نحـاس: الديـن المتراكـم هـو الترجمـة المباشـرة لعجـز إدارة الدولـة

شربل نحاسالسفير:«قراءة واقعنا الاقتصادي والاجتماعي غير ممكنة إلا في ضوء فهم المحطات التاريخية التي أوصلت إليه». بهذه العبارة استهل وزير الاتصالات شربل نحاس محاضرته التي ألقاها، أمس، في مسرح المدينة - الحمراء، تلبية لدعوة اتحاد الشباب الديموقراطي اللبناني. الهوى اليساري الذي غلب على الحضور الفتي، لم يغب عن بال نحاس للحظة، لذلك بدا النقاش محكوما من بدايته بمسائل من قبيل تقليص التفاوت الاقتصادي والاجتماعي بين اللبنانيين، ازدياد الهوة الطبقية، ارتفاع كلفة المعيشة. نظرة مقارعة للنهج الاقتصادي والمالي السائد، السياسات الاجتماعية القاصرة، ولا منافس جدّيا لهذه العناوين. قدم نحاس تشخيصه لآليات عمل النظام اللبناني والروافد التي تغذيه حائلة دون انهياره، والتي يغذيها بدوره حائلاً دون انقطاعها عن إمداده بأسباب القوة والبقاء. هكذا إذاً انطلق نحاس في محاضرته من البدايات المؤسسة للبنيان السياسي والاجتماعي القائم. استعاد المحطات الأساسية التي ساهمت في تكريس البنى المؤسسية السائدة بما لها وما عليها. ورد الأهمية التي تعطى للاقتصاد اللبناني إلى عوامل عدة، طبيعية وجغرافية، أبرزها: تطور دور مرفأ بيروت في الخمسينيات والستينيات اثر نشوء الكيان الصهيوني، المؤثرات الخارجية في الوضع اللبناني، الحراك الداخلي التي تأرجحت عناوينه ما بين تسارع وتيرة الهجرة من الريف إلى المدينة، إلى توسع التعليم، وتعزيز البنية التحتية (نقل، كهرباء، مياه الخ...)، وصولاً إلى بداية تكثف بنية الاقتصاد اللبناني من خلال التصنيع أولاً، وبعض الخدمات المتطورة ثانياً. تابع نحاس سرده التاريخي بالتعريج على حقبة السبعينيات، التي شهدت بدايتها تكثف البنية الداخلية لهذا البنيان، المعطوف على تصاعد حدة الصراع السياسي والاجتماعي، والمتزامن، من ناحية ثانية، مع النهوض المتسارع لقوى المقاومة الفلسطينية والتي انتقلت إلى لبنان. ولفت الانتباه إلى أن هذه الوقائع باتت تطبع المسار التاريخي لذاكرة كل لبناني كونها أضحت من محددات حاضره، خصوصاً أن السلطة القائمة وقتها بدأت تظهر عجزاً متنامياً عن مواكبة التطورات، وذلك مع بداية الأفول الذي شهدته الدولة الشهابية نهاية الستينيات. أضاف نحاس إن الحرب مكلفة والناس تخسر جزءاً كبيراً من مداخيلها بحيث تصير بحاجة إلى مداخيل بديلة. وهي، أي الحرب، ما كانت لتستمر طيلة هذه الفترة لولا أنها تواكبت مع القفزة النوعية التي شهدتها أسعار النفط، وما كان لهذه القفزة من انعكاسات على مستوى تزايد تحويلات اللبنانيين من جهة، وتعاظم تدفقات المال السياسي إلى لبنان من ناحية ثانية. والاثنان، بنظر نحاس، تضافرا لتأمين المستلزمات المادية لاستمرار الحرب وديمومتها. وشدّد نحاس على أن التأريخ للانهيار الكبير للدولة اللبنانية ينطلق من أواسط الثمانينيات، وهي الحقبة التي ترافقت مع انهيار العملة اللبنانية. وترتب على هذه التغيرات، وفق نحاس، تحول في البنية الطبقية للمجتمع اللبناني، ما أدى إلى التحاقه بالمنظومة الاقتصادية والنقدية السائدة في الجوار والقائمة بصورة أساسية على الدولار. هذا على المستوى الاقتصادي العام. أما على المستوى الخاص بالموازنة العامة لعام 2010 والذي بات الشغل الشاغل لشريحة واسعة من اللبنانيين، قال نحاس «إن النقاش الذي دار في الأيام الفائتة خرج بخلاصة تقول أننا لن نسن قوانين موازنة للسنوات الأربع المنصرمة، كون الموازنة، أي موازنة، تنتهي مع نهاية السنة، بل سنستعيض عن ذلك بوضع حسابات الإدارة المالية لكل سنة على حدة». فالموازنة الحالية، استطرد نحاس، تنتهي صلاحيتها في 31 كانون الأول، إلا أن أهميتها تنبع من كونها موازنة شاملة وللمرة الأولى منذ السبعينيات، بمعنى أنها لا تلحظ إنفاقاً من خارج الموازنة (أقرت في جلسة الاثنين الفائت). وهو الأمر الذي ترسخ في الأعراف طوال السنوات الماضية وتسلل إلى بعض النصوص أحياناً. تابع نحاس «أما اليوم وبعد النقاش الحامي الذي دار حول الموازنة صار بإمكان النقاش حول الخيارات الاقتصادية والاجتماعية السائدة أن يحصل على طاولة مجلس الوزراء». أما القرار الآخر والمعطوف على القرار السابق، فيتعلق بموازنة العام 2011. إذ، ويغوص نحاس في الشرح، على أساس الحسابات المالية لموازنات السنوات المنصرمة، وعلى أساس مبدأ شمولية هذه الموازنات أيضاً، سينطلق النقاش في مجلس الوزراء من عنصرين، أولهما، وجود فائض في التمويل، وثانيهما، سيادة الضعف في اتخاذ القرارات. الأمر الذي يستوجب الدعوة إلى وضع قواعد لا تقتصر على تقاسم المغانم فحسب، بل أيضاً التكاليف. وأعاد نحاس التأكيد على الخلاصة التي داوم على ترديدها مؤخراً والقائلة بأن دفق الأموال إلى لبنان يغذي الهجرة إلى خارجه، وبالعكس. وختم «الدين المتراكم ليس سوى الترجمة المباشرة لعجز ادارة الدولة».

حسن الحاف

آخر تعديل على Wednesday, 08 February 2012 09:07

الأكثر قراءة