في خطابه في ذكرى «يوم الشهيد»، أجرى الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله جردة لـ«فصول استهداف المقاومة». وبرأيه، فإن البلاد تعيش في «الفصل الخامس الذي سيفشل كما فشلت الفصول السابقة». وبعدما كان قد أعلن وقف التعاون مع المحكمة الدولية، أكد نصر الله أن المقاومة ستقطع اليد التي ستمتد لأيّ من أفرادها، كاشفاً أن المسعى السعودي ـ السوري لحل الأزمة في لبنان لا يزال مستمراً وسيثمر قريباً
«إيه في أمل»، قالها الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله في خطابه أمس، رغم التوتر الكبير الذي تعيشه البلاد. أمل نصر الله معقود على المسعى السوري ـــــ السعودي «الجدي جداً»، الذي ستظهر نتائجه «في وقت قريب». وبانتظار تلك النتائج، وجّه نصر الله رسائله في أكثر من اتجاه. قال لـ«الفريق الآخر» إنه أضاع كل الفرص سابقاً، داعياً إياه إلى اغتنام الفرصة التي «لا تزال موجودة». وفي خطوة هي أبعد من إعلان وقف التعاون مع المحكمة الدولية، أكد نصر الله أن المقاومة ستقطع اليد التي ستمتد لأي واحد من مجاهديها، وأنها ترفض أي اتهام يوجه إليهم. وهذه المقاومة، أضاف نصر الله، ستدافع عن نفسها بالطريقة التي تختارها هي وحلفاؤها. كلام الأمين العام لحزب الله أتى في خطابه الذي ألقاه لمناسبة «يوم الشهيد»، أي ذكرى العملية الاستشهادية التي نفذها أحمد قصير يوم 11/11/1982، ودمر فيها مقر الحاكم العسكري الإسرائيلي في صور، ما أدى إلى مقتل أكثر من مئة جندي وضابط إسرائيلي. ورأى نصر الله «أن لبنان أمام فصل جديد ومرحلة جديدة، والمقاومة بالتحديد أمام فصل جديد من فصول الاستهداف»، مقدماً قراءة لأحداث السنوات الماضية التي وضعها ضمن خمسة فصول «نحن نعيش في الخامس منها اليوم». في الفصل الأول، صدر القرار 1559 الذي «تبنّاه وزير خارجية العدو سلفان شالوم الذي قال إنه بعد عام 2000 قام بجولة حول العالم من أجل إصدار هذا القرار، وعلل ذلك بوضوح عندما قال: نريد وضع حزب الله والمقاومة في لبنان بمواجهة المجتمع الدولي. ... وسلفان شالوم الذي صار نائب رئيس حكومة في كيان العدو، قال أمس إن القرار الظني بحق حزب الله، برأيه، سيؤدي إلى تطبيق 1559». ورأى نصر الله أن من صنعوا القرار 1559 أخطأوا في التقدير، وكذلك فعلوا في الفصل الثاني، «الذي بدأ باغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري والاتفاق الأميركي ـــــ الفرنسي والضغط من أجل أن تخرج سوريا من لبنان، ثم العملية السياسية الداخلية التي بدأت عام 2005. ورأى نصر الله أن هذا الفصل كان «يستهدف المقاومة، لكن بطريقة ناعمة، أي عبر الإغراء بالسلطة». وكشف أن السفير الفرنسي كان حينذاك يسعى خلال لقاءاته به إلى تشجيع حزب الله على الانخراط بالسلطة، مضيفاً أن أحد الرؤساء العرب نقل له عن الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك قوله: «أنا وجورج بوش متفقان على لزوم إنهاء المقاومة في لبنان ونزع سلاحها، لكن الفارق بيني وبين الأميركيين أنني أريد أن أنجز هذا الهدف من خلال العقل والسياسة وهم يريدون إنجازه من خلال العضلات. أنا رأيي أن نُدخل المقاومة وحزب الله بالتحديد