تظاهرت مجموعات من اللبنانيين خلال شهر آذار الماضي، قدر البعض أعدادهم ببضعة آلاف والبعض الآخر، في لحظة تفاؤل، بعشرات آلاف، ولهم مطلب واحد هو: «الشعب يريد إسقاط النظام الطائفي». وترافقت المسيرات مع اعتصام مفتوح لعدد من الشابات والشباب أمام كل من حديقة الصنائع ووسط مدينة بيروت.وربما ينجح المحتجون في تحقيق مطلبهم، وربما يفشلون، ولكن الهدف الذي يسعون إليه هو هدف كبير وصعب التحقيق لأنه لا يعني إلغاء أو تعديل قانون واحد، واتخاذ قرار أو تدبير معين، بل يمكن أن يعني إلغاء لبنان القائم في العام 1920، وإعادة بنائه من جديد. فالطائفية والنظام الطائفي ولبنان صنوان. وفي ما يلي، عرض لنشوء النظام الطائفي وأعداد الطوائف والمكامن الأساسية للنظام الطائفي. نشوء النظام الطائفي منذ إنشاء كيان جبل لبنان في القرن السادس عشر والطائفية هي الركن الأساسي، ففي العام 1516 بدأت الأسرة المعنية (درزية) بتحقيق زعامتها عبر استقلال نسبي عن السلطنة العثمانية التي كانت تسيطر على الشرق ومناطق كثيرة في العالم. ومن بعدها في العام 1697 انتقل الحكم إلى الشهابيين الذي استمروا حتى العام 1842. وفي تلك المرحلة استخدمت الدول الكبرى، لا سيما العثمانية والبريطانية والفرنسية، كلا من الطائفتين الأساسيتين المارونية والدرزية في صراعاتهما. ونتيجة تلك الصراعات تم في العام 1843 تقسيم جبل لبنان، والذي كانت مساحته نحو 5400 كيلومتر مربع، إلى منطقتين أو ما أطلق عليه قائمقاميتين:÷ قائمقامية شمالية للمسيحيين يحكمها حاكم مسيحي ويبلغ عدد سكانها 74,700، نسمة يتوزعون: 56,580 مارونياً، 10,150 درزياً، 6,720 كاثوليكياً، 1,250 ارثوذكسياً.÷ قائمقامية جنوبية للدروز يحكمها حاكم درزي ويبلغ عدد سكانها 63,590 نسمة يتوزعون: 25,450 درزياً، 17,350 مارونياًً، 15,590 كاثوليكياً، 5,200 ارثوذكسياً.لم يكن هذا التقسيم حلا بل كان سبباً للحروب والنزاعات خاصة في ظل تنوع التركيبة الطائفية في كل قائمقامية والتدخلات الخارجية. وبلغت الحروب ذروتها في العام 1860، وبغية وضع حد للحرب تم إلغاء نظام القائمقاميتين وإنشاء نظام آخر هو نظام المتصرفية الذي قلص إلى مساحة إلى 3500 كيلومتر مربع. كما قضى باعتماد لبنان ولاية واحدة يحكمها متصرف مسيحي يعينه السلطان العثماني، ويعاون المتصرف مجلس إدارة من 12 عضواً يمثلون الطوائف المكونة للمتصرفية (4 موارنة، 3 دروز، 3 روم كاثوليك، 1 مسلم سني، 1 مسلم شيعي) كما ادخل هذا النظام الطائفية في القضاء والمحاكم بحيث كرس مبدأ الطائفية في الانتخابات والتعيينات وفي القضاء ايضاً. دولة لبنان الكبير بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى في العام 1918 وهزيمة الدولة العثمانية، تم وضع لبنان تحت انتداب فرنسا. وفي الأول من شهر أيلول (سبتمبر) 1920 أعلن المندوب السامي الفرنسي الذي كان يحكم لبنان آنذاك، الجنرال غورو، ولادة دولة لبنان الكبير بعد مخاض عسير حول حدود الدولة التي باتت ما هي عليه حاليا من حيث التركيبة السكانية والطائفية، والمساحة، أي نحو 10,500 كيلومتر مربع.كان مشهد الإعلان طائفياً ومؤشراً على هوية الكيان الجديد، سواء بحضور البطريرك الماروني والمفتي المسلم أو بالكلمة التي ألقاها الجنرال الفرنسي، والتي جاء فيها «... أمام الشعب الذي يجمع سائر الأديان التي يظللها جبل لبنان، هذه الأديان التي كانت بالأمس متجاورة وصارت اليوم متحدة ضمن وطن قوي بماضيه عظيم بمستقبله... وفي حضور السلطات اللبنانية، أبناء أهم العائلات العريقة، الزعماء والروحيين من مختلف الطوائف والأديان وعلى رأسهم جميعاً أحيي بفائق الاحترام البطريرك الكبير للبنان (حويك) الذي نزل من جبله لهذا اليوم المجيد..»ووضع دستور الدولة في 23 أيار 1926 مكرساً الطائفية وانتماء المواطن إلى طائفة وليس إلى وطن من خلال نصوص المواد الدستورية. نظام الطوائف إبان الانتداب الفرنسي، قام الحاكم الفرنسي دي مارتيل بإصدار القرار الرقم 60 تاريخ 13 آذار 1936 الذي اعترف بوجود الطوائف وكرس وجودها بشكل قانوني وهذه الطوائف هي:الطوائف المسيحية وعددها 12 طائفة وتضم: الموارنة، الروم الأرثوذكس، الروم الكاثوليك، الأرمن الأرثوذكس، الأرمن الكاثوليك، السريان الأرثوذكس، السريان الكاثوليك، الأشوريين الأرثوذكس، الكلدان، اللاتين، الإنجيليين (اعترف بهم في العام 1951)، والأقباط الأرثوذكس (وقد تم الإعتراف بهذه الطائفة في تموز من العام 1966).الطوائف الإسلامية وعددها 5 طوائف وتضم: السنة، الشيعة، الدروز، العلويين، والإسماعيليين.الإسرائيليون. الطائفية في الدستور يتضمن الدستور اللبناني العديد من المواد التي تكرس النظام الطائفي وتميّز بين اللبنانيين على أساس طائفي وهذه المواد هي: المادة التاسعة حرية الاعتقاد مطلقة والدولة بتأديتها فروض الإجلال لله تعالى تحترم جميع الأديان والمذاهب وتكفل حرية إقامة الشعائر الدينية تحت حمايتها على ألا يكون في ذلك إخلال في النظام العام وهي تضمن أيضاً للأهلين على اختلاف مللهم احترام نظام الأحوال الشخصية والمصالح الدينية. المادة العاشرة التعليم حر ما لم يخل بالنظام العام أو يناف الآداب أو يتعرض لكرامة احد الأديان أو المذاهب. ولا يمكن أن تمس حقوق الطوائف من جهة إنشاء مدارسها الخاصة، على أن تسير في ذلك وفاقاً للأنظمة العامة التي تصدرها الدولة في شأن المعارف العمومية.المادة التاسعة عشرة (المعدلة بالقانون الدستوري الصادر في 17/10/1927 وبالقانون الدستوري الصادر في 21/9/1990).ينشأ مجلس دستوري لمراقبة دستورية القوانين والبت في النزاعات والطعون الناشئة عن الانتخابات الرئاسية والنيابية. يعود حق مراجعة هذا المجلس في ما يتعلق بمراقبة دستورية القوانين إلى كل من رئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب ورئيس مجلس الوزراء او إلى عشرة أعضاء من مجلس النواب،والى رؤساء الطوائف المعترف بها قانوناً في ما يتعلق حصراً بالأحوال الشخصية، وحرية المعتقد وممارسة الشعائر الدينية، وحرية التعليم الديني.المادة الثانية والعشرون (الملغاة بموجب القانون الدستوري الصادر في 17 ـ 10 ـ 1927 والمنشأة بموجب القانون الدستوري الصادر في 21 ـ 9 ـ 1990).مع انتخاب أول مجلس نواب على أساس وطني لا طائفي يستحدث مجلس للشيوخ تتمثل فيه جميع العائلات الروحية وتنحصر صلاحياته في القضايا المصيرية.المادة الرابعة العشرون (المعدلة بالقانون الدستوري الصادر في 17 - 10 - 1927 وبالقرار 129 تاريخ 18 - 3 - 1943 وبالقانون الدستوري الصادر في 21 - 1 - 1947 وبالقانون الدستوري الصادر في 21 - 9 - 1990)يتألف مجلس النواب من نواب منتخبين يكون عددهم وكيفية انتخابهم وفاقاً لقوانين الانتخاب المرعية الإجراء والى ان يضع مجلس النواب قانون انتخاب خارج القيد الطائفي، توزع المقاعد النيابية وفقاً للقواعد الآتية:أ ـ بالتساوي بين المسيحيين والمسلمينب ـ نسبياً بين طوائف كل من الفئتينج - نسبياً بين المناطقوبصورة استثنائية، ولمرة واحدة، تملأ بالتعيين دفعة واحدة وبأكثرية الثلثين من قبل حكومة الوفاق الوطني، المقاعد النيابية الشاغرة بتاريخ نشر هذا القانون والمقاعد التي تستحدث في قانون الانتخاب، تطبيقاً للتساوي بين المسيحيين والمسلمين، وفقاً لوثيقة الوفاق الوطني. ويحدد قانون الانتخاب دقائق تطبيق هذه المادة.المادة الخامسة والتسعون (المعدلة بالقانون الدستوري الصادر في 9 - 11 - 1943 وبالقانون الدستوري الصادر في 21 - 9 - 1990).... وفي المرحلة الانتقالية:أ- تمثل الطوائف بصورة عادلة في تشكيل الوزارة.ب-تلغى قاعدة التمثيل الطائفي ويعتمد الاختصاص والكفاءة في الوظائف العامة والقضاء والمؤسسات العسكرية والأمنية والمؤسسات العامة والمختلطة وفقاً لمقتضيات الوفاق الوطني، باستثناء وظائف الفئة الأولى فيها وقي ما يعادل الفئة الأولى فيها وتكون هذه الوظائف مناصفة بين المسيحيين والمسلمين دون تخصيص أي وظيفة لأية طائفة مع التقيد بمبدأي الاختصاص والكفاءة. الدولة تمول النظام الطائفي أ- أنظمة الأحوال الشخصية وتمويل المحاكم الروحيةلا يخضع اللبنانيون لنظام موحد للأحوال الشخصية بل لكل طائفة من طوائفه نظام الأحوال الشخصية الخاص بها يخضع له أتباعها (يمكنهم تبديل مذهبهم والانتقال إلى مذهب آخر وإتباع إحكامه) وتقوم الدولة برعاية عمل هذه المحاكم من تمويل وتجهيز والسهر على تنفيذ إحكامها من خلال المؤسسات الحكومية من مدنية وعسكرية وترصد الحكومة في الموازنة العامة نفقات هذه المحاكم، وتبعاً لأرقام مشروع قانون موازنة العام 2010 فقد بلغت هذه النفقات نحو 14.7 مليار ليرة موزعة كما يلي:÷ المحاكم الشرعية السنية: 4,302 مليون ليرة÷ المحاكم الشرعية الجعفرية: 4,450 مليون ليرة÷ المحاكم المذهبية الدرزية: 1,200 مليون ليرة÷ المحاكم الروحية المسيحية 4,740 مليون ليرة.ب ـ تمويل الهيئات الروحية الإسلاميةتخصص الدولة ضمن الموازنة العامة سنوياً اعتمادات كنفقات للسلطات الدينية الإسلامية في حين لا تخصص أي مخصصات للسلطات الدينية المسيحية وهذا يشكل من جهة دعماً للنظام الطائفي ومن جهة أخرى خلالاً وعدم توازن إذ ان المواطن اللبناني المسيحي سيدفع ضرائب ورسوم لتمويل أشغال ونفقات مؤسسات دينية تختلف عن ديانتها. وقد وصلت الأموال المخصصة لتمويل هذه الهيئات إلى نحو 4.9 مليارات ليرة تبعاً لمشروع قانون موازنة العام 2010 موزعة كما يلي:÷ دوائر الإفتاء: 1,464 مليون ليرة÷ المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى: 888 مليون ليرة÷ الإفتاء الجعفري: 1,420 مليون ليرة÷ مشيخة عقل طائفة الموحدين الدروز: 358 مليون ليرة.