتحان هو الحكومة بكل تكويناتها.
وصلت التظاهرة قرب السرايا الحكومية. غريب عبّر عن غضب المشاركين «نتظاهر اليوم رفضاً لقرار تصحيح الرواتب والاجور، رفضاً للقرار المذل والمهين، قرار تأبى علينا كرامتنا القبول به مهما كانت الظروف والاسباب». وللتظاهرة هدف، وفق غريب، هو «اسقاط القرار الحكومي الأخير لأنه أسوأ من الذي سبقه». 6 لاءات أعلنها غريب «لا للقرارات المذلة والمهينة بحق الشعب اللبناني. لا لحدين ادنى للأجور. لا للمبالغ المقطوعة. لا لتقسيم الموظفين والعمال الى فئات. لا للتمييز في ما بينهم. لا للارقام الادنى التي وعدوا بها العمال والموظفين والمعلمين في قرارهم الاول وعادوا وتراجعوا عنها في القرار الثاني». وفي المقابل، كانت «نعم للمساواة والعدالة وعدم التمييز وخلق الفتن بين الموظفين والمعلمين والعمال. نعم لاحتساب الزيادة ارتكازاً على نسبة التضخم منذ العام 1996 التي تجاوزت الـ100 في المئة. نعم للتغطية الصحية لأولئك الذين لا يقبضون أجراً. نعم للمؤسسات الضامنة في الضمان الاجتماعي وتعاونية الموظفين، وبما يحفط الحقوق المكتسبة. نعم لحقوق الشباب والطلاب في ايجاد فرص عمل لهم لوقف الهجرة وتوفير مجانية التعليم وتحسين نوعية التعليم الرسمي».
وللمدارس الخاصة كلمتها أيضاً، وثلاث رسائل أيضاً. رئيس نقابة المعلمين في المدارس الخاصة نعمة محفوض وجه الأولى الى رئيس الحكومة نجيب ميقاتي وحكومته: «اذا كانت هذه الحشود للمعلمين والموظفين والعمال وذوي الدخل المحدود لا تعني شيئاً لدولته وحكومته، فبرأينا هذه الحكومة لا تمثل الشعب اللبناني، بل تمثل شعباً آخر في دولة اخرى. إما ان يسمع دولته لأنين الناس وصوتهم ويعود ويفتح المفاوضات ونحن ايجابيون جدا لذلك، وإما اذا استمروا في ادارة الاذن الطرشاء لنا، فهذا المشهد سيتكرر مرة وثانية وثالثة في كل شوارع بيروت».
الرسالة الثانية تخص القطاع الخاص، وبعض المديرين «الذين يعتقدون انهم يعيشون في جمهورية خاصة، يحق لهم تهديد المعلمين في لقمة عيشهم ويتخطون القانون والدستور ويهددون المعلمين بوجوب الحضور الى المدرسة، هذا الاضراب يكفله الدستور، وهؤلاء المديرون نعرفهم بالاسم وهناك قضاء بيننا وبينهم».
أما الرسالة الثالثة فهي للقوى السياسية «لتتعظ بكل اطرافها من هذه الحشود، هيئة التنسيق النقابية هيئة مستقلة ونقابية، نريد أن نرى مواقف الاطراف السياسية التي تصدر بيانات دعم لبنان في السياسة، في مجلس الوزراء ولا نريد فقط بيانات اعلامية».
امّا رئيسة رابطة التعليم الاساسي الرسمي عايدة الخطيب فحذرت من ان «اتفاقهم ضدنا وحدنا وسنبقى متحدين». فيما ردد رئيس رابطة التعليم المهني والتقني الرسمي فاروق يوسف الحركة «اننا لا نطلب منة من احد، بل نريد جزءاً من حقوقنا المهدورة ». وطالب رئيس رابطة موظفي الادارة العامة محمود حيدر الحكومة بـ«التراجع عن قرارها على اساس ان التراجع عن الخطأ فضيلة، كما قال احد الوزراء الذين وقعوا على القرار الاخير». ووعد رئيس رابطة معلمي التعليم الاساسي في البقاع محمود الموسوي بـ«تحركات مماثلة اذا لم تستجب الحكومة».