عالم جديد: لا محال - هادي المصري مميز

 

لعلّ فيروس الكوفيد ١٩ قد عزّز عدّة نقاط لم تكن بعد واضحة للبعض الذي يراهن على أزلية الرأسمالية كتشكيلة إجتماعية. إضافة إلى التناقض بين قوى الإنتاج وعلاقات الإنتاج، فإن الفيروس قد سلّط الضوء على التناقض بين الإنسان والطبيعة. إنّ الرأسمال وبهدف ديمومة ربحه مستعد لتدمير البيئة وتدمير الإنسان الذي بنظره لا يعبّر إلّا عن سلعة يتداولها السوق، وهذا واضح وضوح الشمس في الولايات المتحدة الأمريكية مثلاً. في هذه الأثناء أيضاً وبينما الإقتصاد العالمي يترنح والنظام الدولي القديم معه. هناك حرب أيديولوجية لردّ هذا الإنهيار إلى الفيروس، وكأنّ الأزمة التي نحن بها هي خارجية أي من خارج المنظومة الرأسمالية، هذا من ناحية. ومن ناحية أخرى هناك حرب عنصرية على الصين في محاولة لتحميلها .مسؤولية الفيروس وإتهامها بصناعته

جزر المارشال شاهدةً

جزر المارشال هي أرخبيل من الجزر في غرب المحيط الهادئ تتألف من حوالي ١٢٠٠ جزيرة كبيرة وصغيرة، وصل إليها "الرجل الأبيض" في العام ١٥٢٦ من هنا بدأت النكبات. بعد الحرب العالمية الثانية خضعت الجزر للإحتلال الأمريكي. بين العام ١٩٤٦ والعام ١٩٥٨ أجرى الأمركيون أكثر من ٦٧ تجربة نووية في الأرخبيل. أبرز جزيرة خضعت للتجارب من ضمن الأرخبيل هي جزيرة البكيني أتول، والتي كرّمتها الدعاية الإمبريالية  باسم الثياب الداخلية "بيكيني". السكّان الأصليون للجزر أصبحوا فئران تجارب للإمبريالية الأمريكية إذ تعاني  الجزر حتى الآن من الإشعاعات النووية. هذه الجزر هي تعبير مكثّف عن نموذج الديمقراطية الأمريكية التي تتداعى الآن، أضف إلى ذلك أنها جزءٌ من عدة قواعد عسكرية أميريكية تحاصر الصين من كلّ الاتجاهات. 

الديمقراطية الأمريكية تضحّي بالعمال 

عند بداية الوباء لم تتوقّف ماكينة الدعاية الغربية عموماً والأميريكية خصوصاً عن التحقير بالخطوات الصينية في مواجهة الفيروس، التي اعتبرتها ديكتاتورية وشمولية تقضي على "الحرية الشخصية". لقد سرّعت الرأسمالية انتقال الفيروس عبر "سلاسل التوريد"، ففي غضون أسابيع قليلة كان الفيروس منتشراً في أغلب مناطق الكرة الأرضية. هنا ويا للمفارقة بدأت الكارثة الإنسانية، إذ بهدف المحافظة على الربحية رفضت أغلبية الشركات في الولايات المتحدة الإغلاق تزامن هذا مع موقف الدولة الهزلي من الفيروس وهذا ما عكسته كلمة ترامب بعد تسجيل أول حالة في الولايات المتحدة الأمريكية. 

النظام المأزوم إضافةً إلى الوباء لم يترك الكثير من الخيارات أمام العمال، فخيار البقاء في العمل ولساعات أطول مخاطرين الإصابة بالعدوى فرض نفسه، هذا أيضاً دفع إلى عودة قوية للحركة النقابية حيث سُجّلَ عدد مهم من الإضرابات المطالبة بالحدّ الأدنى من الحماية وبعطلٍ مدفوعة الراتب. 

"مؤسسة سياسات الاقتصاد" تتوقع بأنّ أصحاب ٢٠ مليون وظيفة سوف يفقدونها بحلول شهر تموز، كذلك قدّرت نيويورك تايمز أنّ معدل البطالة هو عند ١٣ %، وهو أعلى معدل رسمي منذ الكساد الكبير. 

المضحك بكمية الضخ الإعلامي أنها سرعان ما تتكسّر على أعتاب الواقع، فلنأحذ مثلاً ما شاع من أقوايل أننا كلنا سواسية أمام الفيروس أي الغني والفقير، بمعنى آخر أنّه فيروس لا يميّز بين الطبقات، تذكر نيويورك تايمز في إحدى تقاريرها أنّ "١٩ من أصل ٢٠ شخص ممّن كانت اختبارات إصابتهم بالفيروس سلبية هم من قاطني المناطق الثرية". بمعنى آخر.ز إنّ العمال هم الأكثر تضرّراً من الفيروس. هذا أيضاً من دون أن نغفل الوحدات السكنية الضيقة المكتظة بالفقراء!! 