÷ المجلس الإسلامي العلوي: 782 مليون ليرةج- تمويل المدارس الخاصة المجانيةإلى جانب المدارس الرسمية التي تمولها الدولة والمدارس الخاصة غير المجانية التي يمولها أهالي الطلاب، هناك المدارس الخاصة المجانية التي تحصل على مساهمة من الأهالي ومساهمة من الدولة.هذه المدارس هي مدارس خاصة ابتدائية خارجية لا تشمل مرحلة الروضة ولا المرحلة المتوسطة وما بعدها (أي من الأول أساسي وحتى السادس أساسي) وهي على نوعان:÷ مدارس مرخص بها لهيئات دينية أو لمؤسسات أو لجمعيات معترف بها قانونياً ومن أهدافها نشر العلم على ان لا تتوخى الربح.÷ مدارس مرخص بها لأفراد وقدم طلب الترخيص بها قبل الأول من تشرين الأول 1964واستناداً إلى دليل المدارس الصادر عن المركز التربوي للبحوث والإنماء يبلغ عدد هذه المدارس 369 مدرسة تضم 126,812 طالباً منها 289 مدرسة ملك لمؤسسات دينية.وتتقاضى كل مدرسة مساهمة من الدولة عن كل تلميذ مسجل لديها مقدارها %135 - 160 % من الحد الأدنى للأجور أي 675 ألف-800 ألف ليرة. وقد بلغت مساهمة الدولة في نفقات هذه المدارس (الخاصة المجانية التابعة لهيئات دينية) نحو 37-40 مليار ليرة سنوياً، كما تتقاضى مساهمة من الأهالي حدها الأقصى 150 في المئة من الحد الأدنى للأجور (أي 750 ألف ليرة).د- إعفاء الطوائف من الضرائب والرسومصدر القانون الرقم 210 تاريخ 26 أيار 2000 والذي نص «على إعفاء كل طائفة معترف بها قانوناً وكل شخص معنوي ينتمي إليها بحكم القانون، قبل صدور هذا القانون، من جميع الضرائب المباشرة وغير المباشرة والرسوم والعلاوات التي تستفيد منها قانوناً المؤسسات العامة». أي اعتبر القانون المؤسسات التابعة للطوائف بمثابة المؤسسات الحكومية.هـ- تعاقد الوزارات مع الجمعيات الاجتماعية الدينيةتتعاقد سنوياً كل من وزارة الصحة العامة ووزارة الشؤون الاجتماعية مع العشرات من الجمعيات والمؤسسات الدينية الإسلامية والمسيحية التي تعمل في مجال الخدمة الاجتماعية (كمستشفيات، مأوى عجزة، مستوصفات، توزيع أدوية، رعاية أيتام ومعاقين) بحيث تحل هذه المؤسسات مكان الدولة، ويستفيد المواطن من خدماتها فتشده إلى الانتماء الطائفي للاستفادة منها لكن الدولة هي الممول الفعلي لتقديماتها.وتقدر المبالغ التي تستفيد منها هذه المؤسسات بنحو 175 - 200 مليار ليرة سنوياً.و ـ الجمعيات ذات المنفعة العامةتصدر عن مجلس الوزراء مراسيم تعتبر بعض الجمعيات، ومعظمها تابع لمؤسسات دينية، جمعيات ذات منفعة عامة ما يمكن هذه الجمعيات من الاستفادة من العديد من المنافع والمزايا المحددة بموجب المرسوم الاشتراعي الرقم 87 تاريخ 30 - 6 - 1977 وتعديلاته. ومن هذه المنافع والمزايا:÷ الاستفادة من المساعدات والإعانات التي تمنحها الدولة والبلديات والمؤسسات العامة÷ الإعفاءات المقررة للمؤسسات العامة من الضرائب والرسوم.÷ تعتبر الهبات والمساعدات التي تقدمها للمؤسسات ذات المنفعة العامة، المؤسسات والأفراد الخاضعون لضريبة الدخل، كأعباء قابلة للتنزيل من الربح الخاضع لضريبة الدخل.÷ لا تخضع الهبات التي تقدم للمؤسسات ذات المنفعة العامة والوصايا المحرر لمصلحتها لرسم الانتقال أو لأي ضريبة أو رسم آخر بما فيها الرسوم البلدية.ح- تمويل النظام الاقتصادي المقنّع طائفياً من الداخل والخارجتحت ستار الطائفية وهواجسها، تم إنشاء نظام اقتصادي ازداد تعقيداً مع الزمن وبلغ ذروته خلال الحرب الأهلية بلعبة الدم والدمار وازداد تعقيداً ومتانة بعد الطائف. فجاءت المجالس، من مجلس الجنوب إلى مجلس الإنماء والإعمار، إلى صندوق المهجرين تجسيداً لهذه الحالة. ومثلها، ما يسمى الدعم الحالي لهذه الزراعة أو تلك الصناعة بشكل مباشر أو عبر حوافز معينة إضافة إلى مسألة التوظيف والترقية، ليس فقط في القطاع العام، بل وفي القطاع الخاص والجامعات. وهكذا، توجد مستشفيات وجامعات ومصارف وتيارات سياسية ممولة من المجتمع حاملة شعار الطائفة لكنها في الواقع شبكة من المصالح الاقتصادية لأفراد وشخصيات وشركات محدودة، تلجأ حين تهدد مصالحها إلى «الطائفة»، لتحمي كيانها الحالي. وتزداد الأمور تعقيداً بسبب التدخل الخارجي عبر الضغوطات السياسية والعسكرية والتدفقات المالية. محاولات وتمنيات ربما يكون من المفيد للشباب الناشط والمنادي «بإسقاط النظام الطائفي»، أن يعود لتاريخ بلاده فيستوحي ويستفيد من نساء ورجال وأحزاب حاولوا مثلهم.وكانت هناك محاولات عدة، أهلية وسياسية ورسمية، لإلغاء الطائفية ومعظمها تمحور حول قانون مدني اختياري للأحوال الشخصية والبعض توسع وقدم اقتراحات تتناول قانون الانتخابات النيابية وشطب ذكر المذهب في القيود ولكن القاسم المشترك بين هذه المحاولات جميعها هو الفشل وعدم الوصول إلى غايتها ما عدا تحريكها لقسم من الرأي العام لفترة وجيزة من الوقت.فمن احمد فارس الشدياق في القرن التاسع عشر إلى أنطون سعاده والحزب الشيوعي اللبناني وجبران خليل جبران في أوائل القرن العشرين إلى غريغوار حداد وليندا مطر مروراً بالجبهة الاشتراكية والتي نادت بزعامة كمال جنبلاط وكميل شمعون والحزب السوري القومي الاجتماعي وغيرهم «بنظام مدني للأحوال الشخصية» وذلك في العام 1951، استمر النظام الطائفي الاقتصادي بالتجذر واستمر الكلام عن تغييره.ومن ابرز تلك المحاولات:1 ـ أقدم «المندوب السامي الفرنسي» موريس سراي في شهر كانون الثاني 1925 على حل المجلس التمثيلي وقرر اعتماد العلمنة بغية كسر نفوذ رجال الدين واعتماد قانون جديد للانتخابات يلغي توزيع المقاعد وفقاً للتركيبة الطائفية. وصدر مشروع القرار خلال آذار 1925 وكانت ردات فعل عديدة عليه. وأقصى الانتقادات للمشروع جاءت من البطريركية المارونية، وتعرض سراي لضغوط من حكومته أرغمته في حزيران 1925 التراجع عن قراره والعودة إلى نظام الانتخابات الطائفي. وترك سراي مهامه كمفوض سامي في تشرين الثاني 1925 من دون ان يحقق رغبته.2 - إبان اندلاع الحرب اللبنانية التي استعر خلالها نيران الطائفية، عمدت مجموعات من اللبنانيين في العام 1976 إلى شطب المذهب عن بطاقات هويتهم. وكان ذلك تعبيراً عن رفض للنظام الطائفي من دون أن يتكرس هذا الشطب بصورة قانونية.3 - يقول رئيس الجمهورية السابق المرحوم الياس الهراوي في كتابه عودة الجمهورية من الدويلات إلى الدولة التالي: « إلغاء الطائفية في لبنان حلم راودني منذ شبابي وزاد اقتناعي بأهميته عندما بدأت أتعاطى الشأن العام، ولمست كم الطائفية تحول دون إمكان بناء دولة حديثة على الكفاية والنزاهة وتكافؤ الفرص بين جميع أبناء الوطن وكون تحقيق الحلم دفعة واحدة من المستحيلات في بلد كلبنان جعلني أتساءل لماذا لا يكون الزواج المدني مقدمة لإلغاء الطائفية في المستقبل».وقدم الرئيس الهرواي إلى جلسة مجلس الوزراء بتاريخ 5 شباط 1998 (أي قبل نحو 9 أشهر من انتهاء ولايته في 24 تشرين الثاني 1998) مشروع قانون اختياري للأحوال الشخصية.ويورد الرئيس الهراوي في كتابه المذكور: في الثامن عشر من آذار 1998 وفي أجواء متشنجة عقد مجلس الوزراء جلسة تميزت بصخبها نظراً إلى الجدل الذي قام بيني وبين رئيس الحكومة (رفيق الحريري) الذي حاول دون جدوى إقناعي بتأجيل طرح مشروع القانون ...»وقد نال المشروع موافقة 21 وزيراً وعارضه الرئيس الحريري وخمسة وزراء وامتنع الوزير سليمان فرنجية عن التصويت معتبراً ان توقيته غير ملائم، وتغيب عن الجلسة وزيران وليد جنبلاط واغوب دميرجيان لكن الرئيس الحريري رفض توقيع مرسوم إحالة المشروع على مجلس النواب، وحصلت تحركات شعبية ضد المشروع .. وكان الاعتراض لدى الطوائف المسيحية اقل عنفاً مما كان لدى الطوائف الإسلامية ..»قد تكون المظاهرات إحدى الوسائل لإسقاط النظام الطائفي لكن يجب على المتظاهرين وكل من يطالب بإسقاط هذا النظام أن يدرك مدى تجذره وانخراطه في الدولة بل وخدمة الدولة له والعمل على رعايته وتمويله ليحل مكانها في العديد من المواقع في حياة الناس. فتعديل «المواد الطائفية» من الدستور، وإلغاء نظام الأحوال الشخصية واعتماد نظام موحد، ووقف تمويل الجمعيات الاجتماعية الدينية وإعادة الأمر إلى الدولة وإلغاء القوانين التي ترعى الحالة الطائفية سواء في التعيينات القضائية أو في الانتخابات كلها مقدمات أساسية لإلغاء النظام الطائفي والتأسيس لما درجنا على تسميته «إلغاء الطائفية من النفوس». أعداد اللبنانيين تبعاً للطائفة يبلغ عدد اللبنانيين المسجلين (مقيمين ومهاجرين) نحو 4.8 ملايين نسمة، 34.8 % منهم مسيحيون و65.1 % مسلمون و0.08 % إسرائيليون.ويتوزعون كما يلي:- موارنة:927 ألفاً- روم أرثوذكس: 324 ألفاً- روم كاثوليك: 210 آلاف- أرمن أرثوذكس: 108 آلاف- أرمن كاثوليك: 24 ألفاً- إنجيليون: 22 ألفاً- سريان أرثوذكس: 20 ألفاً- سريان كاثوليك: 13 ألفاً- لاتين: 15 ألفاً- كلدان: 4 آلاف- أقباط: 180- سنة: 1.41 مليون- شيعة: 1.41 مليون- دروز: 263 ألفاً- علويون: 43 ألفاً- إسرائيليون: 4 آلافملاحظة: هذه أرقام غير رسمية لأنّ الإحصاء الأول الوحيد الرسمي جرى في العام 1932.
