يوم تراشق وسام الحسن ودانيال بلمار بالاتّهامات

اتّهم الحسن فريق بلمار بتسريب معلومات عن لقاءاته بوسام عيد أدّت إلى اغتياله (أرشيف)اتّهم الحسن فريق بلمار بتسريب معلومات عن لقاءاته بوسام عيد أدّت إلى اغتياله (أرشيف)للمرّة الأولى، تُنشر وثيقة دولية تشير إلى إمكان الاشتباه في صلة العقيد وسام الحسن باغتيال الرئيس رفيق الحريري، وبملف شهود الزور. لكن هذه الوثيقة لا تعبّر عن اللحظة الوحيدة التي ساءت فيها العلاقة بين فرع المعلومات ولجنة التحقيق الدولية. فلهذا السوء سوابق، أبرزها ما جرى في الأيام التي أعقبت اغتيال النقيب وسام عيد

حسن عليق يبدو وسام الحسن كمن «أدين من ذوي قربى». فمن وضعه في دائرة «الشبهتين» (شكوك حول أسباب تغيبه عن موكب الرئيس الشهيد رفيق الحريري، والشبهة حول صلته بملف شهود الزور) ليس سوى لجنة التحقيق الدولية، وفي عهد رئيسها الأخير، المدعي العام في المحكمة الخاصة بجريمة اغتيال الحريري، دانيال بلمار. في الوثيقة الصادرة في تشرين الأول 2008، والتي نسبتها محطة «سي بي سي» الكندية إلى لجنة التحقيق الدولية، جانبان رئيسيان يرتبطان برئيس فرع المعلومات: يتصل الأول بإمكانية الاشتباه في العقيد وسام الحسن بالضلوع في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، بسبب تناقض المعلومات المتعلقة بحجة غيابه عن الموكب الذي تعرض للتفجير ظهر الرابع عشر من شباط 2005. وهذه المسألة يوردها المحقق الدولي في التقرير من دون الجزم بها، لكونها كانت لا تزال في مرحلة ما قبل الاشتباه. أما الشق الثاني من تقرير لجنة التحقيق الدولية، فمتصل بما أورده المحقق الدولي عن احتمال أن يكون العقيد وسام الحسن قد قدّم إلى لجنة التحقيق الدولية «شاهداً يفتقد الصدقية». وباللغة الآنية اللبنانية، تعني هذه الجملة أن وسام الحسن مسؤول محتمل عن تقديم شاهد زور (واحد على الأقل) إلى التحقيق الدولي. وهذه الوثيقة، في حال صحتها، هي الأولى الصادرة عن مرجع دولي، التي تسمّي شخصاً في موقع رسمي ضمن منظومة 14 آذار، لتربطه مباشرة بملف شهود الزور. وقد تكون هذه الوثيقة عينة من الأسباب التي تدفع قوى 14 آذار والأمم المتحدة ودانيال بلمار يدعّمون جدار السرية المحيط بملفات شهود الزور في أدراج لجنة التحقيق الدولية التي انتهى دورها في آذار 2009. العلاقة بين الحسن ولجنة التحقيق الدولية لم تكن دوماً على ما يُرام. ولم تكن الوثيقة التي نشرتها «سي بي سي» نقطة الافتراق الوحيدة بين الطرفين اللذين شهدت العلاقة بينهما مراحل من المدّ والجزر بين عامي 2005 و2009. في عهد ديتليف ميليس، كان الرجلان وفريقاهما يعملان بتناغم تامّ: تعاون وتنسيق في التحقيقات، وتبادل للمعلومات على أعلى المستويات. وفي بعض الأحيان، كانت المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي تنفذ طلبات لجنة التحقيق الدولية من دون طلبات خطية بذلك. وصل الأمر إلى حد مشاركة العقيد وسام الحسن في التحقيق الذي أجرته لجنة التحقيق الدولية مع زهير محمد الصدّيق في فرنسا عام 2005. في عهد سيرج براميرتس، لم يستمر الود على حاله. ينقل متابعون للملف عن مسؤول استخباري فرنسي قوله إن الرئيس الثاني للجنة التحقيق الدولية كان يرفض كل «تركة» سلفه ديتليف ميليس، بما فيها علاقة المساكنة «الحميمة» بين لجنة التحقيق وفرع المعلومات. ويُنقَل عن وسام الحسن قوله إنه التقى براميرتس صدفة في أحد مطارات فرنسا، فتقدم منه لمحادثته، إلا أن القاضي البلجيكي رفض بتهذيب قائلاً للحسن: أنا لا أتحدّث بشؤون العمل خارج أوقات الدوام. ويؤكد متابعون لملف التحقيقات أن ثقة بعض المحققين الدوليين بوسام الحسن كانت منعدمة، وأن أحدهم (في عهد سيرج براميرتس) كان يتهم الحسن بإخفاء معلومات عن لجنة التحقيق الدولية، وخاصة في مسألة اعتراف الموقوف السعودي فيصل أكبر بالضلوع في جريمة اغتيال الحريري ثم تراجعه عن الاعتراف. وينقل مصدر عن المسؤول الاستخباري الفرنسي قوله إن براميرتس كان يرفض منتصف عام 2006 الاطلاع على التقارير التي أعدّها فرع المعلومات عن حركة الاتصالات الهاتفية التي تؤدي إلى الاشتباه في أفراد من حزب الله في جريمة اغتيال الحريري. وتطلّب الأمر «من بعض المقربين من سعد الحريري توسيط ضباط فرنسيين لإقناع براميرتس بأهمية التقارير المرفوعة من مكتب وسام الحسن عبر القاضي سعيد ميرزا». بعد ذلك، أخذ براميرتس الملفات، وتوسع في مضمونها إلى أن سلّم رئاسة لجنة التحقيق إلى خلفه دانيال بلمار. لم تكن قد انقضت مدة طويلة على تسلّم بلمار مهمته حين اغتيل النقيب وسام عيد في كانون الثاني 2008. نُفّذت الجريمة بين موعدين لعيد مع محققي اللجنة الدولية. كان هدف الموعد الذي تم (والموعد الذي حال الاغتيال دون إتمامه) ينحصر في مناقشة التقارير التي رُفِعَت من فرع المعلومات إلى القاضي سعيد ميرزا عام 2006، ومنه إلى لجنة التحقيق الدولية، والتي يؤكد مسؤولون أمنيون لبنانيون أن فرع المعلومات توقف عن العمل بمضمونها منذ أيلول 2006. مباشرة، ربط العقيد وسام الحسن بين لقاء عيد بالمحققين الدولين وعملية الاغتيال، متهماً فريق التحقيق الدولي بتسريب معلومات أدّت إلى وقوع الجريمة. وكان الحسن حادّاً في التعبير عن فكرته خلال المحادثات التي أجراها مع فريق التحقيق الدولي. وفي مقابل ذلك، نزل غضب المحققين الدوليين على وسام الحسن وفريقه، وردّوا التهمة عنهم عبر رميها في وجهه، قائلين إن تسريب خبر اجتماع عيد بالمحققين الدوليين جرى من داخل فرع المعلومات. وبناءً على ذلك، استدعى المحققون الدوليون ضباط فرع المعلومات وأفراده الذين كانوا يعملون مع عيد، وأولئك الذين كانت تربطه بهم صلة قوية. وقد استمع فريق لجنة التحقيق إلى رجال الأمن اللبنانيين بصفة شهود.

