المصيدا ــ خالد الغربي«منرفض نحنا نموت. لا للغلاء، لا للجوع، لا لسياسات القهر الاجتماعي»... تحت هذا العنوان نُفّذ أمس اعتصام جماهيريّ حاشد في ساحة النجمة في صيدا، وهو يعدّ باكورة الاحتجاجات المطلبية التي أُقرت في مؤتمر شعبي عُقد قبل أيام في المدينة بدعوة من النائب السابق أسامة سعد.على الرغم من الهجوم العنيف الذي تعرّض له التحرّك من تيار المستقبل الذي وصفه بالمسيّس، مهوّلاً بأنه شرارة تفجير الوضع الأمني في لبنان، التي يجري تنسيقها بين قوى المعارضة، فإن الاعتصام كان حاشداً، كما أخطأت اتهامات هؤلاء، التي كانت تشير إلى أن المصارف ستتعرض أثناء الاعتصام للسرقة والسطو... فقد شارك في الاعتصام مواطنون ونقابيون ورجال دين ومناصرون للأحزاب الوطنية واليسارية، وبحسب فعاليات صيداوية هو عبارة عن «بروفة أولية ناجحة لتحركات مطلبية ستشهدها لاحقاً عاصمة الجنوب لإعادة الاعتبار إلى الملف الاجتماعي وإلى الحركة الشعبية المطالبة بأمان اجتماعي للمواطنين يقيهم العوز والجوع».الغلاء، البطالة، الاحتكار، غياب الرقابة الحكومية على الأسعار، الارتفاع الجنوني في الإيجارات، كلها مثّلت عُدّة الاعتصام، أما البنزين والبندورة، فكانا سيدي الموقف وصدى حناجر المعتصمين، إذ هتف زكريا مستو: «خبز وبندورة وبنزين حرموا منها المساكين». لم يكتف مستو بهتافاته، فقد أحضر معه إلى الاعتصام «طنجرة» وضع فيها رب البندورة، «إذا استهدفنا رؤوس حيتان المال بالبندورة، فإن رأس البندورة يصيح بأيّ ذنب أُضرب».تنوّعت اللافتات بين «يلعن أبو هالعيشة المرّة»، «وكنس يا شعبي كنس عالحكومة وعالمجلس»، وأخرى تحذّر من خطر الاقتراب من رغيف الخبز الذي تدلّى من حبل المشنقة، فيما اخترق الطفل جاد حشيشو صفوف المعتصمين بلافتة خطّ عليها «يا سرّاقين، الشعب سوف يحاسبكم، يا عيب الشوم اللحمة صارت بالفرمة». جاد الصغير كان يعلم ظروف الأزمة: «لبنان مش سوليدير، مال الدولة سرقوه الكبار، الأزمة طويلة، فهناك فساد في لبنان!»، ثم يغني للشيخ أمام «شيّد قصورك عالمزارع». في غير مكان من الاعتصام، كانت تصدح هتافات عن طبقية السلع: «اللحمة حلفت يمين ما بتدخل بيت الفقير». الأمر واضح للمعتصمين فلكل سبب مسبّب. ثم ينهالون بالانتقادات اللاذعة على الرئيسين سعد الحريري، وفؤاد السنيورة، والحكومات الحريرية المتعاقبة، «حريري ع السنيورة خلوا الجيبي منقورة»، و«الحريري والسنيورة ما تغير شي بالصورة»، و«حكومة حرامية على السرقة مبنية».في «هايد بارك» الاعتصام يعبّر المواطنون عن سخطهم على ما آلت إليه الأوضاع المعيشية والحياتية في لبنان. ربّة المنزل ميرفت البابا، ترى أن شعب لبنان سيتحول قريباً إلى جالية في وطنه، مناشدةً «أولاد البلد بأن يصحوا قبل أن يطير البلد، فالشعب
الجائع سيأكل الحكام ولو كان لحمهم مرّاً وقاسياً». أمّا الطفلة زينب الصوص، فقد عرضت أحلامها الضائعة: «بابا يعمل ليل نهار لنعيش بكرامتنا. لم نحضر إلى الاعتصام إلا لنطلب العيش الكريم... لسنا قادرين على شراء حاجاتنا من خُضَر وفواكه ولحمة... هذه أبسط حقوقنا». فيما تدعو الشابة، جميلة قشور، إلى «النهوض ومقاتلة مصاصي دماء الشعب، ومحاسبتهم»، أما عاطف الإبريق، فيرى أنه مواطن مسحوق لا يمكن سؤاله عن هويته الدينية «لا تسألني عن ديني فأنا من طائفة رغيف الخبز والعلم والحرية».هواجس أسامة سعد، ليست إلا انعكاساً لما يقوله المعتصمون، فهو يؤكد أن هذا التحرّك ليس إلا الخطوة الأولى، مشيراً إلى أنه «مقدمة لتحركات لاحقة ستشهدها ساحات صيدا، وغير مناطق، لنقول للعالم أجمع، ولحكّام لبنان، إن هذا الشعب حيّ ولا يمكن أن يفرّط بحقوقه مهما طال الزمن، ومهما طغى الظلم»، مؤكّداً أن الضغط عبر التحركات والاحتجاجات سيستمرّ على حكام لبنان «سارقي الأحلام والآمال ولقمة العيش»، وذلك عبر «مواجهة سلمية ديموقراطية لتحقيق كامل أهداف شعبنا، وتأمين العدالة الاجتماعية والمساواة. نحن في مواجهة الذين يحتلون مواقع السلطة ويعيثون في البلد سرقة ونهباً ولصوصية وفساداً».في الإطار نفسه، انتقدت اللجان العمالية والنقابية في الجنوب، اتحاد نقابات عمال الجنوب، واصفةً إياه بأنه «أداة من أدوات السلطة التي تُستخدَم لتضليل العمال وخنق حقوقهم»، بحسب بيان وزّع في الاعتصام. «فهذا الاتحاد، أي اتحاد عمال الجنوب، فُرض فرضاً قبل سنوات بواسطة سلاح القوى الأمنية التابعة للسلطة، ومصيره لن يكون أفضل من مصير النفايات» يختم بيان اللجان.
عدد السبت ٦ تشرين الثاني ٢٠١٠