ذُهل مازن، وهو مسؤول دمث في تيار محلّي ، من جواب موسى قاسم، فانبرى يعبّر عن ذهوله بابتسامات ماكرة وجمل اعتراضية: «يا رجل، تريد المشاركة في تلك المسيرة التي شارك فيها شباب من «حركة أمل؟»، معقول؟». قطّب موسى، الميكانيكي وابن طريق الجديدة منذ ثلاثين عاماً، حاجبيه مجيباً «شبيبة الحركة؟ كلا، طبعاً لن أشارك». انفرجت أسارير مازن عقب إجابة موسى، وحاول «تنقية» الجواب، فقال «طيّب يا موسى، لنفترض أن الشبيبة لن يشاركوا في المسيرات، ما رأيك في بلد علماني؟». مرّت دقيقة وموسى مطرقاً رأسه يفكّر في الجواب، فأدرك مازن أن موسى لا يعرف معنى العلمانية. قال بتململ «العلمانية تعني فصل الدين عن الدولة»، فعلّق موسى متسائلاً: «وفي حال اعتمدت في لبنان، هل تبقى أبواب المساجد والكنائس مشرّعة؟ وهل أبقى محافظاً على ديني؟». هزّ مازن برأسه. أخذ الميكانيكي نفساً عميقاً، موجهاً بصره تجاه المسؤول، كمن يطلب المساعدة في الجواب، غير أن مازن اكتفى بمداعبة السيجار الفاخر بيده، متجاهلاً طلب العون. «هل يبدو السؤال صعباً عليك يا رجل؟ أنت مع فصل الدين عن الدولة، أم لا؟». ابتسم موسى، وأجاب: «لماذا لا نتعامل مع بعضنا البعض كما يتعامل المواطنون مع بعضهم في أوروبا؟ حبذا لو نتغلّب على الطائفية في لبنان. أنا كمواطن أكترث لمهنتي. أبحث عن سيارة معطّلة، وأحلم بحياة هادئة في بلدي». انفجر مازن من جواب الميكانيكي، واقترب منه قائلاً «أصبحت ملاكاً الآن؟ أين جناحاك؟ هيا، احلم يا حبيبي. احلم». كرجل يحمل صندوقاً حديدياً مقفلاً، بدا العمّ خالد متشبثاً بأجوبته: «هذا البلد لا يقوم ولا يحيا إلا بنظامه الطائفي، لأنه وُلد هكذا. غذاء لبنان هو الطائفية. ومن يرد الثورة، فعليه أن يعرف أن هناك من ثار من قبل ونجح: ثورة الأرز». كان العمّ السبعيني ينتظر وصول المختار طارق السمّاك، فيما كان مازن منصتاً لأجوبته مبتسماً. باليد الأخرى، كان السبعيني «يحمل» صندوقاً آخر، استفاض في سحب الأجوبة من داخله، متمنياً أن «يسود الحكم العادل في لبنان. أنا لم أكن أكترث لفريقي 8 أو 14 آذار. لكنني أصبحت الآن مع فريق 14 آذار حتى الموت، لأنه صنع ثورة الأرز، أما الباقون فهم محسوبون على دول». عاد ابن طريق الجديدة للحديث عن حملة إسقاط النظام الطائفي، من النافذة التي فتحها، قائلاً أنه من الصعب أن يتعاطف معها، ولو «استطعت التواصل معهم، لقلت لهم أن يتوقفوا من الآن، فهم لن يصلوا إلى أي نتيجة، مهما تطورت الظروف. هذا بلدنا ونعرفه أكثر من الشباب المتحمّس». كان في مكتب المختار شاب عشريني جالس على كنبة جلدية، يستمع إلى حديث السبعيني. سأل: «ماذا عن الحروب الأهلية؟ يا عم، أليست الطائفية هي السبب في نشوبها؟»، فأجاب العمّ في خلال جزء من الثانية: «كلا. طبعاً كلا. التدخلات الخارجية هي السبب». استغرب الشاب جواب السبعيني، فأردف: «والدول تستغل التناحر الطائفي، ونحن نقع في الفخ». زمّ العمّ شفتيه ورمق مازن بنظرة خاطفة، ثم مرر بصره إلى محدثه وقال «لكل فريق في لبنان دولة محسوب عليها. هل تظن نفسك اخترعت البارود؟ الطائفية غذاء لبنان. نقطة، انتهى». وصل المختار، محيياً العمّ خالد والضيف ومازن. شرع في إنجاز بعض المعاملات المحتشدة على منضدته، متأملاً كل ورقة بخبرته المتكسبة منذ اثني عشر عاماً. بدا صندوق المختار أكثر انغلاقاً من السبعيني: «من الصعب أن نتخيل لبنان من دون تركيبته الطائفية. لن ينجح أحد باجتثاثها. لبنان ليس مصر، لأن هناك لوناً واحداً، ونسبة قليلة من الأقباط. اللون الواحد ثار على حاكمه، لكن هنا، ثمة ألوانا كثيرة». اعتدل مازن في جلوسه، مبعداً السيجار عن يده، وأخذ ينصت لحديث المختار: «أهالي طريق الجديدة ليسوا مهتمين بإسقاط النظام الطائفي، فالطائفية هي التي تؤمن الوظيفة لابن الطائفة، وليس الدولة. الطائفية مغروسة في طعام وشراب ومأكل وملبس اللبناني. من يستطيع أن يحذفها من الـ«ميموري» (الذاكرة) فجأةًً؟». استغرب الضيف، واسمه عبود، سؤال المختار. اغتصب مازن ابتسامة ماكرة، فيما كان المختار يستعد لاستكمال ما كان يقول: «ما إن أُعلن عن الحملة، حتى بدأ رئيس مجلس النواب نبيه برّي يشجعها، كرسالة واضحة للمسيحيين من جهة، وكي يثبت أنه ضد الطائفية من جهة ثانية. وفي الحالتين، فهو لن يخسر شيئاً». في الجهة المقابلة للطريق الجديدة، كان سمير السبع ممسكاً بسلة مصنوعة من القش، عندما سأله جميل سليم، وهو صاحب حانوت صغير في الضاحية، عن رأيه بإسقاط النظام الطائفي في لبنان. هزّ سليم كتفيه، ورفع السلة كمن يرفع الأثقال الحديدية في ناد رياضي، وقال: «تماماً كرأيي في تعبئة هذه السلة بالمياه. لن تحمل المياه، لأنها مثقوبة من كل الجهات». أُعجب صاحب الحانوت بتشبيه زبونه «الآدمي»، كما يحلو له وصفه. أزاح العمّ الستيني النظارات عن عينيه، وتناول جهاز تحكم التلفاز بإحدى يديه. وفيما كان ينتقل به من محطة تلفزيونية محلية إلى أخرى، أردف معلقاً: «كيف يسقط نظام طائفي تدعمه كل وسائل الإعلام في الصباح والمساء؟ فمع انعدام ثقافة المواطن الفردية في لبنان، صار منبع الثقافة مستمداً من التلفاز، الذي تبث محطاته المحلية يومياً أخباراً تساهم في تكريس الطائفية». وُلد الرجل في منطقة برج البراجنة، من عائلة متوسطة الدخل، ولم ينل فرصة استكمال تعليمه المدرسي. شب على قضاء وقته في الحانوت الذي ورثه من والده، وشاب بعدما تزوج أولاده وهجروا البلاد إلى الغرب. التقط العمّ نظارته، محدقاً بفتاة عشرينية دخلت إلى الحانوت. رحّب بها معرفاً عنها بـ«ابنة فلان». سألها عن إسقاط النظام الطائفي، فأجابته بسؤال مضاد «تعني إلغاء «حزب الله» من الوجود يا عمّ جميل؟ أي إسقاط السلاح كما يروّجون؟ ليس هناك من يوافق هذا المطلب إلا العميل لإسرائيل. أعطني نصف كيلو جبن بلغاري لو سمحت». انتظر الستيني خروج الفتاة، وقال هامساً أن «فلاناً»، أي والدها، منظّم في حزب محلي، أما الفتاة فهي طالبة في إحدى الجامعات. هز الرجل برأسه يمنةً ويسرة، متأسفاً من جواب الفتاة. قال «أصعب ما في الأمر أن جيل الشباب الجديد لا يريد أن يصدّق أننا كنا على خطأ، وأن النظام الطائفي هو الذي جعلني أعيش في هذا الحانوت، كما حتّم على شباب كثيرون أن يحلموا بابتياع شقة، أو تأمين وظيفة». وقف علي ب. وأحمد ز. يتبادلان أطراف الحديث، بمحاذاة صورة عملاقة للرئيس نبيه برّي مذيلة بعبارة «يا ويلنا من بعدك» في منطقة الشياح. علي، الموظف في إحدى الشركات التجارية، مناصر لـ«حزب الله»، أما أحمد فمحسوب على «حركة أمل»، وطالب في إحدى الجامعات الخاصة. كان علي منشغلاً بإطلاع صديقه على تفاصيل وظيفته الجديدة، التي «فاز» بها بعد واسطة من أحد نواب الحزب، بينما بدا أحمد مرتبكاً بسبب تأخر اتصال هاتفي من مسؤول في الحركة، سبق أن وعده بوظيفة مشابهة في مطار رفيق الحريري الدولي. شارك أحمد في مسيرة إسقاط النظام الطائفي الأولى، والتي عرفت لاحقا باسم «مسيرة الأحد الماطر». ذكّر الشاب صديقه بـ«ذاك اليوم، عندما توجه معي الشبيبة إلى المسيرة، وما زالوا حتى اليوم ينفجرون ضحكاً، ما إن يتذكروا أنهم شاركوا في تلك المسيرة الحماسية، والتي بدت كأنها مفرقعات نارية، أمام رصاص الثورات العربية». بدا علي مزهواً بـ«اعتراف» صديقه، فقال: «أخبرتك أنها حملة شباب لا يعرف ماذا يريد، ولا يعرف طريق الوصول. أنظر ماذا حلّ بهم اليوم. اختفوا، لأن النواة كانت فارغة منذ البداية. تخيّل لو أنهم نجحوا، ماذا كان قد حلّ بنا؟ كنا سنتحاشى السكارى في الطرقات في الضاحية، ونخاف على حجاب شقيقتي وشقيقتك، هذا غير مصير السلاح الذي حرّر لبنان». حاول أحمد أن يعلّق على رأي صديقه، من دون أن يسحب بساط زهوّه من تحت قدميه، فاستهل رأيه بإثناء «معك حق»، مختتماً: «لكن، رغم أنني لا أستطيع أن أرى رئيساً لمجلس النواب غير الأستاذ (برّي)، فإنني أعتقد بأن الطائفية هي سبب خراب لبنان. غير أن البديل أفدح، والدليل أن منظمي الحملة غرقوا في خلافاتهم الشخصية، فكيف يعتقدون بأنهم يستطيعون النجاح، واجتثاث الفكر الطائفي من نفوس اللبنانيين؟». جعفر العطّار
عدنان طباجةلم يكن المناضل الشــيوعي العنــيد الدكتور خالد فوعاني يتمنى أن تكون نهــايته سقوطاً من على سطح منزله، بل كان يتــمنى أن يموت شهيداً في صفوف جبهة المقاومة الوطنــية اللبنانية إبان مقارعتها للاحتلال الاسرائيلي الذي تسبب في تهجير أهله وقتل رفاقه وعدد من أشقائه وأهل بلدتيه الأولى حولا والثانية كفررمان، لكن قدره أبى إلا أن يكون على غير ما كان يتمنى.عرف عن الراحل فوعاني صلابته في الدفاع عن الحق وعن عقيدته الحزبية التي تدرج في صفوفها ليصبح عضواً في اللجنة المركزية للحزب الشيوعي اللبناني ومسؤولاً لمنطقية مرجعيون، وقد عمل مع الحزب على تعليم أشقائه وشقيقاته الذين تخرج معظمهم أطباء في الاتحاد السوفياتي، وهو من بيت شــيوعي عريق وواحد من بين خمسة أشقاء وشقيــقات راحـلين أشهرهم شهيد جبهة المقاومة الوطنــية اللبــنانية فرج الله فوعاني الذي استشهد في مواجهة مع عناصر الاحتلال الاسرائيلي وعملائه في منطقة كفرفالوس منتصف الثمانينيات، وشقيقته الشابة هنى التي استشهدت في حضن أمها في منزل العائلة في كفررمان جراء القصف الاسرائيلي الذي كان يستهدف البلدة في أواخر السبعينيات، إضافة لمقتل شقيقه نضال في روسيا في ظروف غامضة وشقيقته معلمة المدرسة ناديا في حادث سير في بلدة الغازية قبل عدة سنوات.لقد أحب الراحل فوعاني بلدته الثانية كفررمان وأحب أهلها إلى حد العشق، لأنه عاش واستقر وكبر فيها بعد نزوحه مع أهله من مسقط رأسه حولا أثناء الاعتداءات الاسرائيلية التي كانت تتعرض لها منذ بداية السبعينيات، كذلك أحب الناس البسطاء والفقراء وعمل على مساعدتهم من خلال مهنته الإنسانية، حتى إنه عزم على إنشاء مختبر في بلدته حولا لمساعدة ذوي الحاجة من أبناء منطقته، لكن إرادة الموت سلبته أحلامه وكانت أقوى من إرادته في الحياة فرحل، لتبقى ذكراه وأعماله راسخة في نفوس أهله ورفاقه ومحبيه وأصدقائه.فوعاني هو اختصــاصي في أمراض الأنف والأذن والحنجرة ومتخرج من معاهد الاتحاد السوفياتي السابق، وقد عين قبل وفاته مراقباً لوزارة الصحة العامة في مستشفى مرجعيون الحكومي، وهو عضو في مجلس إدارة المستشفى المذكور، وكان يعمل في مستشفى النجدة الشعبية اللبنانية في النبطية، وله عيادة خاصة في المدينة.وقد شيع الحزب الــشيوعي اللبناني وأهالي بلدة كفررمان والمنطــقة الدكــتور خالد فوعاني في موكب مهيب وحاشد انطلاقاً من مستشفى النجدة الشعبية اللبــنانية في النبطية إلى النادي الحسيني في كفررمان، حيث سجي جثمانه أمام رفاقه وأصدقائه ومحبيه، بعدها نقل في موكب سيار إلى منزله، ومن ثم إلى بلدته حولا في قضاء مرجعيون حيث ووري في ثراها عصر أمس.
السفير: أصدر "اتحاد الشباب الديموقراطي اللبناني" أمس بياناً لمناسبة الذكرى الحادية والأربعين على تأسيسه، التي تصادف اليوم، جاء فيه " 41 عاماً من النضال اليومي في كافة الميادين الفكرية والثقافية، في الشارع وفي الجامعة، في القرى وفي أحياء المدن، في النضال الطلابي والمطلبي، في الموسيقى والمسرح والكلمة، وفي الجبهة مقاتلاً دفاعاً عن حرية لبنان وسيادته وعروبته ورفضا للظلم والاحتلال، كذلك في نضاله التضامني جنباً إلى جنب وفي ذات الخندق مع الثورة الفلسطينية ومع كل أحرار وثوار العالم أينما كانوا". وذكر الاتحاد في بيانه أن الأعوام الـواحدة والأربعين كانت "زاخرة بآلاف المحطات النضالية، ناضلت خلالها جماهير شبابية كبيرة من كافة مناطق لبنان فحققت الكثير لشباب لبنان نذكر هنا جزءاً صغيراً منها، وأبرزها: "النضال من أجل تأسيس الجامعة اللبنانية وتطويرها، العمل على تأسيس "الاتحاد الوطني للجامعة اللبنانية"، المشاركة في دعم "جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية – جمول"، الكثير من رفاق الاتحاد قدموا حريتهم أو حياتهم فداء لتحرير لبنان، المساهمة الفعالة والأساسية في تحرير أرنون من خلال المسيرة السلمية التي اخترقت الأسلاك الشائكة ودخلت إلى القرية عام 1999". ومن هذه المحطات النضالية: "إطلاق حملة خفض سن الاقتراع إلى 18 سنة، المشاركة الفعالة في حملة القانون المدني للأحوال الشخصية، إقامة اعتصام "شباب خائف على وطن" عام 2005 رفضاً للانقسام الحاصل بين اللبنانيين، إطلاق حملة شطب الطائفة عن السجل، المشاركة في التصدي للعدوان الصهيوني عام 2006، تنظيم حملة دعم وتضامن محلياً وعربياً مع فلسطين أثناء الحرب على غزة عام 2009، تنظيم مسيرة الربيع "كل الوطن لألنا كلنا" عام 2008، إطلاق حملة "أنت بخطر" المطلبية دفاعاً عن حقوق الشباب الاقتصادية والمعيشية، تنظيم مسيرة "فخامة الرغيف" أثناء أزمة رئاسة الجمهورية، المشاركة الفعالة على المستوى الدولي والعربي، تنظيم حملة دعم واسعة للثورات العربية، المساهمة الفعالة والنشيطة في حملة إسقاط النظام الطائفي ورموزه، والمساهمة الفعالة في مسيرة العودة إلى فلسطين". وقال البيان: " إننا إذ نؤكد اتجاه البوصلة نحو تحرير ما تبقى من الوطن بكافة وسائل وأشكال المقاومة، نؤكد على انتمائنا إلى خيار المعذبين والمعدمين، أبناء الطبقات المعدمة والكادحة، من أجل استعادة الحقوق المنهوبة من أركان النظام السياسي وأزلامه، ليبقى شعار الخبز والعلم والحرية خياراً واضحاً في مسيرة اتحاد الشباب الديموقراطي".
