أربعة أشخاص يعرفون تفصيل ما يدور من أفكار واقتراحات للحلّ في لبنان بين السعودية وسوريا، لكن اليوم بات العالم أجمع يعلم أيّ فريق من الثوار هو فريق ثورة الأرز، الذي يطلب دعم الولايات المتحدة لتنفيذ اقتراحات لجنة فينوغراد الإسرائيلية لتفادي فشل آخر في لبنان، وكان من أبرز توصياتها تحطيم شبكة التحكّم والسيطرة لدى المقاومة في لبنان، أي شبكة الاتصالات
فداء عيتاني الملك السعودي عبد الله بن عبد العزيز، الأمير عبد العزيز بن عبد الله، الرئيس السوري بشار الأسد، الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، هم فقط من يعرف مضامين الأفكار وتفاصيل التفاوض الجاري حالياً بين سوريا والسعودية ومحورها. أما رئيس حكومتنا سعد الحريري وباقي الأطراف في السعودية وسوريا ولبنان، فهم يطّلعون على عناوين المحادثات، منعاً لأيّ تدخّلات أو مفاجأة غير مرغوب فيها خلال مسار التفاوض وتبادل الأفكار. إلا أن الوقت يدهم الأشخاص الأربعة، وخصوصاً مع إشاعة قيادات عليا في المعارضة معلومات عن أن سقف القرار الاتهامي هو 20 من الشهر الجاري، والموعد الأدنى هو 15 منه، وإن طلب التدقيق أكثر في الموعد فإن بعض القادة الرئيسيين في المعارضة في لبنان يتحدثون عن يوم السابع عشر من الجاري، علماً بأن جهوداً تبذل لدفع القرار (بحسب التزام سعودي سابق أمام سوريا) إلى آذار المقبل. إلا أن الولايات المتحدة، عبر مساعد وزيرة الخارجية جيفري فيلتمان، تستعجل إصدار القرار الاتهامي أولاً، وتطلب أثماناً مرتفعة مقابل تسوية في لبنان، في مقدمها تعاون سوريا وإيران في باكستان وأفغانستان والعراق وفلسطين... وضمانات في ملفّ لبنان. وتشير أوساط قيادية في المعارضة في لبنان، ومعلوماتها تتقاطع مع ما يصل إلى العاصمة السورية، إلى أن رئيس الحكومة سعد الحريري ينتظر صدور القرار الاتهامي أولاً، قبل أن يخطو أي خطوة جدية في لبنان، ولا يضيره الانتظار والضغط على الأطراف الأخرى، تحت شعار أن هذه الأطراف تعطّل الحياة الإدارية والحكومية ولا تقيم وزناً لمصالح المواطنين المتوقفة نتيجة الشلل الحكومي. وهذه الوسيلة لتقطيع الوقت قد تنجح في دفع بعض أطراف المعارضة إلى مجلس الوزراء مجدداً، لكنها لن تؤدّي إلى تحويل ملفّ شهود الزور إلى المجلس العدلي. وتتقاطع المعلومات لدى الأطراف اللبنانية عن مسيرة تحريض مارسها سعد الحريري خلال AffinityCMSته الخارجية، للتعجيل في إصدار القرار الاتّهامي، وأسهم في هذه المسيرة التحريضية عدد من القادة في قوى 14 آذار. وأصرّ الحريري على ضرورة التعجيل في إصدار القرار نظراً إلى تعرّضه هو وفريقه لضغط من أجل الإسراع بالتسوية قبل صدرو القرار، ولأن الضغط يتزايد عليه.
التسوية وبديلها
تتحدّث المعلومات عن تواصل في المسعى السوري ـــــ السعودي من دون إشارة إلى تقدّم فعليّ. وتضيف أن التواصل حصل مرّات عدة، عبر زيارات موفد سوري لمسؤولين في المملكة، وعبر الهاتف ما بين شخصيات سعودية ومسؤولين سوريين، علماً بأن النتائج الفعلية لم تظهر بعد. الخطّ التركي في الاتصالات (الذي يتولّاه وزير الخارجية التركي أحمد داوود أوغلو) نشط مجدّداً وأطلق وعداً بالقيام بجولة من الاتصالات الخارجية، وخصوصاً مع إيران، لتأجيل موعد صدور القرار الاتهامي لمدة عام آخر.
