عـــــون يرفــــض تســــوية «الاقتــــصاد للحــــريري»

ثائر غندورفي اتصال هاتفي جرى أخيراً بين رئيس تكتل التغيير والإصلاح النائب ميشال عون والأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، قال الجنرال للسيد إن «مماطلة الفريق الآخر في إنجاز ملف شهود الزور وغيره من الملفات ستطول، ويُمكن أن تمتد لسنوات وأنت تُصبح في لاهاي». أجابه نصر الله: «الله يخليك بالهمّة يا جنرال».بعد هذا الاتصال، قرّر عون أن يكون «بهذه الهمّة». أعلن أنه لن يُشارك في طاولة الحوار إلّا بعد الانتهاء من ملف شهود الزور، وأنه لا جلسة لمجلس الوزراء «لا يكون على رأس جدول أعمالها ملف شهود الزور».في قراءة هادئة للنشاط السياسي الذي يقوم به الجنرال عون، وتصعيده الكلامي على مستويات عدّة، يُمكن الخروج بالخلاصات الآتية:ـــــ يعتقد عون أن الفرصة سانحة اليوم لإجراء تعديلات دستوريّة جديّة تهدف إلى تحويل النظام السياسي إلى نظام أكثر مدنيّة، وإلى إحداث تغييرات جذريّة في البنية الاقتصاديّة السائدة في البلد منذ انتهاء الحرب الأهليّة وإقرار دستور الطائف. وهو ما يُعبّر عنه بإصراره على إطاحة الحريريّة؛ وهذا الأمر الذي يُشير إليه فريق رئيس الحكومة سعد الحريري بكلمة «الانقلاب».ففي عام 1990 توقفت الحرب الأهليّة بناءً على تسوية سعوديّة ـــــ سوريّة ـــــ أميركيّة، وحُكم البلد حتى عام 2005، بوصاية ثلاثيّة طبّقت سياستها دمشق وحلفاؤها المحليون. لكن هذه التسوية لم تستطع إنجاز تحوّل حقيقي في النظام السياسي المفترض أن يكون ديموقراطياً، وهي أسهمت إلى حدّ بعيد في إبقاء الجمر تحت الرماد. ما عاد واشتعل في عام 2005 على نحو مختلف. وهذه التسوية لم تعمل على ترسيخ أُسس بناء الدولة على صعيد المؤسسات: فلم يُسلّح الجيش ليكون قادراً على الدفاع عن أرضه، ولم تصبح القوى الأمنيّة قادرة على ضبط الأمن الداخلي. أمّا المؤسسات المدنيّة فأُغرقت بالفساد لشلّ عملها، بحيث يتراجع دور المستشفى الحكومي والمدرسة الرسميّة والجامعة اللبنانيّة وإدارات الدولة يوماً بعد آخر، ويُقتل الضمان الاجتماعي تدريجاً، في ظلّ غياب خطط تطوير الكهرباء والمياه والاتصالات ومواجهة التحديات المستقبليّة في هذين القطاعيْن. وأُغرق البلد بأكثر من 60 مليار دولار من الديون تحت عنوان إعادة الإعمار، التي تمركزت في وسط بيروت وفي أماكن مختلفة بعيدة كلّ البعد عن الإنماء، متوازناً كان أو غير متوازن.يُضاف إلى هذا، أنه لا أحد عمل على خلق توازن في الاقتصاد اللبناني، فتراجع قطاعي الزراعة والصناعة في السلم أكثر من تراجعهما في الحرب، وقد تسلم الريعيون الاقتصاد المحلي.باختصار، إن هذه السنوات الخمس عشرة لم تعمل على تطوير الدولة اللبنانيّة، ولو بالحدّ الأدنى. ووفق المعطيات السياسيّة، يُمكن القول إن سوريا تتبنّى وجهة نظر عون في الحسم، سريعاً ونهائياً.ـــــ يرفض عون، مطلقاً، منطق 7 أيّار؛ أي منطق ممارسة ضغط في الشارع بهدف الوصول إلى تسوية سياسيّة ظرفيّة لا تُحدث تغييراً جوهرياً، وهو يعتقد أن أي عمل في الشارع يُفترض أن تكون نتيجته حاسمة ولمرّة واحدة في إطار بناء الدولة.

