كي لا يبقى موت رلى يعقوب لغزاً

كي لا يبقى موت رلى يعقوب لغزاً
31 Jan
2014

سعدى علوه - السفير عادت قضية المواطنة رلى يعقوب، التي ادعت عائلتها على زوجها كرم البازي بالتسبب بوفاتها خلال شهر تموز الماضي، إلى الواجهة، إثر صدور القرار الظني عن قاضي التحقيق في الشمال آلاء الخطيب، والذي تلته مطالعة النيابة العامة في الشمال، مانعة المحاكمة عن المتهم البازي، وإطلاق سراحه فوراً. عليه، تعقد «منظمة كفى عنفاً واستغلالاً» عند الثانية عشرة والنصف من ظهر اليوم مؤتمراً صحافياً تحت عنوان «كي لا يبقى موتها لغزاً» في مقرها في بيروت، مستعينة بمستندات نشرتها بعض وسائل الإعلام. وتؤكد المستندات، وفق الدعوة التي وجهتها «كفى» وجود إهمال في الإجراءات الطبية، سواء كان هذا الإهمال قصدياً أو غير قصدي». وطرحت «التساؤلات عما خَلُص إليه القرار الظنّي من إطلاق سراح المدعى عليه (الزوج) ومنع محاكمته. وعليه تعتبر عائلة رلى و«كفى» أن قضيتها لن تموت بسبب الإجراءات الطبية التي «لم تكن على المستوى العلمي المرتجى، وبسبب إهمال إجراءات أخرى كان يجب اتخاذها في حينه». لكن ما هي هذه المستندات التي حصلت «السفير» عليها؟ وماذا تتضمن؟ شكل تقرير الأطباء الشرعيين الأربعة الذين كشفوا على جثة رلى عند نقلها إلى المستشفى، ركيزة أساسية في القرار الظني الصادر عن قاضي التحقيق. وأثبتت هذه التقارير، بعد الكشف على الجثة، «وجود كدمات رضية بنفسجية اللون ومتعددة الأشكال على ظاهر اليد اليمنى والساعد والزند الأيمن وتحت الإبط الأيمن من الخلف من جراء الضرب بأدوات صلبة. ويوجد شحذ رضي بطول 6 سنتمترات انحنائي في الكتف اليمنى من الجهة الجانبية من جراء ضرب أو تصادم مع جسم صلب محدد الطرف». وأثبتت التقارير أيضاً «وجود ضغط أصابع على الجانب الداخلي من الزندين مع رضوض في الخاصرة اليمنى». وخلص الأطباء الشرعيون إلى أن هذه الآثار «قديمة العهد لأكثر من 48 ساعة وناتجة من ضرب وعنف بأدوات صلبة وباليد، وهي ليست مميتة ولا تؤدي إلى الوفاة». وقالوا: «أما النزف الدماغي الحاد المنتشر في وسط الدماغ بالكامل بحسب التصوير الطبقي المحوري، وبحسب اختصاصيين في جراحة الدماغ، فناتج من نزف وعائي دموي في أم الدم (Anevrysme)، وهو مرض وتشوه خلقي في الأوعية الدموية، ما أدى إلى الوفاة». وأفادوا أنه «لا يوجد آثار عنف على كامل فروة الرأس وكذلك لا يوجد أي كسور عظمية في الجمجمة، وأن الوفاة طبيعية ومرضية». وكان طبيبان من الأطباء الشرعيين الأربعة قد خلصا بعد تشريح فروة الرأس، إلى «أن التشريح لم يظهر علامات رضية عند العضلات الصدغية المدارية، كما لم يظهر وجود أية كسور في الصفحة الخارجية لعظام الرقبة». وأشار القرار الظني إلى أن الطبيبان قدرا ان «الوفاة ناتجة من انفجار أم الدم الشريانية في الدماغ ما أدى إلى نزف دماغي حاد متسع عنكبوتي سبّب الوفاة». ويسرد القرار الظني مجريات التحقيق والشهود التي اعتمد عليها قاضي التحقيق قي قراره الظني، ومنها شهادة ابنتي رلى المولودتين في 2001 و2002 واللتين أكدتا، وفق القرار، عدم تعرض والدتهما للضرب على يد والدهما في ذلك النهار، بل إنه قام بذلك «قبل نحو ثلاثة أيام»، وأن والدتهما سقطت أرضاً أثناء خروجها من غرفة نومها ودخولها عرفة الجلوس، وبعض الشهود. وبغض النظر عن هذه التحقيقات، يمكن التوقف عند تقارير لجنتي التحقيق اللتين شكلتا في نقابتي أطباء بيروت وطرابلس، بطلب من قاضي التحقيق بتاريخ 26/7/2013. وبعدما طلبت لجنة نقابة أطباء بيروت إجراء تصوير تشريحي ثلاثي الأبعاد على جهاز تصويري لكامل الجسم كون ذلك يسهل كشف وجود كسور متعددة الأعمار في مختلف أجزاء الجسد وخصوصاً لفقرات الرقبة. ويشير القاضي في القرار الظني إلى أن لجنتي أطباء بيروت وطرابلس خلصتا إلى أنه «لم يتبين من الفحوصات والصور الشعاعية والطبقية المحورية التي اطلعت عليها اللجنة وجود أي آثار لأذية عظمية قبل الوفاة بما في ذلك كسور أو (LUXATION)». عليه، خلص قاضي التحقيق في القرار الظني ووفقاً لمطالعة النيابة العامة، الى «منع المحاكمة عن المدعى عليه كرم البازي وإطلاق سراحه فوراً ما لم يكن موقوفاً لداع آخر». لكن، ماذا عن بقية مضامين تقريري لجنتي الأطباء في بيروت وطرابلس والتي تستند اليهما العائلة و«كفى» لمتابعة القضية؟ لجنة أطباء بيروت أفادت لجنة نقابة أطباء بيروت في تقريرها بتاريخ 20 أب 2013، بأنه تبين لها أن «التشريح لم يتضمن سوى سلخ فروة الرأس دون الدماغ والرقبة الضروري لمقاربة الموضوع بصورة علمية ومحاولة تحديد سبب النزف الدماغي بصورة أدق، مع الإشارة إلى أن الصورة الطبقية المقطعية للرأس تظهر أن النزف الدماغي بمعظمه هو في الجزء السفلي من الدماغ، وهذا ما يـــناقض مبدئياً النزف الناتج عن انفجـار أم الدم والذي يتأتى عادة في الجزء العلوي من الدماغ». وتناقض هذه الخلاصة ما ورد في تقرير الأطباء الشرعيين. وأكدت اللجنة أنه كان من الضروري تشريح الرقبة «لأنه من المتعارف عليه علمياً أن الرضوض والكدمات على الجزء العلوي من الرقبة قد تؤدي إلى نزف دماغي على شاكلة ما رأته اللجنة في الصور الطبقية المحورية في هذه الحالة». وطبعاً لم يتم تشريح الرقبة ولا الدماغ. وأشارت اللجنة إلى أنه بعد اطلاعها على الصور المقطعية للدماغ (التي أجريت لرلى عند وفاتها) «لم تجد أي دليل على وجود ما يسمى شريان أم الدم (الذي حدده الأطباء الشرعيون سبباً للوفاة)، لافتة إلى أن النزف في الدماغ يمكن أن يحصل من دون وجود مسبق لما يسمى شريان أم الدم، أي ان حصول النزف غير مرتبط بالضرورة بوجود شريان أم الدم في الدماغ. وقالت اللجنة إنه «من المعروف علمياً أن السبب الأول للنزف السحاتي كما هو في هذه الحالة مرتبط بحصول رضوض وكدمات» (وهي ما ينتج من العنف). وأوضح مصدر طبي لـ«السفير» أن الأطباء أوضحوا للقاضي أن الكدمات لا تظهر على جسد الشخص الذي تعرض للعنف فوراً وإنما بعد مرور 24 إلى 48 ساعة على تعرضه للعنف. وهذا ما يفسر عدم وجود كدمات حديثة ومباشرة على جسد رلى في حال كانت قد تعرضت للعنف قبل وفاتها مباشرة. لجنة أطباء طرابلس أما لجنة نقابة الأطباء في طرابلس فقد رأت أنه «يمكن حصول النزف نتيجة أي ارتجاج دماغي قد يحصل قبل الوفاة، وكذلك لا يمكن تأكيد الوفاة كونها مرضية أو عنفية إلا بتشريح كامل للجثة بما فيها الدماغ في حينها، وبما أن ذلك لم يحصل فلا يمكننا الجزم علمياً وبشكل يقيني بسبب الوفاة». وأشارت اللجنة إلى أن «الإجراءات الطبية التي اتخذت لا ترقى إلى المستوى العلمي والمرتجى»، وأن الارتجاج في الرأس يمكنه التسبب بنزف سحاتي خلال ساعات وتورم في الدماغ، ما يؤدي إلى الوفاة، لكن في حالتنا هذه لا يمكننا التأكيد أو النفي، لذا من المستحسن الاطلاع على ملف رلى الطبي إذا وجد». وأكدت اللجنة أنه «من أحد أسباب النزف الدماغي قد يكون انفجار جدار أم الدم الناجم عن ارتفاع شديد في الضغط الشرياني أو أثناء جهد كالحمام أو التغوط أو العمل الجنسي أو الانحناء لرفع شيء ثقيل، لذلك فإن أي تعرض عنفي سابق على المجني عليها قد يكون حرض النزف المرضي بشكل غير مباشر». مع الإشارة إلى أنها «احتمالات علمية واردة طبياً لكن لا يمكننا تأكيدها أو نفيها». وشددت اللجنة على أنه كان من المطلوب علمياً في هذه الحالة أن «يتم تشريح كامل للجثة في حينه»، وسألت: «لماذا لم يتم نقل الجثة إلى مدينة أخرى لإجراء ما يقتضيه العلم». وختمت اللجنة إلى أن التشريح بعد أكثر من شهرين على الوفاة «لن يسفر عن أي نتيجة حيث لا يمكن تأكيد أو نفي وجود نزف شريان أم الدم بسبب التحلل الذاتي للأنسجة». واللافت أن لجنة بيروت قد أشارت إلى أن الأطباء الشرعيين الأربعة الذين اعدوا التقارير في الشمال قد تمنعوا عن الحضور أمام لجنة التحقيقات المهنية بالرغم من استئذان نقيبي الأطباء في بيروت والشمال لاستدعائهم. أما عضو لجنة طرابلس الدكتور عمر دبليز فقد تحفظ لجهة أنه «كان في الإمكان أن تتخذ إجراءات أفضل من تلك التي اتخذت، ولأن التقرير لم يذكر أن المتوفاة قد تعرضت لعنف جسدي خلال 48 و72 ساعة وثلاثة أسابيع قبل حصول الوفاة بناء على ما ورد في تقارير الأطباء الشرعيين».

