مسيرة واعتصام أمام «مصرف لبنان» احتجاجاً على السياسة المالية

السفير: حملة «أنت في خطر» للسلطة: سيأتي يومٌ نبني فيه على ركامكم وطناً جعفر العطار نحن في خطر؟  عناصر قوى الأمن الداخلي يتهيأون لمواكبة المسيرة، التي ستنطلق عند الثانية عشرة والنصف ظهراً من أمام مركز «اتحاد الشباب الديموقراطي اللبناني» في مار الياس، باتجاه المقر الرئيسي لمصرف لبنان في شارع الحمراء. حركة المارة في الشارع عادية. في الطابق الثاني من المبنى، جلس بعض «الرفاق» ينتظرون توافد الناشطين في الاتحاد، بغية الانطلاق في المسيرة التظاهرية، التي دعا إليها الاتحاد أمس تحت عنوان «أنت في خطر»، والتي تعتبر الحركة الاحتجاجية الخامسة للاتحاد، على حد قول أمينه العام حسين مروة لـ«السفير». يستفيض الشاب في شرح هدف الحملة عموما، قائلاً: «يتجلى الهدف الرئيسي برفع الصوت ضد السياسات الاقتصادية والضريبية، في ظل انعدام مناقشة الموازنة العامة»، لافتاً إلى ان «الاعتصامات السابقة كانت ضد السياسة الاقتصادية أيضاً: الضريبة المضافة، اعتصامان ضد غلاء الوقود، وآخرها من أجل الضمان الاجتماعي وما يعانيه المواطنون من سوء إدارته». أما فحوى مسيرة أمس فهي «ضد السياسة المالية التي يتبعها مصرف لبنان». يتدخل رئيس المجلس الوطني في الاتحاد عربي عنداري، ليعرج على «الشق الخاص»، فيشير إلى أن الاتحاد لا يرفع الصوت «هكذا فقط. بل نطرح حلولاً، وجل ما نريده هو أن نعرّي القيادات السياسية أمام جماهيرها. لا نطلب منهم الانضمام إلى الاتحاد. نقول لهم: شكّلوا حالات ضغط في أحزابكم. ألا ترون ماذا يدور حولكم من سرقة وهدر؟». إلى المسيرة، إذاً. «ع الدولة منعمل ثورة» تنشر الأغاني الحماسية كلماتها في فضاء شارع مار الياس، فتشد أنظار المارة إلى المدخل، حيث تجمع «الرفاق» ظهر أمس، حاملين أعلاماً ذيلت بصور الثائر «تشي غيفارا». تعلو أصوات الحناجر عقب رفع الشعار الأول: «شوفوا شوفوا شو صاير.. الرئيس بيضلّوا طاير»، وتتغير فحوى الكلمات بين الفينة والأخرى. سيارات قوى الأمن تتقدم المسيرة لتسهيل حركة الشباب. عند إعلان «الضوء الأخضر» للانطلاق، كان رجل أمن يردد هذه الكلمات: «إيه سيدنا، حاملين أعلام وصور، وفيه حدا عم يحكي عن الرئيس». يستمر بالحديث، محاولاً الإيحاء، نظراً لارتدائه ثياباً مدنية لا عسكرية، بأنه شاب أمني: يشرئب بعنقه محاولاً التقاط أكبر قدر ممكن من الصور البصرية، بغية نقلها لـ«سيدنا» على الهاتف الخلوي. الأسلوب نفسه سيطبقه أربعة شبان، أو بالأحرى أربعة رجال أمن، لا أحد يعلم إلى أي جهاز ينتمون. يختفي صوت الأغاني الوطنية، فيما تزداد حماسة الحناجر: «حرة يا بلادي حرة.. ع الدولة منعمل ثورة»، ثم هتاف آخر: «.. وعلّمنا يا سنيورة.. كيف بتزور فاتورة». يخرج بعض المواطنين إلى الشرفات لإلقاء نظرة، تعقبها عودة سريعة إلى المنزل، بينما وقف البعض الآخر من المارة يرمقون الحشود بنظرات. يبتسمون. «رح نشتاقلك». عبارة سياسية ذاع صيتها في الآونة الأخيرة، تجاه زعيم سياسي رحل. إلا أنها لم تكن موجهة إليه أمس، بل رفعت على لافتات عدة، بجوار رغيف خبز. اللافتات، بالمناسبة، تدل، من حيث الجودة، على وضع الاتحاد