تتوجه الأنظار اليوم إلى محكمة المطبوعات لسماع الحكم الذي سينطق به رئيسها القاضي روكز رزق في الدعويين المرفوعتين من قبل شركة «سبينيس» ومديرها التنفيذي مايكل رايت على الوزير السابق شربل نحاس. الحكم الذي سيصدر لن يكون عادياً، لأنه سيكرّس واحداً من أمرين: إما إقرار حق المواطنين في رفع أصواتهم ضد الظلم، وإما دفعهم إلى الرضوخمهى زراقط - الاخبارقد تكون واحدة من أسرع القضايا التي تبتّها محكمة المطبوعات، إذ يصدر رئيس محكمة المطبوعات القاضي روكز رزق حكماً اليوم في ما يعرف بقضية «نحاس ــ سبينيس»، بعد ثلاث جلسات فقط من الاستجواب أصرّ فيها المدّعى عليه على الخضوع مباشرة للمحاكمة من دون محاولات تأجيل اعتادتها أروقة قصر العدل.الحكم المنتظر على قدر كبير من الأهمية، ولا يتردّد المهتمون في القول إنه قد يكون «تاريخياً» في حال خرج ليكرّس حقاً للمواطنين بالتشهير بكلّ من يعتدي على حقوقهم وكراماتهم من دون أن يخافوا من سوقهم إلى المحكمة بتهمتي القدح والذمّ.هذا هو طموح الوزير السابق شربل نحاس، الذي وقف منذ الجلسة الأولى في 8 أيار الفائت تحت قوس العدالة وقال بفم ملآن: استجوبوني وحاكموني. وفي الجلسات الثلاث كان يحوّل مرافعته إلى محاكمة للمدّعي الغائب، مايكل رايت. لم يطلب البراءة فحسب، بل طلب أن تؤدي الدعوى المرفوعة ضدّه إلى إصدار حكم تتضمن إسناداته ما يجعل من الذمّ حقاً قانونياً، في حال تحوّل التشهير إلى واجب وطني واجتماعي. وربما اجتهد القاضي، ليخرج بحكم ليشكر المدّعى عليه لأنه قام بواجبه تجاه المواطنين، واستمرّ في ذلك من خلال أدائه في المحكمة.فهو، كعادته، حوّل الدعوى الشخصية المرفوعة ضدّه إلى قضية عامة. رفض التعامل معها على أنها مجرد شكوى من طرف «مسكين» تعرّض للقدح والذمّ، ونقل خبر كاذب عنه، بل رأى فيها استمراراً للمعركة التي كان يخوضها ضد ارتكابات شركة «سبينيس» بحق عمّالها منذ شباط 2012. كلمتا «الوقاحة» و«الإرهاب» اللتان استخدمهما الوزير المستقيل في كلامه ضد رايت، لم تردا في إطار خلاف شخصي بين الرجلين، بل في إطار سجال حول قضية تعنى بحقوق العمّال البديهية في الحصول على أجر والعمل بكرامة، وصولاً إلى تأسيس نقابة تحميهم. هي تأتي، تماماً كما قال محامي المدّعى عليه نزار صاغية في مرافعته الأخيرة في 11 كانون الأول الفائت، في إطار «معركة كبرى حول حرية العمال في إنشاء نقابات مستقلة في لبنان، تقاد للمرة الأولى منذ بدء الحرب الأهلية».ليس في هذا التوصيف مبالغة على الإطلاق، خصوصاً إذا تذكّرنا ارتكابات الشركة بحق عمّالها منذ شهر شباط 2012. يومها رفضت الشركة تطبيق مرسوم تصحيح الأجور الصادر عن مجلس الوزراء، فانتفض العمّال للمطالبة بحقوقهم، وجاء ردّ فعل الشركة، وممارساتها الانتقامية ليؤجّجا حراك العمال. فقد طرد موظفون، ونقل آخرون من مراكز عملهم إلى مراكز أخرى، وتعرّض أحدهم للاعتداء الجسدي، فيما هدّد آخرون بلقمة عيشهم وأجبروا على توقيع عرائض، كما تعرّضت وسائل الإعلام لضغوط، وتعرّض الناشطون الداعمون للقضية لملاحقات تسبّبت بفصل بعضهم من أعماله، فيما سيق آخرون إلى مكتب جرائم المعلوماتية... وفي خضمّ هذه المعركة، صمد العمّال وأسّسوا نقابة (لم تسلم هي الأخرى من الممارسات الانتقامية) مقدّمين في عملهم هذا نموذجاً يحتذى في بلد تهاوت نقاباته تباعاً، وتُرك العمّال فيه لزعماء الطوائف والأحزاب يتقاذفونهم ويتلاعبون بلقمة عيشهم.هذا هو السياق الذي رفع فيه نحاس صوته، ووصف فيه أفعال مايكل رايت بما هي عليه: ترهيب ووقاحة. كلمتان لم يستطع مايكل رايت تحمّلهما. ساءه أن يقال عنه إنه وقح وإرهابي. فالرجل حسّاس، وعنده كرامة يريد من القانون اللبناني أن يحفظها له. المدير البريطاني الذي خالف القانون اللبناني وعمل فيه من دون إجازة عمل طيلة الفترة الممتدة بين عامي 2005 و2012، بات يحترم القانون ويلجأ إليه للمطالبة بحقه. لكن، هل التفت رايت إلى أن هذه الدعوى أتاحت للمدّعى عليه أن يذهب أبعد في توصيف الأفعال التي قام بها؟من تابع جلسات الاستجواب، استمع من الدفاع إلى المزيد من ارتكابات رايت بحق اللبنانيين عموماً. فقد استند الأخير في دعواه إلى عبارة فحواها: «وقاحة من يعتبر نفسه فوق القانون». وقد رأى صاغية أن هذه الدعوى مردودة، لأن «عبارة وقاحة تدخل ضمن الأوصاف المباحة الحيادية نسبياً، تماماً كما هي عبارة جرأة أو جسارة أو تبجّح أو تحدّ، وهذه هي حال رايت في تحديه للقانون اللبناني». هذا عدا عن أن رايت «أثبت أنه لا يحترم القوانين، وذلك حين قرر من عندياته أن بإمكانه أن يعمل في لبنان من دون إجازة عمل... كما لم يحترم القوانين وذلك حين قرر من عندياته أن للشركة التي يديرها أن تحرم أجراءها من الزيادة المقررة قانوناً. كما لم يحترم القوانين حين انتهك حقوق عمال سبينيس بتأسيس نقابة». حتى تحقير رايت للقضاء «ثابت من خلال الحديث الصحافي الذي أدلى به، ومفاده أنه لا يخطط لحضور جلسة المحاكمة (في دعوى جزائية رفعتها النقابة ضده)، قبل ثلاثة أيام من انعقادها...».هذه الشروح التي قدّمها الدفاع تطال مضمون الدعوى المباشر، لكنها يجب ألا تبعدنا عن الهدف الأساسي منها، وهو محاولات رايت المستمرة لإسكات كلّ الأصوات التي ارتفعت للدفاع عن الحرية النقابية، هذه المرة من خلال القضاء. لهذا، رأى صاغية أن «السؤال المطروح على محكمة المطبوعات ليس سؤالاً عمّا إذا مسّت كلمات المدّعى عليه شرف الجهة المدعية، بل سؤال عمّا إذا كان للمدّعى عليه (نحاس) حق في مقاومة الظلم الحاصل ضد العمال والدفاع عن الحرية النقابية، وهو سؤال يرتبط بشكل مباشر بدور القضاء والانتظارات المعلّقة عليه». ولهذا طلب المدّعى عليه التوسّع في المحاكمة.فهل هذا ما سيطلبه القاضي روكز رزق؟ هل سيدين نحاس؟ أم يبرّئه؟ وكيف سيبرّر حكمه؟الكلّ اليوم في انتظار حكم مفصلي، كما وصفه صاغية. مفصلي لأنه إما أن يكرّس حقاً للمواطن في التشهير الموثّق، أو يطلب منه الرضوخ بحجة ارتكاب جرمَي «القدح والذمّ».

