كميل داغر

منذ ما ينوف على الثلاثة أشهر، حتى يوم الجمعة، 3 آب الجاري، كان لا يزال مستمراً إضرابُ العمال المياومين، وجباة الإكراء، لأجل التثبيت، بوجه أخص، في مؤسسة كهرباء لبنان، واعتصامُهم في مواقع عملهم، ولا سيما في المركز الرئيسي، قبل أن يوافقوا على حله، لقاء وعود باستجابة جزء أساسي من مطالبهم، وتحت ضغط حرمانهم معاشاتهم، على امتداد كل تلك الفترة، مع انعكاس هذا الواقع وبالاً عليهم، وعلى أسرهم، وإفضائه، في حالة العديدين منهم ، إلى مآسٍ عائلية حقيقية.

وفي الواقع، وقبل توضيح الاستنتاجات والدروس، التي يمكن استخلاصها من تحركهم المشار إليه، وآفاقه، قد يكون مفيداً أن نكشف، ولو باختصار شديد، الغرابة منقطعة النظير، والمستدعية للكثير من الاستنكار، التي سبق أن لازمت وضعهم، منذ لحظة التعاقد معهم، للعمل في واحدة أساسية، وحيوية جداً ، من مؤسسات القطاع العام (!). فعدا كون قسم مهم منهم لا يزال في وضع العمل، باليوم، منذ أكثر من عشر سنوات، فيما آخرون مياومون منذ أقل من ذلك، كانت المؤسسة شديدة الحرص على عدم الدخول معهم في تعاقد مباشر، تاركةً ذلك لأفراد يتولون، هم تحديداً، تأمين العدد من الشغيلة الذين تحتاج إليهم، ومطلقةً على هؤلاء تسميةً خاصة، هي بالضبط، «عمال المتعهد»(!)، وذلك، في مسعىً واضح، لعدم الاعتراف بأيٍّ من الحقوق الشرعية لهؤلاء العمال. فهم لا يتمتعون بأي ضمان صحي، أو اجتماعي، ولا يتقاضون، عند الصرف، أو حتى إصابات العمل ــــ حسبما جاء في الرسالة التي وجهوها، قبل حوالى العامين، إلى الوزير السابق للعمل، بطرس حرب – أي تعويض. حتى إن العديدين ممن أصيبوا بعاهات دائمة، بفعل التعرض لحوادث كهربائية، أثناء العمل، لم يحصلوا حتى على اكلاف العلاج، ولا على تعويض الإعاقة. وحتى تعويض الوفاة المفترض إعطاؤه للأقارب الحميمين، حين حصولها، لا يزيد على الخمسة ملايين ليرة لبنانية، أو ــ كما كتبت اللجنة الممثلة للعمال، في 2 شباط 2010، للوزير المذكور نفسه، في الرسالة عينها ــ «أقل مما يُدفع، عادةً، حين تَنْفُق بقرة بحادث ما».

عدا ذلك، فلا قبض لأي أجر عن أيام الآحاد والأعياد الرسمية، بما فيها عيد العمال! فضلاً عن عدم الدفع لهم عن أيام الإضراب، عادةً، وقبل الإضراب الأخير، حتى حين لا يكونون هم الداعين إليه. والأنكى من ذلك انه، في سياق امتناع المؤسسة عن الاعتراف بعلاقة لها بهؤلاء العمال، فهي لا تدفع لهم مباشرةً، بل بواسطة من تصفهم بالمتعهدين، الذين يحصلون، لحسابهم الشخصي، وعلى حساب العمال – من ضمن عملية تنفيع تفوح منها رائحة الفساد المستشري في الدولة اللبنانية – على مبلغ مهمّ هو، بالمناسبة، أكبر من الأجر الذي يتقاضاه العامل، وقدره، حالياً، 28500 ل.ل. عن يوم العمل. بمعنى آخر، فعدا ما ينطوي عليه هذا من واقع الفساد الفعلي الأقصى لإحدى مؤسسات القطاع العام، الأكثر حيوية في بلدنا، فإنه يكشف شكلاً من التعامل مع العمال، كما لو كانوا أقرب إلى العبيد، كما جاء في وصف احد اعضاء لجنة الاعتصام الأخير لوضعه، ووضع زملائه، بعد استجابة هؤلاء، اخيراً، الضغوط القاسية التي تعرضوا لها، سواء من جانب الاتحاد العمالي العام، بقيادة غسان غصن، أو من جانب القوى السياسية البرجوازية الطائفية المسيطرة، وفي مقدمتها التيار الوطني الحر، من جهة، وحركة أمل، من جهة اخرى (وهي ضغوط يقول بعض العمال إنها وصلت إلى حد تهديدهم بإخراجهم من المؤسسة، عنوةً، عبر فرقة المكافحة!). وذلك لأجل فك اعتصامهم، وقبول ما عُرض عليهم من حلول، ليس واضحاً كيف سيتم تنفيذها، ومن منهم سيتمكن من الإفادة منها، وإلى أي حد، ولا سيما بخصوص عدد من سيشملهم التثبيت، بعد مباراة لا يعلم أحد بينهم، إلى الآن، ما هي شروطها وتفاصيلها، ومتى، وكيف ستتم.

هذا مع العلم بأنه قد جرى تضمين صيغة الحل، كما كان قد كشف عنها رئيس الاتحاد العمالي العام، في لقائه المياومين، في اوائل الشهر الجاري، بنداً أثار مخاوف هؤلاء وشكوكهم العميقة، هو ذلك الذي يتحدث عن «إجراء مباراة محصورة ، في مجلس الخدمة المدنية، وفق القانون الذي سيصدر، وبحسب ملاك المؤسسة وحاجتها...»، الأمر الذي يعطي انطباعاً شبه أكيد بأنه جرى الالتزام بالمشروع الأساسي لوزير الطاقة، جبران باسيل. وهو يلحظ، من ضمن خلفيات طائفية بحتة، عدداً محدوداً ممن سيتم تثبيتهم، لا يتجاوز المئات، وليس مجموع من يستحقون ذلك. وهو المشروع الذي كان احد الأسباب الأهم، وراء اعتصام العمال المياومين، وجباة الإكراء، الأخير.

في كل حال، لا يمكن الاكتفاء، في معرض الإحاطة بظروف هذا التحرك، الفريد من نوعه، في تاريخ الطبقة العاملة اللبنانية، وأسبابه، بما ورد أعلاه، وربما يكون أهمَّ من ذلك الخروج منه بالاستنتاجات والدروس المناسبة، مع تسليط الضوء على نقاط الضعف التي تعيِّن حدوده، ولكن أيضاً نقاط القوة، التي يمكن أن يسهم إدراكها والاهتداء بها، في إنجاح نضالات لاحقة لا تقتصر، بالضرورة، على عمال الكهرباء، بل تتجاوزهم لتشمل شتى القطاعات العمالية.

خلاصات ودروس

إن نقاط القوة، في تحرك مياومي الكهرباء وجباة الإكراء الاخير عديدة، وأهمها أنه شمل كل هؤلاء العمال، الذين يتجاوز عددهم الألفين والمئتين، بمعزل عن انتمائهم الطائفي والمذهبي، وعلى الرغم من المساعي المدانة لوزارة الطاقة، بقيادة الوزير باسيل، وإدارة مؤسسة كهرباء لبنان، لإثارة النعرات الطائفية على صعيدهم وفي العلاقة بينهم وبين سكان المنطقة التي تقوم فيها المؤسسة المشار إليها. لقد غلبت الهوية الطبقية، رغماً عن المصطادين في ماء الطوائف والمذاهب العكر، الهويةَ والانتماءَ الطائفيين، وهذا مكسبٌ أساسي يمكن البناء عليه، في معركة الشعب اللبناني الطويلة لإسقاط النظام الطائفي، والانضمام، هكذا، في تاريخ غير بعيد، إلى الحراك العربي الثوري العام.

أكثر من ذلك، لقد نجح العمال المياومون في تجاوز إضراب عام لم يكن مخططاً له أن يطول، ليتحول إضرابهم إلى اعتصام، فاحتلال لموقع العمل داما اكثر من 90 يوماً! وهو أمر من شأنه أن يمثّل قدوة للشغيلة، والمستخدمين، والموظفين، لاحقاً، في شتى القطاعات، في تحركات خاصة بهم سعياً وراء تحسين ظروف عيشهم وعيش عائلاتهم، وموازين القوى في ما بينهم وبين أرباب العمل، وغيرهم من ممثلي البرجوازية المسيطرة، كما ممثلي بيرقراطية الدولة والإدارات المشرفة على مؤسسات القطاع العام. علماً بأن ذلك لن يرتقي إلى مستوى لائق حقاً، وجدير بتضحيات الطبقة العاملة المحلية من شتى الجنسيات إلا بقدر ما تستوعب هذه، في آنٍ واحد، نقاط الضعف التي لازمت التحرك الذي نحن بصدده، بحيث تعمد إلى تجنبها، والتحرر من المعوِّقات التي تنطوي عليها.

أما نقاط الضعف هذه، فيمكن اختصارها بما يلي:

1- افتقاد صندوق الإضراب: لقد كانت إحدى المشكلات الأساسية التي تعرض لها المياومون تتمثل في افتقادهم الوسيلة المالية الأهم، التي كان توافُرُها سيتيح لهم المضي في اعتصامهم لمدة أطول وفرض مطالبهم على الإدارة من دون تنازلات ومن دون الخضوع لما تعرضوا له من ضغوط شتى لفك اعتصامهم، لقاء مكاسب جزئية للغاية وغير مضمونة. إنّ الاهتمام، منذ بداية التحرك، بتأمين الحصول ــ سواء عبر مخاطبة القوى العمالية والاجتماعية المستعدة للتضامن معهم محلياً أو حتى الحركات العمالية، عبر العالم ــ على الدعم المالي، الذي من شأنه أن يؤمِّن لهم ولو الحد الأدنى من حاجاتهم وحاجات تحركهم. هذا الاهتمام كان من شأنه أن يحول دون وقوعهم في ضائقة خانقة أدت دوراً حاسماً في الحيلولة دونهم والقدرة على الصمود في المفاوضات، لأجل حلّ يتناسب مع حقوقهم وتضحياتهم.

2- افتقاد التضامن الاجتماعي، والسياسي: ولقد تمثَّل ذلك في عدم الاهتمام الكافي لدى العمال وقيادتهم المرتجلة، بالعمل للحصول على تضامن شعبي واسع، عبر طرح قضيتهم، بشتى وسائل الاتصال، والإعلام، على العمال في مواقع الإنتاج المختلفة، وعلى الحركات النقابية والاجتماعية من جهة، لكن أيضاً، ومن جهة اخرى، على الحركات السياسية، التي تزعم التضامن مع قضايا الطبقات الشعبية، والجماهير الكادحة، وما إلى ذلك، وفضح هذه القوى والتشهير بها حين تمتنع عن إبداء هذا التضامن فعلياً وعلى الأرض. ونحن نشمل بهذه الحركات، بوجه أخص، تلك التي تزعم الانتساب إلى اليسار.

