
لا تشبه علاقة النائب وليد جنبلاط بالرئيس سعد الحريري علاقته بوالده الرئيس رفيق الحريري. ولا تشبه علاقة الحريري بسوريا علاقة والده بها. ولأن الأمر كذلك، يوجّه جنبلاط رسائله في العلن كي يفهم اللبيب الإشارة
نقولا ناصيفيحلو لرئيس الحزب التقدّمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط أن يصف حاله ورئيس الجمهورية ميشال سليمان، في حمأة النزاع بين قوى 8 و14 آذار، بالراقص على حبال السيرك. لا يستدير إلى اليمين فيسقط، ولا إلى اليسار فيسقط أيضاً. بذلك يبقى معلقاً بالحبل الرفيع. في سيرك هذا النزاع، يصرّ جنبلاط على اتخاذ موقف الوسط بين الطرفين، ويلقي عليهما وزر تعطيل السلطة الإجرائية. لكنه ليس في الوسط تماماً بعدما اعترف بملف شهود الزور وطالب بملاحقتهم ومحاكمتهم، وأيّد إحالته على المجلس العدلي، ويريد من مجلس الوزراء، من دون الاحتكام إلى التصويت، التوصّل إلى حلّ لهذا الملف بإحالته على المجلس العدلي. هكذا هو في قلب خيارات قوى 8 آذار، لكنه يفضّل أسلوباً مختلفاً في مقاربتها للوصول إلى الهدف نفسه. يُدرج الزعيم الدرزي موقفه من المأزق الذي يتخبّط فيه طرفا النزاع في الآتي: وتبعاً للزعيم الدرزي، لإيران امتداد في لبنان هو المقاومة. لكن في المقابل لقوى 14 آذار امتداد آخر لدى الأميركيين الذين يريدون تصفية حساباتهم في لبنان عبر هذه القوى، وخصوصاً المسلم السُّني والمسيحي. لكن الغريب أن الرئيس الماروني المعتدل مرفوض من طائفته. هذه الطائفة لا تريد إلا الذين يتغنّون بها مثل بشير وأمين الجميّل وسمير جعجع. أما الموارنة المعتدلون فمرفوضون». إلا أن جنبلاط حذّر من الرهان على التلاعب بالاستقرار، وتوقف عند ظاهرة بيع المسيحيين في جزين نزولاً إلى الساحل أراضيهم. قال: جميل أن يحذر البطريرك (مار نصر الله بطرس) صفير من انقلاب ينفذه حزب الله. لكن الجميل أيضاً أن يعمدوا إلى تأليف لجنة من المستثمرين لحماية أراضي المسيحيين في الجنوب وتشجيعهم على البقاء عليها، وتوفير الطمأنات والضمانات لهم كي لا يتأثروا بأصحاب عروض شراء أراضيهم، فيبيعوها. لذا، أقول بحماية المقاومة والحؤول دون إدخالها في أي نزاع أو فتنة داخلية؛ لأن ذلك يعني إدخال سوريا في الفتنة وضرب أمنها، يضيف جنبلاط. هناك تسوية كبرى تُعد لها المملكة وسوريا، فإذا بقوى 8 آذار تضع لها عنواناً صغيراً هو ملف شهود الزور. لا أريد أن أصفه بالعنوان الصغير، يوضح جنبلاط، بل أراه بإزاء التسوية الكبرى تفصيلاً. الجميع في مأزق، قوى 8 و14 آذار، وأدخلونا جميعاً في هذا المأزق. أصبح كل أمر مجمداً في هذا البلد. لا حكومة، لا تنمية، لا تعيينات، كل شيء يكاد ينهار والمؤسسات تتفكك، والأزمات تنهك المواطنين جميعاً في هذا الفريق أو ذاك. المستقبل. أحداث كهذه ليست في مصلحة الرئيس الحريري. أما إذا كانت بمعرفته بغية المزايدة، فذلك أسوأ. طبعاً أعرف أن الرئيس الحريري لا يغطي مفتعلي أحداث مجدل عنجر، لكن ما حصل يتطلب معالجة سياسية وأمنية في آن واحد. للحريري أحياناً ردود فعل تجعله متصلباً وغير