تطلب قوى الثامن من آذار من الدول المعنية إلغاء المحكمة الدولية عبر: أولاً استقالة بلمار لمجموعة من الأسباب الموضوعية، ثانياً بدء المسار القانوني والتقني بتكليف قاض جديد والبدء بدراسة الملفّ من الصفر، وثالثاً: تجفيف المصادر المالية للمحكمة. وتطلب هذه القوى من سعد الحريري أن يخرج بعبارة مفادها: «رفيق الحريري استشهد من أجل لبنان، وأنا أطالب بإلغاء المحكمة من أجل لبنان». ورغم أن هذه العبارة لا تلغي المحكمة قانوناً، إلا أنها تكفي لتعطيل مخاطرها لبنانياً. وتفيد المعلومات بأن الرياض أبلغت سوريا وحزب الله أن الحريري يطالب بثمن مقابل قبوله التسوية: أن يعطى الحرية الكاملة في التعيينات الإدارية والدبلوماسية والأمنية والمالية، مقابل ما طلبه حزب الله الذي يرى أن ملفّ المحكمة ساقط، وأنّ المطلوب هو إعادة هيكلة العلاقات السياسية لفريق المستقبل، وإعادة تموضعه وأخذه مسافة من بعض حلفائه الذين لا يزالون يراهنون على تدمير حزب الله وتقسيم لبنان وإقامة علاقات ودّية مع العدو الإسرائيلي. أما بديل التسوية، بحسب ما تعتقد جهات نافذة في المعارضة، فسيكون مواجهة مع ما يسمّى المجتمع الدولي، وهي مواجهة بحاجة إلى أدوات محليّة سياسيّة وتنفيذيّة على مستوى المواقع الرئاسيّة، وبحاجة إلى وضع داخلي متماسك. وفيما بعض القيادات في المعارضة تستغرب لعب الحريري على حافة الهاوية وهو يعلم ـــــ وكذلك المملكة ـــــ أن الامتناع عن إبرام تسوية طويلة المدى، قبل صدور القرار الاتهامي، يعني أن آل الحريري والنفوذ السعودي لن يكون لهم أي هامش في لبنان بعد صدور القرار الاتهامي. واحدة من كبريات الشخصيات في المعارضة ترى أن بقاء رئيس الجمهورية الحالي في موقعه هو أمر بعيد الاحتمال، ولا سيما مع الحاجة إلى رئيس يمكنه مواجهة المجتمع الدولي. وفيما دلّت التجربة السورية على رئيس واحد قادر على المواجهة هو الرئيس السابق إميل لحود، فإن معارضين لبنانيين يقولون إما أن يتّعظ الرئيس الحالي من تجربة العامين في حكمه اللذين أثمرا الإخلاف بتعهّداته للداخل ولسوريا، وإما أن تقول له المعارضة: «قم فيقوم» ليُنتخب رئيس آخر للجمهورية. طبعاً، مع ملاحظة صعوبة تحقيق هذا الأمر في موقع حسّاس هو موقع الرئاسة الأولى.
شخصيّات وظلال
أعطونا السلاح وخذوا المحكمة، يقول أقطاب في 14 آذار سراً وفي الغرف المغلقة، بينما كانت وثائق ويكيليكس قد كشفت أن محاولات ضرب المقاومة في لبنان هي التي أدّت إلى يوم السابع من أيار، وقبله قرارات الخامس من أيار. واليوم، تطرح وزارة الاتصالات ملفّ الخروق الإسرائيلية لشبكات الهاتف اللبنانية المتنوعة، بينما رأس شركة أوجيرو يواصل العمل على دحض هذه المعطيات العلمية، وهو من سيكون في لحظة ما رأس حربة مجدداً في مواجهة المقاومة، كما كان في السابق رأس حربة في محاولة ضرب شبكة الاتصالات الخاصة بالمقاومة. واليوم، مع التدقيق في الوزارة المعنيّة، يبدو ما حصل في الخامس من أيار أكثر من غريب. مع تهريب ملفّات الوزارة ومع إخفاء الوثائق، فإن إعادة صوغ تلك الأيام المبني على الوثائق المتوافرة، يمكن أن تبدو على الشكل الآتي: في نهاية حرب تموز عام 2006 بدأت عملية الانقضاض على شبكة التحكّم والسيطرة التابعة للمقاومة. اكتُشف كابل للشبكة على مقربة من السفارة الفرنسية في بيروت، وتألّفت لجنة مشتركة من المقاومة والجيش لإزالة هذا الكابل، ودراسة انتشار الشبكة في بعض النقاط، لكن في تلك الفترة نُشر كمّ من الشائعات عن الشبكة. كُلّف رئيس هيئة أوجيرو ومديرها العام، والمدير العام للاستثمار والصيانة في وزارة الاتصالات عبد المنعم يوسف من وزير الاتصالات حينها مروان حمادة بإعداد تقرير مفصّل عن شبكة اتصالات المقاومة، بهدف فضحها وإلغاء جانبها العسكري، وزُوّد يوسف لهذه الغاية بمجموعة من التقارير الأمنية من فرع المعلومات وصور جوية استخبارية مجهولة المصدر.