3- بؤس القيادة النقابية وخيانتها الطبقية: لقد كان واضحاً أنّ الاتحاد العمالي العام ممثلاً برئيسه غسان غصن لم يؤدّ أي دور يمكن اعتباره في إطار التضامن الفعلي مع العمال المياومين في مؤسسة الكهرباء. كان يتحرك فقط على اساس استعداده للتفاوض مع الإدارة، ووزارة الطاقة، والوساطة بينهما وبين العمال. وحين طُرح عليه، خلال التقائه لجنة الاعتصام، في يوم التحرك التصعيدي الكبير في 30 تموز الماضي، أن يعلن كتعبير جدي عن التضامن، يوم إضراب عمالي عام على الأقل، تهرَّب من ذلك بحجج شتى، واكتفى بالتعبير عن الدعم اللفظي. أكثر من ذلك، لقد حاول، في بدء اللقاء، إقناع اللجنة بعدم المطالبة بدفع الأشهر المتأخرة من معاشات العمال (!)، بحجة أن مطلبهم الأساسي هو التثبيت، ولا يجوز تمييعه بالسعي وراء الحصول على تلك المعاشات، التي كان العمال بأمس الحاجة إليها. وفي ما بعد، أدّى دوراً مكشوفاً في دعم قبول العمال بفك اعتصامهم، لقاء اتفاق سبق أن أوضحنا أنه يعيد المياومين عملياً إلى دائرة المشروع الأصلي، بما يخص التثبيت، للوزير باسيل! وهذا الواقع فشلت اللجنة في فضحه، وفضح كامل القيادة النقابية، بما هي قيادة خاضعة بالكامل لمصالح طبقية لا علاقة لها بمصالح العمال، وباقي ذوي الأجر، وباعت نفسها من البداية لأرباب العمل والشركات والبيرقراطية الإدارية في الدولة والقطاع العام، وبالتالي ينبغي تغييرها كلياً أو إعادة تأسيس اتحاد عمالي عام جديد، يمثل حقاً مصالح الطبقة العاملة.

4- الواقع السياسي المهيمن في البلد: وهو يتمثل في التقاسم الطائفي للسلطة، الذي، على رغم «التفاهم» القائم بين التيار العوني وحزب الله، يتيح استخدام هذا الطرف أو ذاك الانقسام الطائفي أو المذهبي، لأجل التعبئة على هذا الأساس، لإفشال تحرك عمالي طبقي. وفي هذا المجال، ثمة حاجة لإبراز ما لجأ إليه وزير الطاقة وتياره، من تسيير تظاهرات لأنصاره، من مواقع طائفية مخجلة، ضد تحرك عمال الكهرباء، وحتى الاعتداء على هؤلاء العمال، ورفع لافتات تعتمد التجييش الطائفي، بحجة أن عمال الكهرباء، وهم من غالبية طائفية محددة، يحتلون مؤسسة موجودة في منطقة لها طابع طائفي مختلف (!). وهو امر يتخذ طابعه المأسوي الخطير، ولا سيما حين نعلم أن مؤسس التيار الوطني الحر، السيد ميشال عون، زعم لدى عودته من منفاه، في 2005، أنه يحمل برنامجاً علمانياً، وتحدى الجماهير المحتشدة في ساحة الشهداء آنذاك، التي كان يقف بمواجهتها وراء عازل زجاجي، أن تحاسبه بقساوة إذا ما اتخذ لاحقاً أي موقف ذي طابع طائفي!

5- التعويل لدى العمال على دور الزعامات السياسية الطائفية: وهو ما كان واضحاً منذ البداية، حيث ظهر دور أساسي في المفاوضات لحركة امل وحزب الله والتيار الوطني الحر. وحصل في اكثر من مرة، أن اندفع عمال متحمسون في الهتاف، وتفدية هذا الزعيم الطائفي أو ذاك، بالروح والدم! لا بل كانت اللجنة القيادية، التي خاض المياومون اعتصامهم تحت إشرافها تأخذ بالاعتبار التمثيل السياسي المشار إليه، ولم يتم الانتخاب من القاعدة، وبصورة ديموقراطية، في عملية اختيارها. وهذا ما أثر في أدائها، وحال مراراً دون اتخاذ القرارات المناسبة، في لحظات حرجة جداً من التحرك. كما عبّر عن نفسه في حصول حالات من الفوضى رافقت بوجه أخص مراحل التصعيد، كما حصل في يوم التصعيد الكبير، حين جرى البدء بحرق الدواليب حتى من دون قرار من اللجنة بالذات.

6- غياب وعي كافٍ لدى المياومين بخطورة الخصخصة: فلقد تلازم اعتصام المياومين مع بدء الوزير باسيل تنفيذ الجزء من برنامج عمه، رئيس التيار الوطني الحر ميشال عون، المتعلق بالخصخصة، والذي كان أعلن عنه منذ الأسابيع الاولى لعودته إلى لبنان. هكذا حلت شركات تقديم الخدمات محل المتعهدين في العلاقة مع العمال، وبدأ هؤلاء يقبضون معاشاتهم منها، ولكن بعد توقيع عقود عمل معها، بانتظار إجراء المباراة المنوه بها اعلاه، وما قد يلي ذلك من تثبيت لجزء من المياومين. ولكن الأخطر من هذا كله إنما هو كون السيد باسيل ماضياً في مشروع قد لا يطول تنفيذه، ألا وهو خصخصة كامل مؤسسة كهرباء لبنان. وهنا يكمن الجانب الآخر، المقلق حقاً وكثيراً في المشهد. وهو ما لم يُثر، إلى الآن، اهتمام الأوساط ذات المصلحة المفترضة في إحباط هذا المسعى، ونحن نقصد بالضبط قوى اليسار التي نأت بنفسها عن تحرك المياومين في مؤسسة الكهرباء!

7- غياب يسار ثوري فاعل: ولقد بدا ذلك واضحاً، على امتداد الشهور الثلاثة التي دام خلالها الاعتصام. فإذا استثنينا تردُّد رئيس الاتحاد الوطني لنقابات العمال والمستخدمين، السيد كاسترو عبد الله من حين لآخر وفي أوقات متباعدة على مركز الاعتصام منفرداً، امتنعت الغالبية الكبرى للمنظمات، التي تنسب نفسها إلى اليسار، عن إبداء أدنى أشكال التضامن الفعلي مع التحرك. وباستثناء ناشطي «المنتدى الاشتراكي» الذين واظبوا على التواجد مع العمال والمساهمة في تحركاتهم ونشاطاتهم وإبداء الرأي في وسائل تطوير التحرك وإنجاحه، ومن ضمن ذلك إيصال أصوات المياومين إلى الحركات العمالية عبر العالم، كادت تخلو الساحة من الحد الادنى المطلوب على الأقل من التضامن النضالي مع هؤلاء.

لقد انتهى الاعتصام، ونجح الوزير باسيل في تلميع مشروعه الأساسي بخصوص التثبيت، كما نجح أيضاً في بدء تنفيذ مشروع تياره لخصخصة ما بقي من القطاع العام، بعد عبور المشروع الحريري، سابقاً، وتصفيته جانباً هاماً من هذا القطاع. مع ذلك تبقى المعركة التي خاضها المياومون مَعْلماً مضيئاً، إلى هذا الحد او ذاك، في تاريخ النضالات العمالية في هذا البلد، على أن يتم استيعاب دروسها جدياً، في المرحلة القادمة، والعمل لأجل وضع تلك الدروس والخلاصات موضع التنفيذ.

* كاتب لبناني

العدد ١٧٨٧ الثلاثاء ٢١ آب ٢٠١٢

لم تكد مصادر في الرئاسة المصرية تؤكد لوكالة أنباء الشرق الأوسط الرسمية مشاركة الرئيس المصري، محمد مرسي، في قمة عدم الانحياز في طهران نهاية الشهر الجاري، حتى خرجت أصوات إسرائيلية محذرة من الخطوة وتداعياتها. واعتبرت صحيفة «معاريف» أن مبادرة مرسي بحضور القمة، التي تعد أول زيارة يقوم بها رئيس مصري إلى الجمهورية الإسلامية بعد انقطاع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين منذ أكثر من 30 عاماً، مغامرة يجب أن يحذر منها مرسي، ولا سيما في ظل التهديدات التي تمثلها إيران سواء للعالم أو للمنطقة.

من جهتها، اعتبرت صحيفة «يديعوت أحرونوت» أن حضور مرسي قمة عدم الانحياز يمثل جرس إنذار يجب الحذر منه، ولا سيما في ظل ما سمته الصحيفة برغبة الإخوان المسلمين في تحسين العلاقات بقوة مع طهران. ولفتت إلى أن «الأهم من هذا أن هذا التحسن من الممكن أن يكون على حساب إسرائيل في النهاية».

أما التلفزيون الإسرائيلي، فأشار إلى أن زيارة مرسي إلى طهران تطرح مجموعة من التساؤلات الهامة، أبرزها «ما هو موقف القاهرة الآن حال مبادرة إسرائيل بضرب إيران؟ وهل ستصمت أم سيكون لهذا الأمر انعكاسات سلبية على مستقبل العلاقات الإسرائيلية المصرية بعد ذلك؟». ونبه التلفزيون الإسرائيلي إلى أن سفر مرسي إلى إيران يشكل «تحدياً لكل من نصحوه بعدم زيارة طهران، والأهم أن فيه رسالة بأن مصر في عهد محمد مرسي تتغير دولياً».

في غضون ذلك، طالب القائم بأعمال رئيس حزب «الحرية والعدالة»، الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين، عصام العريان، السفير السعودي لدى القاهرة، أحمد قطَّان، بتوضيح ملابسات اعتقال المواطنة المصرية نجلاء وفا في السعودية.

ونسبت تقارير إعلامية للدكتور يحيى وفا، أحد أبرز أطباء وجرّاحي العظام في مدينة طنطا، قوله إن «ابنته نجلاء المقيمة بالسعودية منذ 7 سنوات صدر ضدها حكم ظالم بالسجن لمدة 5 سنوات، وحكم آخر بجلدها 500 جلدة بسبب خلافات مالية نشبت بينها وبين أميرة سعودية تشاركها في بعض الأعمال التجارية».