متعاون، لكن ذلك من جراء ما يقوله عنه وفيه الفريق الآخر. يجب أن لا ننسى أن له جمهوره ورأياً عاماً معنياً به. ما دام قد أقرّ بشهود الزور فلننهِ الموضوع إذاً ونتخلص منه. أنا أعرف أنه لا يريد تكرار تجارب الماضي بملاحقة جماعته. يريد أن يحمي أصدقاءه كي لا يعود إلى زمن الملاحقات التي عرفها الرئيس رفيق الحريري عام 2005 في موضوع الزيت مثلاً. يريد سعد الحريري حماية (المدعي العام التمييزي) سعيد ميرزا. يضيف جنبلاط: أعتقد أنه كان على الحريري على أثر ما أعلنه في صحيفة الشرق الأوسط عن شهود الزور واعترافه بهم، أن يذهب إلى الرئيس الأسد ويفاتحه في هواجسه، ويتفقا على مخرج لهذه القضية، لكنه لم يفعل. حلّ مشكلة شهود الزور يحتاج إلى جرأة، حتى وإن أصيب المعنيّ بشأن خاص، وإن اللبيب من الإشارة يفهم. المقصود، إذاً، أن الحلّ بين يدي الحريري وحده. منذ وقت طويل لم يلتقِ جنبلاط برئيس الحكومة. لكنه قرّر أن يزوره في الأعياد لمعايدته. كان الحريري قد شكره هاتفياً عندما لم يصوّت وزراء الزعيم الدرزي في جلسة مجلس الوزراء في 10 تشرين الثاني. عندما يزوره سيتحدّث معه في ما ينبغي عمله: هناك قطع للاتصال بينه وبين الرئيس الأسد، وبينه وبين الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصر الله، ولا بد من العمل على إيجاد طريقة لمعاودة الحوار. لا أستطيع الاضطلاع بمثل هذا الدور لأن الموضوع يتجاوزني. هناك أزمة ثقة بينه وبين الرئيس السوري والسيّد نصر الله، يختم جنبلاط. 1 ـــــ مرتاح إلى كل الأصداء البعيدة والقريبة حيال المبادرة السعودية ـــــ السورية التي ارتسمت أبعادها في حلقة داخلية صغيرة وسرية، بين الملك السعودي عبد الله والرئيس السوري بشّار الأسد وابن الملك ومستشاره الأمير عبد العزيز، ومعهما صاحبا الشأن اللبناني رئيس الحكومة سعد الحريري والأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصر الله. 2 ـــــ لا يرى في الموقف الذي أعلنه مرشد الجمهورية الإسلامية علي خامنئي، عندما عدّ قرار المحكمة الدولية لاغياً وباطلاً، تخريباً للجهود السعودية ـــــ السورية، لأن التسوية الكبرى التي تعدّ لها هذه تصبّ في ردم مفاعيل القرار الاتهامي في لبنان. بذلك ينسجم الموقف الإيراني مع موقف حزب الله، ولا يستهدف المبادرة العربية. بل أراد خامنئي ممّا أعلنه توفير أوسع حماية سياسية لحزب الله، لأن الإنجاز الأهم هو حماية المقاومة من أي صراع داخلي أو فتنة كما قال الرئيس سليم الحص. المقاومة مثل السمك في المياه. مياهها الوحدة الوطنية والحؤول دون إغراقها في أي صراع داخلي أو فتنة يخطط لها أو لا يخطط لها، أضاف جنبلاط. 3 ـــــ يؤكد جنبلاط أن «هناك اتفاقاً كاملاً بيني وبين رئيس الجمهورية على عدم طرح التصويت في مجلس الوزراء عند مناقشة ملف شهود الزور، بغية تفادي أزمة حكومية نحن في غنى عنها في ظلّ هذا الكمّ من الأزمات، وكي لا يعتكف رئيس الحكومة كما هدّد بذلك. لم أكن أنا، ولا رئيس الجمهورية، مع التصويت، ولم توحِ لنا سوريا بالتصويت. ولم يجرِ تصويت مباشر ولا غير مباشر. يكفي سمير جعجع تذاكياً. صار أشبه بشاهد زور. إنه شاهد زور إضافي. لم نصوّت لتجنّب أزمة حكومية. أما موقفي من ملف شهود الزور، فمعروف: أنا مع إحالته على المجلس العدلي. أنا والرئيس الماروني متفقان ومتفاهمان تماماً. 