السفير - جهاد بزيكأنما حين أصيب، غرق عربي العنداري في خجله، قبل أن يغرق في دمه. هذا ضوء لا يحبه الرفيق اليساري ابن اتحاد الشباب الديموقراطي ولا يريده لنفسه، هو الذي يفضل في العادة البقاء خلف قضاياه الكثيرة، لا أمامها.وهو حين يصل إلى الشريط الشائك، فلأنّ من عادته أن يكون جنب رفاقه الذين شاؤوا أم ابوا، سيبقون عاجزين عن تحريره من شعوره العميق بالمسؤولية عن سلامتهم الجسدية، وعن نقاء قلوبهم.كما أنه لن يجيد الفرجة من بعيد. هو، عند الشريط، سيكون مشغولاً بهموم عديدة: ملآن بحماسة الاقتراب حد الالتصاق بقضيته الأولى، وخائفاً على الناس من حوله، ومفكراً في الطريقة الأفضل لتسجيل انتصار ولو معنوي على البندقية العدوّة، ومتفائلاً، على عادته الدائمة، حتى يكاد لا يخسر ابتسامته بينما الرصاصة تخترق كاحله.نجا الرفيق عربي من الموت. هو الآن ممدد في المستشفى في استراحة قسرية لناشط سياسي أقرب إلى الحالة النادرة. مريضٌ بالتفاؤل الدائم، ولا أمل بشفائه من هذا المرض، هو الذي نذر نفسه لأن يعدي الناس بمصابه الجميل. عربي المحظوظ بكل الشغف الذي فيه، يمضي به من فكرة إلى فكرة، ومن تحرك إلى تحرك، ويجعله يلف لبنان مشياً، من أجل أحلامه الكبيرة لبلد عادل لا تلتهم فيه الطوائف والطائفية حاضر أبنائه ومستقبلهم. وطنٌ يختاره ناسه ولا يفرض عليهم. لبنان بلا كل أسباب تكرار حروبه الأهلية. هذه الأسباب التي كأنما وضعها عربي في لائحة بلا نهاية، ومشى إلى معاركه كلها، محاطاً برفاقه، ممسوساً بفهم متقدم لمعنى الديموقراطية في العمل السياسي، مقدماً الغاية النبيلة للتحرك على مصلحة «اتحاد الشباب» نفسه، محاوراً الجميع، بدءاً من نفسه، سائلاً طوال الوقت، ومصغياً ومتعطشاً إلى النقد.سيكون ورفاقه، دوماً حيث يجب أن يكونوا، وحيدين، وقلّة في تحركاتهم العنيدة من أجل مطالبهم المحقة، يشبهون صوتاً داخلياً مصراً في ذهن بلد لا يريد الاستماع إليه. يخطئون إذ يسقطون أحياناً في الاستسهال وفي الخفة، غير أنهم يحاولون، واثقين على الاقل بأنهم لا يضمرون عكس ما يهتفون.ويفرحون حين يجدون أنفسهم ذابوا بين كثرة تظاهرت ضد النظام الطائفي. كثرة ليست بالضرورة حمراء مثلهم، ولا مؤدلجة مثلهم، لكنها تلتقي معهم في ما يشاؤون لبلدهم أن يصل. افتخروا، ولم يتفاخروا.وهو، ورفاقه، لن يحتاجوا قط إلى دليل يمضي بهم صوب مارون الراس. تلك طريق يعرفونها، وتلك حدود يحفظون معناها. وهناك، إذا سقط عربي العنداري جريحاً، فلن يدعي بطولة. هذه بديهة عنده. ليست للحظة بديهة عامة.إصابته ليست بطولة، كما أن نجاته من الموت هي بحت صدفة حسنة. لعربي قيمة أخرى لا يفعل جرحه إلا التذكير بها: عربي سياسي لبناني شاب، يخوض تجربة مختلفة، المثالية فيها ليست عيباً، والصدق ليس بلاهة، والديموقراطية ليست مجرد خرافة أخرى. تجربة يحتاج فيها عربي إلى الحوار لا إلى التزلف، وإلى الافراد لا الى الطائفة، وإلى الاختلاف لا إلى التنبؤ بما يدور في ذهن الزعيم. وإلى الاحلام... لا إلى التمرن على كيفية توضيب الافكار في الصناديق.تجربة يكون فيها الرفيق عربي حقيقياً، إذ يسقط في حيائه، حين يسقط في دمه.
أكثر من خمسة عشر شهيدا وخمسمئة جريح أعادوا بدمائهم فلسطين إلى الميدان العربي. من مارون الراس اللبنانية التي أذلت الجيش الذي لا يقهر، إلى الAffinityCMSن الأبي، ومعابر الموت والاحتلال التي شطرت فلسطين، وكادت تحولها إلى ما يشبه القضية العقارية، الى الأردن الذي أريد له أن يكمل واسطة عقد الخيانة، الى القاهرة الجميلة.. إلى أنقرة واسطنبول.. عادت فلسطين لتفرض نفسها العنوان والعلم والقضية. لم يعد الخامس عشر من أيار، يوما للخجل والذل والتباهي بالنكبة والبكاء على أطلال القضية. صار الخامس عشر من أيار 2011، يوما مفصليا في التاريخ العربي. يوم حفر وسيحفر جيدا في الوجدانالعربي والإسلامي والعالمي. يوم بدا فيه الفلسطيني أكثر من أي يوم مضى ومعه بعض أهله من العرب والمسلمين، أكثر إصرارا على اعادة تصويب البوصلة.نعم الى فلسطين در.. وفلسطين هي كل الجهات وكل القلوب وكل العيون وأي حدود تفصل بيننا وبينها هي عبارة عن حدود وأسلاك وهمية، وعلى إسرائيل أن تدرك أن الشعوب العربية، اذا تسنى لها أن تكون حرة، لن تكون إلا فلسطينية وعربية، وعندها على إسرائيل أن تعيد النظر في كل حساباتها.. وأن تشعر فعلا بخطر وجودي، لا يمكن أن يقيها منه لا قبة فولاذية ولا جدار فصل ولا معاهدات ذل ولا ترســانة الأسلحة والأساطيل الأميركية.ربما شعرت إسرائيل بقلق إزاء المشهد العربي المتحرك، خاصة بعد ثورة مصر، لكنها اكتفت بالوقوف موقف المتفرج ازاء ما يجري في العالم العربي. هذا هو الواقع قبل الخامس عشر من أيار، أما بعده، فإن إسرائيل لم تعد مرتاحة ومعها الولايات المتحدة وكل الغرب. صار عليهم جميعا أن يقرأوا الرسالة الواضحة المضمون بالصوت والصورة والدم والعلم والساحات.لم يكن العالم مهتما بأمر لبنان ولا باللاجئين الفلسطينيين على أرضه طيلة 63 عاما من اللجوء والحروب والمجازر. بالأمس، كان مهتما أكثر من أي وقت مضى، إنما من زاوية أمن إسرائيل التي لن يكون بمقدورها أن تصدق أن هذا المشهد قابل للتكرار وربما يكون مليونيا وعلى طول الحدود من رفح إلى الناقورة مرورا بنهر الأردن ومجدل شمس... وفي قلب فلسطين.هي السيدة الثمانينية التي قررت أن تتقرب من أرض فلسطين... ووجدت نفسها تسلك الدروب سيرا على الأقدام من مفترق مارون الراس ـ بنت جبيل، الى ساحة مهرجان العودة. هي الدرب نفسها التي سلكتها ابنة السبعة عشر ربيعا من الجليل إلى مارون، وعلى رأسها صرة وبيدها تجر شقيقها الأصغر. كان الأمس بالنسبة إليها يوم عودة. من حولها أحفاد راحوا يسألون كيف سار أهلهم، قبل أكثر من ستة عقود. كيف سلكوا تلك الهضاب والتلال من الجليل الأعلى الى مارون وبقية أخواتها.وقائع مواجهة مارونبالأمس، اكتمل مجد مارون الراس، حيث امتزج الدم الفلسطيني الذي سال بغزارة على تخوم الارض المحتلة، بدم الجنوبيين الذين سقطوا في مواجهة عدوان تموز 2006 .ولئن كانت «مسيرة العودة» التي نظمت في الذكرى الـ63 للنكبة، قد دفعت ثمنا غاليا في مارون الراس، إلا انها كانت التضحية الصحيحة وفي المكان الصح وتحت العنوان الأصح.في العام 1948، كانت مارون الراس ممرا للتهجير، ويومها تسلق اللاجئون الآتون من ناحية بلدة صلحا (مستوطنة «أفيفيم» حاليا)، بصعوبة تلال البلدة، هربا من إجرام العصابات الصهيونية، أما في العام 2011 فقد انقلب المشهد وتبدلت وجهة السير، فاستدار الجيل الجديد من اللاجئين نزولا في اتجاه فلسطين.ويمكن القول ان ما جرى أمس أعاد تصويب البوصلة محليا فخرج اللبنانيون لبعض الوقت من عنق زجاجة الحكومة المتعثرة الى رحاب الهواء النظيف. كما خرجت الشعوب العربية، من الساحات الداخلية الى الحدود مع القضية الاصلية، فلسطين، وانتفت الفواصل المذهبية التي ظللت المشهدين اللبناني والعربي فإذا بنا أمام جمهور فلسطيني يهتف بحياة المقاومة وسيدها (راجع ص 4 و5 ).ربما، للمرة الاولى، بدت فلسطين البارحة قريبة الى هذا الحد في عيون ابنائها الذين لجأوا الى لبنان، في أعقاب ما كان يُعرف بـ«النكبة»، قبل ان يتغير مفهوم المناسبة في 15 أيار 2011، لتتحول ذكرى النكبة الى «يوم مجيد».وربما، للمرة الاولى، بدت العودة الى فلسطين ممكنة، أكثر من أي وقت مضى، بالنسبة الى أبناء مخيمات لبنان، الذين أطلوا على ارضهم وتاريخهم من بين الاسلاك الشائكة التي تفصل مارون الراس عن الجليل المحتل، وهي أسلاك ظهرت أمس هشة وهزيلة أمام تصميم اللاجئين على المضي في مسيرة العودة.. حتى الشهادة، بعدما قرروا ان يستعيدوا المبادرة وان يشقوا بسواعدهم ودمائهم الطريق الى انتزاع الحقوق المسلوبة.وبينما تولى الفلسطينيون كل مجريات البرنامج والتنظيم، اكتفى «حزب الله» بتأمين الامور اللوجستية، فيما تولى الجيش اللبناني الأمن وغابت «اليونيفيل» نهائيا عن المشهد. وقد أحصى الجيش دخول أكثر من ألف حافلة الى مارون الراس، وبالتالي قُدر الحشد بأكثر من ثلاثين ألفا، حتى أمكن القول ان المخيمات زحفت عن بكرة أبيها، علما بأن الكثيرين تعذر عليهم الانتقال بسبب عدم توافر وسيلة الانتقال وخصوصا من مخيمات الشمال.