وأعادت قضية سجن نجلاء وجلدها إلى الأذهان قضية المحامي المصري أحمد الجيزاوي، الذي يخضع للمحاكمة في السعودية على خلفية اتهام موجَّه له بتهريب أقراص مخدّرة إلى الأراضي السعودية. وهي القضية التي أثارت ردود أفعال واسعة في الشارع المصري، بينها تظاهرات شهدها محيط السفارة السعودية في القاهرة ومحيط قنصليتيها بالسويس والإسكندرية وجّهت خلالها انتقادات لاذعة للملك السعودي، عبد الله بن عبد العزيز.

(الأخبار، يو بي آي)

 

العدد ١٧٨٧ الثلاثاء ٢١ آب ٢٠١٢

وفي 15 آب 2012، أعلنتها العشائر فجّة: «الأمر لي». خرجت عشيرة آل المقداد بجناحها العسكري، مدعومة بزيارات من بقية العشائر، لتمسك بزمام المبادرة، وتدقّ المسمار الأخير في نعش الدولة. الدولة التي لم يعد المعجم يحوي مرادفات تصف عجزها وانهيارها، لم يكن ينقصها إلا أن تجلس متفرّجة، كما آلاف اللبنانيين، على مسلسل طويل يبدو أنه لن يكون إلا تفصيلاً صغيراً في ما قد نكون مقبلين عليه. العشائر، التي غالباً ما تساعد العاجزين، أعلنت وفاة الدولة، التي تحتضر منذ سنوات. نزلت إلى الشارع بعتادها وعديدها، فغاب الرؤساء والسياسيون عن السمع، وعن الشاشات التي يحبونها، مستمرّين في سياسة «النأي بالنفس» عن هموم مواطنيهم.

تركوا الساحة للخاطفين، من «جناح عسكري لآل المقداد» إلى «سرايا المختار الثقفي»، ليطاردوا أشقّاء أبرياء ويحتجزوا حريتهم بحجة تحقيق العدالة. نحو خمسين مواطناً سورياً، وتركي، دخلوا أمس دوامة الخطف، تماماً كما المخطوفين اللبنانيين الـ 11. عدا عن الذين أوقفوا وتعرّضوا للاعتداءات والإهانات، خلال إجراء «فحص الدم» الوطني لهم. سلوكيات، أبعد ما تكون عن قيم العشائر العربية، في حال لم يعد أمامنا إلا الرضوخ لحكمها. الأخطر أن ما حصل في اليومين الفائتين يتجاوز أحداث الخطف، ليفتح الباب واسعاً على كمّ من الأسئلة عن مستقبل لبنان والمنطقة، وعن حقول الألغام الكثيرة التي بات لبنان محاطاً بها، مساهماً أحياناً، بمسؤوليه وإعلامه ومواطنيه، في زرعها... تمهيداً للانفجار الكبير

نقابة من رحم «صراع قاس» للمطالبة بتطبيق القانون

لعلّه الحدث الأول من نوعه منذ سبعينيات القرن الماضي بعدما تراكم غبار السياسة والتدجين وسلطة المال كثيراً على حقوق العمال، فقد بعث شعوراً عارماً بأن تلك الحقوق لم تعد رقماً مغيّباً في معادلة الشركات. هكذا كان الإعلان عن تأسيس نقابة عمال «Spinneys» في لبنان حدثاً نقابياً بامتياز؛ حتّى سماع النشيد الوطني خلاله بدا أجمل

حسن شقراني

«اسمي وسيم الغضبان. أنا شغّيل في فرع الأشرفية منذ 8 سنوات. حمّالٌ، لا أتقاضى راتباً. أعتمد وزملائي من هذه الفئة الوظيفيّة (!) على إكراميّات الزبائن. وفي آخر النهار، يدفع كلّ واحد منا رسماً للإدارة للسماح لنا بالعمل. حتّى قميص الشركة الذي نرتديه نضطرّ إلى شرائه منها بتسعة آلاف ليرة. محرومون من الراتب الثابت ومن الضمان؛ محرومون من أبسط الحقوق. حقّي أن أطالب بحقّي، ولو كان معاشاً جزئياً يُشعرني بالحماية، أُضيف عليه البقشيش لكي أعيل أولادي».

حقوق وسيم الغضبان وزملائه من حمالين وموظفين إداريين، فنيين، تقنيين في سلسلة متاجر «Spinneys» ابتلعتها ماكينة المال والأرباح كما في العديد من الشركات العاملة على تراب هذا البلد والخاضعة لقوانينه. في بيئة الأعمال والسياسة هذه أُغرقت تلك الحقوق في بئر حفرت في قعره الآتي: المطالبة بالعدل وباحترام القانون مخالفة لمعايير العمل لدينا. إن أعجبك ذلك ابق، وإن لم يُعجبك ارحل.

ولكن أضحى لعمال هذا العملاق التجاري الموجود في المنطقة منذ عام 1924 ويُحقّق الإيرادات الدسمة ويطمح إلى إيرادات بتسعة أصفار بحلول عام 2013 – نقابة تدافع عن حقوقهم وتحفظ موقفهم في علاقات عمل شوّهها غياب القوانين أو غياب تطبيقها.

فقد أعلنت مجموعة من عمال «Spinneys» في مؤتمر صحافي عُقد في نقابة الصحافة على الطريق المؤدّية إلى كورنيش العاصمة أنّه «في 26 تمّوز الماضي تمّ تسجيل طلب تأسيس «نقابة العاملين في سبينيس في لبنان» لدى مصلحة العمل والعلاقات المهنية في وزارة العمل». وأوضحت أنّه أضحى بإمكان عمال هذه الشركة – الذين يناهز عددهم 1500 عامل – تقديم طلبات الانتساب في المناطق المختلفة.

يأتي إطلاق هذه النقابة رداً على التعاطي الجائر من قبل إدارة «Spinneys» مع حقوق العمال. فقد انفجرت المشكلة كلياً مع بداية الصيف حيث عمد المدير الإقليمي للمجموعة، البريطاني مايكل رايت، إلى ابتكار توليفة عجيبة غريبة لتطبيق قانون تصحيح الأجور يقوم على تعديل ساعات العمل.

ووفقاً لبيان الهيئة التأسيسية للنقابة، فإنّ «الإدارة تمنّعت عن تطبيق مرسوم تصحيح الأجور... وعمدت إلى إدخال تعديلات من طرف واحد على شروط العمل لناحية الدوامات والإنتاجية، وصولاً إلى تطبيق سلسلة جديدة للأجور تأكل الزيادة القانونية بشكل كامل».

ومن بين الشهادات التي قُدّمت في هذا الإطار، ما عرضه الموظف في الشركة جونسون عزيز: عندما افتتح فرع الحازمية في عام 2008، حُدّد أجر الدخول (Entry Level Pay) بـ 800 ألف ليرة. ولكن العمال الباقين كانوا يتقاضون 700 ألف ليرة فطالبوا بالمعاملة بالمثل. ماطلت الإدارة 4 أشهر قبل أن ترفع أجورهم 100 ألف ليرة. في هذا الوقت، كان موضوع تصحيح الأجور على النار، وعندما أُقرّت طالب العمال بتعديل أجورهم طبقاً للقانون، غير أنّ الإدارة ضمّت تلك التسوية (المئة ألف ليرة) إلى الزيادة.

«عندما اعترضنا على الأمر أجابونا: هذا هو الإجراء الذي سنعتمده، هكذا يريد مايكل رايت. إذا لم يعجبكم الأمر ارحلوا»، أوضح جونسون عزيز الذي تعرّض قبل مدّة لحادث عمل، ولم يجد جواباً لدى طبيب المؤسسة لكيفية مداواة حالته سوى بوصفه بالفرنسية أنّه «وقح» (Impoli)!

وحتّى في المرحلة اللاحقة عندما حاجج العمال ضدّ الصيغة التي فرضتها عليهم الإدارة لتصحيح أجورهم (وأجبرت بعضهم على توقيع تسويات) - «وفي حالتي فرضوا عليّ خفض ساعات عملي من 48 ساعة إلى 46.1 ساعة أسبوعياً» يتابع جونسون عزيز - كان الردّ عليهم: «عليكم التوقيع على أوراق التسوية هذه بأسرع وقت لأن وزارة العمل تريدها بسرعة؛ وهكذا يريد مايكل رايت».

بدا مايكل رايت إمبراطوراً حتّى عشيّة يوم أمس. فهو طرّز إجراءات عقابيّة بحقّ كلّ عامل تخوّل له نفسه رفع الصوت مطالباً بتطبيق القانون. بين هؤلاء، سمير طوق. ففي خضمّ الاعتراض على صيغة تصحيح الأجور، سعى هذا الموظف - الذي أمضى مع الشركة 11 عاماً، تخلّلتها إجراءات مواربة بحقّه في ما يتعلّق بتقويم سنوات خدمته – مع 130 من زملائه إلى تقديم عريضة احتجاجية. فما كان من الإدارة إلا أن قمعته، ما دفعه إلى مقاضاتها في المحكمة؛ وهو يحضر جلسة في هذا الإطار في تشرين الأوّل المقبل.

من هذا المنطلق، يُعدّ تأسيس النقابة خطوة نوعية يؤمل أن تُعد الأولى في نهضة العمال – ليس في «Spinneys» وحدها بل في مختلف الشركات التي تخالف القانون - للدفاع عن حقوقهم. وفي إطلاقها كان الزخم موجوداً من مختلف الشرائح: نقابيون، إعلاميون وحتّى سياسيون تغييريون لفظتهم السياسة اللبنانية: من بين الوجوه الحاضرة كان وزير العمل المستقيل شربل نحاس. كما كان حاضراً وزير الداخلية السابق (شبه المستقيل) زياد بارود.

وبذكر وزارة العمل – التي تُعدّ المعني الأساسي في هذه المعمعة - أعربت الهيئة التأسيسية للنقابة عن ثقتها بأنّ «وزير العمل (سليم جريصاتي) سيكون حريصاً على ضمان حريتنا في التنظيم النقابي، وبالتالي سيُمارس مسؤولياته انطلاقاً من هذا المبدأ». وذكّرت المعنيين بأنّ الحكومة أحالت أخيراً إلى مجلس النواب طلب الموافقة على انضمام لبنان إلى المعاهدة رقم 87 لمنظمة العمل الدولية التي تتبناها أكثر من 150 دولة وتضمن حرية تأسيس النقابات من دون ترخيص أو عرقلة.

ووصفت الهيئة بأنّ النقابة «ولدت من رحم صراع قاس مع إدارة ترفض الالتزام بأبسط القوانين» وشدّدت على أنّ «نقابتنا تخوض إحدى أشرس المعارك، ليس في سياق مطلبي عادي، بل في سياق أبسط هو إعادة الاعتبار للقانون في هذا البلد».

