الشياح الثكلى: لن يهزّونا

الشياح الثكلى: لن يهزّونا
25 Jun
2014

رضوان مرتضى

الشياح ثكلى، تُلملم جراحها. تزيح ركام التفجير وتنفض غباره عنها. الشياح أقوى. بات فيها بطل استشهادي يُدعى عبد الكريم حدرج. الشياح فخورة. أحد أبنائها افتدى أهلها، صد بجسده حقد سيارة مفخّخة غادرة. الشياح تحتفل بـ«عرس الشهيد»، رغم مرارة الفراق. من لم يكن يعرف الشهيد عبد الكريم حدرج بالأمس، يُردد اليوم مآثره. صورة الشاب الذي لم يبلغ الثالثة والعشرين وُزّعت على جدران المنطقة. وقصة بطولته باتت حكاية تلهج بها ألسنة الجميع هنا. في صالون روضة الشهيدين في الشياح، اجتمع أفراد عائلة حدرج. حضر الأقارب والأصدقاء لمشاركة المصاب. هنا امرأة تصرخ ثم تقع أرضاً. ترتجف مرددة اسم عبد. يسارع عناصر الدفاع المدني لإسعافها وإخراجها من القاعة. تسأل عمن تكون، هل هي والدة الشهيد؟ فيرد أحدهم بأنها، ربما، إحدى قريباته. يبلغك آخر بأنّ والد الشهيد عمّم على من يريد البكاء أن يخرج. ينقل لك قوله إنه لا يريد أن يرى حزناً ودموعاً، إنما الفرح وحده. يخبرونك أن فضل حدرج، والد الشهيد وابن بلدة البازورية، خسر ابنه «الوحيد على بنتين»، لكنه رغم ذلك يبدو الأكثر رباطة للجأش. هنا كل العيون باكية. وجميع الوجوه يكدّرها الحزن، إلا وجهاً واحداً. وجه رجل أربعيني يُشرق بابتسامة دائمة. ينفث دخان سيجارته مصافحاً الوافدين. يضم بعضهم ويُقبّل آخرين. أحد الشبّان ينهار لدى مصافحته، يشمّه في رقبته، ثم يبكي بمرارة.

يهدّئ الرجل الباسم من روع الباكي. يربت كتف الأخير الذي لا يلبث أن ينسحب. تسأل عن الرجل فيرد أحد الحاضرين بأنّه ربما شقيقه، لكنه لا يلبث أن يصحح قائلاً: «البطل هو ابني». يُخبر بأنّه لا يتقبّل التعازي، بل التهنئة بشهادة ابنه. يُحمّل والد الشهيد عبد الكريم حدرج «الأخبار» رسالة، موصياً بإيصالها. يكرر بعنفوان: «لن يهزّونا.. مهما فعلوا لن يهزّونا». يضيف الرجل الذي لا تفارق وجهه الابتسامة، رغم عينيه الخضراوين المغرورقتين بالدموع: «أرجو الله أن نتواجه معهم». تسأله عن ابنه الشهيد، فيقول: «ابني بطل افتدى أهل منطقته بنفسه. اعترض طريق الانتحاري، ولمّا ارتاب منه صوّب مسدسه إليه طالباً إلى زميله علي جابر أن يُبلغ عناصر حاجز الجيش. وما إن استدار الأخير باتجاه الحاجز حتى دوّى الانفجار. ابني اليوم بطل. وحيدي شهيد أفاخر به، ولا أقبل العزاء، بل التهنئة. فابني عبودي بطل». يقول أحد أصدقاء والد الشهيد، فضل حدرج، إنّ الأخير اتصل به صباح أمس قائلاً: «كنت دائماً أوصيك بالانتباه على عبد، لكنك لن تحمل همه بعد اليوم». الشهيد عبد الكريم ليس أول قربانٍ تُقدّمه عائلة حدرج على مذبح الدفاع عن الوطن. فقد كانت سبّاقة مع رضا حدرج، عم الشهيد الذي استُشهد وهو ابن ١٦ عاماً. رضا كان أحد مقاومي الحزب الشيوعي اللبناني، وشارك في مواجهة قوات العدو الإسرائيلي في خلدة عام ١٩٨٢. وينقل رفاقه أنّه أعطب دبابة إسرائيلية قبل أن يتعرّض لإصابة خطرة، مع الشهيد سمير نور الدين، ثم استشهد متأثّراً بجراحه. يُوارى الشهيد عبد الكريم حُدرج في ثرى روضة الشهيدين بعد ظهر اليوم.

الأكثر قراءة