فراس أبو مصلح - الاخبارشهد العام الماضي تعابير مختلفة عن الأزمة الاجتماعية الحادة في لبنان، بأبعادها السياسية والاقتصادية والأمنية. دفعت الأحداث الأمنية (المستثمَرة إعلامياً في تسعير التوترات المذهبية) بالعديد من الاحتجاجات الى الشارع. بيادق هذه الاحتجاجات ووقودها فقراء مهمشون، ضحايا سياسات الإفقار وتسعير الانقسامات المذهبية.في المقابل، نزل إلى الشارع كثير ممن تجاوزوا الاصطراع المذهبي المُفتعل بالتوحد حول المصالح الاجتماعية ـــ الاقتصادية الجامعة، لكن الحراك المطلبي ظل هامشياً في مجمل الحراك الاجتماعي، اذ بقي الأخير مشدوداً إلى العناوين السياسية والأمنية. فلماذا فشلت الحركة المطلبية في استقطاب الرأي العام؟ يرى البعض أن الأخيرة لم تعبر فعلاً عن مصالح أكثرية اللبنانيين، وأن استقطاب الرأي العام غير ممكن بطرح مسائل جزئية، بمعزل عن مشروع سياسي تغييري متكامل.اعتاد الرأي العام، منذ عقدين تقريباً، خواء الحياة السياسية، بمعنى خلوها من الطروحات والبرامج الاجتماعية الشاملة للأبعاد السياسية والاقتصادية، وانحطاط الخطاب السياسي إلى مهاترات بين أصحاب الحصص في النظام. وانحصاره منذ عام 2001 في مسألتَي المقاومة والعلاقة مع دمشق. ثم بات الجمود في الحياة السياسية اللبنانية مألوفاً و«طبيعياً» منذ عام 2005، فأصبحت الأطراف السياسية كافة في لبنان في حالة انتظار للمعادلة السياسية التي ستتبلور بعد انجلاء غبار المعارك، وطغت على الحراك الاجتماعي العناوين السياسية والأمنية. فيما بات الاستثمار الإعلامي للأحداث الأمنية الدافع الأكبر للتحركات الشعبية في الشارع، تحت عناوين مذهبية، وأخذت الأخيرة أشكال التجمع والتظاهر وقطع الطرقات والاعتداءات على الناس والممتلكات، فازداد الحراك المطلبي ضيقاً.الظروف لا تكون «مثالية» عادةاستقالة الأحزاب غير المذهبية من العمل الاجتماعي أخلت الساحة لما يسمّى منظمات المجتمع المدني، فهذه المنظمات نفذت اعتصامات وتظاهرات تحت عناوين مطلبية جزئية. تحاكي مصالح وتطلعات فئات محدودة من المجتمع، كتلك التي تطالب بقانون مدني للأحوال الشخصية، وحق الأم اللبنانية بمنح جنسيتها لزوجها وأولادها، وحماية النساء من العنف الأسري (على سبيل المثال). هذه العناوين، على أحقيتها وأهميتها، تبقى مسائل جزئية لا تصنع رأياً عاماً، ولا تمثل قضيةً ومشروعاً للتغيير. اعتصامات وإضرابات عمالية، كتلك التي قام بها مياومو الكهرباء وعمال «سبينيس»، تبقى أيضاً تحركات محدودة تحت عناوين جزئية، قد تنجح في فرض تعديلات على شروط العمل، ليس إلا، لكنها لا تحرك رأياً عاماً.مثّلت إضرابات واعتصامات وتظاهرات «هيئة التنسيق النقابية» العام الماضي تطوراً نوعياً في الحراك النقابي، باختراقها «خطوط التماس» السياسية والتشكيلات المذهبية والحزبية، وبطول نفَسها وزخمها وحجم المشاركة فيها. للمرة الأولى منذ 1991، نشأت حركة مطلبية ذات طابع جماهيري، شاملة موظفي الدولة والمعلمين، واعدة بإنشاء نقابات غير قائمة على العصبيات. ومع ذلك، بقي خارج هذا التحرك على سبيل المثال كل العاملين في القطاع الخاص، ولا سيما حوالى 200 ألف عامل في القطاع غير النظامي، أناس بائسون، بلا ضمانات ولا خدمات اجتماعية، لا تشملهم «سلسلة الرتب والرواتب» ولا تعنيهم، بحسب مدير مؤسسة البحوث والاستشارات الاقتصادية، كمال حمدان، الذي يرى في العمل النقابي «طوابق متعددة» لا تستطيع النقابات المنفردة التعامل معها. هنا تبرز الحاجة إلى أحزاب تضع رؤية شاملة لـ«الطوابق كافة». تكمن مشكلة هيئة التنسيق إذاً في أنها، «بقدر ما تزخّم حركتها المطلبية العملية السياسية التقدمية، بحاجة إلى حاضنة سياسية تقدمية» تؤطرها في مشروع تغييري قابل للتحقق، كما يقول رئيس حركة الشعب، النائب السابق نجاح واكيم. «إن من يسألون الهيئة ماذا حققت، هم مَن يُفترض أن يُسألوا ... القوى التقدمية كانت متخلفة»، يقول واكيم. والتذرع بالصراع المستعر ليس مقبولاً، إذ لا تكون الظروف أبداً «مثالية» للعمل المطلبي والسياسي. تنشب الثورات حين يكون «النظام السياسي في ذروة أزمته»، كما هي الحال الآن.إقصاء الاقتصاد والاجتماع عن السياسة«القرار السياسي تكثيف للمصالح الاجتماعية الاقتصادية»، يقول الباحث الاجتماعي والمستشار الإقليمي لـ«إسكوا»، أديب نعمة؛ أما في لبنان، فقد «جرى إقصاء الاقتصاد والاجتماع» عن السياسة. يرى نعمة في غياب ربط الحراك المطلبي بـ«الشروط السياسية والمؤسسية لتحقيق المطالب» أحد أهم «أعطاب» الحراك. فالمدخل لتحقيق المطالب الاجتماعية ـــ الاقتصادية هو التغيير السياسي، بينما الصراع السياسي اليوم في مكان آخر، إذ إن السياسة «المعقمة» من الأبعاد الاجتماعية ـــ الاقتصادية، والمرتكزة أساساً على العصبيات الطائفية والالتحاق بالأجندات الخارجية «غير معنية» بالقضايا المطلبية، وخصوصاً في ظل اتساع «الاقتصادات الموازية» المتعلقة بالحرب وبالنشاطات غير الشرعية، كالتهريب مثلاً.لا يمكن الضغط على القوى السياسية من قبل القوى الاجتماعية، يؤكد نعمة، فـ«الدائرة السياسية مرتبطة بالعصبية الطائفية والخارج»، و«الدولة هي الطرف الأضعف بين الأطراف السياسية»، ولا «مجتمع مدنياً قوياً»؛ وإذا ما أراد الأخير، ممثلاً بالجمعيات الأهلية والنقابات العمالية و«الهيئات» وأصحاب المهن الحرة (الطبقة الوسطى)، إعادة الاعتبار إلى الاجتماع والاقتصاد في السياسة، «يصطدم بالمجتمع السياسي» القابض على الدولة.برغم وصفه تحركات هيئة التنسيق النقابية بأنها «من أنجح التحركات وأكثرها تماسكاً وعدالةً واختراقاً للطوائف»، يجزم نعمة بأن في القول إنها هزت النظام السياسي مبالغة. فهي محكومة بالتوازنات بين الأطراف السياسية المكونة لها، «ولم يكن بإمكانها الاتفاق على أي بند إضافي خارج موضوع سلسلة الرتب والرواتب». «القضية قوية ويومية وحساسة» الى درجة دفعت إلى التحرك، لكنّ الفاعلين في التحرك «لم يتفلتوا» بالكامل من قبضة القوى السياسية، التي لم ترَ في التحرك تهديداً جوهرياً لمصالحها، فالمطروح «تعديل في حجم التوزيع»، لا التغيير الجذري في النموذج السياسي ـــ الاقتصادي القائم. تمويل السلسلة من الريع لا يخرج عن المنطق «الغنائمي»، بمطالبته بحصة من الريع، بحسب نعمة، بدل طرح مشروع للتغيير الفعلي يتمثل في حزمة سياسات تنتج حلاً حقيقياً «يقص جوانح النظام الريعي، نظام الأتاوات»، ويشمل تغييراً جذرياً في النظام الضريبي وتقديم الخدمات العامة.

