خلع رئيس الحكومة سعد الحريري قناع التجهّم الذي لبسه كلما جمعته الصورة مع الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد، الشهر الماضي في بيروت، واستوطنت الابتسامة وجهه، منذ لحظة استقباله نظيره التركي رجب طيب أردوغان، رغم أن الأخير جعله ينتظر لأكثر من ساعة في المطار، بعد تأخر وصول طائرته من العاشرة والنصف قبل الظهر إلى الحادية عشرة و35 دقيقة. ومع أن الاستقبال الرسمي لأردوغان والوفد الكبير الذي يرافقه في زيارة اليومين للبنان ضمّ إلى الحريري 8 وزراء فقط: 2 من أمل، و2 من حصة رئيس الجمهورية، و2 من المستقبل، وواحد من اللقاء الديموقراطي وميشال فرعون، إلا أن تلفزيون رئيس الحكومة ركّز على غياب وزراء حزب الله والتيار الوطني الحر عن الاستقبال، من دون أن يشير إلى عدم حضور أي وزير من القوات اللبنانية والكتائب. يوم أردوغان البيروتي بدأ بلقاء ربع ساعة مع الحريري في قاعة صالون الشرف، في حضور وزيري خارجية تركيا أحمد داوود أوغلو ولبنان علي الشامي، ثم توجه إلى قصر بعبدا حيث التقى رئيس الجمهورية ميشال سليمان الذي شكر لتركيا مساهمتها في قوات اليونيفيل «ووقوفها إلى جانب قضية الشرق الأوسط وأهمية قيامها بدورها في الملفات الأساسية في المنطقة، إضافة إلى موقفها من حصار غزة»، آملاً تعزيز العلاقات بين البلدين في كل المجالات، فيما لخّص الضيف التركي أهداف زيارته، ومنها تأكيد وحدة العراق، «والتفاهم بين اللبنانيين من أجل إيجاد حلول للمواضيع ذات الصلة بالمحكمة الدولية». ثم زار أردوغان عين التينة، حيث عقد مع رئيس مجلس النواب نبيه بري اجتماعاً واسعاً، حضره الوفد التركي المرافق والوزير الشامي وعدد من النواب، وأعقبته خلوة ثنائية، أدى بعدها الضيف الصلاة في مقر الرئاسة الثانية. وقد أشاد بري، في مؤتمر صحافي قصير، بالزائر «الذي لم يبخل يوماً من الأيام في حرصه على لبنان وعلى اللبنانيين، كل اللبنانيين، قبل الدوحة وعبر كل أزمة، واهتمامه الشديد والمشاركة في قوات «اليونيفيل»، ومشاركته في الحلول اللبنانية». وقال إن أردوغان يحمل همّ لبنان واللبنانيين «بجميع طوائفهم ومذاهبهم»، وإنه «يسعى إلى دعم الحل الذي يكون لمصلحة اللبنانيين جميعاً». كذلك أكد أردوغان أن تركيا «على مسافة واحدة من الجميع دون تمييز بين مذهب ومذهب أو بين طائفة وطائفة». وقال إن الجهود تتركز «على كيفية مساهمة لبنان في الحفاظ على وحدته». ورأى أن هناك تدخلات لمنع الإنماء في لبنان، مردفاً «لا بد ألا نسمح لمثل هذه التدخلات، ولا بد أن نحافظ على وحدتنا متّحدين، ولا بد أن نكون أقوياء أيضاً، وبذلك ننقل لبنان إن شاء الله إلى المستقبل بنحو قوي». وأعلن أنه سيتصل «بجميع الأطراف الموجودة هنا، وبعد ذلك نغادر هذا البلد مسرورين». وفي السرايا الحكومية، بعد عودتهما معاً من عكار مساءً، عقد أردوغان والحريري محادثات بدأت ثنائية ثم موسّعة حضرها الوزراء علي الشامي، ريا الحسن، حسين الحاج حسن، محمد الصفدي وحسن منيمنة، الأمين العام لمجلس الوزراء الدكتور سهيل بوجي، السيد نادر الحريري، عدد من مستشاري الحريري ومسؤولو هيئات اقتصادية، وأعضاء الوفد التركي. ثم وُقّع الإعلان السياسي المشترك لإنشاء اللجنة الاستراتيجية العليا للتعاون والتنسيق بين تركيا ولبنان، واتفاقية الشراكة لإقامة منطقة تجارة حرة. وأكد الحريري، في مؤتمر صحافي مشترك بعد المحادثات، أنه سيزور إيران نهاية هذا الأسبوع «في إطار سعي لبنان إلى أفضل العلاقات مع جميع الدول في المنطقة»، مكرراً مطالبته بشرق أوسط خال من الأسلحة النووية، «مع تأكيد حق جميع دول المنطقة في تطوير برامج نووية سلمية لاستخدامات مدنية». وأعلن، رداً على سؤال عن الوضع الداخلي، التعويل «على الدور التركي في التهدئة، وعدم جعل لبنان مكاناً للضغوط عليه بسبب أي وضع إقليمي في المنطقة. العلاقة السياسية في ما بين اللبنانيين سيحكمها الحوار ثم الحوار ثم الحوار، ويجب ألا تكون هناك أي أجواء احتقان». وعن مطالبة النائب وليد جنبلاط الحكومة برفض المحكمة الدولية والقرار الاتهامي، قال الحريري إن الحكومة «لا تجتمع بسبب شهود الزور، فهل سنجتمع من أجل المحكمة الدولية؟»