الإضراب الوهمي

النقابات الفاعلة تسحب الثقة من الاتحاد العمّالي ولا تستجيب

في حال عدم إعلان رئيس الاتحاد العمالي العام، غسان غصن، تعليق الإضراب المقرر اليوم، فإن إضرابه سيكون «وهمياً» أو «إعلامياً» بمعنى آخر، إذ إن الاتحادات النقابية الفاعلة أعلنت عدم استجابتها لحسابات المهيمنين على الاتحاد العمالي. السبب هو فقدان الثقة بهذه القيادة التي باعت حقوق العمال، لتقوم باستثمار تحركها اليوم سياسياً، دعماً لأطراف حكومية ضد أطراف أخرى

رشا أبو زكي

إضراب الاتحاد العمالي العام اليوم وهمي، إذ إن أكبر الاتحادات النقابية في لبنان أعلن عدم مشاركته والسبب واحد: «من يضمن عدم تعليق رئيس الاتحاد غسان غصن الإضراب ليلاً كالعادة؟ نحن لا نثق بهذا الرجل». موظفو المصارف، روابط المعلمين والأساتذة في المدارس الرسمية والخاصة، موظفو الإدارات العامّة واتحادات نقابية عديدة، كلهم سحبوا الثقة من غسان غصن ومن معه، متهمين تحركه الحالي بأنه «سياسي» في ضوء الخلافات الحاصلة بين أطراف الحكومة.

الاتهام هذا ليس من فراغ، وإنما نابع من تجارب سابقة مع غصن، أدت الى تعليقه الإضراب وفق إشارات سياسية قبيل الإضراب بساعات. حتى إن غصن وقيادة الاتحاد دعَوَا الى الإضراب اليوم بتوجس واضح. فماذا يعني أن الإضراب لن يترافق مع أي تحركات في الشارع؟ وماذا يعني أن يتم تقليص فترة انتهاء الإضراب من الساعة الثالثة بعد الظهر الى الساعة الثانية عشرة ظهراً؟ وماذا يعني أن تدعو قيادة الاتحاد الى تحرك من دون إعلان لائحة مطلبية واضحة ومحددة؟ أزمة الاتحاد العمالي هي أزمة ثقة بقيادته. بدأت طلائعها تظهر ميدانياً من خلال غير تحرك تم تنفيذه في مناسبة عيد العمّال أمام مقر الاتحاد في كورنيش النهر، رفعت خلاله شعارات، أقلها يطالب برحيل هذه القيادة، وسقف هذه الشعارات وصل الى حد تخوين القيادة العمالية، لتتبلور هذه الأزمة تمرداً من قبل اتحادات ونقابات فاعلة جداً، ترفض المشاركة في أي تحرك تدعو إليه هذه القيادة، بسبب معرفة مسبقة بالمراجع السياسية التي تنظم هذه التحركات وفق لحنها السياسي. فقد وضع رئيس اتحاد نقابات موظفي المصارف، جورج حاج، سلسلة تحفظات على تحرّك الاتحاد العمالي العام. فيصفه، مرة بأنه إضراب مسيّس، ومرة بأنه إضراب ملوّن لا يعرف كوعه من بوعه. ويستغرب حاج أن يعلن الاتحاد العمالي العام تنفيذ إضراب من دون وجود مطالب وطنية جامعة، لافتاً إلى أن ما يقوم به الاتحاد هو «استخفاف» بالناس، ففي كل مرّة يدعو إلى الإضراب يدخل مباشرة في حوار استجدائي باحثاً عن أي مخرج، ثم يسارع الى إبرام تسوية ليست في مصلحة العمال أبداً. وسأل: لماذا لا يأخذ ممثلو العمال في مجلس إدارة الضمان، وعلى رأسهم رئيس الاتحاد غسان غصن، موقفاً من المستشفيات التي ترفض استقبال مرضى الضمان؟ في هذا السياق، يرى حاج أن الهدف من الإضراب هو محاولة استرداد بعض «الشعبية» التي يخسرها الاتحاد، فالقيادة الحالية تعاني من مشكلة عدم وجود مؤسسة، وإلا لماذا لا تجتمع هيئة المندوبين في الاتحاد لتقرّر. أما سياسياً، فالاتحاد مكبّل بانتمائه السياسي إلى قوى في 8 آذار التي تتألف منها الحكومة أيضاً، وبالتالي هناك علامات استفهام على تنفيذ إضراب بوجه الحكومة التي تمثّل فريقه السياسي.

الموقف ذاته أعلنه نقيب المعلمين وعضو هيئة التنسيق النقابية نعمه محفوض، إذ أكد أن معلمي لبنان لن يشاركوا في الإضراب. السبب ليس عدم وجود مشكلات اجتماعية واقتصادية، وإنما فقدان الثقة بالمطلق بقيادة الاتحاد العمالي العام. يشرح محفوض أنه منذ أشهر، تم الاتفاق بين هيئة التنسيق النقابية والاتحاد العمالي العام على تنفيذ إضراب لتحقيق مطالب تصحيح الأجور، إلا أن غصن أعلن وقف الإضراب الساعة الواحدة ليلاً، أي قبيل تنفيذ الإضراب بساعات، ومن دون الرجوع الى أحد. يقول محفوض «نحن لا نطمئن لغصن، وتحركه مرتبط بالخلافات بين الأطراف الحكومية، ولا علاقة له بوجع الناس، في حين أن الواقع يشير الى أن كل أطراف الحكومة مساهمة في هذا الوجع، وبالتالي لن يدخل الأساتذة في أي «همروجة» سياسية مصطنعة.