المادي، الأمر الذي لفت إليه مروة بالقول: «معظم اللافتات تستخدم أكثر من مرة، كما نعمد إلى لصق الأوراق عليها في أكثر من جهة، بغية توفيرها». تجدر الإشارة إلى أن كل التكاليف المادية التي يتكبدها الاتحاد يتكبدها بالشراكة الأعضاء والناشطون في الاتحاد. نعود إلى المسيرة: الفتاة التي عكفت على توزيع بيان الاتحاد، ستفاجأ، أكثر من مرة، بردود الفعل السلبية من بعض المواطنين الذين امتنعوا عن أخذ البيان. وللأمانة، ليس «البعض» عشوائيا، بل أولئك الذين كانوا يستقلون سيارات فارهة، تحديداً. لكنها، الفتاة، لن تيأس. تكمل جولتها لتوزع البيان، بحماسة أكبر. يقول البيان، الذي حمل عنوان الحملة «أنت في خطر»: «إلى كل مواطن لبناني يدفع 400 دولار لمصلحة البنوك الخاصة، بنوك السياسيين، من دون أن يدري. إلى كل من صوّت لحكومة الاحتكار المصرفي. إلى كل من لا يعلم أن خفض نقطة واحدة من قيمة الفوائد على سندات الخزينة، كفيل بإدخال 350 مليون دولار إلى خزينة الدولة. إلى كل من لا يعلم أن ...». من مار الياس، إلى الحمراء، أكملت الحشود المسيرة مرددة شعارات تناوب على إطلاقها في الهواء أكثر من ناشط، من دون كلل، بأسلوب لامس معاناة نفوس شبان أرادوا الانتفاض ومواجهة ما اعتبروه سرقة لأموال المواطنين. كانت نبرة الصوت مغمورة بالحزن والأسى. لكنها خرجت من أفواه قدّر لرجل مسنّ أن يعتبرها «أصوات تتمتع بروح الشباب. هذه الروح لن تبقى على حالها. اسألونا نحن». والـ«نحن»، قصد بها «الجيل القديم». 11 عائلة فقط عند الوصول إلى مقر مصرف لبنان الرئيسي في الحمراء، تربّع «الرفاق» على الأرض ورددوا، بالحماسة نفسها، شعارات المسيرة، وقالوا: «حاكم مصرف لبنان.. حاكم علينا بالدين»، بينما رفعت لافتة ذيلت بـ«جريمتنا أننا فقراء». في تلك الأثناء، وقف موظفو المصرف على النوافذ، وراحوا يصوّرون الاعتصام بواسطة هواتفهم الخلوية. ثم، ألقت نهى نمّور كلمة الاتحاد، وشرحت فيها أن «اليوم، نطل عليكم من أمام مصرف لبنان، لنسقط قناعاً جديداً، ولنظهر المزيد من الحقائق»، مشيرة إلى انه «ما كان للقطاع المصرفي أن يكون على ما هو عليه من ترف وتخمة إلا على حساب الاقتصاد الحقيقي القائم على القطاعات المنتجة، في ظل وجود دولة الهدر والمديونية». ولفتت كلمة الاتحاد إلى أنه «تحكم المصارف بنية احتكارية تسيطر عليها إحدى عشرة عائلة، وتتحكم بأكثر من 70 في المئة من الودائع التي تشكل أكثر من 365 في المئة من حجم الناتج المحلي، ناهيك عن استحواذ مصرفين منها على القسم الأكبر من أرباح القطاع المصرفي». ورأت الكلمة أن «إدارة هذا القطاع (المصرفي) قد أصبحت عبئاً على البلد وعلى أصحاب المداخيل المحدودة، لما يشكل هذا النموذج الريعي من حالة طفيلية تقتات على ما بقي من جسم الاقتصاد المنتج، وعلى المجتمع الذي يزداد فقراؤه أكثر فأكثر، لتحيا طبقة سياسية». وختمت الكلمة: «لا تظنوا أن بقاءكم أزلي، سيأتي يوم نهز فيه عروشكم، نهد قصوركم، نغيّر سياساتكم، ونقلب حكمكم. سيأتي يوم نبني فيه على ركامكم وطناً حقيقياً ودولة فعلية تقوم على العدل والمساواة والعدالة الاجتماعية».
آخر تعديل على Wednesday, 08 February 2012 09:23

الأكثر قراءة