الآمال المعقودة على هيئة التنسيق النقابية لم تندثر كليا. صحيح ان الكثيرين ممن راهنوا عليها خابت آمالهم من النتائج، الا ان التجربة التي خاضتها في العام الماضي، ما زالت تجسّد الدليل على ان هناك فرصة سانحة لاحداث ثقب في الجدار السميك، طبعا اذا توافرت الشروط لذلك.فاتن الحاج - الاخبارلماذا لم تنجح هيئة التنسيق النقابية في التحوّل الى تيار نقابي بديل من السائد؟البحث عن اجابة يبدأ من حجج قادة هيئة التنسيق النقابية انفسهم. هؤلاء جميعا يقرون بالحاجة الملحة الى أداة نقابية عمالية تعيد بعض التوازن المفقود في الصراع الاجتماعي القائم، الا انهم ما زالوا يرفضون تحميل تركيبة الهيئة أكثر مما تحتمل. يعتقدون ان الهيئة ليست في وضعية تسمح لها بأداء دور «ممثل العمال العام»، او بمعنى اوضح، ما زالوا يخافون على وحدة الهيئة إذا جرى تجاوز دورها الفئوي المحدود، الذي جرى التعبير عنه في التحرّكات كلها، وهو دور اقتصر على رفع مطلب وحيد «جامع» لمكوّناتها، وهو مطلب احالة مشروع سلسلة الرتب والرواتب على مجلس النواب.في رأي هؤلاء، فإنّ الحديث عن حراك يفتح نافذة على إعادة النظر في السياسة الاقتصادية والاجتماعية للدولة هو «كلام كبير»، يمكن ان يودي بوحدة الهيئة ويشق صفوفها تبعا للولاءات الحزبية والمذهبية!ولاءات من؟ القادة النقابيون أم القواعد؟الهيئة ليست نقابة وليست اتحاداً نقابياً، بل مجموعة من الروابط استطاعت أن تفرز جمهوراً جمعته قضية مطلبية مشتركة بخلاف الجمهور الطائفي. وما دامت الحقوق عالقة، ينتظر أن تستكمل الهيئة معركتها لنيلها. ببساطة، هذا ما يراهن القادة عليه للمحافظة على هذا الكيان. وبالتالي يرون اليوم ان الوظيفة محددة بمواجهة هذا التحدي فحسب، برغم علمهم المسبق بالتباينات في صفوف القواعد، وبالتململ الذي تسلل إليها نتيجة الخيبة من سلسلة الرواتب المطروحة. الأفق ليس مسدوداً، يقول النقابيون. والعمل يجب أن يتركز على أن يكون 2014 عام تحويل الروابط إلى نقابات، وإصدار قانون ناظم للعمل النقابي في القطاع العام، يحدد الواجبات والصلاحيات. بالنسبة إلى البعض، المستقبل مفتوح دائماً على احتمالات شتى، والسؤال المركزي يتعلق بالناس، وما إذا كانوا سيتمسكون بقضاياهم ويدافعون عنها؟ وما إذا كانوا سينتزعون حقوقهم أم لا؟هذه المحدودية في النظرة الى وظيفة الهيئة كاطار نقابي، تكشف عن ان الخوف من اثر الولاءات الحزبية والطائفية هو خوف في القيادة لا في القاعدة، وهو ما تعكسه اراء كثيرة يدلي بها من برزوا كناشطين في تحركات هيئة التنسيق النقابية خلال اضرابها المفتوح الذي امتد اكثر من شهر.خابت آمال الموظف في وزارة الصناعة ديب هاشم. «فالسلسلة الجديدة كرّست التمييز التاريخي ضد موظفي الإدارة العامة المبني أصلاً على قواعد غير علمية»، يقول سائلاً: «كيف يمكن أن نتحدث عن إصلاح إداري ولم تحقق السلسلة ردم الهوة بين القطاعات الإدارية والتعليمية؟». يتوقع هاشم عدم تجاوب الموظفين مع تحركات قد تدعو إليها هيئة التنسيق في المرحلة المقبلة. ويستند في كلامه هذا إلى تجربة عريضة المليون «التي لم نوقعها، والتي فشلت لشعور بعض القطاعات بالغبن».د. داهش المقداد، الموظف في وزارة الزراعة، يرى أنّ الموظفين الذين لا ينتمون إلى طوائفهم سيكملون في هيئة التنسيق كي لا يؤول مصيرها الى مصير الاتحاد العمالي العام. يلفت إلى أنّ الهجمة على الهيئة والأصوات الكثيرة التي نسمعها في أوساط الإداريين بالانفصال عن التحرك «لا تصب في مصلحتنا». يتلمس المقداد خطر ضرب الهيئة «لكننا مطالبون بالعمل بكل إمكاناتنا لكي لا تسقط، ما في هيئة تنسيق ما في قطاع عام».فرز جمهور غير طائفي وبروز كوادر نقابية تحظى بقدر من الثّقة من الناس، مكوّنان يسمحان، بحسب الأستاذة في التعليم الثانوي الرسمي، سهام أنطون، باستمرار تجربة هيئة التنسيق وتحقيق نجاحات جديدة. في رأيها، ما تحتاج إليه الهيئة هو تنظيم حملة توعية واسعة في أوساط قواعدها بشأن أهمية الحراك الوطنيّ ووحدة الهيئة، وخصوصاً بعد ظهور مطالبات بفصل المسارات بعضها عن بعض (فصل التعليم الثانوي الرسمي مثلاً عن الباقين). المعلمون والموظفون ينتظرون، كما تقول، تدريب كوادر وسطى وتحويل العمل داخل الهيئات إلى عمل مؤسساتي بتوسيع التشاور مع القواعد، مثل إعلام المندوبين بما يحصل خلال المفاوضات مع المسؤولين وإشراكهم في اتخاذ القرار.أنطون تعتقد أنّ هيئة التنسيق واعية لواقع أنّ مصير السلسلة وغيرها من المطالب مرتبط بمصير البلد ككل، والدليل أنّها دعت إلى تحركات تحت عنوان تفعيل عمل المؤسسات.وفي تقويم للحراك السابق، يبدو الأستاذ في التعليم الثانوي الرسمي يوسف كلوت مقتنعاً بأنّ «مكونات السلطة الفعلية كسرت دينامية التحرك، بتقليصها استقلالية القرار في الروابط المكونة لهيئة التنسيق، بعدما رأت، خلافاً لما اعتادته من تبعية في قرار الاتحاد العمالي العام، أن هناك إمكاناً حقيقياً لتوحد الناس على نحو أفقي حول مصالحهم الاقتصادية والاجتماعية». توحد الناس يفقد هذه القوى السياسية، بحسب كلوت، «نعمة الانقسام العمودي الذي تفتعله في كثير من الأحيان لاقتناص شرعيتها بغية القيام بوظيفة السمسرة بين الناس ومؤسسات الدولة بحسب مصالحها الخاصة غالباً».تحريك الشارع يفشل إذا لم يُقطفيتضح مما سبق ان القيادات والقواعد تلتقي على ان الحافز لنضالات الهيئة يبقى «السلسلة»، الا ان الناشطين والناشطات في القواعد يرسمون افقا ممكنا لتطوير الهيئة وخطابها بما يتجاوز المطلب «الفئوي». انطلاقا من ذلك، يقول رئيس رابطة أساتذة التعليم الثانوي الرسمي حنا غريب، إن المعركة لم تنته لكون المفصل الأساسي فيها لم يحل، فالسلسلة التي أخرجتها اللجنة النيابية الفرعية لا تمثل الحد الأدنى المقبول، على حد تعبيره، ما دامت لم تثبت الحقوق المكتسبة وتترجمها إلى أرقام. في رأيه، التحدي الأساسي هو رفع الظلامة عن جميع مكونات جمهور هيئة التنسيق (أساتذة، معلمون، موظفون، متعاقدون، أجراء، مياومون ومتقاعدون)، وعدم رميها من قطاع إلى آخر «فتمسك كل قطاع بمطالبه الجزئية يعني ملاقاة الطرح السلطوي على الطريق نفسه. المتعاقدون والأجراء غير مشمولين بالمناسبة في السلسلة، يستدرك بالاشارة الى أنّ شعور أي من القطاعات بالظلم يفرض على هيئة التنسيق متابعة الملف حتى نهايته، «ومن يفكر غير ذلك يكُن واهماً».يطالب غريب هيئة التنسيق «المقصّرة في مواكبة القضايا الوطنية العامة، بأن لا تهدر فرصة لا تتكرر، عبر القيام بقفزة نوعية على مستوى أدواتها التوحيدية، بإعلان روابط القطاع العام نقابات وقطع الطريق أمام محاولات فبركة السلطة السياسية لنقابات متواطئة معها على ظهر الروابط، تماماً كما حصل مع النقابات العمالية». يدعو قيادات الروابط إلى تقديم اقتراح قانون ينص على مادة وحيدة: «تمنح الروابط التعليمية حق ممارسة العمل النقابي، وتعطى صفة كيان النقابة الوحيدة خلافاً لأي نص عام أو خاص».رئيس رابطة موظفي الإدارة العامة محمود حيدر هو أيضاً يتلمس الحاجة إلى تحويل الروابط إلى نقابات، وهيئة التنسيق إلى اتحاد نقابي لا يضم نقابات موظفي القطاع العام فحسب، بل أيضاً موظفي المؤسسات العامة الاستثمارية وغير الاستثمارية. ومع ذلك، فهو مقتنع بأن لا تحالفات دائمة ومستمرة لا في السياسة، ولا في العمل النقابي، فالإطار النقابي يتغير بتغير القضايا التي تجمع الناس. يقول: «من حق كل قطاع أن يطالب بالزيادة وتأمين العدالة بين القطاعات من مسؤولية السلطة السياسية».يسجل الخبير النقابي غسان صليبي لحراك هيئة التنسيق إعطاءه أملاً بامكان خلق تيار نقابي مستقل، وفتحه أفقاً على مستوى إعادة النظر في السياسة الاقتصادية، وفضح الطبقة السياسية، لكن ذلك لا يحجب خطر ضرب الهيئة من الداخل، لكونها ليست محصنة بقواعدها، كما يقول. غموض كبير يلف المرحلة المقبلة، إذ «لا أدّعي في الظرف السياسي الراهن أنني أستطيع التفاؤل أو التشاؤم بمستقبل هيئة التنسيق لسبب بسيط، أننا غير قادرين على رؤية معالم التيار النقابي المستقل الذي نبحث عنه وسط هيمنة فريقي 8 و14 آذار».تحريك الشارع يفشل إذا لم يُقطف، تقول النقابية عايدة الخطيب، مراهنة على استمرار هيئة التنسيق بالاستناد إلى إيجابيات تجربة أثبتت أنّ المطالب المعيشية توحد الناس، وأنّ خرقها ليس بهذه السهولة.