رفض براميرتس الاهتمام بتحقيق فرع المعلومات المتّصل بخطوط الهاتف الخلوي

مضت أسابيع على جريمة اغتيال عيد من دون أن يكون فريق التحقيق الدولي أو فرع المعلومات قد تمكن من التوصل إلى أي خيط يمكن استكماله لكشف المشتبه في ارتكابهم الجريمة. ويوماً بعد آخر، عادت العلاقة بين الحسن وفريق بلمار إلى سابق عهدها، وارتفع منسوب الثقة بينهما، حتى صار فرع المعلومات المرجع اللبناني الوحيد للجنة التحقيق الدولية (ولاحقاً المحكمة الدولية) في بعض القضايا التي تتطلب يداً لبنانية لجمع معلومات منها. طوال هذه المدة لم يكن وسام الحسن على علم بالمذكرة التي نظّمها أحد المحققين الدوليين العاملين في فريق بلمار، والتي نشرتها محطة «سي بي سي» بداية الأسبوع الجاري، بحسب تأكيد مقربين من الحسن. يضيف هؤلاء أن رئيس فرع المعلومات تجاوز سريعاً مضمون المذكرة التي «يرى أنها بلا معنى»، وخاصة بعد الموقف السريع الذي صدر عن رئيس الحكومة سعد الحريري الذي أكد ثقته بمستشاره الأقرب. وينقل هؤلاء عن الحسن قوله إنه واثق من مضمون إفادته التي أدلى بها، بصفة شاهد، إلى لجنة التحقيق الدولية عام 2005. ويضع أحد المقربين من الحسن المذكرة في الإطار الشخصي، ناسباً إياها إلى «محقق يكنّ ضغينة لوسام الحسن، لسبب أو لآخر». لكن أبرز ما أنتجته هذه المذكرة هو ما بات يردّده صراحة بعض الفريق الأمني القريب من قوى 14 آذار لناحية القول «إن بعض رجال التحري في لبنان هم أكفأ من محققين دوليين جاهلين بالبلاد وواقعها وعادات أهلها وتفاصيل حياتها السياسية ولغتها».

عدد الجمعة ٢٦ تشرين الثاني ٢٠١٠ |

الأكثر قراءة