شكوى تاريخيّة بعد الاتفاق التاريخي

قيادة الاتحاد العمالي تعمل على تثبيت انتصار أصحاب العمل

«إن هذه الشكوى قد تشكّل السابقة الأولى في تاريخ منظمة العمل الدولية، إذ يتقدّم أصحاب العمل بشكوى يؤيدها الاتحاد العمالي العام ضد الحكومة». بهذه العبارة قدّمت هيئات أصحاب العمل شكواها الى المنظمة ضد وزير العمل المستقيل شربل نحّاس، وهي العبارة الوحيدة التي لم ترد في شكوى الاتحاد نفسها، التي جاءت نسخة طبق الأصل! على العمّال أن يعتادوا من الآن وصاعداً على اتحاد عمالي خاضع وخائن

محمد وهبة

«إن الاتفاق الرضائي طرحته هيئات أصحاب العمل ووقّع عليه الاتحاد العمالي»، هكذا عبّر رئيس غرفة التجارة والصناعة والزراعة في بيروت وجبل لبنان محمد شقير سابقاً عن مستوى سيطرة أصحاب العمل على الاتحاد العمالي. التعبير نفسه ردّده أصحاب العمل (بلا مواربة) في الشكوى المرفوعة منهم ومن الاتحاد العمالي بوجه وزير العمل المستقيل شربل نحاس، إذ جاء في نص شكوى هيئات أصحاب العمل ما حرفيته: «يمكن القول إن هذه الشكوى قد تشكّل السابقة الأولى في تاريخ منظمة العمل الدولية، حيث يتقدّم أصحاب العمل بشكوى يؤيّدها الاتحاد العمالي العام».

وهذا الاستنتاج صحيح لدى مقارنة نص الشكويين، فهما «طبق الأصل»، ومن صنع شخص واحد (أحد المستشارين المعروفين لدى وزير عمل سابق، ويرأس حالياً منصباً في الضمان الاجتماعي)، ويتماثلان الى حدود الغثيان، ويحملان على مصالح العمّال وحقوقهم بالدرجة نفسها من العدائية الطبقية.

هكذا يصرّ رئيس الاتحاد العمالي العام، غسان غصن، والأمين العام سعد الدين حميدي صقر على أخذ العمّال إلى ما قبل صدور قانون العمل في عام 1946، ففي تلك المرحلة السوداء، أي ما قبل صدور قانون العمل، كان الإقطاعي هنري فرعون يترأس نقابة السوّاقين «المعترين»، وكانت السلطة تفلّت عسكرها لقمع تحرّكات العاملات والعمّال وتقتل أول شهيدة عمّالية هي وردة بطرس. لم يكن هناك أي اعتبار لمصالح اجتماعية لا تصبّ في زيادة ثروات «السيّد المُطاع». صحيح أن قانون العمل جاء ليلبّي مصالح أصحاب العمل المسيطرين، إلا أن نضالات العمّال وتضحياتهم في ذاك الزمان فرضت على السلطة التشريعية أن تقبل بوجود طرفين: عمّال وأصحاب عمل، كما فرضت أن يتم تبنّي بعض التشريعات التي تحاول أن تقيم بعض التوازن، ولو البسيط، بينهما ... اليوم يطيح غصن وحميدي صقر ومن معهما كل هذا الإرث النضالي الكبير.

ففي 20 شباط، رفع الاتحاد العمالي العام وجمعية الصناعيين اللبنانيين شكويين إلى منظمة العمل الدولية، تتهمان الوزير المستقيل شربل نحاس بـ«مخالفة معايير العمل الدولية والقوانين اللبنانية»، لأنه حاول أن يصون الأجر ويكرّس حمايته القانونية ويفرض تصحيحه بما يتلاءم مع ضرورات تأمين العيش الكريم (بحسب قانون العمل) لنسبة مهمّة من اللبنانيين العاملين بأجر في القطاعات النظامية وغير النظامية، وتحتج الشكويان على جملة من الأمور، أبرزها أن وزير العمل المستقيل حاول تحديد الحد الأدنى للأجور بمبلغ يتجاوز 800 ألف ليرة، في حين أن الاتفاق الرضائي حدده بمبلغ 675 ألف ليرة، كما أن نحّاس حاول أن يعيد ما سمّي بدل النقل الى الأجر، وإنهاء مرحلة طويلة من تجاوز القوانين عبر وضع هذا «البدل» خارج الأجر وحرمان نحو نصف الأجراء منه، بحجّة أنه استثنائي ومؤقت وغير ملزم ولا يمثل عنصراً من عناصر الأجر وإنما كلفة تترتب على صاحب العمل.