إلى السلطة السياسية ونفتح أمامه أبواب السلطة. بعد مدة من الزمن سوف يشعر حزب الله من تلقائه أن بقاءه في ميدان المقاومة وتمسكه بالسلاح باتا عبئاً عليه فيتخلى عن السلاح». وبرأي الأمين العام لحزب الله، فإن المهلة الممنوحة لشيراك انتهت بعد نحو «سنة أو سنة ونصف وليس أكثر من ذلك، لأن ولادة الشرق الأوسط الجديد لم تعد تحتمل تأخيراً، وكان الحمل قد بلغ غايته ويفترض أن يولد هذا الشرق الأوسط الجديد». وجدد نصر الله تأكيد أن لا حزب الله ولا حركة أمل عملا يوماً من أجل أن تحل المثالثة في النظام الطائفي اللبناني بدلاً من المناصفة، بل إن «الفرنسيين هم الذين عرضوا ذلك على الإيرانيين، قائلين إن المنطق يقضي بأن اتفاق الطائف عقد منذ عشرين عاماً، أما الآن فيمكن أن نناقش في اتفاق جديد». وتساءل عن سر الصمت تجاه ما طرحه وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير عن وجود خمس دول عربية تؤيد عقد اتفاق جديد في لبنان، وتجاه ما طالب به «أحد النواب الواعدين في قوى 14 آذار الذي تحدث عن نظام سياسي جديد ينقض أساس الطائف وهو أقرب إلى الفيدرالية». وتوجه نصر الله إلى «المراهنين على إغراء الشيعة في لبنان بالمثالثة» بالقول: «نحن لسنا طلاب سلطة ولا نبيع مقاومتنا ولا حريتنا ولا كرامتنا ولا دماء شهدائنا ليس بثلث السلطة بل بكل السلطة». أما الفصل الثالث الذي تحدّث عنه نصر الله، فهو حرب تموز 2006، التي كشف الرئيس الأميركي السابق جورج بوش في كتابه الأخير أنه هو من طلب إطالتها «من أجل أن يُجدد الفرصة أمام إسرائيل للقضاء على حزب الله، وأعطاها أسبوعاً ثانياًَ وثالثاً ورابعاً، وكان قادراً أن يعطيها أكثر، لكن هو جورج بوش يقول إنهم أجروا تقييماً في مجلس الأمن القومي كانت نتيجته أنهم غير قادرين على استكمال الحرب». أضاف نصر الله: «لا أحد يربحنا الجميل بأنه أوقف الحرب، فصمود لبنان، أي صمود المقاومة والشعب والجيش وتضحيات الشهداء هي التي أوقفت الحرب، وليس الخونة هم الذين أوقفوا الحرب على لبنان». وبحسب نصر الله، فإن بوش كشف أنه اتخذ قراراً بوقف الحرب «إنقاذاً لإسرائيل»، سائلاً عما إذا كان فريق «14 آذار يقبل هذا التقويم من سيده جورج بوش». أما قول الرئيس الأميركي السابق بأن أحد أسباب وقف الحرب يعود «للحرص على حكومة فؤاد السنيورة الديموقراطية»، فرأى فيه الأمين العام لحزب الله «كذباً وكلاماً لا قيمة له»، والدليل أن «بوش كان موجوداً في البيت الأبيض عندما حصلت أحداث السابع من أيار، فماذا فعلت إدارة بوش لحكومة السنيورة الديموقراطية؟». وكشف نصر الله أن السفير الفرنسي التقى خلال حرب تموز 2006 بالمسؤول السابق للعلاقات الدولية في حزب الله النائب نواف الموسوي، وقال له إن الأميركيين والفرنسيين والإسرائيليين موافقون على وقف إطلاق النار، «لكن حكومتكم ليست موافقة». وتساءل الأمين العام لحزب الله عن أسباب عدم المطالبة بكشف حقيقة ما إذا كان ثمة أطراف لبنانية متورطة في إطالة أمد الحرب التي أدت إلى استشهاد 1140 مدنياً ومقاوماً وجندياً، قائلاً: «أليس لهؤلاء أيضاً أن يُطالبوا بالحقيقة وبالعدالة؟