كانت فلسطين على مرمى حجر. لم يحتمل بعضهم البقاء في المرتفعات، حيث تقرر إحياء فعاليات مسيرة العودة، وصمموا على إيصال الرسالة بـ«اليد» الى الارض المحتلة، فتدفق المئات منهم نزولا مخترقين صفوف الجيش اللبناني، ومتجاهلين التحذيرات من إمكان وجود الغام وقنابل عنقودية، الى ان أصبحوا قريبين جدا من الاسلاك الشائكة. وهناك، راحوا يرشقون دوريات الاحتلال بالحجارة ويلوحون بالاعلام الفلسطينية، فيما كان الجنود الاسرائيليون المدججون بالسلاح مربكين ومتوترين، قبل ان يباشروا في إطلاق رصاص القنص على المحتشدين العزل، من خلف الدشم الاسمنتية المسلحة، ما أدى الى سقوط 10 شهداء و112 جريحا، في جريمة موصوفة، لكن، كلما سقط شهيد او جريح، كانت الحماسة تزداد، والاصرار يشتد.وقد اضطر المنظمون إلى اختصار برنامج الاحتفال، على وقع استمرار إطلاق النار من الجانب الإسرائيلي، فيما أطلق الجيش اللبناني النار في الهواء من أجل تأمين الغطاء لسحب المصابين، ولاحقا لدفع المحتشدين الى المغادرة، بغية الحد من وقوع الاصابات في صفوفهم، بعدما أخفق مشايخ فلسطينيون ولبنانيون نزلوا الى أماكن التجمعات في إقناع الشبان بالتراجع.رواية الجيشوجاء في بيان صادر عن الجيش اللبناني أن «قوى الجيش وضعت في حالة استنفار قصوى، كما قامت بالتنسيق اللازم مع القوات الدولية لمنع تمادي العدو باستهداف الجموع وانتهاكه السيادة اللبنانية».وقال مصدر عسكري لـ«السفير» ان الجيش ابلغ قائد القوات الدولية عند بدء الاعتداء الاسرائيلي بانه يتولى معالجة المسألة ميدانيا، وبالتالي لا يجوز إطلاق النار على مدنيين عزل، لكن قوات الاحتلال استمرت في ارتكاب المجزرة، علما بأن ايا من المتظاهرين لم يتجاوز الخط التقني (وليس فقط الخط الأزرق) الفاصل بين لبنان وفلسطين المحتلة، والمعروف بالشريط الشائك.ولفت المصدر الانتباه الى ان ما فعلته إسرائيل لا يمكن ان يحصل في أي مكان في العالم، مشيرا الى انه حتى لو حصلت حالات تجاوز للخط الازرق، فان مواجهتها لا تكون بإطلاق النار على اشخاص عزل، غير مسلحين وليسوا متسللين، واصفا ما جرى بـ«الجريمة الموصوفة» الناتجة عن استخدام مفرط للقوة.من ناحيته، قال متحدث باسم جيش العدو إن جنوده أطلقوا النار على مشاركين في مسيرة العودة اقتربوا من السياج الحدودي وبدأوا يحاولون نزعه وإنه «واع لسقوط ضحايا»، مشيراً إلى أنه لا يعرف عددهم. واعتبر ما حدث على الحدود اللبنانية والسورية «استفزازا من إيران».مواقف منددةسياسيا، تقدم لبنان، عبر بعثته لدى الأمم المتحدة في نيويورك، بشكوى لدى مجلس الأمن الدولي ضد إسرائيل، معتبرا أن الاعتداء الذي نفذته اسرائيل يشكل عملا عدوانيا وانتهاكا للسيادة اللبنانية واستهتارا بقرارات الأمم المتحدة.وأكد منسق الامم المتحدة الخاص في لبنان مايكل وليامز، ان الاحداث في جنوب لبنان تعتبر من اخطر الحوادث على الخط الازرق منذ العام 2006، وحض «جميع الاطراف على ممارسة اقصى درجات ضبط النفس والاحترام الكامل لقرار الامم المتحدة الصادر عن مجلس الامن رقم 1701»، كما دعا قائد «اليونيفيل» الجنرال ألبرتو اسارتا كل الأطراف إلى أقصى حدود ضبط النفس لتجنب وقوع مزيد من الضحايا.وأدان رئيس الجمهورية ميشال سليمان الممارسات الاسرائيلية الاجرامية ضد المدنيين المسالمين في جنوب لبنان والAffinityCMSن وفلسطين، واضعاً هذا التصرف برسم المجتمع الدولي.وأشار رئيس حكومة تصريف الاعمال سعد الحريري الى إن لبنان الذي يبقى ملتزما بالقرارات الدولية، وخصوصا القرار 1701، يعتبر قيام إسرائيل بإطلاق النار على المتظاهرين السلميين على حدودنا الجنوبية عدوانا سافرا وغير مقبول، محملا المجتمع الدولي وقوات الأمم المتحدة المنتشرة في الجنوب مسؤولية محاسبة إسرائيل على هذه الجريمة.واعتبر الرئيس المكلف نجيب ميقاتي ان العدوان الاسرائيلي المتمادي على لبنان يؤكد مرة جديدة، بما لا يقبل الشك، أن وهم الاطمئنان اليه ليس سوى سرابا يغلف غدره. ورأى إن جرائم إسرائيل يجب أن تحفز اللبنانيين على التنبه الى الخطر الاسرائيلي المستمر على لبنان وتدفعهم الى تقديم الوحدة الوطنية على ما عداها من قضايا، أيا تكن درجة أهميتها.ورأى «حزب الله» ان الجرائم الدموية الفظيعة التي ارتكبتها قوات الاحتلال بحق الشعب الفلسطيني يضع المجتمع الدولي أمام مسؤولياته، وطالب المؤسسات الدولية ومنظمات حقوق الإنسان بموقف واضح حيال منظومة الإرهاب الصهيونية في استهدافها الإجرامي للشعب الفلسطيني الأعزل الذي يطالب بحقوقه المشروعة كي لا تكون شريكة للعدو أو متواطئة معه في هذه الجرائم المنكرة.وأصدرت اللجنة التحضيرية لحملة «حق العودة» بياناً، حملت فيه «العدو الصهيوني المسؤولية الكاملة عن الجريمة، مؤكدة أن التحرك سيبقى مستمرا حتى العودة إلى أرضنا كلها».وأعلنت اللجنة وفصائل المقاومة الفلسطينية الحداد العام في كافة أماكن تواجد الشعب الفلسطيني، وتعليق الدراسة اليوم، فيما استقبل عدد من المخيمات في بيروت والمناطق، اعتبارا من ليل أمس جثامين عدد من الشهداء، تمهيدا لتشييعها اليوم.
زينب ياغيلا تستثنى من الاحتكار والسيطرة في المراسيم اللبنانية، إلا المواد الغذائية فقط. أما باقي المواد التي يحتاجها كل مواطن في حياته، من محروقات، ومواد بناء، وأدوات كهربائية ومنزلية، فهي تخضع لسيطرة الوكلاء الحصريين، وأصحاب الرساميل الكبرى، من رجال أعمال وسياسيين.وفي ظل غياب الحكومة، وحتى في وجودها ومع غياب أي سياسات اقتصادية أو مالية، ترتفع الأسعار في السوق اللبناني، بشكل جنوني، حتى أصبح كل مواطن، وخاصة إذا كان من ذوي الدخل المحدود، يشعر بأن جهات محددة تساهم في نهب دخله الشهري، الذي يذوب كحبات الملح في الماء.وتلك الجهات نفسها هي التي تمنع حتى الآن إقرار مشروع قانون المنافسة، وتنفيذ قانون إلغاء الحماية عن الوكالات الحصرية.ففي العام 2005 أعد خبراء اقتصاديون، دراسة بعنوان "المنافسة في الاقتصاد اللبناني"، وبتمويل من الإتحاد الأوروبي، تمهيدا لإقرار مشروع المنافسة. وتم في الدراسة إحصاء ما يقارب سبعة آلاف شركة مسجلة بحسب أرقام تسلسلية، وتدفع الضرائب على القيمة المضافة، وقد تبين بموجبها أن ست أو سبع شركات كبرى تسيطر على ستين في المئة من الاقتصاد اللبناني.لكن مشروع المنافسة مازال مع ذلك يتنقل بين مجلس الوزراء ومجلس النواب منذ عشر سنوات من دون اتخاذ قرار بمناقشته حتى اليوم.أما قانون إلغاء الحماية عن الوكالات الحصرية، فقد أقر في مجلس النواب في كانون الثاني من العام 2004، على أن يصبح ساريا بعد أربع سنوات من تاريخ إقراره، لكن رئيس الجمهورية السابق إميل لحود وقتها رد القانون إلى مجلس النواب، بعد الضجة التي أثارها الوكلاء الحصريون، وكان السبب الفعلي انتماء غالبيتهم إلى طائفة محددة، بينما كان السبب المعلن هو منع إغراق السوق بالبضائع "الرديئة"، واستمرار تأمين خدمة ما بعد البيع للمستهلك.ولدى البحث مع عدد من المسؤولين في الشركات الكبرى، اتضح أن الشركات التي تملك أكبر نسبة مبيعات هي شركات استيراد المحروقات والإسفلت، وتضم ثلاث عشرة شركة، والأدوات الكهربائية وتسيطر فيها شركتان، والأدوية وتسيطر فيها ثلاث شركات، والحديد وتسيطر فيه خمس شركات، والزراعة ويسيطر فيها خمسة في المئة من المزارعين على نصف الأراضي الزراعية في لبنان تقريبا.أما الشركات التي توصف بالمفهوم الاقتصادي بالإحتكارية، أي التي لا منافس لها فهي: شركتا الهاتف الخليوي المعروفتان، و"أوجيرو" للاتصالات الهاتفية، و"سوكلين" للتنظيفات، و"ليبان بوست" للبريد، و"الميدل إيست" للطيران. وتشكل تلك الشركات مزيجا بين القطاعين العام والخاص.كما تصنف الكهرباء ضمن القطاعات الإحتكارية لأنه لا منافس لشركة كهرباء لبنان.ويعتبر القطاع المصرفي المسيطر الأكبر على الاقتصاد على اللبناني، لكنه مع ذلك لا يصنف بالإحتكاري، لأن المصارف تعتمد المنافسة النسبية في تقديم الخدمات، وتوجد لها هيئة ناظمة، هي هيئة الرقابة على المصارف. ومن المعروف أن المصارف تسلف الدولة وتشتري سندات الخزينة، وتحصل على أكبر نسبة عائدات سنوية، بلغت العام الماضي مليار ومئتي ألف دولار.13 شركة تسيطر على تجارة المحروقات والإسفلتيوضح رئيس تجمع شركات استيراد النفط في لبنان مارون شماس أن شركات المحروقات تستورد سنويا بين مليون وخمسمئة ألف طن، ومليون وستمئة ألف طن من البنزين سنويا، يضاف إليها ثلاثمئة وخمسون ألف طن من المازوت الأخضر، وما بين 140 و160 ألف طن من الغاز سنويا، فيما تستورد وزارة الطاقة ما يقارب ثمانمئة ألف طن من المازوت الأحمر لاستخدامه في المصانع والتدفئة والآليات، علما أن استخدام المازوت الأحمر مخالف للقانون لأنه يسبب تلوثا كبيرا للبيئة.