، مكرراً أن المحكمة «شأن قائم بموجب قرارات مجلس الأمن، وليس باستطاعة أحد تغيير ذلك». وصوّب باتجاه آخر برفضه لـ«عدم الذهاب إلى طاولة الحوار في ما يخص موضوع كالاستراتيجية الدفاعية»، و«عدم الذهاب إلى مجلس الوزراء لمناقشة كل الأمور التي تهمّ المواطن». ودعا إلى إعطاء الأهمية للحوار، متحدثاً عن «اتصالات» أجراها مع الرئيس السوري بشار الأسد، وعن أهمية وجود أردوغان في لبنان، «والاتصالات السعودية السورية القائمة». وقال إن الأجواء إيجابية، «لذلك لا يحاولنّ أحد أن يضع لبنان أو اللبنانيين أو المنطقة في جوّ غير مطمئن. الجو مطمئن وليطمئن اللبنانيون. لن تكون هناك فتنة، ولا أحد يجرّنا إلى فتنة». ولم يفت أردوغان الإشارة إلى أن السرايا هي «ميراث من عهد العثمانيين»، ثم نبّه إلى أن الشرق الوسط «يمر بمرحلة حساسة جداً»، مشدداً على ضرورة أن يتحرر لبنان «من هذا الجو المتوتر»، وقال: «لقد تطرقنا اليوم إلى التطورات في كل من لبنان وإيران والعراق، وبعد تأليف حكومة شاملة في العراق لا بد من إنهاء هذه المسيرة بسرعة». ورداً على سؤال، قال أردوغان إن الاتصالات السورية ـــــ السعودية مستمرة، وإن الواقع الصحي لملك السعودية «أدى إلى انقطاع هذه المسيرة في الوقت الحاضر»، متمنياً استئنافها، ومبدياً الاستعداد للقيام بأي «واجب يترتّب علينا في هذا الصدد». وتحدث عن وجود «بعض الشكوك» في ما خصّ العلاقة بين بيروت ودمشق، متعهداً ببذل الجهود لتأسيس الثقة وإيجاد الطريق للحل، «لأن المسيرة الإيجابية بين لبنان وسوريا بدأت، لكننا في الحقيقة لا نريد أن يكون العكس». وأعلن أنه اتصل بالرئيس السوري قبل زيارته أمس للبنان، وسيعاود الاتصال به بعد عودته «لتقويم هذه المواضيع، وسأتقاسم معه النتيجة التي توصلنا إليها»، مشيراً إلى أنه سيلتقي اليوم «العديد من ممثّلي جناح المعارضة». وعمّا إذا كان متخوّفاً من عدوان إسرائيلي على لبنان، قال: «الحقيقة أنه بالنسبة إلى الإدارة الإسرائيلية، هناك أمور لا تعلمون ماذا يحصل بشأنها وفي أي زمان ومكان. عندما نعلم نحن ما يجب أن نقوم به، لن تكون هناك أي مسألة، وقد قدمنا الرسالة اللازمة، ونحن نصرّ على هذه الرسالة».
عقد منتدى السباعية الوزارية في إسرائيل، أمس، اجتماعاً خاصاً للبحث في التداعيات المحتملة للقرار الاتهامي المتوقع صدوره عن المحكمة الدولية الخاصة بلبنان على الجبهة الشمالية، في ظل مخاوف عبرّت عنها تل أبيب من أن يؤدي القرار إلى سيطرة حزب الله على لبنان. وأشارت هآرتس إلى أن المؤسسة الأمنية في إسرائيل، وكذلك وزارة الخارجية، تتابعان عن كثب الوضع اللبناني، ولفتت إلى أن التقدير المعتمد حالياً في دوائر الوزارة وشعبة الاستخبارات العسكرية يقوم على فرضية أن حزب الله وبقية الأطراف اللبنانية والإقليمية (سوريا وإيران) ليس لديها رغبة في تصعيد الأمور. ووفقاً للصحيفة، كان نتنياهو قد أعرب خلال لقائه وزير الخارجية الإيطالي، فرنكو برتيني، الذي زار إسرائيل أول من أمس، عن خشية تل أبيب من أن يحاول حزب الله السيطرة على لبنان في أعقاب صدور القرار الاتهامي في قضية اغتيال الحريري. ونقلت «هآرتس» عن وزير الدفاع الإسرائيلي إيهود باراك قوله، خلال اجتماع لرؤساء البلديات في النقب، إن على إسرائيل أن تتأكد من أن التوتر في لبنان لن يتسلل إلى الحدود الشمالية. وكشفت هآرتس أن فريد هوف، نائب الموفد الأميركي إلى المنطقة، زار إسرائيل في الآونة الأخيرة، وطلب من المسؤولين الإسرائيليين تسريع الانسحاب من الشطر الشمالي من قرية الغجر «لتعزيز مكانة رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري في مواجهة حزب الله».
عدد الخميس ٢٥ تشرين الثاني ٢٠١٠