طارق العبد - السفير
يسجل التاريخ للفلسطيني انتصاره المتكرر على كل أسلحة الموت، وها هو يحقق ذلك مجدداً، فترتفع إرادة الحياة مقابل هستيريا الحرب والقصف والمعارك، وحتى الجوع، وتتمكن إرادة الإنسان من التغلب على كل الصعوبات، كحال مخيم اليرموك قرب دمشق، الذي بدأ أخيراً يتنفس الصعداء بعد سريان الهدنة تدريجاً في شوارعه وإدخال المساعدات الإنسانية لشعب ذاق الأمرين على مدى سنة من الحصار. عند مدخل المخيم ثمة عشرات الشاحنات تنتظر الدخول لتقديم المساعدات الغذائية، وبعضها تلقى الضوء الأخضر بالفعل. لكنّ هناك تشديداً على الحواجز التابعة للجيش أو الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين - القيادة العامة، والتي تزدحم بالعائلات، سواء تلك الخارجة أو التي تنتظر إذن الدخول لتفقد بيوتها بعد إعلان بدء تطبيق الهدنة. وردا على تأكيد العناصر أن المخيم بات منطقة آمنة ويمكن للأهالي العودة إلى منازلهم وبدء إعادة الإعمار، يعلق رجل أربعيني قائلاً: قدر الفلسطيني أن ينزح من مكان الى آخر، أو يعيد بناء بيته المهدم. وإلى جانب هذه الصورة الإيجابية، فإن هناك مشهداً أكثر سوداوية عند المدخل ذاته، مع رجال ونساء وأطفال يتم إخراجهم محمولين وهم في حال صحية سيئة للغاية بفعل الجوع ونقص المواد الغذائية، بل ان وصف الهياكل العظمية يبدو دقيقاً. ويحدث كل هذا رغم استمرار إدخال المساعدات، بينما تزداد سخرية القدر حين يقول بعض من تمكن من المغادرة ان هناك حالات وفاة قد سجلت بسبب تناول الأكل بعد أشهر طويلة من الجوع. ولعل الأخير هو القاتل الأكبر للسكان أكثر من القصف والاشتباكات والأعمال العسكرية، حيث وثق ناشطون وفاة أكثر من 60 شخصاً بفعل الجوع. وتقول سيدة، تمكنت من مغادرة المخيم، «أصبح من المعتاد كل يوم ان نكتشف وفاة أحد الجيران، ان كان رجلاً مسناً أو طفلاً لم يعد يهم، المهم أننا كنا نموت ببطء، وهناك من يتاجر بنا وبمأساتنا». وفي المقابل، فإن هناك حالة من إرادة الحياة في الداخل، حيث يقوم شبان، من جمعيات أهلية، بطلاء الجدران وتزيينها. وينتشر متطوعون من «الأونروا» لتوزيع المعونات الإغاثية، كما لا تزال بعض المدارس، وبإمكانيات متواضعة، تعمل في محاولة لنشر ثقافة الحياة بعيداً عن شبح الموت المتواصل. مصادر وشهود عيان تحدثوا لـ«السفير» عن الوضع الحالي في المخيم، حيث أسفرت سلسلة اجتماعات، عقدتها لجنة للمصالحة مع الفصائل الفلسطينية، عن اتفاق يقضي بانسحاب المقاتلين من الشوارع تدريجاً، مقابل دخول وحدات من الجيش، وتحديداً الهندسة لتفكيك الألغام وتأمين المناطق، وهو ما تم بالفعل بالنسبة الى مدخل المخيم وحتى ساحة الريجة. أما شارع الثلاثين والجهة الخلفية، إضافة الى مخيم فلسطين المجاور، فلا تزال تحت سيطرة المسلحين، بينما كانت وجهة سائر المقاتلين إلى جزء من حي التضامن وكذلك القدم والحجر الأسود. ويعلق ناشط ميداني بالقول ان الاتفاق كان يتعثر في كل خطوة، وعند تفاصيل تبدو بسيطة في بعض الأحيان، فمثلاً شهد بند توزيع المساعدات نقاشاً حاداً، بين طرف أصر على قيام «الجيش الحر» بالمهمة أسوة ببقية مواقع الجنوب الدمشقي التي أعلنت هدنة فيها، وطرف أصر على إسناد المهمة الى الجبهة الشعبية. كذلك دار جدال واسع بين بقاء المدنيين وإدخال المساعدات أو رفع كل الحواجز، وبالتالي اعتبار المخيم منطقة محايدة، بحسب الناشط، الذي استبعد استمرار التسوية لفترة طويلة رغم الوضع الإنساني الذي يصفه بالكارثي على كل الصعد، ملقياً باللوم على تجييش الناس لرفض أي هدنة أو اتفاق مهما كان الظرف، ومستشهداً بتظاهرة في حمص القديمة قبل أيام ظهر فيها الناشط عبد الباسط الساروت مهاجماً ببيلا والمعضمية وبرزة، قائلاً «بئس البيع بيعكم ان لم تعودوا لرشدكم»، يضاف إلى ذلك سبب آخر هو ارتباط المنطقة الجنوبية للعاصمة بأي تحرك قد يحدث في سياق ما يسمى «معركة دمشق»، وهو ما حصل في صيف العام 2012 حين تقدم المسلحون ابتداء من الطريق مع درعا إلى أحياء التضامن والمخيم وببيلا ويلدا والحجر الأسود وصولاً إلى حي الزاهرة ثم الميدان، ليعودوا ويتراجعوا بعد تصدي القوات السورية لهم.