ازدهرت في الفترة الاخيرة ظاهرة لجوء المستهلك لطلب السلع الالكترونية من الخارج، والحافز لنمو هذه الظاهرة: فارق الاسعار الشاسع. بعض المستهلكين يقولون انهم يوفرون مبالغ طائلة عند شراء اي سلعة، حتى بعد احتساب كلفة النقل او البريد. ويوضح الخبير الاقتصادي كمال حمدان ان الاسعار منفوخة في لبنان نتيجة الاحتكارسهى شمص - الاخباردرجت في الفترة الأخيرة بين اللبنانيين هواية التقاط الصور ثم تحميلها على الإنترنت وانتظار ردود الفعل عليها. من أجل ممارسة هذه الهواية يحتاج الِمصور إلى جهازين أساسيين، كاميرا رقميّة وجهاز كمبيوتر محمول، ولتسهيل الأمر أكثر انضمّ إليها الجهاز اللوحي Tablets فمثلت قائمة أصبح يحتاجها كل من يريد مواكبة التقدّم في التكنولوجيا الاستهلاكية. لكن خلف كل ذلك يبقى السؤال الذي يحيّر جميع اللبنانيين، وخاصةً الذين يخوضون هذا السباق: لماذا أسعار هذه الأجهزة في لبنان أغلى من الخارج؟ وخاصّة في دول تتمتع بمتوسط دخل اعلى بكثير من لبنان كدبي وفرنسا وأميركا؟من أمام رفوف العرض في محل لبناني، سعر الكاميرا الرقميّة Nikon D5200 مع عدسة (18-55 mm) 1298$، سعر الكمبيوتر المحمول Mac D101 1319$، بينما سعر الجهاز اللوحي Samsung Galaxy Note 10.1 N8000 699$. هذه الأسعار قد تتفاوت على نحو بسيط جداً بين المحال اللبنانيّةالمختلفة.على صفحة الإنترنت في موقع التجارة العالمي www.amazon.com، أغلى سعر للكاميرا نفسها 746$ وللكمبيوتر المحمول نفسه 1149$ وللجهاز اللوحي نفسه 492$.لنتجه غرباً إلى الولايات المتحدة الأميركيّة، تحديداً إلى محل في ولاية نيويورك، تبلغ أسعار السلع الثلاث 799$ للكاميرا، 1193$ للكمبيوتر المحمول، و550$ للجهاز اللوحي، ثمّ إلى فرنسا، أسعار السلع مع مراعاة الترتيب المعتمد نفسه، 790$، 1333$ و660$، بعدها إلى الجنوب الشرقي نحو دبي 671$ للكاميرا 1115$ للكمبيوتر المحمول و457$ للجهاز اللوحي.مع مقارنة الاسعار بين لبنان من جهة، ودبي وفرنسا وأميركا من جهة أخرى، نلحظ أنّه بالنسبة إلى الكاميرا الرقميّة Nikon D5200 مع عدسة (18-55 mm) لبنان أغلى من الولايات المتحدة الأميركيّة ودبي وفرنسا بمعدّل يتجاوز الـ38%. أما بالنسبة إلى الجهاز المحمول Mac D101 فأغلى من الولايات المتحدة الأميركيّة ودبي بمعدّل تقريبي 10% وتتجاوزه فرنسا بـ14$. وأخيراً بالنسبة إلى الجهاز اللوحي Samsung Galaxy Note 10.1 N8000 فلبنان أغلى من الولايات المتحدة الأميركيّة ودبي، بمعدّل يتجاوز الـ20% وأغلى من فرنسا بـ93$.وإذا كانت حجّة الرسوم الجمركية والضريبة على القيمة المضافة وغيرهما من ضرائب ورسوم حجّة معتادة لتبرير ارتفاع الأسعار في لبنان. فالأجهزة الثلاث، الكاميرا الرقميّة والكمبيوتر المحمول والجهاز اللوحي، لا تخضع لأي تعريفة جمركيّة وعليها صفر ضريبة على القيمة المضافة VAT في لبنان، بينما في الولايات المتحدة الأميركيّة تراوح ضريبتها (الضريبة على القيمة المضافة) بين 0% والـ9% حسب الولايات، وبالنسبة إلى نيويورك فتبلغ 8.875%. أما في فرنسا، فتبلغ 20%، وما من ضريبة في دبي. فإذا كانت أسعارها في فرنسا أغلى من دبي وأميركا بسبب ضريبة القيمة المضافة المرتفعة في فرنسا، فلماذا لبنان أغلى من فرنسا نفسها مع عدم وجود هذه الضريبة؟اللبناني «الذي جاب العالم»، أدرك جيّداً أنّ أسعار الإلكترونيّات في لبنان أغلى من أسعارها في دول تعد أغلى من لبنان، كالولايات المتّحدة الأميركيّة ودول أوروبا. واللبناني «الشاطر» وجد أساليب للحصول عليها من الخارج بسعر أرخص.هادي مثلاً يحب ممارسة هواية التصوير، وهذه الهواية تعد من الهوايات المكلفة نظراً إلى ارتفاع أسعار الكاميرات والعدسات والأكسسوارات المتعلّقة بها داخل لبنان. ولمواكبة العصر يجب شراء كل فترة عدسات أكثر تطوراً واستبدال الكاميرا بواحدة أحدث. لجأ هادي إلى استعمال الإنترنت لهذه الغاية، فأصبح يشتري ما يريد بسعر أرخص بكثير من لبنان، ويطلب إيصاله إلى منزل أحد أقربائه في أميركا، فينتظر عودة الأخير ليأتي بالغرض معه. يقول هادي «من خلال هذه العمليّة استطعت إحدى المرّات أن أوفّر 400$ ثمن عدستين وبعض الأكسسوارات».أمّا علي، فقد اشترى قطعة تغيير للسيّارة عبر أحد المواقع التجاريّة العالميّة ووفر أكثر من نصف السعر، وهو يمارس هواية تركيب الطائرات الكهربائيّة الصغيرة، التي تتطلّب الكثير من القطع المكلفة. ويقول «أفضّل شراء مثل هذه الأمور عن الإنترنت، لأنه حتى مع احتساب تكاليف الشحن تبقى أرخص من لبنان».لماذا إذاً على اللبناني أن يدفع أكثر ممّا تدفعه «الشعوب الغنيّة» ليلحق بركب الحداثة والتطوّر؟الإجابة بكلمة واحدة: الاحتكار. يشرح الخبير الاقتصادي كمال حمدان الحالة على نحو مفصّل، اذ إن أسواق الاستيراد في لبنان شبه احتكاريّة وبعضها يخضع للاحتكار الكلّي، فحفنة قليلة من المستوردين تتحكّم في السوق. مما يولّد شبه احتكار للعرض مع حجم طلب مرتفع. وهذا ما يؤدي إلى وجود أسعار منتفخة أكثر من «الطبيعي»، الذي من المفترض أن تكون عليه، مما يجعل المستهلك يدفع الثمن. ويوضح أنه بالنسبة إلى السلع الكهربائيّة فهي تخضع للطلب غير المرن، ومعناه أنه مهما ارتفع سعرها فلا يمكن الاستغناء عنها واستبدالها بسلعة أخرى، وخاصة بالنسبة إلى الماركات العالميّة المشهورة، التي يضطر المواطن إلى شرائها، مهما غلا ثمنها لكونه لا يمكنه استبدالها بماركات أخرى. أمّا الحل، فهو بوجود أجهزة رقابيّة على الأسعار مع إقرار مشروع قانون المنافسة، وتنفيذ قانون إلغاء الحماية عن الوكالات الحصرية، واعتماد سياسات اقتصادية ومالية تتكل على الأبحاث والدراسات لبيئة الأسواق، مع تفعيل لجان أهليّة لحماية المستهلك.تجدر الإشارة إلى أن القوانين والمراسيم اللبنانيّة استثنت فقط المواد الغذائية من حصرية التمثيل التجاري، فيما باقي المواد ومنها الالكترونية والكهربائيّة تخضع لاحتكار وكلاء حصريين، بعضهم سياسيون او يرتبطون بعلاقات نفعية مع السياسيين. وهم من منعوا حتى الآن إقرار مشروع قانون المنافسة، الذي تنقل لسنوات بين مجلس الوزراء ومجلس النوّاب، دون أخذ قرار جدّي بمناقشته، ومنعوا اقرار وتنفيذ قانون إلغاء الحماية القانونية عن الوكالات التجارية الحصرية.

 

اخيرا، حسمت هيئة التنسيق النقابية قرارها، وقررت الخروج من حال الانتظار والدعوة الى اضراب عام يوم الثلاثاء في 26 تشرين الثاني، يشمل جميع الثانويات والمدارس الرسمية والخاصة ومعاهد التعليم المهني والتقني والوزارات ومؤسسات الادارة العامة والسراي في المحافظات والاقضية.