وفي إطار الحديث عن المعارك النقابية، علّق مدير مكتب الأنشطة العمالية في «منظمة العمل الدولية» (ILO) التابعة للأمم المتحدة، مصطفى سعيد، على الحدث بالقول إنّ «المكتب يرحّب بتشكيل نقابة جديدة لعمال وموظفي Spinneys». وشدّد على أنّه «لا يُمكن إيجاد استقرار اجتماعي حقيقي في ظل غياب حركة نقابية حقيقية تعبر عن مصالح أعضائها»، مشيراً إلى أنّه «لا يُمكن لمزاجية رأس المال أن تمضي من دون احترام القوانين وحقوق العمال».

5 آلاف ليرة

المبلغ الذي تتقاضاه إدارات فروع «Spinneys» من كلّ حمّال لديها يومياً، مقابل «السماح لهم بتوضيب مشتريات الزبائن» وفقاً للعمال

1500 عامل

عدد عمال «Spinneys»، بينهم 900 أجير مسجلون رسمياً، 250 أجيراً يُحاسبون على الساعة من دون تثبيت، و400 عامل حمال يُعاملون كمتعهدين!

إلى العقد الجماعي

حدّدت الهيئة التأسيسية لنقابة «Spinneys» مطالب تحتاج إلى معالجة مباشرة. أهمها: 1 - التصريح لدى الضمان عن الأجراء كافة. 2 - تطبيق مرسوم تصحيح الأجور من دون مواربة. 3 - الامتناع عن صرف أي عامل أو اتخاذ أي إجراءات زجرية بحقه. 4 - التراجع عن كل إسقاطات الحق التي أرغم الموظفون على توقيعها. 5 - المباشرة فوراً بالتفاوض مع النقابة لوضع عقد عمل جماعي.

الاربعاء ١ آب ٢٠١٢

القدرات الصاروخية الايرانية، التي دخلت حلبة سباق التسلح الدولي منذ سنوات، اصبحت الآن هاجس المسؤولين العسكريين والأمنيين الأميركيين، اضافة الى الخبراء الاستراتيجيين

واشنطن ـــ الأخبار

توقعت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) «أن إيران قد تكون قادرة تقنياً بالمساعدة الأجنبية الكافية على اختبار إطلاق صاروخ عابر للقارات بحلول عام 2015»، فيما تعمل على تحديث منظومة صواريخ متطورة مضادة للسفن بمساعدة الصين. وقال البنتاغون، في تقرير قدمه وزير الدفاع الأميركي ليون بانيت، إلى الكونغرس في 29 حزيران الماضي كشف النقاب عنه أمس، «إن الصواريخ الباليستية القصيرة المدى توفر لطهران قدرة توصيل فعالة بما يمكّنها من ضرب أهداف لقوات شركاء الولايات المتحدة في المنطقة»، في إشارة إلى إسرائيل وأيضاً دول الخليج العربية. وقال التقرير، الذي جاء بعنوان «التقرير السنوي حول القوة العسكرية لإيران»، إن البحرية الإيرانية تطور قدرة الصواريخ المضادة للسفن. ويكرر التقرير التقويم الأميركي المعروف منذ زمن بأن «إيران قد تكون قادرة تقنياً بالمساعدة الأجنبية الكافية على اختبار إطلاق صاروخ عابر للقارات بحلول عام 2015».

ووفقاً للتقرير فإن طهران تطور أيضاً وتدّعي «نشر صواريخ قصيرة المدى ذاتية الدفع مع أجهزة التعقب التي تمكّن الصاروخ من تحديد ومناورة السفن خلال رحلة استهدافها، وإن هذه التكنولوجيا قد تكون قادرة أيضاً على ضرب أهداف برية». وقال التقرير إن الصين أدّت دوراً رئيسياً في تعزيز ترسانة الصواريخ الإيرانية المضادة للسفن، حيث رصد التقرير أوجه التشابه في البرامج المضادة للسفن الإيرانية والصينية.

وقد طورت إيران أيضاً الصواريخ الباليستية المتوسطة المدى، وبعض من هذه الصواريخ، بما في ذلك صاروخ «عاشوراء» الذي يعمل بالوقود الصلب، وصاروخ «شهاب» الذي يعمل بالوقود السائل، التي جرى اختبارها في مناورات عسكرية كبيرة في إيران 2012. وقد اعتبر البنتاغون أن إسرائيل هي الهدف الرئيسي من برنامج الصواريخ الايرانية.

وفي السياق نفسه، ذكرت صحيفة «واشنطن بوست» أمس أن «إيران تمكنت من اكتساب قدرات جديدة وجمع ترسانة من الصواريخ المضادة للسفن وتوسيع أسطولها من الزوارق الهجومية السريعة والغواصات، ما يمكّنها من استهداف سفن أميركية في الخليج». ونقلت الصحيفة عن خبراء ومحللين أميركيين ومن الشرق الأوسط، أن الأنظمة الجديدة والكثير منها جرى تطويره بمساعدة أجنبية، تمنح القادة الإيرانيين ثقةً متجددة بأن بإمكانهم تدمير أو إلحاق الضرر بسفن أميركية بسرعة، في حال حصول أعمال عدائية.

وقالت إنه على الرغم من ثقة المسؤولين في البحرية الأميركية بأن الولايات المتحدة ستتمكن من الانتصار في أي قتال، إلا أن التقدم الذي حققته إيران زاد القلق حيال نقاط ضعف الولايات المتحدة في خلال الساعات الأولى لأي قتال في منطقة الخليج.

وقال خبراء عسكريون حاليون وسابقون إن الصواريخ القصيرة المدى الدقيقة، إضافةً إلى استخدام إيران لتكتيكات «الحشد المندفع» التي تشمل المئات من زوارق الدوريات البالغة التسلح، قد يقوّض القدرات الدفاعية لمعظم السفن الأميركية.

السبت ٢٨ تموز ٢٠١٢

الموظفون يلتزمون الاعتصام في مواجهة الوعود العرقوبيّة

يمكن أن يُسجّل للحكومة الحالية إنجازات «تاريخية» في إعادة شدّ عصب الحركات النقابية والعمالية. فمنذ سنوات طويلة، لم يشهد القطاع العام في لبنان حالة احتجاجية كالتي حصلت أمس. غالبية الوزارات والإدارات العامة التزمت الاعتصام تلبية لدعوة هيئة التنسيق النقابية. أما المطلب ــ السؤال فواحد: «ما مصير سلسلة الرتب والرواتب؟». واليوم، سينزل القطاع العام بثقله الكامل إلى الشارع في تظاهرة تنطلق عند العاشرة صباحاً من البربير إلى السرايا الحكومية

رشا أبو زكي

عند العاشرة من صباح يوم أمس، كان شكل معظم الوزارات والإدارات العامة مختلفاً. شاشات الكومبيوتر سوداء. الكراسي متروكة بلا أصحابها. الأوراق متراكمة على بعض المكاتب. هدوء عام داخل المبنى يكسره صخب المطالب خارجه. فقد لبّى أكثر من 8 آلاف موظف (من أصل 8900) نداء هيئة التنسيق النقابية. اعتصموا مطالبين الحكومة بتحرير سلسلة الرتب والرواتب من يد اللجنة الوزارية المكلفة دراستها منذ حزيران الماضي.

هذه اللجنة، شكلها رئيس الحكومة نجيب ميقاتي تحت وعد قطعه أمام هيئة التنسيق ووسائل الإعلام كافة: «لا تقاطعوا الامتحانات الرسمية، وسنقرّ سلسلة الرتب والرواتب قبل نهاية حزيران». انتهى الشهر الموعود على وقع المماطلة، فإذا بالوعد يتحول تسويفاً، لتخرج تصريحات متناقضة خلال اليومين الماضيين، كقول وزير الاقتصاد والتجارة نقولا نحاس إن الحكومة «لن تعمل تحت الضغط»، قبل أن يسأل: «هل تستطيع الدولة تحمّل كلفة السلسلة التي تصل الى 3 آلاف مليار ليرة؟». ومن ثم يناقض الوزير نفسه بالقول: «لا توجد أرقام منجزة حتى الآن»، ليؤكد بعدها أن «الخلاف مع هيئة التنسيق النقابية هو على التفاصيل؛ لأن مطالبهم بمعظمها تحققت»!

الوعود والردود

وقال نحاس لـ«الأخبار» إن العمل على سلسلة الرتب والرواتب لا يزال مستمراً في عمق المشروع الذي قدّمت مسوّدته وزارة المال، مشيراً إلى أن الأمر «ينجز بتأنٍّ حالياً، سواء في اللجنة المكلفة أو بالتنسيق مع وزارة المال ومجلس الخدمة المدنية». وحذّر من أي خطوات ناقصة، لافتاً إلى أن وزارة المال «قدّمت جزءاً من الحل، لكنها لم تقدّم حلاً متكاملاً»، وأن مثل هذا الحل يجب أن يكون مبنياً على التعامل مع فئتين أساسيتين من موظفي القطاع العام، ولا سيما السلكان الإداري والعسكري. فالمشكلة الأساسية هي في العدد الأكبر من الموظفين وكلفته؛ إذ إن المعلمين يمثّلون نحو 40 ألف موظف، فيما يمثّل العسكريون نحو 100 ألف، وبالتالي فإن الكلفة الكبيرة تتركّز في هاتين الفئتين، «وهذا يعني أن علينا العمل على تصحيح متوازن وعادل في السلسلة، فضلاً عن ضرورة أن يكون مستداماً، أي أن تكون كلفته محتملة». وقال: «ما يحصل حالياً هو أن الاقتصاد على طريق الانكماش، فيما الحدود مغلقة والتصدير يتراجع، على الجميع أن يتحمل مسؤولية خياراته، ومن لديه اقتراحات مجدية أكثر فليقدّمها».

إلا أن رئيس هيئة التنسيق النقابية حنا غريب، اتهم اللجنة الوزارية بمحاولة إعادة الموظفين والأساتذة إلى النقطة الصفر. وأوضح لـ«الأخبار» أن تصريحات الوزراء «تشي بتراجعهم عن الاتفاقات» التي عقدت مع الهيئة؛ «إذ إن رئيس الحكومة وعد بإقرار السلسلة في حزيران، واليوم يعلن وزير الاقتصاد أنها ستُقَرّ نهاية آب، ثم يؤكّد في الوقت ذاته أن السلسلة انتهت». وسأل: «إذا انتهى إعدادها، فلم التأخّر في إقرارها؟».

واستغرب رئيس الهيئة تنبيه نحاس إلى «عدم رضوخ الحكومة للضغط»، متسائلاً: «على أي أساس عقدوا معنا اجتماعات تنسيقية؟ وهل كان الحوار تمثيلاً على الرأي العام، أم لإدخال قضيتنا في متاهة المماطلة؟». وانتقد غريب كلام وزير العمل سليم جريصاتي عن حصول الهيئة على 80 في المئة من مطالبها، وقال: «فليقروها إذن! من دون مراوغة. الـ 80 في المئة لا تزال وعوداً وسمكاً في البحر، فليخرجوا السمك إلى البر لنطعم أولادنا».