كلّف عبد المنعم يوسف مجموعة من المهندسين والتقنيين والإداريين من أوجيرو ووزارة الاتصالات وفرع المعلومات بإعداد تقارير وملخّصات، ورسم خريطة شبكة الاتصالات. في الثاني من أيار عام 2008، توجّه عبد المنعم يوسف إلى منزل وزير الاتصالات مراون حمادة، وسلّمه تقريره، واتصل حمادة بالوزارة وسجّل رقماً في سجلّ الوزارة للتقرير (من دون إرسال نسخة عنه إلى الديوان) وأحال التقرير وخريطة شبكة اتصالات المقاومة والمستندات المرفقة على رئاسة مجلس الوزراء لإدراجها في جدول أعمال أول جلسة له، من دون حفظ هذه الوثائق في وزارة الاتصالات. من ناحية أخرى، دُفعت إحدى الجمعيات المذهبية في صيدا، الرابطة الإسلامية السنّيّة، إلى أداء دور المحرّض والمبلِّغ عن شبكة اتصالات يجري تمديدها من صيدا نحو كل لبنان. والجمعية المذكورة أنشئت في عام 2003، لكنّها فُعّلت في النصف الأخير من عام 2005، وهي برئاسة الشيخ أحمد نصار، ويشغل عضوية مجلس أمنائها التأسيسي عدد من الشخصيات أهمّهم أحمد الحريري ومحمد السعودي وفادي شامية وغيرهم من فريق تيار المستقبل في المدينة. وفي 21 نيسان، بالتزامن مع عمل عبد المنعم يوسف، وجّهت هذه الجمعية كتاباً مفتوحاً إلى كلّ من رئيس الحكومة ووزير الاتصالات حينها، فؤاد السنيورة ومروان حمادة، ووُزّع في صيدا، وأعلنت أن حزب الله يمدّد شبكة اتصالات سلكية ولاسلكية في صيدا نحو كل لبنان، رائية أنّ في الأمر فتنة، ومطالِبة بمواجهتها. ربما كانت من المرّات النادرة أن يُحوّل هذا الكتاب المفتوح في اليوم نفسه من مركز قوى الأمن الداخلي في منطقة الحسبة في صيدا إلى المركز الإقليمي لقوى الأمن الداخلي، ومن ثم إلى المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي في بيروت، بنشاط قلّ نظيره. في الثاني من أيار، أرفقت وزارة الاتصالات الكتاب المفتوح إلى رئاسة مجلس الوزراء بكل الملف الذي أنجزه عبد المنعم يوسف، والذي كانت حجة إظهاره شكوى الجمعية المذكورة، ويوقّع على كتاب الوزير الموجه إلى رئاسة مجلس الوزراء الرقم 1170/ا/و كلّ من الوزير ومحمد يموت وعمر غملوش، وجاء في الكتاب: «نظراً لقيام جهات لبنانية بمدّ شبكات هاتفية غير شرعية على معظم الأراضي اللبنانية، وبما أنّ هذا العمل يخالف النصوص والقوانين المرعية... ونظراً للأخطار الكبيرة التي قد تتسبب بها هذه المخالفة على أمن الدولة وسيادتها وعلى سلامة الأشخاص والسلم الأهلي، وبما أن العمل قد يستخدم لغايات تجارية تضعف موارد الدولة وتتسبب في هدر الأموال العمومية ويشكّل اعتداءً على الأملاك العامة والخاصة في أكثر من منطقة، يرجى التفضل بعرض هذا الموضوع على جدول أعمال أول جلسة مقبلة لمجلس الوزراء». بعد هذه الإحالة، عقد النائب وليد جنبلاط مؤتمراً صحافياً عرض فيه خريطة شبكة اتصالات حزب الله، ونوقش الملف في جلسة 4ـــــ5 أيار الشهيرة، حيث هدّد مروان حمادة بالانسحاب من الحكومة إذا لم يُتّخذ قرار واضح بشأن هذه الشبكة، وصدر القرار الشهير الذي يقضي عملياً باقتياد الأمين العام لحزب الله وقيادة حزب الله إلى مخافر الدرك لاعتدائهم على الأملاك العامّة. بعد هذه المعطيات يمكن العودة إلى ما نشرته «الأخبار» في الثاني من كانون الأول الجاري تحت عنوان «كيف أدار مروان حمادة معركة شبكة اتصالات المقاومة» نقلاً عن وثائق ويكيليكس.