الا ان هيئة التنسيق النقابية تراهن على مشاركة اوسع من قوى وهيئات المجتمع المدني، اذ دعتها الى «أخذ المبادرة والتحرك معا، كل من موقعه، رفضاً لسياسة التسيب والفراغ والشلل في كل المؤسسات الدستورية والمعتمدة من المسؤولين»، واعلنت الهيئة «استعدادها للتشاور والتعاون مع كل المتضررين من أجل مواجهة الركود السياسي والاقتصادي المفروض قسرا على الشعب اللبناني»، في اشارة من هيئة التنسيق الى جهوزيتها لاقامة تحالف واسع «إسهاما منها في تحمل المسؤولية الوطنية والنقابية تجاه من تمثل، وادراكها ان مواجهة حال الجمود والفراغ والشلل في مؤسسات الدولة هي من مسؤولية الجميع، وخصوصا الذين يدفعون أعباء وتكاليف هذه الحال». وعقدت هيئة التنسيق النقابية اجتماعا في نقابة المعلمين، تدارست خلاله نتائج لقاءاتها مع رئيس واعضاء اللجنة النيابية الفرعية المولجة درس مشروع قانون سلسلة الرتب والرواتب، «وحال الفراغ والجمود والتعطيل في كل مؤسسات الدولة الدستورية والادارية، فلا حكومة تتشكل لمتابعة حاجات البلد والمواطنين الامنية والمعيشية، ولا مجلس نيابي ينعقد في جلسته العامة لاقرار سلسلة الرتب والرواتب وسائر مشاريع القوانين». واعلنت الهيئة في بيان لها: 1- على الرغم من تكرار اللقاءات والزيارات لرئيس واعضاء اللجنة النيابية، فإن هيئة التنسيق لم تتلق حتى الآن أي رد على مضمون المذكرة التي قدمتها منذ حزيران الماضي الى اللجنة. وهي بالتالي لم تتلق أجوبة تطمئن القطاعات حول مطالبها وحقوقها، وذلك ما يترك تساؤلات عند الهيئة عن اسباب عدم اطلاعها على أمر يعنيها مباشرة وله تأثيرات مستقبلية على المعلمين والموظفين والمتعاقدين والمتقاعدين والاجراء والمياومين وسائر الاسلاك الاخرى. 2- إن هيئة التنسيق النقابية إذ تقدر جهود رئيس وأعضاء اللجنة النيابية الفرعية، فهي تعتبر أن ليس بحوزتها ما تنقله الى الموظفين ويطمئنهم الى مصير حقوقهم، على أمل أن يتحقق هذا الامر مع نهاية المهلة المطلوبة من رئيس اللجنة في 15 تشرين الثاني المقبل، إلا أنها في الوقت عينه ترى ان المعلمين والموظفين والمتعاقدين والمتقاعدين والاجراء قد اكتووا طويلا بنار الغلاء ولم يعد في استطاعتهم الاستدانة لدفع ما يتوجب عليهم لتأمين لقمة العيش لعائلاتهم. لقد مر عامان على احقية السلسلة لكنها حتى الآن ما زالت دون اقرار. 3- لأن حال الشلل والجمود في المؤسسات الدستورية ينعكس جمودا على السلسلة ويحول دون اقرارها، لا بل يضعها في مهب الريح لذلك قررت هيئة التنسيق النقابية التوصية الى هيئاتها بالآتي: تنفيذ اضراب في جميع الثانويات والمدارس الرسمية والخاصة وفي معاهد التعليم المهني والتقني وفي الوزارات ومؤسسات الادارة العامة والسراي في المحافظات والاقضية وذلك يوم الثلاثاء الواقع فيه 26 تشرين الثاني، وذلك من أجل إقرار السلسلة على اساس الاتفاقات والتعهدات، ووفق بنود المذكرة المقدمة للجنة النيابية الفرعية ودون فرض ضرائب على الفقراء، ومن اجل إعادة العمل في مؤسسات الدولة الدستورية المشلولة (تشكيل الحكومة - المجلس النيابي). 4- الدعوة الى عقد جمعيات عمومية مشتركة بين الاساتذة والمعلمين والموظفين والمتعاقدين والمتقاعدين والاجراء والمياومين يومي الاثنين والثلاثاء 11 و12 تشرين الثاني، على ان تحدد المراكز والمواعيد لاحقا من قبل هيئات التنسيق في المحافظات، وذلك من اجل التحضير للاضراب والاطلاع على المستجدات. 5- مواصلة الاتصالات برئيس واعضاء اللجنة النيابية الفرعية، وبالكتل النيابية والقوى السياسية كافة، ليتحمل الجميع مسؤولياتهم حيال الشعب اللبناني الذي يدفع تكاليف هذا الوضع المأزوم في حياته اليومية، والذي لم يعد بإمكانه تحمل هذا الوضع ونتائجه السلبية أمنيا واجتماعيا وتربويا. 6- ان هيئة التنسيق النقابية اذ تتخذ هذا الموقف، فذلك إسهاما منها في تحمل المسؤولية الوطنية والنقابية تجاه من تمثل، إلا أنها تدرك في الوقت عينه، ان مواجهة حال الجمود والفراغ والشلل في مؤسسات الدولة من مسؤولية الجميع، وخصوصا الذين يدفعون أعباء وتكاليف هذه الحال، وعليه، فهي تتوجه الى الجميع والى كل قوى وهيئات المجتمع المدني بالدعوة الى أخذ المبادرة والتحرك معا كل من موقعه رفضا لسياسة التسيب والفراغ والشلل في كل المؤسسات الدستورية والمعتمدة من المسؤولين، وتعلن استعدادها للتشاور والتعاون مع كل المتضررين من أجل مواجهة الركود السياسي والاقتصادي المفروض قسرا على الشعب اللبناني. (الأخبار)

 

كانت «الطريق» ملحمته. دفع بها إلى واجهة المشهد الفكري في العالم العربي. أربعون عاماً بين يدين من قوة ونشاط استثنائيين. إنها الأمانة الكبرى لرجل ضد النسيان، يقف خلف أسلاك أحلامه، من دون تعصب

عبيدو باشا

لا يسع رجلٌ أن يشق نفسه، حتى لا يُجرّ الأطفال على الأرصفة في أعمال منهكة وطويلة، أو أن تتحوّل سيقانهم إلى خيطان، بارتجاف السيقان بالتعب والخوف في كبريات المصانع الآسيوية، المفصّلة أفخر الملابس بأيدي أفقر أولاد العائلات، البلا حجة بالأوضاع الاقتصادية غير الافتراضية المختلطة برقع البؤس الاجتماعي الكالح. لم يجد في ذلك إلا تخفيفاً من قبح رجال المنظومة الرأسمالية، بالحيل الجافة. لم يجد في ذلك، إلا إضعافاً، لعلامات الاستفهام، الطائرة فوق شقوق العالم المطرزة بإفرازات العولمة، الأسلوب غير المستقر، لا في الشعريات ولا اللسانيات ولا طرائق التحليل. لم يجد في العولمة إلا الذرائعيات، الضاجة بقياد الأطفال إلى بطش الآلة المعدنية والبشرية. بقيت صور الأطفال ترعبه، وهم ينساقون إلى فم الوحش أو جوفه. لا فرق. لأن الأول هو الطريق إلى الثاني. لم يخف شيئاً آخر، حتى الحرب. عبر الأخيرة بضحكة تقاس بالعرض لا بالطول.

لم يستعمل محمد دكروب، لا الوشم ولا الودع، حتى يهدئ الحشود التائهة خلف الصراخ والموت. وهو يهديها رسائله المكتوبة بيدين متعرقتين، ضد السقوط.

