قرية النبي صموئيل محاصرة منذ العام 1967 والاحتلال ينتظر موت أهلها!

امجد سمحان - رام الله : عندما تختصر القضية الفلسطينية كلها في مكان واحد، حيث يكون الجار مستوطنة وجدار فصل وحاجزا عسكريا، وتصبح حركة الفلسطيني مرهونة بمزاج جندي ونظام عقوبة، يكون الحل إما الهجرة أو الصمود بأقل مقومات الحياة، تماما كما هو الحال في قرية النبي صموئيل الواقعة في شمالي غربي القدس المحتلة، والتي لا يفرقها عن الزنزانة سوى أن لها سماء. كثيرة هي قصص القرية التي تبلغ مساحتها الفعلية ألفي دونم، ولا يسمح لأهلها سوى بالعيش في أقل من خمسة كيلومترات مربعة. أما معاناة أهلها فلا توصف. منهم من هو عاجز عن الحركة وممنوع من الانتقال إلى خارج القرية، ومنهم من انتظر وفاة أبيه ليجد مكانا له في القرية التي يحظر على الفلسطينيين بناء سور فيها، ومنهم من هجرها من دون عودة لقلة فرص العمل، ومنهم من يكافح ليحافظ على مدرسة مساحتها غرفة ولا يتجاوز عدد طلابها الثمانية. وفي قرية النبي صموئيل 11 منزلا فقط، يسكنها 300 فلسطيني بمعدل 28 فرداً في المنزل الواحد. ويحظر الاحتلال على أهالي القرية بناء أي منشأة، حتى وإن كانت سورا، تحت طائلة هدمها فوراً. ويقول المستوطنون إن هناك مكانا دينيا في القرية، هو أصلا لنبي يدعى صموئيل، أرسل لـ«بني إسرائيل». وفي القرية مسجد واحد احتل المستوطنون أكثر من 80 في المئة من مساحته. وقرية صموئيل محاطة بجدار الفصل العنصري، ومستوطنات راموت، هارشموئيل، جفعات زئيف. ويمنع على أي فلسطيني دخول القرية، أما سكانها فهم مسجلون لدى سلطات الاحتلال، ولا يسمح لهم بالحركة إلا بتصاريح صعبة المنال. عيد محمد بركات (46 عاماً) هو أب لأربعة أبناء، هجر القرية في العام 1996، بعدما هدم الاحتلال منزله مرتين، وصادر منزلاً خشبياً وضعه في محاولة للبقاء من دون جدوى. يلخص بركات حال القرية بالقول إنها «سجن بلا بوابة، حدودها الاحتلال وسماؤها مظلمة». ويقول بركات لـ«السفير» إنه أضطر لمغادرة القرية والعيش خارجها بعد الهدم المتكرر لمنزله، مشيراً إلى انه انتظر تسع سنوات حتى وفاة أبيه لكي يتمكن من العودة إلى الغرفة التي كان يعيش فيها والده ليسكنها مع عائلته. ويشير بركات إلى أنه «يحظر علينا تماما أن نبني أي شيء، ونحن نحمي منازلنا بالعجلات المطاطية والأشواك». ويضيف «نحن نعيش هنا في سجن محكم الإغلاق. ممنوعون من مغادرة القرية. ممنوعون من البناء فيها. لا نستطيع التحرك بحرية لأن القرية مليئة بكاميرات المراقبة. كل ما نفعله هو أن نحاول الاستمرار أحياء بأقل المقومات». ويشير بركات إلى أنّ قوات الاحتلال تحاصر قرية النبي صموئيل منذ حرب العام 1967، وقد قامت بهدم كل المنازل التي كان يعيش فيها ملاكها في العام 1971، وأجبرت الأهالي على العيش في منازل كانت في الأصل مهجورة بعدما غادرها أصحابها خلال النكسة. ويوضح «هم يقولون لنا عيشوا في هذه المنازل المملوكة لغائبين، حتى ينطبق علينا قانون أملاك الغائبين الذي يحول ملكيتها لدولة الاحتلال»، لافتاً إلى أنه «في أية لحظة قد يأتون إلينا ويهجرونا من المنازل التي ليست ملكا لنا، وهي في الحقيقة لا يمكن تسميتها منازل، إنها قبور واسعة ترفضها الحيوانات». ويشير بركات إلى أنّ «مسجد القرية محتل، والمستوطنون يأتون لأداء صلواتهم فيه وتحديدا يوم الجمعة لكي يزعجونا، فيما نحاول أن نحافظ على ما تبقى منه»، لافتاً إلى أن مصير القرية بالنسبة للسكان واضح ومعروف وهو «الترحيل ثم الترحيل». ويضيف بركات أن «في القرية سيارة واحدة فقط، يسمح لها بالتحرك في ساعات محددة... هي تستخدم لكل شيء: لنقل السكان، والبضائع»، مشيراً إلى أنه «في كثير من الأحيان يركب فيها أكثر من 25 شخصا، ولا حل لنا سوى باستعمالها». ولا تقتصر الحياة في قرية النبي صموئيل على قوائم الممنوعات، فهناك ما هو أشد خطرا ورعبا، وهو الاعتداءات المستمرة والاستفزازات المتواصلة من قبل المستوطنين الذين يدخلون القرية بشكل شبه يومي. ويقول عضو لجنة القرية أمير عبيد: «إنهم يحرقون أراضينا باستمرار، ويخربون محاصيلنا الزراعية، ويمنعونا من الحركة بحرية، ويصادرون ما أمكنهم من أراض أو ممتلكات. ومنهم من سيطر على أرض في منتصف القرية، ويعيش فيها، وهو يسمح له بالقيام بكل شيء أما نحن، أصحاب الأرض، فيحظر علينا حتى التذمر». وعبيد هو أب لستة أبناء يعيشون في غرفة واحدة مع مطبخ وحمام، وبينما يعيش إلى جواره كل من أخته وأمه، لكنهم يقطنون في مغارة. ويقول عبد إنّ «الغرفة التي أعيش فيها كانت أصلا موجودة وهي عبارة عن جذوع أشجار، عليها ألواح صفيح، ومحاطة بألواح صفيح، استصلحتها وأعيش فيها مع أسرتي. أما أهلي فيعيشون إلى جواري، وهم يقطنون في مغارة». ويؤكد عبيد ان وضعه يبقى أفضل من أحوال آخرين في القرية، «فهناك مثلاً كمال، الذي يمتلك دكانا يبيع أهل القرية من محتوياته المتواضعة، وهو عبارة عن بضعة رفوف، ومطبخ، وأريكة، وهي أيضاً المكان الذي يعيش فيه». وحول الحركة « شبه المستحيلة» من القرية وإليها، يشير عبيد إلى أنه «في حال مرض أحدنا في ساعة متأخرة، لا حل له سوى الصبر أو الموت حتى موعد تحرك السيارة». ويضرب مثلا عن أحد شبان القرية الذي أصيب في حادثة «ولم يكن هناك مجال لنقله إلى المستشفى، فانتظر حتى ساعات الصباح، وحين وصل لتلقي العلاج كان لا بد من بتر أصابعه». ويختم عبيد «أنا اليوم أعيش مع أسرتي، ولكن عندما يكبر أولادي، أين سيذهبون؟ كيف سنعيش كلنا في الغرفة ذاتها؟ هذا أمر مستحيل. بالتأكيد هم سيغادرون، لكني أنا باق هنا حتى الممات».

آخر تعديل على Tuesday, 01 September 2009 11:26

الأكثر قراءة