في المقابل، فإن التسوية السياسيّة التي يُعمل عليها بين السعوديّة وسوريا، بهدف تجنّب تفلّت الأمور لبنانياً، والتي تقتضي بأن يقوم رئيس الحكومة سعد الحريري بسلسلة خطوات تؤدي إلى القضاء على المحكمة أو الانتهاء من مفاعيلها المحلية كلها؛ تتضمّن ثمَناً يُفترض أن يقبضه الحريري، وهذا الثمن يتركّز في الجانب الاقتصادي. ففي فترة ما قبل عام 2005، تولّى الحريري الأب الاقتصاد، وترك الأمن والخارجيّة لسوريا، فيما تفرّغ حزب الله للمقاومة. واليوم، لا يبدو أن حزب الله والرئيس نبيه بري في وارد التخلي عن الخارجيّة والأمن، والمقاومة غير قابلة للنقاش. لذلك، لا يبقى أمام الحريري إلا الملف الاقتصادي. ولا يُمانع حزب الله في هذه التسوية، رغم أن الكلام العلني الذي يقوله المسؤولون هو عكس ذلك، إلّا أن الممارسة حتى اليوم لا تزال توحي بالرغبة في هذا النوع من التسوية. ولا إشارات توحي أن حزب الله مستعد لتغيير شكل النظام. لكنّ مسؤولين فيه يؤكّدون أن الحزب ليس في وارد إعادة العمل في المعادلة السابقة، أي معادلة أن الاقتصاد بيد الحريري، رغم أن الأمين العام لحزب الله أعلن في أحد خطاباته استعداده الكامل لهذا الأمر.وسيطرة الحريري على الملف الاقتصادي تعني انتهاء مبرّر وجود عون وتيّاره السياسي، إذ لا يبقى أمامهما إلا خيار التحوّل حزباً خدماتياً ينهب من الدولة ويُقدّم بعض هذا النهب إلى جمهوره، كما فعل العديد من الأحزاب في فترة الوصاية السوريّة.من هنا، يُمكن فهم إصرار عون على الذهاب إلى التصويت في مجلس الوزراء على ملف شهود الزور. هو يُريد التأكّد من الموقع النهائي لرئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط، واستعداده للدخول بهذه الورشة السياسيّة والاقتصاديّة.ومن هذه المعطيات، يُمكن فهم الهجوم الحاد الذي يشنّه فريق الحريري بمختلف أشكاله السياسيّة والإعلاميّة على الوزير شربل نحّاس، الذي يرمز إلى السعي لإحداث تغيير في السياسات. وتهديد الحريري لنحّاس ليس تهديداً لشخصه، بل لما يُمثّله من رؤية اقتصاديّة تُهدّد وجود الحريري سياسياً. وهذا ما يُفسّر أيضاً سكوت العديد من القوى المعارضة عن الهجوم على نحّاس؛ لا بلّ إن بعض الوزراء لم يتوانَوا عن القول في مجالسهم الخاصّة إن نحّاس «عم يزيدها». ويُشير مراقبون إلى أن دفاع حزب الله عن نحّاس حمل رسالتيْن: الأولى إلى عون، أن التسوية لن تكون على حسابه. والثانية إلى الحريري، أنه لن يقبل بأن تكون التسوية على حساب أشخاص في التيّار الوطني الحرّ.تجدر الإشارة إلى قول عون في مقابلة مع تلفزيون LCI من فرنسا ردّاً على سؤال عن أن «حزب الله حليفك» بالقول: «ما يجمعنا مع حزب الله هو تفاهم أكثر مما هو حلف؛ وهذا التفاهم ساعد على الاستقرار في لبنان حيث العديد من النّقاط التي بإمكانها أن تؤدّي إلى الفتنة، فجاء هذا التفاهم ليساعد على حلحلتها وإرساء الاستقرار».يُشير بعض المتابعين إلى أن التسوية لا يُمكن إلّا أن تكون تسويةً ظرفيّةً تعيش لسنوات.

 

 

الأكثر قراءة