حمى الأطفال في الشوارع وعند المفارق وفي الكاراجات والمقاهي والنوادي الليلية، بتجاعيده المرصودة، على صفحة وجهه، وهو لا يزال/ بعد/ طفلاً يشبه الأطفال الحائرين، الواقفين على جلد الحرباء اللبنانية. جلد ممتد من أول خنجر مسلط عليهم، إلى آخر سيف. يستحق محمد دكروب، الإشادة، لأنه شيوعي ضد الشيوعية بحبال مطاطها المحترقة. لا علاقة لحذاء خروتشوف بذلك. ولا بغلاسنوست وبيريسترويكا غورباتشيف. ولا بالإصبع الناقص، بيد لاعب كرة اليد الشهير المعروف بيلتسين، وهو يقف على ظهر دبابة، موجّهاً الشعب والبلاد إلى الانقلاب المدوي على النظام الشيوعي المخفف، مع آخر الرؤساء السوفيات، بتغطية من الفاتيكان وأميركا، عملاق الضفة الأخرى. لم يدر الرجل حول الأفكار، لم يستهلكها. وجد أنّ استهلاكها بالطرق السائدة، لا يقود إلا إلى العدم. لم يتفكر كثيراً بذلك. لم يستعمل تقنيات الجدلية المادية، ولا أي تقنية أيديولوجية أخرى. ذلك أنه أكّد اللاحق بالسابق، باحساس عال بلا فلسفة أو تنميق أو تذويق. جعل من «سؤال الروح»، بحسب هايدغر، واحداً من أقطاب الأسئلة الكبرى في حياته. هكذا مضى، ضد النمذجة والنموذج. لم يفاخر ولم يهاتر. هكذا مضى، ضد التأليه، ضد المتحف والمتحفية. ضد الحزب، لأنه استعمل الوجود في قراءة الصيرورة. لا مبالغة في ذلك. الرجل، الطائر فوق طموحات تأييد الحجة، في الطريق إلى الانتساب إلى مراكز القرار، لم يهبط في اللجان المركزية والمكاتب السياسية، مرحباً بآثاره ولا بمائه الطافح بالواجب، كما فهم الواجب، منذ مسه الإحساس بالواجب مساً خفيفاً. شد عمره، بحيث قاده العمر وهو يقوده، إلى الصراط الإنساني. هذا رأسماله، أو مقدمته الدائمة إلى الانخراط في الصراعات، على تحقيق أمن الإنسان وفرحه وسعادته، لا السلطة. رجل ضد العبادة والحرير والتسري والرعب. صنع الدكروب حضوره بالقيمة، لا بالتفكيك. صنع ذلك، بالمصدر الأول، بالينبوع. لا بالافتراض. هذه بداهته الحاسمة. لا المجموعة المترابطة من المفاهيم. رجل سياق، لا رجل منظومة، ما لم يقده إلى الانغماس في أي نمط من أنماط الغموض الايديولوجي. فوّر الرجل قهوته على سرير من قش، بفراش من ضرورة وافتراضات بسيطة، صائبة. لم يلن أمام الفجائع. فجيعة اغتيال الشيوعيين على أسرّتهم أو في الطرقات والتشنيع بحيواتهم برميهم، بقواهم المولدة المقتولة بالحقد، على مزابل بيروت. لم يلن أمام النوافذ المرتعشة، حين مرّ الرفاق أمام ألوانها المقشرة إلى بيوت بنوافذ أخرى. لم يعاد كل صيغة جديدة أو شكل أساسي في العمل الحزبي. وجد في خروج رفاق من الحزب إلى اليسار الديمقراطي، جزءاً من الفاعلية السياسية للحزب. شكل من فرادة الروح. فرادة الروح محفورة بروحه. هكذا، أدرك أنّ الحقيقة، لا ما يعجبك. هكذا، ساهم في خلق التحديد، كماركسي لينيني، لا كستاليني. لم يستدعِ الخروج على الحزب، لصاحب العينين المخفوقتين بالقلق والبرق الصيفي والغيم والسؤال الدائم المستوطن، الدائر على الحياة والموت والحب، لم يستدعِ كراهيته لأحد. الأخير درعه، لا سيفه. الأخير كتابه، في مجموع كتبه المؤلفة، بقلم الأمي القديم، الواجد في الأمية خطر الظلمة وامتدادها، فوق كل خصب وكينونة. هذا رجلٌ، غير قابل للقياس على أي مسطرة. رجلٌ ضد النسيان، يقف خلف أسلاك أحلامه، من دون تعصب أو دحض منوط بالشكليات أو أطروحات الاهتزاز على قوارب الآخرين. لم يعلن الدكروب أنه ضد التسلية. لم يعلن أنه ضد التسلية العريضة. هو ضدها، لا ضد التسلية. لا بأس من نتفة صغيرة من الكوميديا، غير أن الانتباه يبقى ضرورياً من ارتدادات التسلية العريضة، في وعلى حياة الناس. هذا صاحب جودة روحية، لأنه بقي قادراً على أن يسامح. لم يقل إنّ من أساء اليك، امتلكك بالإساءة، وان الطريق الوحيدة للتحرر من امتلاكه لك، بأن تسامحه. فهم ذلك، من ارسالاته البلا تحديد. لذا، جاءه الموت، كما تجيء قواعد النحو والصرف إلى الجملة العربية الفصحى، غير مؤلمة وغير منتظرة، حيث تبقى ميزة الجملة بانتظار ميزة أخرى. جاءه الموت بصورة نسر، محلّق فوق اكتماله التاريخي، من إنجاز المهمات التاريخية المنوطة به، مذ دفع إلى أن يقطن في مجلة «الثقافة الديمقراطية»، مجلة الحزب الثقافية/ السياسية، وهو لا يزال بلا معرفة ولا دربة. وهو لا يزال، خارج حركة التشابه المنطقي مع الحزب ومسؤولي الحزب. كتب الدكروب، المهم والأعلى. قاد نفسه إلى ذلك، منذ راسل جريدة «التلغراف». البوليتاري، غير الرث، بدأ الكتابة بالمراسلة. كتب في «قصص للجميع» القاهرية وفي «الألواح» اللبنانية للسيد صدر الدين شرف الدين و«الآداب». كتب بلا أنماط تعيين. كتب لكي ينوجد. لكي يحيا، لكي يعيش، لكي لا يموت. ذلك أنّ ثمة بوناً شاسعاً بين العيش ومقاومة الموت. فتحت «الآداب» الآفاق الأعرض في حياته. غير أنّ «الطريق» هي ملحمة محمد دكروب، على نحو صارم، حين دفع بها إلى مقدم المشهد الفكري في العالم العربي. أربعون عاماً بين يدين من قوة ونشاط استثنائيين. إنها أمانته الكبرى. إنها صحن كتابه غير المكتوب، صحن استدعاء غير الشيوعيين إلى تقبيل الشيوعية بلا أثمان. بالمجان. محمد دكروب ضد الحيزية، ضد القوقعة. إنه في ذلك، مفارق غير موهم. وهو كذلك، إذ كتب في النقد المسرحي، مساهماً في انبثاق أسئلة الزمان في المسرح العربي. محاضر، منتدٍ، مثاقف بلا ترفع، بصياغات حنونة. امتيازه بالكتابة. التقط الحرف بجمرات. كتب بالنار «جذور السنديانة الحمراء». كتب «دراسات في الإسلام» و«الأدب الجديد والثورة» و«شخصيات وأدوار في الثقافة العربية الحديثة» وكتب كتباً أخرى. كَتبَ، الهزيل كالهواء، السمكري، الوراَق، بائع الأكياس في الأسواق التجارية القديمة، في أخطر الموضوعات. علَم نفسه بحركة عنقه، لا بالورق، حتى استطاع أن يكتب وجهه واسمه على العشب والماء. ثم أخذه الموت من طفولة تسمى، إلى غياب لا يسمى. ابتدع الرجل البسيط أعقد القضايا، بيدين من طبيعة اليدين. انفتح على شاشة الرؤى الجديدة وهو في الثمانين. يغيب وهو في الخامسة والثمانين، على بساط رقيق من أحباب وأحداث واسس لم يتغاضَ عنها، متخففاً من الروح الأرثوذكسية في التعاطي مع الاشتباك البلدي والاصطفاف والانحياز بأرواحه النازية والفاشية، بين قوى تستقوي على الجمهور بالجمهور. لم يتنمر الدكروب في موقعة أو حرب. تدري ذلك، صغار العصافير المعششة على جفنيه المسقسقين بدموع الرجاء على بلاد بلا رجاء. إهداء إلى أياد داغر * كاتب وناقد مسرحي

 حضر الوزير السابق شربل نحاس إلى محكمة المطبوعات محاطاً بمجموعة من المتضامنين. أمس، كانت المرة الثانية التي يذهب فيها نحاس إلى «قصر العدل»، كضريبة يدفعها لإصراره على ما يراه انطلاقاً من حسابات تعدّ «هجينة» لبنانياً، عدلاً للعمال وحقوقاً لهم. وهذه الدعوى الثانية، المقامة ضدّه، من مايكل رايت و«سبينس» بتهمة التعاطف مع عمال المؤسسة، أو ما صُنّف في حسابات مدير سبينس «القوي»، قدحاً وذماً.