يتم استيراد المحروقات بالأطنان عبر البواخر من كل من إيطاليا وفرنسا وروسيا، حيث توجد مصافٍ لتكريره، وتبلغ سعة كل طن بنزين، ألف ومئة وستين ليترا، توزع على 58 صفيحة.وعلى الرغم من أن سعر استيراد صفيحة البنزين يقارب الثلاثة عشر ألفا وخمسمئة ليرة، إلا أن تسعيرة الحكومة تصل إلى سبعة وثلاثين ألف ليرة، وهي توزع السعر بين قيمة الإستيراد، وبين الضريبة الحكومية وتبلغ سبعة آلاف وخمسمئة ألف ليرة، والمبلغ الباقي هو من حصة شركات التوزيع والنقل التابعة لشركات استيراد المحروقات وعمولة أصحاب المحطات.ويقول شماس إن شركات استيراد المحروقات تستثمر في قطاع النفط، مثل كل شركات القطاع الخاص في لبنان، مشيرا إلى أنها وضعت استثمارات بقيمة ثلاثة مليارات دولار، لبناء مستودعات التخزين ومحطات التوزيع وتأمين وسائل نقل. ويعتبر أن الحكومة غير قادرة على استيراد النفط لأن كلفة تأهيل كل من مصفاتي الزهراني وطرابلس تبلغ ما يقارب الأربعة مليارات دولار، وبالتالي لا توجد جدوى اقتصادية من تولي الحكومة لعملية الاستيراد.والشركات المعنية هي : شركتا "كوجيكو" و"صيداكو" ممثلتان بالشيخ بهيج رشيد أبو حمزة، شركة "مديترانيان" ممثلة بـكارول ريمون الشماس ومارون نقولا شماس، شركة "وردية هولدينكز" ممثلة بـدانيا عزة نكد، شركة "توتال لبنان" ممثلة بـفنسان كلود موميس وجوزيف انطونيوس جعجع، شركة قبلان انطوان يمين وشريكه، شركة "جيفكو" ممثلة بشوقي يوسف مكرزل، شركة تابعة لأحمد سليم شوكت رمضان، شركة "هيبكو" ممثلة بـجوزيف بولس طايع، "الشركة العربية للنفط" ممثلة بـعبد الرزاق عبد الله الحجه، "شركة عيسى للبترول" ممثلة بـميشال زخيا عيسى، شركة "غاز الشرق" ممثلة بقيصر شحاده رزق الله.والشركات المستوردة للنفط هي التي تستورد الإسفلت في الوقت ذاته.5 شركات تحتكر استيراد الحديدتسيطر على تجارة الحديد خمس شركات كبرى، يمكن ترتيبها، بحسب حجمها، كالتالي: شركة النائب آغوب دمرجيان، وتسيطر تقريبا على نصف تجارة الحديد في لبنان، بعدها تأتي شركة سالم طنوس في المرتبة الثانية، ثم شركة علي الموسوي في المرتبة الثالثة، وشركة رشاد قاسم في المرتبة الرابعة، وأخيرا شركة جان يارد.ويوضح مسؤول مبيعات إحدى الشركات أن كمية الحديد التي تستورد سنويا تتراوح بين ثلاثمئة ألف و350 ألف طن، بينما يبلغ سعر بيع الطن الواحد حاليا تسعمئة دولار.وفي حين تردد أن نسبة أرباح الشركات في الطن الواحد تصل إلى مئتي دولار، يعتبر مسؤول المبيعات أن الأرباح في كل طن لا تتعدى العشرة دولارات، لكن الاستفادة الفعلية تأتي من مصدرين هما: كمية المبيعات الكبرى التي تصل إلى مئتي طن يوميا، بالإضافة إلى وجود مخزون من الحديد لدى الشركات يمكّنها، في حال ارتفاع الأسعار عالميا، من تحصيل ربح في الطن الواحد تتراوح قيمته بين مئة ومئتي دولار.وبعد الحديد، تعد الترابة من مواد البناء الأكثر مبيعا، لكنها مادة غير مستوردة، وإنما تنتجها معامل الترابة اللبنانية.شركات الالكترونياتتنتشر محلات بيع الأدوات الكهربائية في جميع أنحاء الأراضي اللبنانية، لكن شركات الاستيراد والبيع محدودة العدد، وتعتبر أدوات شركة "سامبسون" ووكلاؤها من آل شرفان والطويل، الأكثر مبيعا في لبنان. ويوضح وكيل الشركة أنطوان شرفان أن نسبة مبيعات سامبسون تصل إلى أربعين في المئة من مجموع الأدوات الكهربائية في السوق، بينما تصل قيمة الإستيراد السنوية إلى ستين مليون دولار، وتباع بمئة مليون دولار.وداخل لبنان، تأتي شركة "خوري هوم" في المرتبة الأولى في المبيعات، وهي تسوق جميع أنواع الماركات الكهربائية المستوردة تقريبا. وقد أصبح للشركة ثمانية فروع موزعة على المناطق اللبنانية، وقد تم دمج "شركة حكيم أخوان" معها.ويوضح مسؤول التسويق في الشركة جو قزّي أن نسبة المبيعات تصل إلى ما يقارب خمسة وأربعين في المئة من قيمة السوق. وبعد "خوري هوم"، تأتي "شركة عبد طحان" في المرتبة الثانية في نسبة المبيعات، والباقي محلات بيع صغرى.السيطرة على .. الدواءفي موضوع شركات الدواء الحصرية، يوضح رئيس جمعية مستوردي الأدوية أرمان فارس وهو رئيس مجلس إدارة لثلاث شركات استيراد للدواء، أن شركة "مرساكو" هي أكبر شركة لاستيراد الدواء في لبنان، وتملك ما يقارب العشرين في المئة من حصة السوق، فيما تملك شركتان أخريان عشرين في المئة، وتتوزع نسبة الستين في المئة الباقية، على الشركات الأخرى.ويبلغ عدد شركات الأدوية المسجلة لدى وزارة الصحة مئة شركة، بينها أربعون شركة فاعلة في السوق مسجلة لدى جمعية مستوردي الأدوية، تضاف إليها عشرون شركة فاعلة أخرى لكنها غير مسجلة في الجمعية. أما الأربعون الباقية فهي إما متوقفة عن العمل أو تبيع بكميات ضئيلة. كما يوجد عدد محدود من الشركات غير المستوردة، وإنما تملك أذونات توزيع داخل الأراضي اللبنانية.ويصل عدد الأدوية المسجلة لدى وزارة الصحة إلى ثلاثة آلاف وثلاثمئة صنف دواء، ستون في المئة منها أصلية، والأربعون في المئة الباقية "جنريك". وتقدر قيمة الاستيراد سنويا بستمئة مليون دولار، وقيمة المبيع بخمسة وسبعين مليون دولار.ويسمى الدواء عادة بالأصلي عندما يتم بيعه ضمن فترة الإمتياز لمخترعه، وتبدأ من لحظة ابتكاره كمادة أولية فاعلة إلى أن يصبح دواء صالحا للبيع وهي تستمر ما بين عشرين وبين اثنين وعشرين عاما. بعد ذلك يصبح بإمكان شركات الدواء تصنيع نسخ عنه، فيسمى دواء جنريك.احتكار الأراضي الزراعيةيؤكد وزير الزراعة حسين الحاج حسن أن خمسة في المئة من المزارعين في لبنان فقط يملكون ما يقارب 47 في المئة من الأراضي الزراعية، بينما يملك خمسون في المئة من المزارعين ثمانية في المئة من الأراضي الزراعية، ولا يمكن طبعا إعادة توزيع الملكية.وقد ألغت وزارة الزراعة، بموجب قرار أصدرته، جميع الإجازات التي تسمح لشركات أو مؤسسات محددة باستيراد مواد تدخل ضمن اختصاص وزارة الزراعة وتضم أدوية ولحوما ومنتجات الحليب من أجبان وألبان.ويوضح الحاج حسن أن ما يسمح باستيراده من الآن وصاعدا سوف يكون متوفرا لجميع الراغبين من دون حصرية، أمّا ما يمنع فسوف يمنع على الجميع، باستثناء بعض الأدوية الزراعية التي تصرّ الشركات المصنعة على توزيع وكالتها.
أقدمت القوى الأمنية أمس على اعتقال سبعة شبان من حملة «إسقاط النظام الطائفي ورموزه»، وتعرض بعض عناصرها لبعض الناشطين بالضرب، وذلك في أعقاب قيام مجموعة منهم بالاعتصام بالقرب من تمثال رياض الصلح، وسعوا لقطع الطريق منعاً لوصول النواب الى البرلمان، معتبرين أنهم «لا يمثّلونهم».وأوقفت قوى الأمن الداخلي كلاً من ع.ع، و ح.م، و ر.ع، وهـ.ع، وح. ش في فصيلة البرج، فيما أوقف الجيش كلاً من ك. ب (قاصر)، ون. ح وأحالهما إلى المحكمة العسكرية، بحسب ما أشارت لـ«السفير» الناشطة في الحملة نور عز الدين. وقالت عز الدين لـ«السفير» إن «مجموعة من الحملة كانت تعتصم بشكل سلمي قرب تمثال رياض الصلح محاولة قطع الطريق على وصول النواب إلى المجلس، فجلس أولاً عدد من الصبايا الناشطات في الحملة أمام السيارات محاولين قطع الطريق قبل أن يتعامل عناصر قوى الأمن الداخلي معهن بقسوة من أجل إبعادهن، فاقترب عندها الشبان محاولين حمايتهن، لكن عناصر الدرك قاموا بضربهم (أصيب ح. م على عينه) وتم توقيف عدد منهم».وفي وقت لاحق قام عدد من الناشطين في الحملة بالاعتصام أمام فصيلة البرج مطالبين بإطلاق سراح زملائهم الموقوفين. وحتى مساء أمس كان الشبان السبعة ما يزالون موقوفين لدى القوى الأمنية. وأوضح»اتحاد الشباب الديموقراطي اللبناني» في بيان أن «مجموعة من النشطاء قامت بتنظيم اعتصام احتجاجي أثناء جلسة اللجان النيابية في مجلس النواب أمس، فتعرضت لهم القوى الأمنية بعنف شديد ومنعتهم بالقوة من الاعتصام والتعبير السلمي عن الرأي ثم انهالت عليهم بالضرب عند رفضهم المغادرة فسقط منهم جريحان واعتقل 11 شخصا». كما أدان «اعتقال عدد من المعتصمين للمطالبة بخفض أسعار المحروقات»، ولفت إلى أن القوى الأمنية «اقتادت تسعة من النشطاء في منطقة عالية - الجرد إلى الاعتقال وما زالت تعتقلهم منذ بعد ظهر أمس الأول وترفض إعطاء معطيات حول موعد إطلاق سراحهم». وأشار إلى أن «هذه الممارسات مدانة ومرفوضة لأن صوت الناس لا يمكن إسكاته، وسيقوم الاتحاد بحملة تضامن مع الشباب المعتقلين من اجل إطلاق سراحهم»، داعياً «القوى الأمنية إلى التعقل ووقف ممارساتها وإطلاق سراح الشباب فورا».