وشدد غريب على أن الأساتذة جزء من القطاع العام «والسلسلة هي لكل القطاع العام، ولا تعنينا وحدنا، ومحاولة القول إن السلسلة جاهزة للأساتذة، وإن تلك المتعلقة بالموظفين تتطلب وقتاً، ليس سوى محاولة لشق هيئة التنسيق التي عبرت كل الطوائف والمناطق من أجل مطلب موحد». وحذّر من أن «محاولة تحويل هيئة التنسيق النقابية إلى اتحاد عمالي ثانٍ لن تنجح، ولن تسمح الهيئة باستفراد القطاعات كل على حدة، أو بالانقضاض على الحقوق وضرب العمل النقابي».

وأكد نائب رئيس رابطة موظفي الإدارة العامة وليد الشعار لـ«الأخبار» أن نسبة التجاوب مع دعوة هيئة التنسيق في الوزارات والإدارات العامة كانت شبه كاملة، باستثناء وزارة المال في صيدا، حيث لم يُسمح للموظفين بالاعتصام.

وذكّر بأن مطلب المعتصمين هو إقرار السلسلة كما أحالها وزير المال محمد الصفدي على الحكومة بعد أن أعلنت هيئة التنسيق النقابية الموافقة على معظم بنودها، مشيراً إلى أن هناك 30 ألف أستاذ و120 ألف عسكري و8900 موظف في الإدارة العامة ينتظرون زيادة رواتبهم منذ أشهر. وأوضح أن قيمة الزيادة للموظفين بحسب مشروع وزير المال تصل إلى 139 مليار ليرة، والمعلمين 409 مليارات ليرة، والقوى العسكرية 498 مليار ليرة. وأعلن أن الحكومة أقرت سلسلة لأساتذة الجامعة اللبنانية والقضاة، ولا يمكنها التعاطي مع بقية موظفي الدولة على أنه لا حقوق لهم.

وقال: «فلتعلن الحكومة أنها حكومة تقشف، لكي تسكتنا، لكن أن تعد موازنة فضفاضة فيها أرقام بمليارات الليرات كنفقات غير معلومة الوجهة، ومن ثم تمتنع عن زيادة رواتبنا، فهذا ما لا نقبله».

وعن اعتبار جريصاتي إضراب الموظفين مخالفة للمادة 15 من القانون، أجاب الشعار: «ليلتزموا القانون، واتفاقية العمل الدولية التي تنسف المادة 15 التي أكل عليها الزمن وشرب».

اعتصامات في كل لبنان

وسط هذه المعمعة، يحاول موظفو القطاع العام باعتصامهم أمس، وفي تظاهرتهم المركزية اليوم، التي ستضم الأساتذة والمعلمين، انتزاع جواب واضح عن سؤال واحد: «متى ستقر سلسلة الرتب والرواتب وفق الاتفاقات مع رئيس الحكومة؟ ونقطة على السطر». السؤال العصي عن الإجابة، كما يبدو، كان حاضراً في الاعتصام الذي نفذه موظفو وزارة المال أمام مبنى الوزارة. تنظر إحدى الموظفات إلى مبنى الوزارة الذي يجري ترميمه منذ نحو عام ونصف عام، وتقول: «ترميم الحجر هنا يكلف آلاف الدولارات، ونحن البشر نئن من الجوع». عبارة ترسم ابتسامة مريرة على وجه عصام اللقيس، الموظف في دائرة تخليص رواتب المتقاعدين منذ 25 عاماً، والذي لا يتعدى راتبه الـ 750 ألف ليرة، «لا تكفيني ثمن أدوية».

مدير الشؤون الادارية في الوزارة فيصل قسيس، الذي يتقاضى مليوناً و100 ألف ليرة شهرياً بعد 34 عاماً من الخدمة، يسأل: «هل يريدوننا أن نسرق؟ هل نعيش على وعود الزيادة على الراتب الى حين الممات؟».

الحديث نفسه يتكرر أمام وزارة الاقتصاد والتجارة. الموظفون الذي هُدّدوا بـ«إجراءات عقابية» من قبل المدير العام في اعتصامهم السابق قبل نحو ثلاثة اسابيع، عادوا إلى الشارع. يقول فؤاد الشامي الذي يعمل منذ 3 سنوات ويتقاضى مليون ليرة إن الوعود أصبحت مرهقة، والديون تتراكم على الموظفين، في انتظار «الزودة» الموعودة. ويلفت المراقب في مديرية حماية المستهلك مارون منصور، العامل منذ 38 عاماً في الوزارة، الى أنه لا يريد سوى الانصاف: «اتقاضى مليوناً و900 ألف ليرة ومن ضمنها بدل النقل، وسأخرج قريباً الى التقاعد بحيث سيُحتسَب راتبي على أنه مليون ونصف مليون ليرة، فكيف سأعيش شيخوختي؟».

الى وزارة الاتصالات، تقف آمال شكر بين زملائها ولا تنطق إلا بعبارة واحدة: «يا عيب الشوم على هالدولة». فهي تعمل في الوزارة منذ 31 عاماً، وراتبها مليون ليرة فقط. تقول شكر: «ننتظر منذ آب الماضي زيادة راتبنا، انها مراوغة».

وتساءل محمد هاشم، وهو رئيس دائرة في وزارة الاتصالات لا يتعدى راتبه المليون ونصف مليون ليرة: «أهلي باعوا أراضي لكي يعلموني، ماذا سأبيع لأعلم أولادي؟».

هموم الرواتب الهزيلة و«الزودة» جابت كل المناطق اللبنانية أمس، وشكوى الموظفين واحدة: «من يسأل عنّا وعن معاناتنا المتواصلة؟». وفي اعتصامهم أمام وزارة التربية، أكد الموظفون أن وضعهم لم يعد يُحتمل. فيما شارك نقيب المعلمين في المدارس الخاصة نعمه محفوض في الاعتصام، وأعلن تفهمه لكلام رئيس الجمهورية ميشال سليمان حين قال إنّ «القطاع العام هو أساس الدولة ولا يمكن فصله عنها وإنّ المسؤولين عن هذا القطاع هم أمناء على الدولة ومصالحها ومصالح أبنائها»، لكنه سأل عمّا إذا كان سليمان في جو الاتفاقات بين هيئة التنسيق ورئيس الحكومة والتراجعات عنها، لافتاً إلى «أننا سنأخذ موعداً من الرئيس وسنضعه في أجواء مفاوضات بدأت منذ 10 أشهر». وأكد: «لسنا أصحاب سلبية ولن نأخذ القطاع العام إلى الانهيار ليقيننا بأنه العمود الفقري للدولة اللبنانية».

وردّ محفوض على قول وزير الاقتصاد إنّ هيئة التنسيق غير قادرة على فهم الوضع الاقتصادي، بالقول إن وزارة المال هي من وضعت السلاسل، وسأل: «هل تعمل الحكومة موحدة أم بالقطعة؟».

وكان وزير التربية والتعليم العالي حسان دياب قد اعلن أنه بُتَّ كل مطالب هيئة التنسيق النقابية، والمطالب الاضافية لهيئة التنسيق بسلسلة الرتب والرواتب الخاصة بالإدارة موضوع يحتاج الى وقت. فيما أشار نحاس الى ان تحرك هيئة التنسيق النقابية يضر بالتلاميذ، وقال: «كفى ظلماً». فيما رأى وزير العمل أن «الامتناع عن تصحيح مسابقات الشهادتين الثانوية والمتوسطة هي أسر للطلاب اللبنانيين»، مؤكداً تلبية 80 في المئة من مطالب المعلمين. وقال إن «شعارات هيئة التنسيق فارغة، لمطالب تحققت».

158 ألفاً و900

هو عدد المستفيدين من سلسلة الرتب والرواتب من معلمين وقوى عسكرية وموظفي قطاع عام. وهؤلاء لم يحصلوا حتى اللحظة على الزيادة على غلاء المعيشة التي تقاضاها موظفو القطاع الخاص في شباط الماضي

انفصام أم زلة لسان؟

هل كان تصريح وزير العدل سليم جريصاتي بشأن مخالفة موظفي الإدارة العامة لقانون الموظفين زلة لسان؟ هذا على الأقل ما تمناه أمس موظفو وزارة التربية، مستغربين كيف أن الوزير نفسه الذي وقّع الاتفاقية الدولية الرقم 87 الخاصة بالحرية النقابية وحماية حق التنظيم النقابي، يحظر عليهم المشاركة في تحركات هيئة التنسيق النقابية من أجل إقرار سلسلة الرتب والرواتب تحت ذريعة المادة 15 التي تمنع الموظف من الإضراب والاعتصام والتمنع المتعمّد عن أداء الخدمة العامة.

الاربعاء ٢٥ تموز ٢٠١٢

اللوحات التي انتشرت في مترو نيويوركصباح أيوب

منذ أيام، استفاق سكّان مدينة نيويورك الأميركية على لوحات إعلانية كبيرة تنتشر على مداخل ٥٠ محطة مترو، طُبعت عليها خرائط فلسطين التي تؤرّخ مراحل قضم الاحتلال الإسرائيلي لأراضيها. وعلى هذه اللوحات، كُتبت جملة: «٤،٧ ملايين فلسطيني تصنّفهم الأمم المتحدة كلاجئين». الخرائط التي جاءت باللونين الأبيض والأخضر، تبيّن بوضوح كيف تقلّص حجم فلسطين جغرافياً، وسُلبت الأراضي على يد الإسرائيليين منذ عام ١٩٤٦ حتى عام ٢٠١٠. طبعاً، أثارت الحملة الإعلانية الصادمة جدلاً في الإعلام الأميركي، الذي نقل امتعاض بعض السكان منها، واستنكار المسؤولين والناشطين اليهود والإسرائيليين لمضمونها. حتى إنّ بعض وسائل الإعلام لامت إدارة النقل الخاصة في المدينة، وطالبتها بإزالة تلك الإعلانات فوراً.

راعي الحملة الإعلانية ومطلقها يدعى هنري كليفورد، مدير «لجنة السلام في فلسطين وإسرائيل». والأخيرة مجموعة ناشطة تهدف إلى «تثقيف العموم» حول الصراع العربي الإسرائيلي و«تتوسّل الحملات الإعلانية» لنشر أفكارها وممارسة الضغط من أجل تحقيق غاياتها وفق ما توضح على مدونتها الإلكترونية. تعلن اللجنة على المدونة أيضاً أنها تؤمن بفكرة إنشاء الدولتين والانسحاب الإسرائيلي من الأراضي الفلسطينية المحتلة و«وقف العنف من قبل الطرفين».