كما في المرة السابقة، كان المعتصمون قلة، غير أن علاقتهم بنحاس بدت عاطفية كما في المرات السابقة. لم يحدث الوزير المعروف بمشاكسته، وخروجه عن السائد في صرف الأمور المتعلقة بكبار التجار وأصحاب العمل في لبنان، جلبة كبيرة. اكتفى بتصريح مقتضب قبل دخوله إلى «العدليّة»، وقد بدت عليه علامات الارتياح كالعادة. لا يرغب اللبنانيّون عادةً في الاطلاع على تفاصيل مشابهة. فهم فردانيّون حينما تلامس القضايا حقوق أجزاء وافرة منهم، ويصيرون جماعات عندما تتخذ القضايا شكلها الغرائزي اللبناني. وفي الأساس، لا يرى نحاس أن المسألة قدحاً ولا ذماً. وبطريقته المعهودة، التي يحرص فيها على الترفع عن الأدبيات المتداولة في النزاعات المشابهة، أشار نحاس إلى أنه ليس لمايكل رايت بشخصه «أي أهميّة»، معقّباً بأن الأهميّة بالأفعال، أو الممارسات التي يرتكبها. وبغض النظر عن رأي القضاء في ذلك، فنحاس على حق، على الأقل من الناحية النظريّة، حتى لو لم يرغب اللبنانيّون في التعامل مع القضيّة كقضيّة وطنيّة ستصيبهم إذا سكت عنها، عاجلاً أو آجلاً. وإلى ذلك، يستفيض نحاس في اتهاماته، ويبدو قادراً على التحول من موقع الدفاع إلى الهجوم، حين أخبر الصحافيين أن الذين يتهمونه بما يتهمونه به تجاوزوا القانون ثلاث مرات. أولاً، الاعتداء على الحريات الفردية المصونة بالدستور. ويقصد نحاس بالحريّات حريّة نقد إدارة «سبينس»، لأن الخلاف جوهري، وما قيل ليس اعتراضاً على حملة إعلانية، بل يمس فئة كبيرة من عمالها ويقضم حقوقهم. وهذا ما بيّنه نحاس، في «التجاوز الثاني»، أي «منع العاملين من إنشاء نقابات تدافع عن حقوقهم، وترهيبهم، وابتزازهم وترهيبهم بالضرب والضغط لإرغامهم على الاستقالة من النقابة». وهذه اتهامات لم يحرّك لها القضاء ساكناً، بل تحركت المحكمة «الأنشط» في البلاد أخيراً، وهي المطبوعات. نتحدث هنا عن عمال، وهم بشر في الدرجة الاولى، لم تكتف مؤسساتهم بطردهم تعسفاً، بل لاحقتهم حتى تعرضت لهم بالأذى الجسدي والمعنوي. رغم ذلك، نحاس، الذي فضح التجاوزات وتصدى لها، هو الذي يحضر إلى المحاكمة. أما التجاوز الثالث، الذي عرضه الوزير، فيمس بسمعة البلاد بنحو مباشر، أو ما تبقى منها، حين ذكر أن لدينا تقريراً لمنظمة العمل الدوليّة في هذا الإطار يدين تصرّفات إدارة «سبينس»، وثمة من وصفه بالأكاذيب. لا يرغب اللبنانيّون في الوقوف مع نحاس. يشعرون بأن الموسى لم تصل إلى رقابهم، ولذلك، كونهم لا ينتمون إلى نقابات، والجماعات التي ينضوون في صفوفها ليست عماليّة، ولا تمت إلى العمل بصلة، لا يشعرون بأهميّة الأمر. ذلك لا ينفي أن نحاس نفسه يقع في فخاخ الشعبويّة، حينما يحاول استنهاض النائمين، خارج النقابات، وفي أحزابهم السياسية، والقصد هنا اللبنانيّون، عندما يصف رايت بالـ«الأجنبي»، في ما يبدو أنه محاولة لتحوير القضية من قضية عماليّة إلى قضيّة وطنيّة. على أيّ حال، يبدو نحاس الذي يحضر إلى المحاكمة محقّاً، حين يشرح أنه «بعدما تم إبلاغ هذا الشخص، بصفته الشخصية وبصفته مديراً عاماً للشركة، بجلسة استجوابه باتهام يتعلق بالمادة 329 عقوبات التي تجرّم أي فعل يمنع المواطنين اللبنانيين من ممارسة حقوقهم المدنية، أعلن مايكل رايت، قبل ثلاثة أيام من جلسة استجوابه، أنه لن يحضر ولا يهمه الامر ولن يحصل أي شيء، ولم يرسل أي وكيل عنه أو أي عذر». وهذا، برأي نحاس، تحقير للقضاء، وقلة احترام له. وقد قال نحاس هذا الكلام من قصر القضاء، على المدخل تماماً. وبما أن الإعلاميين بدوا غالبية المتضامنين، لقلة عدد الأخيرين، سجل نحاس موقفاً متضامناً معهم بدوره، وسط تململ رجال الأمن من البلبلة التي أحدثها نحاس، وهي بلبلة لم يعتدوها. والمفارقة أن رجال الامن هم عمال أيضاً، وقد تبادل بعضهم ابتسامات متعاطفة مع نحاس. في تصريحه، قال الرجل إن الابتزاز مرفوض، غامزاً من قنوات بعض المؤسسات الاعلاميّة التي رضخت لضغوط «سبينس». والحال، أن هذه تصريحات نحاس، فيما لم يبتّ القضاء شيئاً بعد، ولم يصدر أحكامه. أما الحكم الذي يطالب به نحاس، فهو «أن يساق هذا الشخص إلى السجن». وهذا الشخص، كما يعرف الجميع، يتعدى كيان مايكل رايت. هذا الشخص هو النظام السياسي اللبناني بأسره، الذي يبدو تغييره ضرباً من المزاح في الوقت الحالي.

 

 

لا يختلف العيد الـ89 للحزب الشيوعي كثيراً عن السنوات القليلة الماضية، سوى أن كثيرين من شيوعيي الشمال لم يستطيعوا القدوم إلى بيروت بسبب الحرب المستعرة في طرابلس. على المدخل الرئيسي للقاعة، يرمي عدد من الشيوعيين الشباب، كلٌّ بملاحظاته، عن وجه الشبه بين العيد العام الماضي في أنطلياس، وهذا العام. تُرى، ما الذي يدفع هؤلاء إلى القدوم كلّ عام في هذه المناسبة من البقاع والجنوب وبيروت والمتن، إلى احتفال مركزي، يسمعون فيه الخطب ذاتها ويرون أغلب الوجوه القديمة على قدمها؟ بل لماذا يبقون على التزامهم في «حزب الشعب» و«حزب الفقراء»، فيما التزم «الفقراء» و«الشعب» في أحزاب الطوائف والمذاهب؟ الجواب حاضر عند هؤلاء، «هذا حزبنا، عليه تربينا، وعليه سنربي أولادنا، وسواء كنا خارج التنظيم أو داخله، لا نخرج من الحزب». ببساطة، العيد يأتي بالجميع، طبعاً أولئك الذي لم يبتعدوا عن الحزب إلى توجهات سياسية أخرى. الحادية عشرة والربع، يقف الشيوعيون وضيوفهم تحية للنشيد الوطني اللبناني، ثم نشيد حزبهم. ترى شباناً وشابات، نساءً ورجالاً وأطفالاً ومسنين، تحركهم الحماسة، يزنّرون أعناقهم بالفولارات الحمراء المدموغة بالمنجل والمطرقة الذهبية والكوفيات الفلسطينية، يرفعون أياديهم اليسرى ويؤرجحونها على وقع النشيد. وإلى القاعة، يصل من الخارج صوت الشيوعيين الذين لم تتسع القاعة لهم، فجلسوا على أدراج الدخل، يرددون النشيد. يفرغ عريف الحفل وليد نعوس من الترحيب بممثلي الرئيس نبيه بري والنائب ميشال عون والسيد حسن نصر الله والأحزاب الوطنية اللبنانية والفلسطينية، ثم يذكر عدداً من البرقيات التي وردت إلى الحزب من فروع الأحزاب الشيوعية في العالم المهنئة بالعيد، والمعزية برحيل المناضل محمد دكروب. ما إن يذكر نعوس ممثل الرئيس أمين الجميّل حتى يبدي الحاضرون أصواتاً توحي بالتململ. طبعاً، في كلّ مرة يذكر فيها عريف الحفل ومن بعده رئيس الحزب، جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية، تلتهب القاعة بالتصفيق الحار. ليست جبهة المقاومة وحدها تنال التصفيق، نصر الله أيضاً تلتهب القاعة عند ذكر اسمه. بعد عريف الحفل، يعتلي الأمين العام للحزب خالد حدادة المسرح، ويوافيه من الزاوية اليمنى خليفة، ليقدم الثنائي بعدها لتتيانا دكروب درعاً تكريمية لوالدها. تأخذ تتيانا الكلام، فتشكر الحزب على تكريم والدها، وتذكر من كتب وأعد التقارير عن والدها في الإعلام بعد رحيله أن يسأل عائلته رأيها في تفاصيل حياة الرجل، «محمد دكروب بقي منتجاً مادياً ومعنوياً إلى آخر يومٍ في عمره». أكثر من ثلث ساعة، يستفيض فيها حدادة شرحاً وتفصيلاً عن الواقع اللبناني المرير، ثمّ يمرّ مرور الكرام على أزمات سوريا ومصر العالم العربي. تنصت غالبية القاعة إلى ما يقوله حدادة، فيما تتسلل قلّة ممن ملّ من الخطابات والمواقف ذاتها لفنجان قهوة من الإكسبرس عند مدخل «أريسكو». يصل صوت حدادة إلى الخارج، عن «انهيار الطبقة الحاكمة بعد أن جلبت على لبنان الحروب وحكومات الفساد وأورثت المواطنين الفقر والجوع ومزقتهم طائفياً ومذهبياً»، ويؤكد أن «هذه الطبقة لا يمكن أن تكون الحل، بل المطلوب بناء دولة وطنية ديموقراطية علمانية مدنية بعيدة عن الاصطفافات المذهبية». وما إن يذكر هيئة التنسيق النقابية والوزير السابق شربل نحاس حتى يعلو التصفيق. أمر أساسي آخر يهمّ الشيوعيين، هو تحديد موعد للمؤتمر العام للحزب. فما إن أعلن حدادة أن «قيادة الحزب دعت المجلس المركزي للحزب الشيوعي إلى الانعقاد لصياغة برنامج نضالي متكامل في المؤتمر الحادي عشر للحزب، والمطلوب هو إشراك الشيوعيين الديموقراطيين في صياغة وثائق المؤتمر»، حتى بدأ عدد من الشباب بالتساؤل عن موعد المؤتمر العام، «تأجل المؤتمر من شباط الماضي إلى حزيران، ثم إلى تشرين الأول الحالي ولم يعقد، وما قاله الأمين العام الآن هو تأجيل مبهم، لا نعرف السبب، لكن الحزب بحاجة إلى بلورة مشروعه وتجديد كوادره لمواجهة المرحلة المقبلة». وبالإضافة إلى موعد المؤتمر، ردّد الشيوعيون أن الطرح السياسي الذي تنتهجه القيادة الحالية يحمل الكثير من التأويل لموقف الحزب من التطورات الحالية، وخصوصاً في ما يتعلّق بالأزمة السورية، «هل نحن مع الثورة أو ضد الثورة؟ هل نحن مع الجيش السوري أو ضده؟ ماذا عن العلاقة مع حزب الله؟ هناك ما يفرقنا عن الحزب في القضايا الطائفية، لكن ما يجمعنا في موضوع المقاومة كبير ومهم، ألا يستأهل الأمر مناقشة ودراسة لتحديد شكل أوضح للعلاقة مع حزب الله؟ الحزب يحتاج إلى المؤتمر لإعادة الشيوعيين الجالسين في بيوتهم على عناوين سياسية وتنظيمية واضحة». في ختام الحفل، وزّع حدادة 117 درعاً لشيوعيين أمضوا أكثر من ستين عاماً في الحزب، بعضهم حضر رغم كبر سنّه، وبعضهم تولى مسؤولو المناطق والأقارب إيصال الدرع إليه.

