فالألمان الذين يشاهدون توقعاتهم الاقتصادية وهي تخفق، وبنوكهم وهي تلجأ إلى المساعدة من أجل الحصول على حزمة إنقاذ بمليارات اليوروهات، والعمال وهم يخرجون إلى الشوارع احتجاجا وينفسون عن غضبهم من خلال التصويت بأعداد غير مسبوقة لـ"الحزب اليساري"، والذي تضم صفوفه خلفاء"هونيكر".
ففي الانتخابات العامة، التي جرت العام الماضي، رفع الحزب عدد مقاعد كتلته البرلمانية من 54 مقعداً إلى 76 من إجمالي عدد المقاعد البالغة 622 مقعداً. وفي انتخابات الولايات، وعلى وجه التحديد التي جرت في ولاية"شمال الراين - ويستفاليا" و"سارلاند" على مدار العام الماضي، نجح "اليسار" في كسب تمثيلٍ في المجالس التشريعية المحلية في مناطق غرب ألمانيا للمرة الأولى.
ويقول الخبراء إن الدعم الذي يحظى به الحزب، يرجع إلى ما يرى الناخبون الألمان أنه سوء إدارة اقتصادية من جانب أحزاب التيار الرئيسي. ومن العوامل الأخرى، التقليص الوشيك في مخصصات الرفاه الاجتماعي التي سيكون لها تأثير بالغ على الفقراء والمتعطلين.
وحسب ما هو ظاهر، فإن هذا التقلب في الأهواء الانتخابية، ينتشر عبر خطوط إقليمية، ويفيد في سياق ذلك "حزب الخضر" ذا الميول اليسارية، الذي نجح هو الآخر في الحصول على 17 مقعداً في الانتخابات البرلمانية الأخيرة.
والسياسات الناعمة ساهمت هي الأخرى في تمهيد الطريق لصعود "اليسار" مجدداً. فالشيوعيون الألمان الشرقيون، الذين نظموا أنفسهم في حزب جديد اسمه"حزب الاشتراكية الديمقراطية" ( PDS) عقب توحيد الألمانيتين - اعتمدوا على كتلة ثابتة وغير متغيرة من الناخبين الذين يعيشون في الولايات المدمرة اقتصادياً، والتي كانت خاضعة في السابق للنفوذ السوفييتي.
وبعد ذلك، وتحديداً في عام 2005 ، وتحت قيادة القائد الكاريزمي للحزب الاشتراكي الديمقراطي"أوسكار لافونتين"، وزير المالية الأسبق، بدأ "حزب (PDS) يوحد صفوفه مع حزب ألماني غربي ينتمي إلى أقصى "اليسار"، وفي النهاية اندمج الحزبان تحت حزب واحد أطلق على نفسه مسمى مختصر هو"حزب اليسار".
و"لافونتين" سياسي يساري شعبوي يعرف كيف يخاطب عواطف الجماهير كما يقول "جيرجن فالتر" أستاذ الاقتصاد السياسي بجامعة "ماينز"، بالقرب من "فرانكفورت" الذي يقول:"إنه يعرف جيداً كيف يستغل مشاعر القلق والغضب من التمييز لدى الجماهير".
وقد دعم "اليسار" صفوفه بدماء جديدة منها على سبيل المثال "كاتجا كيبنج" 32 عاما، الذي كسب مقعداً في الانتخابات البرلمانية التي جرت عام 2005، وكذلك "ستيفن بوكاهن"، الذي كسب مقعداً في الانتخابات البرلمانية التي جرت العام الماضي.
وينسب الحزب نجاحاته الأخيرة إلى الاضطراب الاقتصادي في البلاد، وإلى الركود المستمر في الولايات التي كانت تتشكل منها ألمانيا الشرقية السابقة، ومشاركة ألمانيا في الحرب في أفغانستان والتي لا تحظى بأي قبول شعبي، ويعارضها "اليسار" بشراسة.
يقول"داجمار إنكيلمان"، زعيم الكتلة البرلمانية لليسار:"هناك حاجة حقيقية في ألمانيا في الوقت الراهن لحزب يساري يتحدث عن العدالة الاجتماعية". ويضيف:"وأنا اعتبر نفسي اشتراكياً".
غير أن هناك خبراء آخرين يرُجعون بروز اليسار مجددا إلى جنـوح "الحـزب الاشتـراكي الديمقـراطي"، الذي يرمز إليـه بالحـروف( SPD) تجاه الوسط. فمنذ أن كون هذا الحزب حكومة تقوم على ائتلاف واسع مع الحزب الديمقراطي المسيحي(CDU) في عام 2005 ، فقد مصداقيته لدى الناخبين اليساريين.
يقول"يوي ماناردت" زعيم "الاتحاد الصناعي الألماني": معظم القوة التي يحظى بها اليسار مستمدة من ضعف اليسار... وإذا ما تعافى حزب (SPD) مجدداً، فإن ذلك سيؤدي تلقائياً إلى ضعف اليسار".
وصعود "اليسار" في ألمانيا يتناقض تناقضاً تاماً مع الركود الذي يخيم على تيار "اليمين" المتطرف. فـ"الحزب الديمقراطي الألماني" اليميني المتطرف، الصغير الحجم، لم يكسب مقعداً واحداً في البرلمان الوطني كما يؤدي أداءً فاتراً في الانتخابات التي تجرى على المستويات المحلية، وعلى مستوى الولايات. وبعد أن كسب هذا الحزب بعض الدعم في بداية عقد التسعينيات من القرن الماضي ذوى نفوذه، وتضاءلت مكانته، على النقيض تماماً مما حدث في الدول المجاورة مثل فرنسا وهولندا. ويعلق"فالتر" أستاذ الاقتصاد السياسي على ذلك بقوله" في ألمانيا تذهب أصوات المعارضين في العادة لليسار وليس اليمين". وعلى الرغم من التقدم الذي يحققه "اليسار" والخضر في ألمانيا، فإن الناخبين لا يزالون يعطون معظم أصواتهم لواحد من الحزبين الرئيسيين في تيار الوسط وهما (SPD أو CDU).
والخلافات بين "اليسار" و"الخضر"، ترجع في معظمها إلى أن الأخير المهتم بشؤون البيئة يختلف مع "اليسار" في عدة موضوعات منها استخراج الفحم على سبيل المثال، وهو ما يحول دون انضمام "الخضر" إلى "اليساريين" ليشكلوا تحدياً هائلاً للحزبين الرئيسيين.
يعلق "ماينهارت" المسؤول النقابي باتحاد الصناعات على ذلك بقوله: "لديّ شعور بأن الشعب الألماني ليس شعباً يسارياً".
دورزو داراجاهي - "إم. سي. تي انترناشونال"