، أنا لا أضع ملفاً مقابل ملف أبداً، كل الملفات محترمة ويجب أن تظل محترمة، لكني أطرح سؤالاً». أما الفصل الرابع الذي ذكره نصر الله فهو القرارات التي اتخذتها الحكومة يوم 5 أيار 2008 «بتأييد أميركي وكان الهدف إحداث صدام بين المقاومة والجيش، وإحداث فتنة مذهبية بين السنّة والشيعة، ثم حصل ما حصل في 7 أيار وسقط الفصل الرابع». يبقى الفصل الخامس الذي عنوانه المحكمة الدولية والقرار الاتهامي. وبرأيه، فإن ما يجري الإعداد له هو «اتهام شباب شيعة باغتيال الزعيم السني الأبرز، وبالتالي استصدار قرار ظنّي، والطلب من الحكومة اللبنانية اعتقال هؤلاء الشباب. والحكومة اللبنانية ستذهب لاعتقالهم وترسل الجيش وقوى الأمن وتدخل في صدام مع المقاومة». وحسب تقدير نصر الله، فإن القيّمين على هذا المشروع كانوا يراهنون على أن حزب الله سيقبل اتهام أربعة أو خمسة أفراد «غير منضبطين». وتوقف نصر الله بإيجابية عند «المبادرة الطيبة والحريصة من الملك عبد الله بن عبد العزيز»، مؤكداً أن «المسعى السعودي السوري جدّي جداً، وثمة آمال كبيرة وحقيقية معقودة على هذا المسعى الذي ما زال مستمراً، ومن المفترض أن تصدر نتائجه في وقت قريب». وجزم بأن «أي نتائج للمسعى السعودي ــــ السوري تقبل بها الأطراف المعنية في لبنان ستحظى بدعم وتأييد الجمهورية الإسلامية في إيران».
أضاف ان بعض القيادات اللبنانية «استغاثت» بالأميركيين والفرنسيين وبعض الحكومات العربية بعدما شعرت بجدية المسعى السوري ــــ السعودي. وخلص نصر الله إلى التأكيد أن المقاومة «لن تسلم بأي اتهام لأي من مجاهديها أو قيادييها مهما تكن التهويلات والتهديدات والضغوط. ويخطئ من يتصور أننا سنسمح بتوقيف أو اعتقال أحد من مجاهدينا، واليد التي ستمتد إلى أي واحد منهم ستقطع. كذلك فإن المقاومة، أمام أي اتهام، ستدافع عن نفسها وعن كرامتها إذا اعتدي عليها، وبالطريقة التي ستختارها مع حلفائها المخلصين والحريصين في المعارضة الوطنية اللبنانية الحريصين على عزة لبنان ومنعته. ويخطئ من يتصور أن التهويل علينا بحرب إسرائيلية يمكن أن يجدي نفعاً، بالعكس، الذي يحدثنا عن حرب يبشرنا ولا يهددنا». وأكد أن هذا الفصل سيسقط، كما سقط «الفصل الثالث في 33 يوماً، والرابع في ثلاث ساعات». وشدد نصر الله على أن حزبه لن يقبل بأي تسوية على قاعدة قبول اتهامه باغتيال الرئيس رفيق الحريري، مؤكداً أن قوى 14 آذار تريد حماية من «ركّب شهود الزور، لأن هذا الملف سيوصل إلى رؤوس كبيرة وإلى أكبر فضيحة سياسية في تاريخ لبنان والمنطقة».وثيقة وتشكيك
في خطابه أمس، استشهد نصر الله بوثيقة قال إن صحيفة «النهار» كانت قد نشرتها، تتضمن رسالة وجهها المستشار الأسبق للأمن القومي الأميركي هنري كيسنجر إلى عميد الكتلة الوطنية ريمون إده، يلخص فيها السياسة الأميركية تجاه لبنان ودول الشرق الأوسط، والمتمحورة حول الالتزام بأمن إسرائيل. وشكك النائب نهاد المشنوق بهذه الوثيقة أمس، مؤكداً أن ما استشهد به نصر الله هو «فبركة صحافية قام بها الصحافي سليم نصار في مجلة الحوادث في عام 1976». تجدر الإشارة إلى أن آخر موضع وردت فيه هذه الرسالة هو وثائقي أعدّه الإعلامي ريكاردو كرم عن حياة العميد ريمون إده العام الماضي.