4 ـــــ استقرار لبنان، يقول جنبلاط، من صنع الخارج، لا الداخل. نعم هناك استقرار في ظلّ المبادرة السعودية ـــــ السورية التي تؤيدها تركيا وإيران. إلا أن الداخل لا يستطيع أن يوفر استقراراً لأننا مجموعة أوطان وطوائف. طبعاً، هناك بعض الإيجابيات التي أسهمت في هذا الاستقرار كانكفاء السياسة الأميركية عن المنطقة. إلا أن التخريب الوحيد الذي نخشاه من الجنوب عبر إسرائيل. ليتنا في غنى عن كل التصريحات العشوائية التي تبلبل الوضع الداخلي. وأنا لا أتحدث هنا عن رموز قوى 14 آذار وحدها. النائب محمد رعد قال كلاماً كنا في غنى عنه كـ«يروحوا يبلّطوا البحر»، وسواه عن المهل. حسناً، إنه تراجع عنه. لكن الفريق الآخر اصطاده. وما حصل في طرابلس أخيراً خير معبّر عن ذلك. 5 ـــــ تعمل سوريا على تخفيف عناصر التوتر في لبنان، ولها مصلحة مباشرة في ذلك، يقول جنبلاط. لكن إذا لاحظت أن اليد الأميركية ـــــ الإسرائيلية تريد الفتك بالاستقرار وافتعال فتنة، فمن المؤكد أنها ستتحرّك لأن أمنها سيتأثر بهذه الفتنة. لبنان هو خاصرتها. ما يهم سوريا، وما كان يهمها دائماً في الماضي، هو أمنها الاستراتيجي الذي واجه سلسلة طويلة من محاولات استهدافه، بدءاً بحلف بغداد، مروراً باتفاق 17 أيار ثم حرب التحرير إلى القرار 1559. كانت تصفية حسابات أميركية مع سوريا بأدوات لبنانية. المشكلة إذاً هي أمن سوريا الذي تحميه اليوم المقاومة في الجنوب من أي محاولة اختراق إسرائيلية للخاصرة اللبنانية. لكن سوريا تحمي أيضاً المقاومة وتمنع ضربها بأدوات داخلية يستخدمها الأميركيون. 6 ـــــ لا جلسة ثالثة لمجلس الوزراء بعد جلستي 10 تشرين الثاني و15 كانون الأول. قوى 8 آذار وضعت أولوية لا تتراجع عنها هي ملف شهود الزور، وهو ملف مهم. إلا أن هذا الإصرار يمثّل سلبية أيضاً. 7 ـــــ يقطع جنبلاط الطريق على التأويل المغلوط لعبارته عن التسوية الكبرى بين الرياض ودمشق. يقول: لسنا في صدد طائف جديد ولا طائف آخر، وليس الآن هو التوقيت المناسب للبحث في تعديل الدستور وإعادة توزيع الصلاحيات الدستورية. التسوية الكبرى التي تسعى إليها الجهود السعودية ـــــ السورية، في ما أعرفه عنها، هو درء مفاعيل القرار الظني في الداخل كي لا يؤدي إلى فتنة ويقوّض الاستقرار. 8 ـــــ الحريري جاهز لاتخاذ موقف من القرار الظني يمنع اندلاع الفتنة في لبنان، يؤكد جنبلاط، ولكن تحت سقف المبادرة السعودية ـــــ السورية. ومن المؤكد أن استعداده اليوم لموقف من القرار الظني صار أفضل من السابق. لكنني أحذّر دائماً من العناصر التي إلى يمينه. ما حدث في مجدل عنجر كان سلبياً، وكذلك الأصوات التي ارتفعت في طرابلس قبل أيام، وخصوصاً أنها أطلقت مواقفها في حضور ممثل لتيّار
العدد ١٢٩٧ الاربعاء ٢٢ كانون الأول ٢٠١٠