إيفا الشوفي - الاخبار
لليوم التاسع عشر على التوالي يستمر الموظف في وزارة الزراعة، د. علي برو، في اضرابه عن الطعام في ساحة رياض الصلح. الوضع لا يزال على حاله: فجوتان متقابلتان جرى «تشحيلهما» في «شجيرات» الساحة، برميل مياه خلف التمثال، وسرير حديدي على الجانب الأيسر. الفرق الوحيد هو اللافتة التي يحملها تمثال رياض الصلح، والتي تحسب عدد أيام الإضراب فتزيد رقماً يوماً بعد يوم. اعتاد برو المكان وتأقلم معه «أجلس في الفجوة اليسرى حتى الساعة الواحدة والنصف ظهراً، من ثم أنتقل إلى الفجوة اليمنى بحثاً عن الفيء».
الإضراب عن الطعام، الشمس الحارة، الغبار واللامبالاة التي واجهته بها قوى السلطة، لم تحبط من عزيمة الرجل الستيني، الذي شارف على التعاقد؛ بل على العكس زادت من إرادته وإصراره على الاستمرار. «نحن لها» يقول برو لعضو قيادة هيئة التنسيق النقابية حنا غريب، الذي شاركه في الاعتصام امس، «إذا المسؤولين ما حسّوا، الناس بيحسّوا وبيتحركوا». تحوّلت الدعوة التضامنية إلى «قعدة» بين برو والـ 15 موظفا، الذين حضروا ليتضامنوا معه. مثل جلسات الحكواتي يروي لهم خبريات حدثت معه «في اليوم العاشر ذهبت إلى خلف الساحة لأغتسل وأبدّل ثيابي. غبت 20 دقيقة وعندما عدت فوجئت بالدركي خلفي. أراد أن يرى إذا كنت بخير بينما فعليّاً كان يريد أن يعرف إذا كنت آكل خفيةً». شانتال عقل، موظفة في وزارة الصناعة، تتضامن مع برو على نحو شبه يومي وتؤمن بتحركه: «علي سيبقى هنا ولن يتراجع ومن الواضح أنه سيبقى طويلاً»، لكنها لا تؤمن بالطبقة الحاكمة «بلا إحساس ما عم تحكي مع بشر، لا نريد سلسلة، نريد كرامتنا». يُجمع المتضامنون على فساد هذه الطبقة، يقول الموظف في وزارة الشؤون الاجتماعية محمد قدوح إنّ «الطبقة السياسية ليس لها علاقة بالناس، بل تهتم فقط بمصالحها».
رئيس رابطة موظفي الادارة العامة محمود حيدر يشدّد على أهمية تحرك برو. يرى أنّ «المراهنة على اليأس والملل لن تنفع. نحن أبناء الدولة نتظاهر ضد الدولة!»، مستغرباً ما يجري الكلام عنه في ما يتعلق بعدم توافر آلية قانونية لدفع رواتب الموظفين، ما يزيد من هواجسهم. فرح أبي ناصيف، موظفة في وزارة الزراعة ايضا، أتت كي تتضامن مع زميلها علي برو، خطوة الإضراب عن الطعام نجحت في الكثير من الدول، ومثلت عامل ضغط على السلطة، لكن «في لبنان لن تؤدي إلى مكان»؛ هذه الخطوة تنجح فقط في الدول التي تحترم الإنسان. لم ينحصر المتضامنون في المستفيدين من إقرار السلسلة، بل حضر بعض الناشطين والطلاب الذين يرون في السلسلة قضية مواطنين لا موظفين. طالبة الحقوق لارا طالب تلفت إلى أنّ القضية اليوم هي مطلب علي برو، وغداً ستكون مطلب جميع الناس، «هي قضية احترام الإنسان والعيش الكريم». معركة برو انتقلت منذ اليوم الثالث عشر من المطالبة بإقرار السلسلة إلى المواطنية ومحاربة الفساد والهدر «نحن كمواطنين لدينا الكثير من الحقوق المغتصبة التي يجب استرجاعها». يتشبّث برو بتغييب المادة 13 من قانون المحاسبة العمومية، الذي فتح الباب أمام «مزاريب الهدر»، ولم يعد هناك أي ضبط لعملية الإنفاق وربط الاعتمادات، فأصبحت هناك مزاجية في الإنفاق. أحد مزاريب هذا الهدر وفق كلام برو هو المنظمات وجمعيات المجتمع المدني كمؤسسات وهيئات لا كأفراد «غياب هذه الجمعيات عن مطالب المواطنين الأساسية لتحسين العيش، دليل فاضح على تفريغ المجتمع المدني، وإقصائه عن الحياة المطلبية المحقة. هؤلاء يحصلون على أموال من الدولة، ولا يقومون بأي تحرك لخدمة المواطن». راهن الموظف المتفائل على «بقايا إنسانية لدى المسؤولين»، لكنّ ظنه خاب، فقرر أن يتوجه إلى الناس لعلّ معدته الخاوية تدفعهم كي يتحركوا وينفضوا عنهم غبار سنوات من الخضوع. خذلان الدولة والمجتمع المدني والطبقة الحاكمة للرجل الستيني كان متوقّعاً ولم يفاجئه. ورقته الوحيدة هي هيئة التنسيق النقابية، التي يعلّق عليها كل آماله. إضرابه عن الطعام متلازم مع ورقة التصحيح التي تضغط بها الهيئة حتى إقرار السلسلة، وهو على قناعة تامة بأنها لن تساوم في هذا الموضوع. الإرادة موجودة لدى علي برو، والمطالب الحقوقية تتزايد يوماً بعد يوم، ولامبالاة المسؤولين تتزايد معها. كان بدايةً يعدّ الأيام ثم انتقل إلى الأسابيع، أمّا اليوم، فمن الواضح أن عليه أن يبدأ بعدّ الأشهر، لأن الدولة صائمة عن التشريع وعن حقوق المواطن اللبناني. هكذا إذاً لن يُترك رياض الصلح وحيداً، على الأقل حتى نهاية هذا الشهر، فإمّا أن تُقرّ السلسلة، أو يُنقل علي برو إلى المستشفى.