قناة «فوكس نيوز» المحافظة والأكثر مشاهدة في الولايات المتحدة، وصفت الحملة بـ«الاستفزازية»، وركّزت على الانتقادات التي تتهم الإعلان بأنّه «مضلل يفتقر إلى الدقّة»، كما توقّف خبراء المحطة عند الناحية القانونية لنشر الإعلانات على مداخل محطات المترو في المدينة. من جهتها، وصفت شبكة «سي. بي. إس. نيوز» التلفزيونية الإعلان بـ«المتفجّر»، منبّهة إلى أنّ «السجال الطويل حول السياسة والدين والأرض وصل إلى محطات القطار القريبة منك هذه المرّة!». تقارير «سي. بي. إس» نقلت عن رئيس تحرير إحدى الصحف اليهودية قوله إن «الحملة الإعلانية تلك معاديةٌ للسامية، ومهينة لليهود، إذ تصوّرهم إمبرياليين يسرقون أراضي الآخرين». مواقف مسؤولين في مؤسسات إسرائيلية ويهودية أخرى في نيويورك برزت في وسائل الاعلام لتستنكر الحملة الإعلانية «المضللة والمنحازة ضد إسرائيل». حتى إنّ بعضهم احتج قائلاً: «لم يأتِ الاعلان على ذكر أنّ اليهود كانوا يواجهون خطراً وجودياً على أراضيهم وتصدوا لحملات الإبادة ضدهم». أما المارّة الذين استوقفهم الإعلان، فقد أظهرت المقابلات التلفزيونية أنهم منقسمون بين «معجب به» و«رافض له، لأنه موجه ضد إسرائيل»، وبين من «لم يفهم شيئاً منه».

موقع مجلة «ذي هافنغتون بوست» ذكّر من جهته أنه في أيلول (سبتمبر) من العام الماضي، رفضت إدارة النقل نشر إعلان لإحدى أبرز الشخصيات المعادية للإسلام في نيويورك، التي قادت في السابق حملة إعلانية ضد إقامة «مسجد المنطقة صفر» في موقع برجي التجارة العالميين، لكن ماذا يقول مطلق الحملة عن إعلانه؟ وما الذي دفعه إلى تكبّد مبلغ ٢٥ ألف دولار كلفة نشر هذه الإعلانات في المدينة؟ «هدفي تثقيف الناس حول ما يجري من حولهم، وإطلاعهم على الحقائق التاريخية الصحيحة المتعلقة بتلك المنطقة»، يقول هنري كليفورد لمحطتي «فوكس نيوز» و«سي. بي. إس. نيوز». ويضيف: «هناك دائماً مساحة للنقاش بين الأطراف حول موضوع خلافي، لكن لا نقاش في الوقائع، وهذه الخرائط تعرض وقائع». ويرد كليفورد على من يشكك في صحة المعلومات التي نشرها الإعلان بالقول «إن على هؤلاء أن يثبتوا أين الخطأ فيها، الكرة باتت في ملعبهم الآن». ويعرب كليفورد عن قناعته بأنّ «الإسرائيليين لطالما كان هدفهم الأساسي الاستيلاء على مختلف الأراضي الفلسطينية وطرد أهلها منها، وهذا ما تبيّنه الخرائط أيضاً».

وكالعادة، تحرّكت المجموعات اليهودية والإسرائيلية الناشطة سريعاً، وطالبت إدارة النقل الرسمية في المدينة بـ«إزالة الإعلانات من مواقعها»، لكن الإدارة ردّت بأنّه «لا يمكنها قانونياً منع نشر إعلان بسبب ما يعبّر عنه، أو بسبب الاختلاف في وجهات النظر حوله»، وتابعت: «لا نؤيد ما جاء في الإعلان حول فلسطين، كما لا نتبنى مضامين كل الإعلانات التي وافقنا على نشرها مسبقاً، لكنّ الإعلانات ستبقى في أماكنها».

يبدو أن الإعلان نجح على الأقلّ في إثارة فضول بعض المواطنين الذين سيصادفون فلسطين المحتلة على طرقاتهم على مدى ٣٠ يوماً... فهل تنجح هذه الحملة في اختراق ــ ولو قليلاً ــ الخطاب الإعلامي السائد في أميركا عن الصراع العربي الإسرائيلي؟

http://copip.blogspot.com

الاربعاء ١٨ تموز ٢٠١٢

تى ليل أول من امس، بقيت إسرائيل تتباهى بالعملية التي نفذها سلاح جوها في اليوم الثالث من عدوان تموز. تحدّثت عن مئات ملايين الدولارات التي أنفقت طوال سنوات لتحديد الصواريخ البعيدة المدى التي تملكها المقاومة، فيما كشف الامين العام لحزب الله أن الاهداف لم تكن سوى خديعة من المقاومة

ابراهيم الأمين

أسباب عدة دفعت الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله الى الكشف عن واحدة من أضخم عمليات التضليل الاستخبارية التي تعرضت لها إسرائيل في حروبها مع العرب، وأوقعتها في الفخ الكبير بداية حرب تموز 2006، وأهداف عدة قصد إصابتها في هذا التوقيت، ورسائل عدة بعث بها في سرد استمر عشر دقائق. وكلها أمور تتعلق بصلب الصراع القائم في المنطقة اليوم، حيث تحولت الأزمة السورية الى وجه من وجوه هذا الصراع، بعدما باتت الولايات المتحدة وإسرائيل، ومن معهما من العرب، طرفاً مباشراً فيه.

وهي الأزمة التي تحوّلت عنصراً مركزياً في مصير بلدان أخرى كلبنان والأردن، الى جانب القضية الفلسطينية. وإلى حين، ربما يبقى الإسرائيليون وحدهم يتابعون الأمر بجدية الى أن يلتفت الآخرون الى النتائج.

في أصل الموضوع، كانت بعض الإشارات قد صدرت من جانب المقاومة في الأشهر القليلة التي تلت الحرب في عام 2006 حول فشل ما سماه العدو «الوزن النوعي». لكن أي معلومة حاسمة لم تصدر عن الحزب أو المقاومة. حتى إن الإسرائيليين الذين تلقوا هذه الإشارات تعاملوا معها باستخفاف. وهم ظلوا على اقتناع بأن ما قاموا به في ساعات الفجر، تلك، كان إنجازاً حقيقياً. وبين تحقيقات فينوغراد وتصريحات القادة العسكريين والسياسيين وصراعات الأجهزة حول من يتحمل مسؤولية الإخفاقات، بقي الجميع يتحدث عن هذه العملية باعتبارها الحقيقة الأقوى التي حاول العدو طويلاً تحويلها الى البقعة البيضاء الكبيرة في صفحة حرب لبنان الثانية السوداء.

ودرج العدو على اعتبار خطة «الوزن النوعي» في أدبياته «درة تاج» إنجازات حرب تموز. وكل ما كتب ووثق عن الحرب تصرف مع هذه الخطة على أنها «أص الكُبَّة» الذي ادّخره الجيش والأمن في اسرائيل لمواجهة حزب الله، إلى حد جعلت أحد المعلّقين العسكريين في إسرائيل يصف العملية بأنها «التظاهرة المذهلة للجمع الاستخباري والقدرات العملانية». وقال إن «النشوة التي ولّدتها» لدى القيادتين العسكرية والسياسية جعلتهم يندفعون قدماً في الحرب من دون الالتفات إلى نفاد بنك الأهداف في اليوم الرابع منها.

والخطة، كما عرضها الإسرائيليون، هي عبارة عن عملية معقدة وطويلة الأمد لجمع معلومات دقيقة عن خريطة انتشار الذراع الصاروخية المتوسطة والبعيدة المدى الموجودة في حوزة المقاومة. ووفقاً للتقديرات الإسرائيلية، فإن سلاح الجو تمكن خلال تنفيذ هذه الخطة في ليلة الحرب الأولى من تدمير 70 إلى 80% من صواريخ هذه المنظومة. وقد أُطلق على هذه الليلة في أدبيات العدوان اسم «ليلة الفجر»، في إشارة إلى صواريخ «فجر 3» و«فجر 5» التي تشكلت منها ترسانة هذه الذراع وفقاً للمصادر الإسرائيلية.

الخطة برواية إسرائيل

وفي وقت لاحق على الحرب، سربت الاستخبارات العسكرية بعض معلوماتها عن الخطة. وفي كتاب «أسرى في لبنان» لمؤلفَيْه عوفر شيلاح (محلل الشؤون الأمنية في صحيفة «يديعوت أحرونوت») ويوآف ليمور (مراسل الشؤون العسكرية في القناة التلفزيونية الأولى) ورد شرح مفصل عن العملية. وتحدث المؤلفان عن «ستة أعوام من الإعداد، والجهود الاستخبارية الضخمة، والكثير من ساعات المناورة والتنظيم التي استثمرت فيها مئات ملايين الدولارات، من أجل تنفيذ هجوم واسع على عشرات الأهداف، معظمها مخازن أسلحة ومنصات إطلاق متوسطة وبعيدة المدى تابعة لحزب الله، كانت «الأص» في الأوراق التي يمتلكها الجيش الإسرائيلي: ضربة جوية ساحقة، شبيهة بفجر الخامس من حزيران 1967، وبالهجوم على صواريخ أرض جو وطائرات سلاح الجو السوري في البقاع اللبناني عام 1982، والقصف التمهيدي الذي نفذته الولايات المتحدة في العراق عامي 1991 و2003.

ويشير الكتاب الى أن «أكثر من أربعين عملية خاصة لوحدات مختلفة تابعة لـ«أمان» (شعبة الاستخبارات العسكرية) استكملتها بمستوى عال من الدقة، بحيث أصبحت إسرائيل لا تمتلك فقط خريطة لأمكنة صواريخ الفجر، إلى درجة معرفة أي غرفة في البيت المحدد يوجد فيها الصاروخ، بل أيضاً قدرات خاصة على العمل: منظومات الـ«جي بي أس» كانت مصفرة بدقة يبلغ هامش الخطأ فيها متراً مربعاً واحداً. أما القنابل (الخارقة للتحصينات)، فقد أدخلت الإحداثيات في رقائقها الإلكترونية. وأقام سلاح الجو نموذجاً في جنوب إسرائيل، تدرب الطيارون فيه على مهاجمة أهداف من النوع الذي كان ينتظرهم في جنوب لبنان. المعونات الاستخبارية استكملت، بحيث يتم سحبها لحظة صدور الأمر وإرسال الطيارين إلى أهدافهم ضمن حد أدنى من الوقت».

ماذا فعل حزب الله؟

في كلمته أول من أمس، لم يتحدث السيد نصر الله عن عملية التضليل بحد ذاتها. قرر فقط الإعلان عن حصول العملية. لكنه ترك الباب مفتوحاً أمام سيل من الأسئلة المتراكمة منذ مساء أمس على طاولة كل المعنيين في الأجهزة الاستخبارية الإسرائيلية. وسوف يفتتح المزاد بسؤال قيادي:

س ــ هل يقول نصر الله الحقيقة؟

ج ــ لا يمكننا الجزم. لكن لم يسبق له أن كذب، أو غامر بصدقيته أو صدقية جماعته في أمر كهذا. ثم إن سيرة الحرب كما توالت فصولها تشير الى أن مخزونه من الصواريخ النوعية، إما كان أكبر مما نعتقد أو أنه فعلاً ضلَّلنا. ولدينا سوابق معه. لقد حصل في سنوات سابقة أن أجبرنا على التشكيك بصدقية عملاء كثر لنا في لبنان، من خلال لعبة العميل المزدوج. وفي الأعوام الأخيرة، كشف لنا عن قدرات كبيرة في العمل الاستخباري أدت الى فقء عيون كثيرة لنا. ثم هناك مثال عملية أنصارية التي بقيت ألغازها الى ما بعد 13 عاماً، عندما قرر نصر الله الكشف عن بعض تفاصيلها في سياق حاجات أخرى له. وتبين لنا أن ما قاله كان صحيحاً، وأنه فعلاً كان في انتظارنا يومها في البساتين الساحلية.

س ــ كيف نجح في تحديد خطتنا الأمنية، ومتى؟

ج ــ الفحص المفترض بنا القيام به اليوم، والذي سيتناول ملفات مكدّسة وعشرات الأشخاص والوسائل البشرية والتقنية، هو الذي سيوفر الإجابة.

س ــ حسناً، وكيف تتم عملية التضليل، هل من خلال عملاء مزدوجين أم من خلال تضليل تقني أم كيف؟

ج ــ التحقيقات نفسها قد تدلنا على نقاط الضعف، وقد نضع تصورات وتقديرات لا توفر لنا إجابة حاسمة. لكن إذا فهمنا نقاط الخلل، يمكننا بعدها رسم الصورة التقريبية. وإن كنا سنبقى ننتظر نصر الله، لسنوات طويلة أيضاً، قبل أن يقدم لنا الرواية، ويكمل لنا الرسم الناقص عندنا؟

س ــ حسناً، إذا كان ما قاله نصر الله صحيحاً، فهل هو عمد الى التضحية بقوة صاروخية حقيقية، أم أنه أنجز عملية التبديل بطريقة خاصة جداً أبقتنا من دون رؤية؟ وكيف يفعل ذلك ونحن نضع الأهداف تحت المراقبة الدائمة؟ هل يمكن أن يكون قد أنجز عملية النقل عشية عملية الأسر في 12 تموز، أم بعدها بساعات، أم ماذا؟

ج ــ التجربة مع حزب الله تدل على مفاجآت أمنية معقدة. وبالتالي، فإنه بقدر ما هو ضروري معرفة الجواب عن هذا السؤال، بقدر ما أن النتيجة واحدة. وهي أننا تعرضنا لعملية تضليل، تعني أن ما قد نعتبره أو نعتقده صحيحاً اليوم، يجب التشكيك به أو إعادة فحصه للتثبت، وخصوصاً أن الرجل أتبع روايته بتهديد لنا على شكل مفاجأة.

س ــ عن أي نوع من المفاجآت يتحدث؟

ج ــ إنها مفاجأة، ولو كنا نعرف بها لما كان السؤال واجباً، وإذا كنا لا نعلم، فإننا لن نعلم بها إلا إذا تحولت أمراً واقعاً، أو أجرى تعديلاً عليها وأعدّ مفاجأة أخرى مكانها.

لماذا إعلان نصر الله اليوم؟

قد يكون من المفيد التذكير بأن الحرب الأمنية المفتوحة بين المقاومة والعدو تشهد فصولاً متطورة ومعقدة للغاية. الطرفان يرفضان الحديث عن عمل قائم ومستمر. لكن العناوين لم تعد كما كانت عليه قبل ستة أعوام. حتى القدرات والموارد التي ينفقها الجانبان على هذا النوع من العمل أكبر بكثير مما يتوقع كثيرون. ثم إن السيد نصر الله، يلفت الانتباه (ولو بمعرض التحذير) الى أن عملية التضليل قد تكون قائمة الى الآن، ما يعني أن ما تريد إسرائيل مفاجأة المقاومة به في الضربة الأولى من الحرب المقبلة، قد لا يعدو خبراً قديماً في ملفات الحزب، علماً بأن الخيال المتصل بحالة المواجهة يتيح التوقع بأنه مثلما سيكون لإسرائيل ضربتها الأولى، سيكون للمقاومة ضربتها الأولى، سواء شنت الحرب من جانبنا، أو ترك للعدو أن يسرّ لساعات بعملية نوعية ابتدائية. ويمكن لنا أن نتخيل عشرات، إن لم نقل مئات، الأهداف العسكرية والسياسية والمدنية والاستراتجيية في إسرائيل عرضة لقصف صاروخي نوعيّ ومدمّر وشديد الدقة خلال دقائق معدودة. وبعدها يحلو الكلام!

أما السبب المتصل بالتطورات، فهو تعاظم الإشارات الى احتمال توريط العالم اسرائيل بعملية مجنونة في سوريا، أو على حدودها، وخصوصاً أننا نعود الى أجواء عام 2006. فمحاولات قلب النظام في سوريا سياسياً فشلت. وما يجري الآن ميدانياً، بما في ذلك جريمة اغتيال الضباط الكبار، لا يعدو كونه عملاً أمنياً وجزءاً من حرب مفتوحة، لكنه ليس من النوع الذي يدل على تغييرات جوهرية في موازين القوى أو قواعد اللعبة. ومع تصويت روسيا والصين أمس ضد قرار تدخل خارجي جديد، لا يبقى أمام أعداء سوريا والمقاومة سوى اسرائيل لتكون الصبي الأزعر. وهي تعطي الإشارات إما من خلال الحديث عن خشية من تحول منطقة الAffinityCMSن الى سيناء جديدة، أو من خلال الحديث عن خطر محدق بسبب احتمال انتقال أسلحة نوعية سورية الى المقاومة في لبنان، ومن بينها الأسلحة الكيميائية.

إذا فكرت اسرائيل بخطوة من هذا النوع، فهي تعي اليوم، صراحة، أن حزب الله ليس على الحياد، بل هو في قلب معركة من شأنها إعادة رسم خريطة المنطقة بأكملها.

العدد ١٧٦٢ الجمعة ٢٠ تموز ٢٠١٢

في ظلّ النيران المشتعلة في المنطقة، وخاصة في سوريا، بدأت إسرائيل ومَن خلفها يلمّحون إلى إمكان القيام بعمل عسكري، تحت ذريعة منع انتقال مخزون السلاح الكيميائي السوري إلى أيدي المقاومة. خطوة كهذه كفيلة بإشعال المنطقة، لأن قرار طهران والمقاومة، الذي وصل إلى من «يعنيهم الأمر»، يقضي بعدم الوقوف موقف المتفرّج

إبراهيم الأمين

بعيداً عن التعليقات ذات الطابع النظري لما يجري في سوريا، وتالياً في المنطقة، يبدو أننا أمام أسابيع يسودها الحذر الشديد إزاء احتمال حصول انفجار كبير. وعند الإشارة الى انفجار، يعني أن الحديث يدور عن مواجهة ما قد تندلع مع إسرائيل. وهو تطور من شأنه إعادة خلط الأوراق في كل دول المنطقة، ويهدد بتوسيع دائرة التوتر الدموي نحو مناطق أخرى من دول الإقليم. لكن يبقى أن مفتاح أزمة كهذه موجود بيد الأطراف الخارجية المتورطة في الأزمة السورية.

في الوقائع، لا يحتاج أحد الى تفسير لقرار «الغرب» العودة الى مهمة كوفي أنان، برغم الإعلان عن فشلها، سوى عدم توفر البديل. والمقصود هنا بالبديل، عدم قدرة المعارضة السورية المسلحة، ومعها عواصم عربية وإقليمية ودولية، على إنتاج وقائع ميدانية تتيح الحديث عن تبدل جوهري في ميزان القوى على الأرض.

وقائع الميدان والمعارضة

روبرت مود، رئيس فريق المراقبين الدوليين في سوريا، زار لبنان قبل عدة أيام لساعات قليلة. أمضى سهرة هادئة مع أصدقاء في بيروت، كانوا يستفسرون منه عن حقيقة الأوضاع وتقديراته للموقف. تحدث مود عما سماه «مبالغات النظام في سوريا لحجم الإسلاميين المتورطين في أعمال العنف»، لكنه أشار إلى «أن الحراك الشعبي السلمي انحسر الى حدود العدم، وأن المعارضة المسلحة تنتشر، لكن بفوضى كبيرة، وبقدرات يصعب أن تؤدي الى تغييرات جدية على الأرض». وقال مود إن «النظام لا يزال متماسكاً، وإنه يسيطر على مناطق واسعة من سوريا، وإن المسلحين يسيطرون على بعض الأرياف، وإن مواجهة كالتي تقوم الآن تعني أن الرئيس بشار الأسد يقدر مع جيشه على الصمود سنوات طويلة، ما لم يحدث تطور مفاجئ».

قبل مود، كان موفدون أتراك يجولون في بعض العواصم الداعمة لسوريا. منهم من زار بيروت أيضاً، داعياً «الى بحث ولو نظري حول الوضع من أجل ابتداع آلية للحل تقوم على فرضية رحيل الأسد». وجد هؤلاء من يصدّهم. وعندما بدا لتركيا كما لجهات أوروبية وجود استعداد روسي لمناقشة الفكرة ولو «نظرياً»، سارعت دمشق نفسها، وقبلها وبعدها إيران الى إبلاغ القيادة الروسية «رفض أصل الفكرة» مع تحذير إيراني «من هكذا فخ لا يجب الوقوع فيه». وهو ما تحوّل لاحقاً الى «رسالة رسمية للغرب بأن أي بحث في حل يقوم على فكرة رحيل الأسد، لن يكون على الطاولة من يقدر على مناقشته».