تأخذ الشكوى المشتركة على وزير العمل المستقيل أنه حاول تحديد الحدّ الأدنى للأجور على أساس تقديرات خط الفقر، أي تقديرات كلفة تأمين الحاجات الأساسية لأسرة وسطية، وهذا المأخذ مفهوم من هيئات أصحاب العمل، إلا أنه يتحوّل الى خطيئة عندما تتبناه قيادة الاتحاد العمّالي العام، وتنضم الى المطالبة بأن يتم تحديد الحد الأدنى للأجور وفقاً لمصالح أصحاب العمل، لا العمّال، بذريعة أن تحديده يجب أن يرتكز أيضاً على «العوامل الاقتصادية ومستويات الإنتاجية والرغبة في بلوغ مستوى مرتفع من العمالة والحفاظ عليه»، أي بمعنى أكثر تبسيطاً، تكرر الشكوى ما ردده ممثلو أصحاب العمل عن ضرورة أن يبقى مستوى الحد الأدنى للأجور منخفضاً بما يتناسب مع مستويات الأجور في سوريا والسودان ومصر وبما يتناسب مع أجور العمّال الأجانب القادمين من دول فقيرة ... نعم هذا هو موقف قيادة الاتحاد العمّالي من مسألة الحدّ الأدنى للأجور، وهو ما يتناقض مع نص المادة 44 من قانون العمل التي فرضت أن يكون هذا الحد كافياً ليسد حاجات الأجير الضرورية وحاجات أسرته، ولم تتحدّث هذه المادّة، التي يفرّط بها الاتحاد العمّالي، عن ضرورة أن يكون منخفضاً ليتناسب مع ما تسمّيه الشكوى «العوامل الاقتصادية ومعدّلات البطالة».

أمّا في مجال دفاع الاتحاد العمّالي عن موقف أصحاب العمل الرافض لاعتبار بدل النقل عنصراً من عناصر الأجر، فقد وقعت الشكوى المشتركة في تناقض ظاهر، في معرض اعتراضها على «تفسيرات مشوّهة للقانون اللبناني والمفاوضة الجماعية»، بسبب طرح نحّاس مفهوم الأجر الاجتماعي، فقد أوردت الشكوى نص المادة الأولى من اتفاقية العمل الدولية الرقم 95 بشأن حماية الأجور، وجاء فيها: «يعني تعبير الأجور أي مكافأة أو كسب يمكن أن تقدر قيمته نقداً مهما كانت تسميته أو طريقة حسابه وتحدد قيمته بالتراضي أو بالقوانين أو اللوائح الوطنية، ويدفعه صاحب عمل لشخص يستخدمه مقابل عمل أدّاه أو يؤديه أو خدمات قدّمها أو يقدّمها بمقتضى عقد استخدام مكتوب أو غير مكتوب». فهذا النص ينسجم مع نصوص القوانين اللبنانية (المادة 68 من قانون الضمان والمادة 57 من قانون العمل)، وهو ما ارتكز عليه نحّاس لرفض التوقيع على مرسوم بدل النقل، باعتبار هذا البدل عنصراً من الأجر واجب السداد الى جميع الأجراء مهما كانت وضعيتهم في العمل!

لا تقتصر خطايا الشكوى المشتركة على مسألة الحد الأدنى للأجور ومسألة بدل النقل، بل فيها ما يكفي من المحاولات لتكريس انتصار مصالح أصحاب العمل على مصالح العمّال من خلال إطاحة القانون 36/67 الذي تمسّك به نحّاس واعتبره يعلو على مفهوم المفاوضة الجماعية، لكونه يعطي العمّال حقاً قانونياً بتصحيح أجورهم دورياً وبنسبة غلاء المعيشة، وليس كما يفعل غصن وحميدي صقر بشكواها، إذ قررا، وهما لا يمثّلان إلا الجهات التي توظّفهما، أن تصحيح الأجور منّة يتكرّم بها أصحاب العمل عندما يحبّون أن يتكرّموا كفاعلي الخير.

100 مليار ليرة

هي قيمة دين الحكومة لصندوق الضمان، وفق ما ورد في شكوى الاتحاد العمالي وأصحاب العمل ضدّ الوزير شربل نحاس. فهما يتهمانه بالتقصير، فيما الواقع أن كليهما، ممثلان في مجلس إدارة الضمان، وهذا التقصير جرى في عهدهما ومضى عليه سنوات.

فوق الصلاحيات

يتساءل عدد من القياديين النقابيين عما إذا كان رئيس الاتحاد العمالي العام غسان غصن، والأمين العام سعد الدين حميدي صقر قد استحصلا على موافقة المجلس التنفيذي للاتحاد العمالي العام بالنسبة إلى رفع شكوى ضدّ وزير العمل شربل نحاس أمام منظمة العمل الدولية بتهمة انتهاك الحريات النقابية. فالنقاش الذي جرى في هيئة مكتب الاتحاد لم يوافق عليه ممثل حزب الله ولا ممثل التيار الوطني الحرّ، علماً بأن مثل هذه القرارات تؤخذ في الهيئات الموسّعة مثل المجلس التنفيذي أو المؤتمر العام، في ظل عدم وجود هيئة مندوبين في الاتحاد.

الاثنين ٢٧ شباط ٢٠١٢

الأكثر قراءة