الحزب الشيوعي الصيني: الخطر المركزي!!!

خوف الولايات المتحدة الأمريكية والطبقات البرجوازية المسيطرة عالمياً، عبّر عنه مايك بومبيو عندما قال أن "الحزب الشيوعي الصيني هو الخطر المركزي الذي يواجهه العالم في الوقت الحاضر". 

من الضروري عند الكلام عن النموذج الغربي وإخفاقاته الذي تدفعه إلى مثل هذه الفوبيا من الشيوعية، هو تحديد موقع الدولة في المجتمع، حيث الدولة هي جهاز بيد الطبقة البرجوازية. بمعنى آخر إنّ دور الدولة الإجتماعي غائب، برنامجها هو تحقيق أعلى نسبة أرباح للطبقة المسيطرة. نقيض هذا في الصين وهو الموضوع الذي سمح لها بالسيطرة سريعاً على الفيروس، لأنّ حياة الشعب هي أهم من النمو الإقتصادي. 

عند تسجيل أول حالة في ووهان، وبعد دراسة الفيروس، أقرّت الحكومة الصينية الاستراتيجية الوطنية الشاملة للتعامل مع الفيروس الجديد. ففي ٢٣ كانون الثاني عزلت مدينة ووهان وفرضت إجراءات صارمة على التواصل المباشر. 

إنّ قدرة الصين على احتواء الفيروس مردّه الأول إلى النموذج الإشتراكي الصيني، أمّا ذرّ الرماد في العيون والتحقير في دور الصين، ونشر بدعة أنّ الصين "إمبريالية" وأنّ الإمبريالية هي صفة تُلصق بكل دولة، والمشكلة الأفظع عندما يقوم "اليسار" بتبنّي هذه الترهات فتصبح قضيته في مكانٍ آخر. 

منظومة قيم بديلة

إنّ ما أظهره الفيروس بكل وضوح هو منظومة القيم الإشتراكية البديلة، التي أمسَتْ ضرورةً تفرض نفسها على الجنس البشري ككل. التربية الفردية وتعزيز روح التنافس والأنانية كلها مفاهيم مؤسِسة لمنظومة القيم الرأسمالية، ما أثبته الفيروس هو ضرورة العمل الجماعي بعيداً عن التنافس والأنانية. 

أيضاً إنّ منظومة القيم الرأسمالية قائمة على مبدأ الربحية فهي تنظر للإنسان كسلعة، بالتالي كان واضحاً سلوك المستشفيات الخاصة والشركات الخاصة حيث مبدأ الربح هو الطاغي عندما رفضت استقبال المرضى . 

بالمقابل، تؤكد كوبا مرةً أخرى أنها الحياة في وجه الموت الذي تمثله الولايات المتحدة الأمريكية، فعدا مساهمتها العالمية الطبية ومساعدتها بعض الدول المنكوبة مثل إيطاليا، طوّرت كوبا دواء الإنترفرون ألفا ٢بي الذي يُعتَمد اليوم من قبل الصين كأحد الأدوية المستخدمة لردع الفيروس، هذا كله رغم الحصار الذي يعتبر الأقوى تاريخيّاً بسبب خيار الشعب الكوبي بالإشتراكية!

توازن دولي جديد

هناك شيء يسعى البعض إلى تناسيه ألا وهو التوازن الدولي الجديد والذي أيضاً سرّع الفيروس إظهاره للعالم. إنّ عصر الهيمنة الإمبريالية الأميريكية على العالم وتفردها بعد التسعينيات باستغلال جميع دول العالم تقريباً قد انتهى ونحن أمام مرحلة إنتقالية. كما أنّ النموذج الرأسمالي يلفظ أنفاسه التاريخية.. ألا يدعو كل ذلك قوى اليسار إلى مراجعة مواقفها وتحليلاتها وبرامجها؟ 

اليوم أكثر جملة تعبّر عن الرأسمالية هي جملة دانتي أليغييري "ليس هُناك من ألم أعظم من تذكر زمن سعيد"، فلا عودة إلى الزمن "السعيد" يوم كانت الرأسمالية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميريكية تُمعِن في استغلال وتدمير الدول والشعوب حسب مصالحها. 

 

الأكثر قراءة