جهاد بزي الشابات والشبان الذين كانوا يمشون على طرفي المسيرة، وأمامها، موحين بأنهم يجتهدون في تنظيمها، ما كانوا مضطرين لكل هذا الجهد. النازلون من ساحة ساسين في الاشرفية، إلى وزارة الداخلية، في الصنائع، بالآلاف في العشرين من آذار، المرة الثالثة لتظاهر الشعب ضد النظام الطائفي، ليسوا بحاجة إلى من ينظمهم. أكثر من ذلك، فإن التظاهرة لا «أخ أكبر» لها، يدعو إليها، ويجند لها رجالاً ونسوةً في مهام بالعشرات، كما يبذل مالاً كثيراً ليرتب وصول جماهيره إليه، فيفرح بمشهدهم، ويخطب فيهم ثم يتركهم لحال سبيلهم. هذه حرية مضافة. انعتاق من نوع جديد متقدم على الانضباط في الطريق. الآتون إلى «ساسين»، وقبلها «الدورة»، وقبل ذلك إلى «مار مخايل»، أتوا إلى حراك يريدونه هكذا، بلا الأخ الأكبر، الزعيم، أو الحزب، أو الطائفة. وعدم الالتزام تماماً بتعليمات الذين يطلبون منهم البقاء ضمن المجموعة وعدم الخروج عن خطي حشدها، كان تفصيلاً مهماً في هذا المسير الطويل المتخفف من الأحمال التي ترزح تحتها تحركات جماهيرية أخرى لم تعد ترضى مثلاً بأقل من ثلث العدد الرسمي للشعب اللبناني رقماً للحشود. ولأن منظمي المسيرة ليسوا أصحاب خبرة في ترتيب شؤون حشد كبير كهذا، ذابوا فيه، مذهولين بأن حراكاً ولد قبل أقل من شهرين، نما باطّراد لم يتوقعوه، فاaختلط لديهم شعور الفخر بما ساهموا في صنعه، بالخوف عليه. فمشوا على جانبيه لحمايته من أي طارئ. هكذا، سار الحشد وحده، خفيفاً ومتنوعاً ومنفتحاً وديموقراطياً، وقبل كل هذا، حريصاً بعضه على بعضه الآخر، وبعد كل هذا، سعيداً جداً لأنه أخيراً التقى بمن يتقاسم معه أحلامه وآماله وهواجسه ومطالبه من بلد يحبه بلا ادعاءات جوفاء. وسعيد ايضاً لأنه ليس وحده الذي قرر الخروج من الإحباط الممتد منذ الحرب الاهلية لمن كبر في سنواتها، وما لحقها من أعوام السلم الملتبس، وصولا إلى يأس راح يذهب عميقاً في النفوس من العام 2005 حتى اليوم. هذه المسيرة شعر آلاف بأنهم معنيون بها ومن مختلف الشرائح اللبنانية، من طالبة الجامعة اللبنانية إلى طالب اليسوعية، إلى نواة التظاهرة مما تبقى من طبقة لبنانية وسطى، من كتاب وصحافيين ومحامين وأطباء ومهندسين وأساتذة جامعات وثانويات وموظفين وفنانين، كما من الناشطين المدنيين وحزبيين سابقين أو حاليين من اليساريين الذين قرروا التواضع للمرة الاولى في الألفية الجديدة، والانخراط بلا المناجل والمطارق في حراك «مُرتجل» يخطو خطوات واسعة، غير أن أحداً لا يمكنه التنبؤ بمصيره. «مرتجلو هذا الحراك يمثلون، بشكل أو بآخر، اختصاراً لمكوناته. فيهم أفراد، أستاذ جامعي وصحافي، ومدوّن الكتروني، وناشط مدني، وغيرهم، أسسوا في أوقات متقاربة، ومن دون تنسيق، وتزامناً مع الإلهام الكبير للثورة المصرية، صفحات نقاش مفتوحة على موقع «فايس بوك»، لاقت رواجاً وقبولا من مجهولين يبحثون عن أمل، في بلاد لا آمال فيها. الحماسة الافتراضية ستنسحب حماسة في الاجتماع الأول الذي حضره أكثر من مئة شخص، وهذا بحد ذاته كان مؤشراً جيداً، واكبه هؤلاء بإيجابية. كان على هؤلاء الذين التقوا أن يتخلوا بادئ ذي بدء عن مواقفهم المسبقة الواحد من الآخر. الرفاق اليساريون قرروا ألا ينظروا من فوق إلى مستقل بلا ايديولوجيا. هم يعلمون أن تظاهراتهم المطلبية التي لم تنقطع طوال سنوات، ما زالت هي هي منذ سنوات، تضم العشرات من الصادقين في مطالبهم، المصرين على ما يفعلون، والذين يتبخر جهدهم لأنهم قلة. تيار المجتمع المدني صار على يقين بدوره أنه وحده سيظل على ما هو عليه. المستقلون، وفيهم ناشطون كانوا قد أقلعوا عن الشأن العام، جاؤوا هذه المرة بلا عقد، وبلا خوف من أن يبتلعهم الآخرون، ولأنهم هنا أكثر قدرة على التأثير، صاروا أشد حماسة على الانخراط في العمل. النقاش السياسي بين هؤلاء متشعب بالطبع. اجتماعاتهم تستمر لساعات، والحوار يتحول في أحيان كثيرة إلى صراخ. ليسوا ملائكة بالطبع، وخلافاتهم شخصية أحياناً، في منافسة على حب الظهور أو السلطة لا فرق. هذا يقع في خانة الشوائب التي اذا كان لا بد منها، فمن الواجب الانتباه إليها. غير انهم، في السياسة، واضحون. تحت العنوان الكبير للشعار: «الشعب يريد إسقاط النظام الطائفي». هناك أفكار عدة، تكاد تكون بعدد الناشطين فيها. اليساري فيهم يحكي مثلاً عن أن لا بديل من رفع المطلب الاجتماعي. الجوع والفقر والبطالة. غيره ينادي بالعلمانية، لا شيء دونها. الثالث يطالب بالحقوق المدنية. وأحدهم يريد أن يكون «مواطناً» في دولة المواطنة، حيث الطائفة ليست وسيطه بينه وبين حقوقه.. كل حقوقه. لائحة الاهداف لائحة طويلة لكنها ليست بلا نهاية. هم ما زالوا في بداية هذه التجربة، والوقت لم يسعفهم أصلاً للتفكير ملياً. قرروا التظاهر بعد أول اجتماع، وقاموا بثلاث تظاهرات في وقت قياسي، كما نصبوا خياماً في مناطق متعددة. تظاهرة عشرين آذار، أعطتهم زخماً كبيراً، ورؤوسهم تضج بالافكار. عيونهم على المناطق، ومن المفترض أن يكون مسيرهم المقبل من عمشيت إلى جبيل. لبيروت رمزيتها بالطبع. غير أن لبنان ليس بيروت. كما أن في المناطق اللبنانية من يريد المشاركة في هذا الحراك، والنقليات ترهق ميزانيته. نصب أعينهم ايضاً «البلوكات» المغلقة: مسيرة من الطريق الجديدة إلى حارة حريك، مثلاً. مسيراتهم لا مزاح فيها. بالكيلومترات لعبور الطوائف. بالكليومترات للعبور في قلب 8 و14 آذار، وخارجهما. هم متفقون على أنهم ليسوا قوة ثالثة. ليسوا جمهوراً ثالثاً في وجه جمهورين. هم قوة ثانية، بما أن طرفي آذار المتناقضين في الظاهر، يلتقيان في المضمون. قوة ثانية تنبه مناصري 8 و14 آذار إلى أن النظام الطائفي لا يولد إلا الصراعات، منذ قيام لبنــان الكبير، ومنذ ما قبل ذلك. النظام الطــائفي هو الذي محا بلا أدنى تردد إنجــازين عظيمين على مستوى لبنان، هما التحرير في العام 2000، وإنهاء الوصاية في العام 2005. هذا نظام تضييع الفرص التاريخية. هو نفسه الذي سيجعل من الجمهورين، ومن البــلد، وقود حرب أهلية مقبلة لا شك، كلما أدى هذا النــظام ورمــوزه بالبــلد إلى المأزق، وحين تتلاقى مصالحهم فعلى اللبنانيين. على أنهم يتجنبون ما أمكن الرمال المتحركة، من سلاح المقاومة إلى المحكمة الدولية. يقول بعضهم إنهم لم يبلوروا بعد مواقف من هذه المواضيع. الآخرون يقولون إن النقاش الآن هو على بناء الدولة اللبنانية. النقاط الخلافية «عبارة عن أشراك اذا ما وقعنا فيها لن نعود نقدر على الخروج منها». في العشرين من آذار، وضع هذا الخليط الجميل من الناس، وعددهم، وتفاؤلهم، وفرحهم الجميل بمشهدهم، وكثرة المتظاهرين منهم للمرة الاولى في حيواتهم ربما، وضع هذه الحركة أمام مسؤوليات ومخاوف. لم تعد طفلة بخدين ممتلئين ينحني الساسة لقرصهما بفرح لبراءتها. على الاقل عليهم التوقف عندها، ولو قليلاً. لم تعد مجرد مزحة. وهي قامت بما يعد أصعب الامور: دفعت اليائسين، الذين استسلموا للبنان لا يعنيهم بشيء، مقسوم بين 8 و14 آذار، دفعتهم إلى أن يشعروا أنهم معنيون. وأثبتت أن مقولة اللبناني المستلب الجاهل الذي لا يعرف ما الذي يريده هي مقولة خاطئة. فهو لا يحتاج الى كثير لكي يعلم أن الازمة كبيرة، غير أن مشكلته هي في إيمانه العميق بأنه ضعيف وبأنه عاجز عن التغيير. والحملة لن تُسرق، ما دامت عنيدة في مواجهة رموز النظام. والحملة لن تنفجر من الداخل، ما دام ناسها على هذه الحماسة. هذا، على الاقل، ما يقوله هؤلاء الذين يخوضون تجربة غير مسبوقة لبنانياً، وهم حريصون بما لا يقاس عليها. هذه مسيرة لا تخاف من طريق. تعبر من طائفة إلى طائفة ومن مذهب إلى مذهب، وتؤكد بداهة مطلبها حين ينثر عليها المختلفون في ما بينهم حبات أرز من نوع واحد. «فيها أناس يحلمون وليسوا يمزحون» كما يقول واحد منهم. يقول أيضاً إن طبقة سميكة من الغبار تكدست على رأسه حتى صارت حجراً. أتى العام 2011 ليحف يوماً بعد يوم، في تونس وفي مصر، والآن في هذه الأيام اللبنانية، في الحجر السميك حتى تبدد.. وصعدت الأحلام الكبيرة. الشاب شاعر. عاد يحلم.