نصر الله: التسوية قبل الاتهام

أكد نصر الله أن المقاومة لم تكن يوماً أقوى مما هي عليه اليوم (هيثم الموسوي)أرغم كلّ ما قيل خلال الأيام الماضية عن تجميد المسعى السعودي ــ السوري الرامي إلى حل الأزمة اللبنانية، جدّد الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله أمس ثقته بهذا المسعى، مؤكداً أنه وصل إلى مراحل متقدمة

وضع الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله أمس سقفاً زمنياً لإقرار تسوية للمشكلات الداخلية. وهذا السقف الزمني ينتهي لحظةَ صدور القرار الاتهامي عن المحكمة الدولية الخاصة بجريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري. بعد ذلك، «ربما يكون قد فات الأوان، ونكون جميعاً قد فقدنا زمام المبادرة». الموقف الجديد للأمين العام لحزب الله ورد في خطابه الذي ألقاه أمس لمناسبة تخريج طلاب «التعبئة التربوية» في الحزب، والذي أكد فيه جدية المسعى السوري ـــــ السعودي الذي «قطع شوطاً مهماً» من أجل التوصل إلى تسوية للأزمة اللبنانية. ملف الاتصالات أخذ الحيز الأكبر من خطاب نصر الله أمس. تحدّث بإسهاب عن الخروق الإسرائيلية لقطاع الاتصالات اللبناني، مشيداً بما وصفه بـ«الإنجاز الوطني والوقائي والأمني والكبير والتاريخي جداً بالنسبة إلى لبنان وإلى كل دول وحكومات وشعوب المنطقة، الذي عُبّر عنه في المؤتمر الصحفي الذي عُقد قبل أيام». ووجه الشكر إلى وزير الاتصالات والخبراء والأمنيين الذين حققوا هذا الإنجاز، لناحية كشف حجم الاختراق الإسرائيلي لقطاع الاتصالات اللبناني. وقال نصر الله إن نتائج هذا الكشف أظهرت أن بإمكان الاستخبارات الإسرائيلية تحقيق الآتي: ـ التنصت والاستماع إلى المكالمات الهاتفية والاطّلاع على الرسائل القصيرة (أس أم أس) التي يجريها أي مشترك على الشبكة اللبنانية. ـ الإسرائيلي لديه قدرة ويستطيع بالفعل الحصول على بيانات المشتركين والاتصالات (الداتا)، التي تتضمن كل المعلومات الشخصية عن حامل الهاتف وتفاصيل مكالماته الهاتفية، والأخطر من هذا تحديد مكانه جغرافياً. ـ تعقّب وتتبّع مستخدمي الهاتف الخلوي أو العادي وبطريقة لحظوية. - استنساخ شريحة أيّ هاتف (الـ«سيم كارد»)، بحيث يمكنهم إجراء مكالمة أو إرسال رسالة من رقم هاتف أيّ شخص من دون أن يكون الأخير على علم بما يجري. وبإمكان الإسرائيليّين جعل هذا الرقم يبدو موجوداً في أمكنة وأزمنة أنت أصلاً لست موجوداً فيها، وبعيد عنها عشرات الكيلومترات. والأخطر من ذلك كله، هو «زرع هاتف ورقم جديد في هاتف أيّ شخص، وتحويل هذا الهاتف إلى جهاز تنصت». وعن قضية الاختراق الإسرائيلي لهواتف عدد من كوادر المقاومة، لفت نصر الله إلى أن حزب الله فتح تحقيقاً في الموضوع ولجأ إلى مديرية استخبارات الجيش للحصول على مساعدتها التقنية. وقد تمكّن خبراء الاتصالات في المقاومة والجيش ووزارة الاتصالات والهيئة المنظمة من اكتشاف الاختراق. وقال نصر الله إن الحزب لم يلجأ إلى مكان آخر، غير استخبارات الجيش، لأن المكان الآخر (يقصد فرع المعلومات) كان مقتنعاً بأن كوادر المقاومة الثلاثة هم عملاء، ويرفض المناقشة في ذلك. وتوقّف نصر الله عند ردود الفعل على ما كشفه وزير الاتصالات ورئيس الهيئة المنظمة ومهندسون منها عن حجم الاختراق الإسرائيلي، لافتاً إلى أنّ البعض «بلعوا ألسنتهم»، رغم أنّ الإنجاز الذي تحقق هو «إنجاز للدولة». واستغرب الأمين العام لحزب الله أن يدين الاتحاد الدولي للاتصالات إسرائيل على هذه الخروق، في الوقت الذي سكتت فيه قوى سياسية لبنانية عن إدانة إسرائيل. ودعا الفريق الآخر إلى مناقشة المعطيات والوقائع التي قدمتها وزارة الاتصالات والهيئة المنظمة نقاشاً علمياً. وتساءل عن الخطوات اللاحقة لهذا الكشف، مطالباً بوضع «خطة لمنع هذه الاستباحة، ولمنع هذا العدوان حمايةً لقطاع الاتصالات». وبعدما لفت نصر الله إلى أن الأجهزة الأمنية أوقفت عدداً من الأشخاص في لبنان بشبهة التعامل مع الاستخبارات الإسرائيلية، مستندةً إلى بيانات الاتصالات الهاتفية، ثم تبيّن أن الشبهات لم تكن في محلها، انتقل الأمين العام لحزب الله إلى الحديث عن المحكمة الدولية، وخاصةً لناحية التعديلات الأخيرة التي طاولت قواعد الإجراءات والإثبات فيها. واستغرب أن تكون المحكمة مالكة لسلطتَي التشريع والمقاضاة في آن واحد، طارحاً عدداً من الأسئلة أبرزها:

هل هناك سوابق لمحاكمات غيابية في المحاكم الدولية؟ هل ثمّة سوابق مثلاً في المحاكم الدولية لها علاقة بالتكتم على الشاهد؟ هل يصح أن تحكم على الناس والشاهد متكتَّم عليه، يعني لا يستطيع المتهم أن يناقش الشاهد ويسأله. هل هناك سوابق في قبول شهادات خطية من الشاهد دون حضوره أمام القضاة أو أمام المحامين؟ ورأى نصر الله أنّ التساهل في وسائل الإثبات يُعدّ أمراً «غير جائز في قضية حساسة وخطيرة من هذا النوع. حتى لو تبين أن هذا حصل في محكمة ما في العالم، فإنّنا أمام قضية حساسة، وأمام قرار اتهامي حسّاس وأمام إدانة حساسة تعني مصير بلد ومستقبله». أضاف: «أريد أن أسأل كل طلاب العدالة في لبنان من الكبار إلى الصغار، أولئك الذين يخرجون ويقولون إنّ المحكمة مستمرة والعدالة آتية. أيّ عدالة هي الآتية؟ هل التساهل في وسائل الإثبات مؤشر إلى إنجاز عدالة وتحقيق عدالة؟ هل مسار التحقيق خلال خمس سنوات هو مؤشر إلى إنجاز عدالة وتحقيق عدالة، أم كل التجربة السابقة وكل التجربة الحالية تقول إن هناك محكمة تكيّف قوانينها وإجراءاتها وقواعدها بالطريقة التي تسهّل عليها إصدار حكم سياسي معدّ مسبّقاً؟ وخلص نصر الله إلى القول إن المحكمة الدولية الخاصة بجريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري هي الأضعف والأوهن من الناحية القانونية والقضائية وإجراءات العدالة ومعايير تحقيق العدالة. ووعد نصر الله بعقد مؤتمر صحافي لتقديم رؤية قانونية ودستورية عن مخالفة إنشاء المحكمة للدستور والقانون اللبنانيين، استناداً إلى آراء خبراء في لبنان والخارج. وبرأيه، فإن «المحصّلة واضحة: هذه محكمة لا علاقة لها لا قانونياً ولا دستورياً بلبنان ولا بالمؤسسات الدستورية في لبنان. نعم، هذا قرار مجلس الأمن، مجلس الأمن الذي قسّم فلسطين، مجلس الأمن الذي اعترف بوجود إسرائيل، مجلس الأمن الذي يقوم بتغطية كل العقوبات المفروضة على حكومات وشعوب في العالم، مجلس الأمن الذي هو ألعوبة بيد الولايات المتحدة الأميركية». وتوقف نصر الله عند «الدخول الإسرائيلي مجدداً على خط المحكمة الدولية، لا عبر الصحافة الإسرائيلية، بل من خلال مسؤولين إسرائيليين يقولون نحن في إسرائيل زوّدنا لجنة التحقيق الدولية بمعلومات ومعطيات ونحن متعاونون. ولجنة التحقيق الدولية بدل أن تذهب وتحقّق مع الإسرائيليين على الفرضية الإسرائيلية ذهبت لتستعين بالإسرائيليين لإدانة عدو إسرائيل الأول». وفي الشأن السياسي الداخلي، دعا نصر الله إلى مساندة المسعى السعودي السوري، مرحّباً بأيّ دولة أو جهة صديقة تدخل على خط المعالجة، «سواء كانوا إيرانيين أو قطريين أو أتراكاً». ووصف نصر الله المسعى السعودي