موظفو الإدارات العامّة لن يشاركوا في الإضراب أيضاً. ويشرح عضو رابطة موظفي القطاع العام محمد قدوح «إضراب دعا إليه غصن يعني أنه إضراب بلا صدقية، إذ ما الذي يضمن أنه لن يعلن تعليقه ليلاً كما يفعل عادة؟». يشدد قدوح على أن موظفي الدولة بالآلاف، إلا أن غصن لم يعمل على التنسيق مع الرابطة التي تمثّلهم لتحديد المطالب، مختلقاً إضراباً من دون عنوان، لافتاً الى أن التجربة مع غصن غير مشجعة: «إذ لم تمر أشهر على اتخاذه موقفاً لمصلحة أصحاب العمل مفرطاً بحقوق العمال، فما الذي أدى الى استيقاظه للمطالبة ببعض الحقوق اليوم، وهو ساهم في هدرها؟».

كذلك أعلن نقيب المحامين في بيروت، نهاد جبر، أن «النقابة غير معنية بالإضراب، وهو بالتالي يوم عمل عادي بالنسبة إلى المحامين والجسم القضائي»، في حين أكد رئيس الاتحاد العام لنقابات عمال لبنان، مارون الخولي، بعد اللقاء النقابي لعدد من رؤساء النقابات والاتحادات العمالية المعارضة، أن «اضراب اليوم شكلي مدسوس بهدف تنفيس الاحتقان الشعبي الذي بدأ يتبلور بشكل كبير وعفوي من دون أي تحريك سياسي، وهذا الأمر أرعب السلطة التي أعطت الأمر لاتحادها العمالي بالتحرك لإنقاذها من أي تحرك شعبي غاضب يسقطها في الشارع». كما دعا اتحاد نقابات عمال ومستخدمي جبل لبنان الى تجاهل دعوة الاتحاد العمالي الى الإضراب وعدم الالتزام بأي دعوة صادرة عنه.

وفي حين وصف رئيس الاتحاد اللبناني لمصالح النقل بسام طليس الشبان الذين رسموا شعاراتهم على مقر الاتحاد العمالي العام بـ«خفافيش الليل»، داعياً السلطات الأمنية الى توقيفهم، في معرض دفاعه عن قيادة الاتحاد العمالي العام، أعلن طليس نفسه أن اتحادات النقل البري قررت تأجيل الاضراب الذي كان من المفترض تنفيذه اليوم الى الخميس 24 الجاري، «افساحاً في المجال امام الاتصالات الجارية والتي أدت الى حلحلة بعض الأمور»، مكتفياً بإعلان تضامنه مع اضراب غصن، فيما أعلن اتحاد النقل الجوي مشاركته في الإضراب عبر وقف العمل في المطار ووقف حركة الطيران لساعتين (من الحادية عشرة قبل الظهر إلى الأولى بعد الظهر). كذلك ستشارك نقابة عمال ومستخدمي النقل المشترك في مصلحة السكك الحديد والنقل المشترك. بدوره أكد المجلس التنفيذي لنقابة مستخدمي الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي التزامه «الإضراب الذي دعا إليه الاتحاد العمالي ومطالبه كلها، ولا سيما صون مؤسسة الضمان الاجتماعي»، فيما أعلن رئيس الاتحاد الوطني لنقابات العمال والمستخدمين كاسترو عبد الله باستهزاء «أنه اذا قرر الاتحاد العمالي العام الاستمرار في الاضراب فنحن معه»، مرجحاً أن يعلن غصن تأجيل الإضراب عند منتصف الليل.

 

700 ليرة

انخفض سعر صفيحة البنزين (وفق جدول تركيب أسعار المحروقات يوم أمس) 700 ليرة، ليصبح سعر الصفيحة من عيار 98 أوكتان 39 ألفاً و100 ليرة، وعيار 95 أوكتان 38 ألفاً و400 ليرة، فيما انخفض سعر المازوت 200 ليرة ليصبح سعر الصفيحة 28 ألفاً و600 ليرة.

 

ارحل يا غصن!

في إطار ليلة «الغرافيتي» في أول أيار، اختارت مجموعة من الشابات والشباب التوجّه نحو مقر الاتحاد العمالي ولوّنت جدرانه بمجموعة من الشعارات التي تتهم قيادة الاتحاد بالعمالة لسلطة المال، وتدعو غسان غصن الى الرحيل وتطالب بالتغطية الصحّية الشاملة، الا أن جهازاً أمنياً تحرّك بسرعة وعمد الى إخفاء هذه الشعارات، علماً بأن الجهاز نفسه لم يحرك ساكناً تجاه الشعارات نفسها التي تم رسمها على جدران بعض الشوارع. وكان اتحاد الشباب الديموقراطي قد نظم اعتصاماً حاشداً أمام مقر الاتحاد وتم إنزال علم الاتحاد وإحراقه.

الخميس ٣ أيار ٢٠١٢

آخر تعديل على Thursday, 03 May 2012 06:34

الأكثر قراءة