في هذه الأثناء، برزت الى الواجهة الصعوبات غير العادية في وضع المعارضة السورية، السياسية منها والعسكرية. وإلى جانب الصورة الهزلية لاجتماعات قوى المعارضة في القاهرة، فإن الأوساط الاستخبارية الغربية بدأت تتحدث عن «تشرذم خطير في صفوف هذه المعارضة». وقد مورست ضغوط على عواصم عربية من أجل «جمع هؤلاء بالقوة»، لكن النتيجة لم تأت بشيء. وبدل أن ينجح هؤلاء في «القيام بخطوات تعزز وضع المجموعات الناشطة على الأرض، انعكس الأمر سلباً على المجموعات العسكرية، إذ بادر بعضها الى إعلان استقلاليته العملانية، ما أدى الى تعاظم نفوذ المجموعات الإسلامية المتشددة، بينما صارت البقية تحصر تواصلها مع الخارج بمراكز التنسيق من أجل الحصول على أموال وعتاد غير مكتمل. فيما تنشط مجموعات أخرى على خط وساطات تهدف الى تنظيم «عملية التخلي عن السلاح بصورة متزامنة مع حلول سياسية».

اهتمامات الغرب وإسرائيل

وسط هذه الانشغالات، يبرز الى السطح مجدداً الجانب الآخر من الاهتمام الغربي والإسرائيلي بما يحصل في سوريا. وتكشف تقارير، يستند معظمهما الى معلومات استخبارية، عن نشاط مطّرد (بينه نشاط ميداني منسوب الى قوات خاصة تركية وبريطانية، وربما أميركية) وهدفه الوصول الى خريطة «تمركز الأسلحة غير التقليدية للجيش السوري». والمقصود هنا ليس «ترسانة الصواريخ البعيدة المدى، بل أيضاً ما يقول الغرب إنه أكبر مخزون من الأسلحة الكيميائية في المنطقة». وخلال أسبوعين، نشرت وسائل إعلام إسرائيلية وغربية تقارير عدة تركز على العنوان نفسه، فأشارت مجلة «فورين بوليسي» الى أن «أن وزارة الخارجية الأميركية أرسلت مذكرة دبلوماسية إلى العراق والأردن ولبنان والسعودية، تحذّرهم من احتمال عبور أسلحة الدمار الشامل السورية حدودها»، بينما أفادت شبكة «سكاي نيوز» التلفزيونية، يوم أمس، بأن مصادر استخبارية حذّرت من إمكانية تدخل إسرائيل عسكرياً لمنع وقوع مخزون سوريا السري من الأسلحة الكيميائية في أيدي الإرهابيين، الى أن وصل الأمر إلى حد إعلان مصادر إسرائيلية «أن الولايات المتحدة أبلغت تل أبيب بأن الاستخبارات التركية أوضحت لها أنها لم تعد تملك معلومات مؤكدة عن مكان وجود هذه الأسلحة»، ما دفع الى استنفار غير مسبوق في إسرائيل عبّر عنه قائد المنطقة الشمالية في جيش الاحتلال، يائير غولان، الذي تحدث عن عبور أسلحة استراتيجية من سوريا إلى حزب الله، «تشمل كل الأنواع، باستثناء السلاح الكيميائي». لكن صحيفة «إسرائيل اليوم» التي قابلت غولان كتبت ما فهم أنه استنتاج لنقاش غير رسمي مع الرجل حول «وجود إمكانية لاشتعال كبير ومهدّد، وأن نقل سلاح استراتيجي من سوريا إلى حزب الله قد يشعل حرباً كبيرة». وعما إذا كان نقل سلاح كيميائي للحزب سيمثّل ذريعة «لكسر الأواني»، أجاب غولان: «أعتقد أن هذا حادث خطير لا نظير له، وسيكون لزاماً علينا أن نفعل شيئاً حياله. لن نجلس ونشاهد ذلك يحصل». وما لبثت أن أبلغت مصادر عسكرية وأمنية صحيفة «جيروزاليم بوست» أن «تلقي الغرب لمعلومات استخبارية عن نقل أسلحة كيميائية إلى لبنان، قد يدفعه نحو عمل عسكري استباقي».

ولم يكتف الإسرائيليون بهذه المعلومات، بل بادروا ومن دون سابق إنذار الى إطلاق موجة تهديد متواصلة للبنان وحزب الله. كان البارز فيها ما أورده موقع «نيوز وان» الإخباري العبري من أنه يجب العمل على إنتاج أسلوب ردع جديد، يتمثل في إفهام حزب الله بأن ما يواجهه هو دولة مجنونة». والمقصود هنا ما قاله كثيرون في إسرائيل من أن أي مواجهة مع حزب الله سوف تعني «تدمير كل شيء في لبنان».

بديل عملي

وبين وقائع سوريا الميدانية، وهواجس الخارج المعادي للحكم فيها، يمكن سرد الحقائق التي تقود الى الاستنتاج المقلق. بات واضحاً أن ميزان القوى الدولي يمنع على مجلس الأمن إصدار أي قرار بتدخل عسكري مباشر في سوريا بهدف إسقاط النظام. أما الاتكال على أعمال متطورة من جانب الحدود فهو أشبه بالصراخ في واد سحيق. الأردن عرضة لانفجار داخلي محتوم إن قررت قيادته الرسمية التورط. وتركيا تحاذر المواجهة، الى حدود أنها مستعدة لإعلان مسؤولية الطيارين التركيين عن سقوط الطائرة قبالة الساحل السوري. بينما أبلغت الولايات المتحدة الأميركية الحلفاء في لبنان «ضرورة التنبه من القيام بعمل زائد عن اللزوم يؤدي الى انهيار الوضع، وبالتالي فقدان الغرب والمعارضة السورية أرضاً صديقة» وهو ما ترافق مع وقائع معلنة وأخرى غير معلنة أدت الى «انحسار تدريجي في بقع تمركز وتحرك المعارضة السورية المسلحة في لبنان».

في جانب آخر، لا يزال النشاط «السياسي والأمني والمالي القائم من قبل عواصم غربية وعربية في قلب المؤسسة الحاكمة في سوريا دون المستوى المطلوب لضمان انقلاب عسكري حقيقي». وهي حقيقة يرددها المعنيون أنفسهم، علماً بأنه يترقب حصول انشقاقات إضافية على طريقة مناف طلاس والسفير السوري في العراق. لكن إمكانية أحداث فارق نوعي باتت أقل بكثير مما كان متوقعاً قبل ستة أشهر.

إزاء ذلك، يبدو أن الولايات المتحدة والغرب قد عادوا الى البحث في دور «أزعر المنطقة» الذي تترك له الأعمال القذرة في اللحظة الحرجة. ومثلما كانت عليه الحال في لبنان بين عامي 2005 و2006، وصلت الأمور الى حدود إعلان القوى المحلية في سوريا ومعها الغرب العجز عن تحقيق تبدل كبير من دون عمل ميداني كبير. وفي هذا السياق، فهم أن إسرائيل دخلت مرحلة «الاستعداد» لاحتمال قيامها بـ«عمل عسكري خاطف ضد سوريا، حجته المبررة دولياً هي التخلص من أسلحة دمار شامل، على غرار التجربة العراقية، وأهدافه تتعلق بتوجيه ضربات مدمرة للجيش السوري وللدولة السورية بهدف وضعها في موقع ضعيف للغاية، ما يمكّن الغرب والعرب المعارضين للأسد من توجيه ضربات قاضية تسمح للمعارضين السوريين المسلحين بالانقضاض على الدولة هناك».

الرسائل الساخنة

وفي هذا السياق، بدا واضحاً الهدف الأبرز من وراء التهديدات الإسرائيلية المستجدة للبنان. ظن البعض أن تل أبيب تستعد لمغامرة عسكرية ضد إيران في ضوء فشل المحادثات الغربية حول برنامجها النووي. لكن المؤشرات تبدو ضعيفة جداً إزاء قيام العدو بحماقة بهذا الحجم. فيما تقول المعطيات المعروفة أو غير المعروفة إن إقدام إسرائيل على شن حرب على لبنان هو أشبه بدعوة الجميع الى حفل شواء في الجحيم. فلا يبقى من الرسالة سوى محاولة «لتحييد قسري» لحزب الله عن أي تدخل ضد إسرائيل في حال قررت هي القيام بعمل عسكري ضد سوريا. وكان في الغرب، كما في إسرائيل، من يعتقد بأنه يمكن «استفراد بشار الأسد في هذه اللحظات».

واقع الحال ليس كما يتخيله الإسرائيليون، فنتيجة أي هجوم عسكري إسرائيلي على سوريا، يعني بعبارة واحدة: دعوة حزب الله الى الحرب. وبالتالي سوف يكون من السذاجة توقع «وقوف إيران وحزب الله على الحياد أو التفرج على سقوط حليفهم الرئيسي في المنطقة يسقط، وعلى يد من... إسرائيل؟».

وعليه، فإن سيلاً من الرسائل الساخنة قد وصل الى من يعنيه الأمر في تل أبيب وفي واشنطن وحتى في عواصم أخرى، من أن عملية عسكرية إسرائيلية ولو كانت خاطفة ضد سوريا، تعني تدحرج المنطقة نحو حرب شاملة. وفي هذه الحالة، فإن المحظورات التي تمنع اشتعال مناطق أخرى من العالم العربي إو الإقليم سوف تسقط دفعة واحدة. وسوف نكون أمام واقع صعب ودقيق وشديد الألم. وساعتها، لن ينفع أحداً القراءات الاستراتيجية ولا التحليل والتمنيات ولا الدعاء. سوف نشهد أشد الفصول سخونة في الصراع العربي ـــ الإسرائيلي. ويفوز من يصبر.

لنستمع جيداً إلى خطاب الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله بعد غد الأربعاء!

الاثنين ١٦ تموز ٢٠١٢

حرزت الأستاذة الاتحادية اللبنانية (الرفيقة)* مايا جلول (الصورة)، المركز الثاني في البطولة العربية المفتوحة للسيدات في الشطرنج، التي أُقيمت في تونس، يومي 8 تموز الجاري و9 منه. وتقدمت الجزائرية أمينة مزيود على جلول بفارق نصف نقطة فقط، فيما جاءت الأردنية رزان الشعيبي في المركز الثالث.

وتستعد مايا لتمثيل لبنان في أولمبياد الشطرنج في إسطنبول (تركيا) في أواخر آب المقبل، ضمن بعثة يرأسها رئيس الاتحاد نبيل بدر ومعه الأمين العام للاتحاد شحادة أبو نمري. ويتألف فريق السيدات، إضافة إلى مايا جلول من دانيال بدوروسيان ويمنى مخلوف وسارة شامية وفرح قصقص لاعبة خامسة احتياطية. أما فريق الرجال فيتألف من فادي عيد وفيصل خير الله وأنطوان قسيس ونسيم صقر وعمرو جاويش. ويرافق البعثة المدرب جوان بكر.

من جهة ثانية، ينظم نادي الجيش، بدءاً من الساعة 8,30 صباح السبت 14 الجاري، دورة للشطرنج الفردي السريع من 6 AffinityCMSت، لمناسبة اليوم الأولمبي، وذلك في المركز العالي للرياضة العسكرية.

الاربعاء ١١ تموز ٢٠١٢

* إضافة من الموقع