ـــــ السوري بأنه «المسعى الجدي الوحيد المتاح لإخراج لبنان ممّا يتهدده الآن»، متحدّثاً عن معطيات تلقّاها خلال الأيام القليلة الماضية تؤكد «أنّ هذا المسعى ما زال قائماً ومتقدماً، وما زال الأمل كبيراً جداً بالوصول إلى نتائج حقيقية على صعيد الحل والمعالجة». وفي رأيه، فإن الحكومة اللبنانية قادرة على أن تبعد عن البلد «هذه المخاطر التي تتهدده من خلال المحكمة الدولية والقرار الاتهامي، وهي تعرف كيف. لكن ما نحتاج إليه كلبنانيين هو العزم والقرار والإرادة». ورأى نصر الله أنّ المعارضة السابقة في لبنان وسوريا والسعودية كلها جهات ترى المصلحة في التوصل إلى حل قبل صدور القرار الاتهامي، محذّراً مَن يتحدثون عن الحل بعد صدور القرار الاتهامي مَن أن يكون حينذاك «قد فات الأوان وأن نكون جميعاً قد فقدنا زمام المبادرة. فكّروا جيداً «بهالحكيات»، ودققوا وجميعاً سنتحمّل المسؤولية، هذا هو الفارق بين ما قبل صدور القرار الاتهامي وما بعد صدور ه. قبل صدور القرار الاتهامي نكون قد حمينا البلد واتفقنا وحمينا المقاومة وحمينا السلم الأهلي، وحمينا الحكومة وحمينا كل شيء. أمّا بعد صدور القرار الاتهامي فقد نفقد جميعاً الفرصة والوقت المتاح وزمام المبادرة لأنّ موضوع القرار الاتهامي ليس أمراً قائماً وحده، بل هو حلقة أو جزء من مشروع ستكتمل عناصره، بدأ باغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري واستمر مع الاغتيالات التي كانت في ظلها تقرّر بنود المحكمة الدولية، وصولاً إلى إصدار القرار الاتهامي وما بعد إصدار ه». وحذّر من «تقطيع الوقت»، داعياً إلى النظر إلى «أدلة القرار الاتهامي الموجودة في ديرشبيغل ولوفيغارو وسي بي سي». من جهة أخرى، رأى نصر الله في ما تقوله الحكومة الإسرائيلية عن الانسحاب من الشطر الشمالي لقرية الغجر، «لعبة علاقات عامة ولعبة إعلامية للتغطية على الاستيطان في القدس الشرقية وعلى الاستيطان في الضفة. وأبدى نصر الله اعتراضه على أي شروط تضعها إسرائيل بشأن قرية الغجر، كالقول بدخول قوات اليونيفيل ومنع دخول الجيش اللبناني إليها، واصفاً ذلك بـ«الاحتلال المقنّع، وسنتصرف معه على أنه ما زال احتلالاً». ورأى نصر الله أن الحل الأمثل لعدم تقسيم بلدة الغجر هو في انسحاب إسرائيل من كل أراضي البلدة، ليعود الجزء اللبناني إلى السيادة اللبنانية، على أن يبقى الجزء السوري وسكانه في عهدة لبنان مؤقتاً إلى حين الانسحاب وترسيم الحدود بين لبنان وسوريا. وشدد على أن المقاومة في لبنان ليست خائفة مما يُعدّ لها، وخاصةً «أنه لم يمرّ وقت كانت فيه هذه المقاومة أقوى مما هي عليه اليوم».

عدد الاثنين ٢٩ تشرين الثاني ٢٠١٠

الأكثر قراءة