صاغية: القاضي يؤدي دور الحكم وليس الظن

تعقيباً على القرار الظني، والنقاش الدائر في شأن قضية الراحلة رلى يعقوب أوضح المحامي نزار صاغية أن «قاضي التحقيق أدى دور قاضي الحكم وبحث عن يقين، فيما هو قاضي ظن». وأشار إلى أنه «كان أكثر تأثراً بأدلة الدفاع فيما أهمل أدلة الاتهام الموجودة في القرار، وفي تقارير أطباء نقابتي بيروت وطرابلس». أضاف: «هناك أدلة وإن كانت لا تجزم، وإنما هي موجودة». وعليه يسأل صاغية: «لماذا إهمال كل الأدلة التي من شأنها أن تقود التحقيق إلى نتائج مخالفة، إذ إنه من الثابت وجود كدمات رضية وبنفسجية على جسد رلى، والثابت من الشهود أنها كانت تتعرض للضرب باستمرار؟». ورأى أنه «من اللافت جداً أن النيابة العامة التي تتولى الإدعاء العام عامة، وغالباً ما تتمسك بأي إثبات للإدعاء، طلبت منع المحاكمة عن المتهم كرم البازي، وهذا أمر يخالف ما تقوم به النيابة العامة مع الأشخاص الآخرين، وكأنما تقدير الإثبات ومدى قُوَّتِه باتا وقفاً على مدى نفوذ المشتبه به». ويعطي مثالاً على ذلك بالقول: «يكفي الإطلاع على كيفية استسهال النيابة العامة الإدعاء على عاملات المنازل وعلى مجمل الأشخاص الذين يعانون من تهميش وغبن اجتماعي، على أساس أضعف الأدلة التي تقتصر أحياناً على قول المدعي أو مجرد كتاب معلومات من مخبر أمني». وبهذا المعنى تصرفت النيابة العامة، وفق صاغية، «كقاضي التحقيق، واتخذ كلاهما قراراً بأنهما لا يدعيان أو يظنان إلا في حال اليقين، وهذا ما يخالف جميع ما درجت عليه النيابات العامة وقضاة التحقيق، حيث يكتفى عادة بإثباتات حتى ولو لم تكن جازمة، ويترك الحكم لمحكمة الجنايات». ورأى صاغية أن «هذا الأمر يأخذ بعداً أكبر في قضية كهذه تحولت إلى قضية رأي عام وإلى قضية رمزية حيث هناك أهمية كبرى ليتم تمحيص الأدلة والتدقيق فيها بعمق وتمكين فريق الضحية من البحث عن أدلة إلى جانب النيابة العامة وتحت رقابة الصحافة والإعلام، إلا أن هذا لم يتح في قضية أريد لها أن تبقى سرية

آخر تعديل على Monday, 03 February 2014 09:51

الأكثر قراءة