 

gam30

بسام القنطار

مع دخول جورج عبدالله عامه الثلاثين في السجون الفرنسية، ينتظر أن يصدر في 4 تشرين الثاني المقبل تقرير مفصل حول وضعه عن فريق العمل المعني بالاعتقال التعسفي في الأمم المتحدة. وكانت الحملة الدولية المطالبة بإطلاق سراح عبدالله ومركز الخيام لتأهيل ضحايا التعذيب قد تقدما بشكوى أمام هذا الفريق بعدما رفضت السلطات الفرنسية ترحيل عبدالله إلى لبنان في كانون الثاني الماضي، رغم صدور قرار قضائي بإطلاقه. وأصدر فريق من خبراء الأمم المتحدة المعنيين بالاعتقال التعسفي، في الدورة الـ67 التي عقدت في جنيف في آب الماضي، تقريراً حول جورج عبدالله.

لكن التقرير بقي سرياً حتى 18 الشهر الجاري عندما أرسل إلى الحكومة الفرنسية على أن يسلم بعد أسبوعين إلى الجهة التي تقدمت بالشكوى وفق الآلية الإجرائية المعتمدة من قبل الأمم المتحدة. ويرى الفريق المعني بالاحتجاز التعسفي أن الحرمان من الحرية إجراء تعسفي إذا اتضحت استحالة الاحتجاج بأي أساس قانوني لتبرير الحرمان من الحرية مثل إبقاء الشخص رهن الاحتجاز بعد قضاء مدة عقوبته. ويعد تقديم شكوى ضد فرنسا أمام هذه الآلية الإجرائية في الامم المتحدة سابقة. فلقد أنشئ فريق الأمم المتحدة المعني بالاعتقال التعسفي عام 1991، بمبادرة من فرنسا التي ترأسته من عام 1991 إلى 1997، بموجب القرار 1942/91 للجنة حقوق الإنسان. وشهدت نهاية الأسبوع الماضي حملة تضامن واسعة مع عبدالله بالتزامن مع ذكرى اعتقاله. واحتشد قرب سجن لانميزان في منطقة البيرينيه، حيث يحتجز، قرابة 360 شخصاً، أول من أمس، قدموا من مختلف المناطق الفرنسية ويمثلون أكثر من ستين منظمة ومجموعة تنشط من أجل إطلاق سراحه. وحمل المتظاهرون لافتات كُتب عليها: «الحرية الآن» و«ثلاثون عاماً تكفي، حرّروا جورج»، كما وقف ثلاثون ناشطاً بالقرب من جدار السجن حاملين صور عبدالله في دلالة على عدد السنوات التي قضاها في الأسر. وفي مقاطعة بو حيث تعيش الأغلبية الاوكستانية، حاولت مجموعة من الناشطين احتلال مقر الحزب الاشتراكي الحاكم تضامناً مع جورج عبدالله حيث احتجزت الشرطة ثمانية نشطاء. وفي الأرجنتين، نُظّمت وقفة تضامنية أمام السفارة الفرنسية بدعوة من حملة التضامن النوعية التي تشهدها تلك البلاد تضامناً مع من بات يوصف بانه أقدم سجين سياسي في أوروبا. وفي بيروت، نفذت الحملة الدولية للإفراج عن عبدالله اعتصاماً أمس أمام مقر السفارة الفرنسية. وأقفلت القوى الامنية كافة المداخل المؤدية الى السفارة ووضعت حاجزاً حديدياً وعناصر مكافحة الشغب عند مدخل السفارة، رغم عدم وجود السفير دوني بييتون أو أي من الدبلوماسيين الفرنسيين في المقر. ورفع المعتصمون أعلاماً حمراء تحمل صور عبدالله، كما رفعت صورة تسخر من الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند الذي تحتجز حكومته الأسير عبدالله منذ قرابة ستة أشهر رهينة بعد أن صدر حكم قضائي بالإفراج عنه مطلع السنة الجارية. روبير عبدالله أكد باسم المعتصمين أنه منذ صدور قرار محكمة التمييز الفرنسية في 4 نيسان الماضي «تحول جورج الى رهينة بعد أن مارست الإدارة الفرنسية كل أساليب التحايل على القانون من أجل تعطيل قرار إطلاقه الصادر عن محكمة تنفيذ الأحكام، وشهرت بقيادة (وزير الداخلية الفرنسي) الصهيوني مانويل فالس قوة القهر عارية بوجه هذا المناضل وحولته إلى مخطوف ومارست بحقه ما تمارسه أي عصابة». وكان عدد من النواب الفرنسيين قد وجهوا رسالة مفتوحة إلى هولاند طالبوا فيها بالإفراج عن عبدالله، ووصفوا رفض طلب ترحيله الى لبنان بالمشين، مطالبين هولاند «بإنهاء هذا الظلم واتخاذ إجراءات أياً كانت الضغوط الخارجية من أجل الإفراج عنه وعودته إلى لبنان». وأكد عبدالله أن «موقف النواب المنتخبين خير دليل على أن الإدارة الفرنسية لم تسقط فقط مفاهيم العدالة واستقلالية القضاء، بل إنها أسقطت أيضاً كل مفاهيم الديمقراطية». ولفت إلى أن الحملة الدولية المطالبة بإطلاقه ستعلن قريباً «سلسلة تحركات جديدة ستفوق بكثير التحركات السابقة».

مثل 3 طلاب من اصل 4 امام لجنة التحقيق في الجامعة اللبنانية الاميركية امس. وتغيّب الرابع لاسباب تتصل بظروف عمله الخاص. تزامنت التحقيقات مع وقفة تضامنية نفّذتها مجموعة من الطلاب امام مبنى الـ«ايروين» لمؤازرة زملائهم والتعبير عن وقوفهم صفاً واحداً معهم. المعروف ان ادارة الجامعة احالت الطلاب الاربعة على لجنة تحقيق بتهمة خرق «شرعة المبادئ»، التي تنص على معاقبة كل من يُقدم على تعطيل الصفوف. وكان هؤلاء الطلاب قد دخلوا الى الصفوف بعد استئذان الاساتذة فيها لدعوة زملائهم إلى المشاركة في التحركات الرامية الى اسقاط قرار الجامعة بزيادة الاقساط. وبحسب المعلومات، تشكلت لجنة التحقيق من عميد الطلاب في بيروت، نائبة رئيس الجامعة، عميد الطلاب في جبيل (عبر سكايب)، ومسؤولة الشؤون القانونية في الجامعة. وقد استجوبت اللجنة كل طالب على حدة. وقال المستجوَبون ان الاسئلة كانت موضوعية الى حد كبير، اذ جرى حصرها بالتهمة من دون التطرق الى ظروف التحرّك واسبابه وتداول وسائل الإعلام قضية الطلاب واجراءات الجامعة. وقال احد الطلاب ان التهمة الوحيدة التي وجّهت اليه تتمثل بتعطيل أعمال الصفوف. وبناءً على طلب اللجنة من كل طالب اعادة تمثيل الواقعة، قدّم الطلاب الثلاثة الرواية نفسها لما جرى، اذ «توجه كل منا الى صفوف محددة، دخلناها بعد أن استحصلنا على موافقة من الأستاذ المحاضر، لم يبد أي من الأساتذة اعتراضه، وعندها lauتحدثنا مع الطلاب، شارحين أهداف الحراك، في محاولة منا لإقناعهم بمشاركتنا الاضراب». وقد سئل الطلاب أيضاً عن مدى اطلاعهم على قوانين الجامعة، وعن تبعات «الجرم» الذي ارتكبوه. الحجة القانونية لدى ادارة الجامعة لاتخاذ اجراء يعاقب الطلاب الأربعة، اعتبرها الطلاب ضعيفة للغاية، فعلى افتراض انهم كانوا على معرفة بالنصوص القانونية في الجامعة (وهذا ما لم يطلع عليه أي من الطلاب إلا بعد أن حجزت بطاقاتهم)، فإن المادة السابعة من فقرة «قواعد السلوك» تنص صراحة على معاقبة من يقوم بتعطيل عمل الصفوف قسراً، أي عبر دخول الصفوف بالقوة واجبار الطلاب على مغادرتها، أو عدم السماح للطلاب بالدخول اليها. وهذا ما تنفيه الوقائع التي يؤيدها الاساتذة الذين كانوا في الصفوف والذين يفترض انهم مطلعون على قوانين الجامعة، والا لما سمحوا للطلاب بالدخول الى صفوفهم، وبالتالي يُصنّف ما قام به الطلاب في خانة «مقاطعة الصفوف» بشكل سلمي (بعد أخذ الاذن من الأساتذة) وهذا ما لا يعاقب عليها أي نص قانوني في الجامعة. على اي حال، ستظهر نتائج التحقيق خلال يوم أو يومين في حد أقصى. وعندها لكل حادث حديث، يقول الطلاب.

مجتمع واقتصاد