بزق زياد كمنجل الحقول وبيانو زياد كمطرقة المصانع

  اختفى فجأة بعد عام حافل بالعطاء، وابتعد عن الأضواء المحليّة. وها هي «بيت الدين» تردّه إلينا، بعد فراق طال. موعد استثنائي مع هذا الفنان الذي يحمل إلينا بعض المفاجآت، إن لجهة الموسيقى أو الغناءziad-rahbani بشير صفير إذا استثنينا ظهوره الإعلانيّ الموندياليّ، كلاعب احتياط في المباراة الدعائية المعروفة، يمكن اعتبار DAKT، ضمن «مهرجانات بيت الدين» (17/ 7) الإطلالة المحلية الأولى لزياد الرحباني هذه السنة، خلافاً لسابقتها التي كانت حافلة بالمواعيد على أكثر من صعيد. هكذا ملأ الدنيا وشغل الناس فنياً وسياسياً أيضاً. في خانة الرأي الفنيّ والسياسيّ، أطل زياد في مقابلتَيْن أساسيتَيْن، على التلفزيون السوري وشاشة «المنار»، تضاف إليهما سابقة بجزءين على «لايت أف.أم»... بالفرنسية. من ناحية ثانية، شهدت 2009 مواعيد شبه ثابتة قدّمها الفنان اللبناني في الحانات البيروتية، وأمسيات جاز أقامها في أكثر من منطقة. وبين الفينة والأخرى، قدّم أمسيات في أطار أوسع، طغى فيها ريبرتواره الخاص، وظهر فيها جديدٌ غير متوقَّع، كأغنية «الجماعة سهرانين» التي لم يسمعها سوى من حضر الليلة الثانية في حفلتَيْه الشماليتَيْن. موسيقيّاً أيضاً، نذكر تظاهرة «منيحة...!!!»، بين الكلمة والأغنية والموسيقى، في الشام أولاً، ثم في بيروت. وفي سياق خياراته الملتزمة، لا يمكن أن نغفل ذكرى «جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية» التي أحياها في أيلول (سبتمبر). لكن تبقى أبرز الأحداث الموسيقية وأقلها وقعاً لدى الجمهور العريض، الحفلات المشتركة التي أحياها زياد مع عازف الساكسوفون الأميركي شارلز دايفس. وهذا الأخير يتّفق مع زياد في نظرته إلى الجاز: الـ Be-Bop هو أهمّ وأجمل (وبالتأكيد أعقد) تيار في تاريخ الجاز. أما الـFusion فهو Confusion (التباس)، كما قال الرجلان مازحين في دردشة خاصة جمعتهما. مع دايفس، قدّم زياد باقة من قديمه وجديده أيضاً. هكذا اكتشف الموسيقي الأميركي العتيق، زميله اللبناني مؤلفاً بالدرجة الأولى، وعازفاً أيضاً يتقن قواعد اللعبة في الجاز جيداً، مستغرباً كيف لم تجدْ بعض مؤلفاته طريقها إلى الريبرتوار العالمي.اضغط  على الصورة لمشاهدتها بالحجم الطبيعي تلك كانت جردة العام الماضي. جردةٌ تبدو مختصرة قياساً إلى زحمة الأحداث التي أعقبها، في الأشهر الأخيرة، هدوء مريب. هذا في العلن فقط. أما في الكواليس، وبعيداً عن الأضواء، فالعمل كثيرٌ، ستظهر ثماره تباعاً، ومنها على الأرجح DAKT هذا الموعد الأول لزياد الرحباني مع جمهوره اللبناني خلال 2010. في ختام العام الماضي، رحل زياد عن بيروت، ليبحث في الإمارات العربية عن فرص عمل. بعد طول انتظار، وبعد محاولة أخيرة في مضاعفة الجهود خلال السنة الماضية، لمَسَ زكريا (الحقيقي هذه المرّة)، أنّ «البلد (فعلاً) ما بيحمل». الفن كمهنة، ليس خياراً للترف والثراء السهل بالنسبة إلى زياد. بزق زياد كمنجل الحقول. وبيانو زياد كمطرقة المصانع. إذاً، بشيء من الأمل نعود إلى إطلالة زياد الرحباني اللبنانية التي يستهلها بحفلة في «مهرجانات بيت الدين» بعنوانٍ غامض: DAKT. إنها عبارة من قاموسه الخاص. بدلاً من محاولة تفسيرها، يمكن الإشارة إلى أنّها تأتي لتفادي العناوين التي يستعاض فيها عن عناوين وشعارات مثل «لقاء الشرق والغرب» أو «أنغام من لبنان» أو تلك الأشدّ اختصاراً، مثل «عشْق» أو «سلام»... في البداية، أراد زياد أن يكون الموعد موسيقياً بامتياز، يحتل فيه الجديد والقديم غير المنتشر مساحةً كبرى. لكنه، بواقعيته المعهودة، تبنّى خياراً «وسطياً» يعطي ما لقيصر لقيصر وما لله لله. بمعنى آخر، أخذ الرحباني في الاعتبار الإطار الذي تندرج فيه الحفلة المرتقبة، وما تفرضه المهرجانات عموماً من أجواءٍ احتفالية وترفيهية إذا صحّ التعبير. لكنه، لم ينسَ جمهوراً متعطشاً إلى الجديد الإبداعي، جديد موسيقيّ (آلاتي) وغنائيّ، من النوع الذي يفرض حداً أدنى من التركيز والاستمتاع. بعدما خلت حفلاته الكبيرة الأخيرة (دمشق 2008، و«منيحة ... !!!») من هذا التوازن المُرْضي، مع العلم بأنّه في جميع الأحوال قلّما يبقى القديم قديماً مع هذا الفنان، في ظلّ ما قد يطرأ من إعادة توزيع مع كل إطلالة جديدة. أو حتى بين ليلة وأخرى، إذا ما أخذنا في الاعتبار الارتجال بشقّيه، أي، من جهة، خلال المساحات المخصصة له (يتولاها زياد أو غيره)، وفي المرافقة (ينفرد زياد في هذه المهمة عموماً). من جهة ثانية، فرض خيار أجواء الجاز والفانك (وبعض الشرقي واللاتيني) على نحو أساسي، تركيبة الفرقة التي ستعزف في بيت الدين، وتتألف من 2 ترومبون، و3 ترومبت، وعازف باريتون وتينور ساكس، وعازف تينور وآلتو ساكس، وكلارينت، وبزق، وقانون، وإيقاعات شرقية ولاتينية، ودرامز، وباص، وغيتار وبيانو، إضافة إلى الغناء (صوت أنثوي). بدورها، فرضت الفرقة ريبرتواراً معيّناً، فيه من القديم الغنائي «بيذكر بالخريف»، و«ما بتفيد»، من دون أن ننسى «يا ليلي ليلي ليلي» التي أضيفت إليها مقدمة جديدة، وأغنية لم يسمعها الجمهور من قبل. موسيقياً، يضم البرنامج بعض القديم الذي قلّما قدّمه الرحباني في عزفٍ حيّ، مثل المقدمة الأولى لـ«لولا فسحة الأمل»، و«إذا بعد في مجال»، و«العقل زينة»، والجديد نسبياً، مثل Jam 71 وOne Note Shanta، وغير المعروف من الجمهور، مثل موسيقى مكتوبة لفيلم الراحلة رندا الشهّال «متحضِّرات»، وغير ذلك... أما الجديد موسيقياً فلا ضرورة للإشارة إلى أنه موجود وجميل. إنه باختصار، زياد الرحباني الذي ينحني أمام الفطرة في اللحن، ويتمرّد على القواعد في التوزيع. الأخبار - عدد السبت ٠٣ تموز ٢٠١٠
آخر تعديل على Tuesday, 01 September 2009 11:26

الأكثر قراءة