محمد همدر - الاخبار
بعد مشاركات سابقة في «بيت الدين» و«بعلبك» و«جبيل»، يضرب مرسيل خليفة موعداً (23/7) هذا الصيف ضمن «مهرجانات البترون الدولية»، المدينة الساحلية الصغيرة القريبة من مسقط رأسه. يغني على ميناء صيّاديها للمرة الأولى، يرافقه الحاضر الغائب محمود درويش (1941 ــ 2008) من خلال «أندلس الحب» العمل الموسيقي الغنائي الذي أصدره خليفة أخيراً في مناسبة عيد «شاعر الأرض» الـ 75. من الظروف نفسها، يغني ويتكلم، لم يتغير شيء، لا في الحال ولا في لسان مرسيل. رسائله تعبر عن حسرته وعن أمل باق، تدعم الموسيقى صموده. ربما هذا قدر مرسيل مع الغناء في هذا البلد وهذه المنطقة منذ أن أمسك اليساري الشاب بعوده وانطلق ليحبك مع محمود درويش أغنيات الثورة والحب وفلسطين.
يقول مرسيل: «نغنّي لننجو من عزلة الحروب الصغيرة والكبيرة. لم يكن ممكناً الصمت ولم يعد ممكناً في هذه الارض الطافحة «بالجعير» الدافقة بالأوساخ وبالقرف والعار. نعيش في محرقة ونبكي أوطاناً لنا قتلوها وأسكنوا فيها القلق والحسرة والتهديد والذل والخوف والظلم والقهر. مع ذلك، سنغني ونتطلّع الى أمل ما الى حنين ربما يأخذنا الى وطن جديد نغلق الباب على التاريخ ونفتحه على نجوم السماء.
نغني ليستريح هذا الوطن وليأخذ قيلولة من العنف، ويرفع رأسه وينظر الى نجوم السماء وحوله هدوء الليل ونقاء الفجر، نغني لنخلخل ايمان المجتمع بكل معتقداته. نغني على أمل بتغيير الحياة نحو الجمال والحريّة والسعادة. نغني للحب لأننا لا نؤمن الاّ بالحب في هذا العالم الوحشي». في ميناء الصيادين في البترون القديمة، يطلّ خليفة مع «سداسي الميادين»، ليترك للعود وللموسيقى أن تتكفّل إخراج ما في صدره «نغني في ٢٣ تموز في مهرجان البترون مع «سداسي الميادين» عن كل ذلك: عن أندلس الحب، عن المينا، عن الصيادين، عن النور، عن الطفولة، عن الهجرة». وكان مرسيل قد وقّع عمله الموسيقي الغنائي الجديد «أندلس الحب» في ربيع هذا العام، إهداءً الى توأم روحه الفني، كما وصفه، محمود درويش، الذي أهدى الى مرسيل قصيدة «أندلس الحب» عام 1984، متمنياً عليه تلحينها. وحقّق خليفة الأمنية للشاعر الراحل في عيد ميلاده الخامس والسبعين. يعبّر مرسيل عن فرحة عارمة بالحفلة الأخيرة التي قدمها مع الاوركسترا السيمفونية الوطنية في «كنيسة مار يوسف» في ١٧ حزيران (يونيو) مع كونشرتو للبيانو وكونشرتو للعود مع رامي خليفة وكنان ادناوي. حفلة وصفها بالرائعة والمميّزة جداً. ويطلعنا على حفلة أخرى ستقام في ٢٩ تموز (يوليو) مع فرقة موسيقى الحجرة في مكتبة الاسكندرية وتضم برنامجاً موسيقياً وغنائياً منوّعاً. وفي ١٣ أيلول (سبتمبر)، يقدم أمسية في «مهرجان الاْردن». في كل عام، تضيف مشاركات مرسيل خليفة ما يليق بمهرجان ثقافي دولي. تعطي المهرجانات حقها ومرسيل وجمهوره بعضاً من حقّه، تعوّض عن غيابه عن الساحة لبعض الوقت بعد الحرب، وتصلح بعض ما سبّبه هذا الغياب. كما أن هذا المخزون الموسيقي المحلي المتجدد، الذي عبّر عن أجيال ومحطات من تاريخ هذا البلد، يغني عن مشاركات لفنانين عالميين للأسف، انتهت صلاحيتهم في الخارج، أو آخرين يُستقدمون بهدف الترفيه والتنطيط، فيضربون مفهوم المهرجانات الثقافية.
لوركا سبيتي - السفير
زياد الرحباني المتفرد في الموسيقى والمسرح متفرد حتى في حياته. الفتى الذي كان ابن عملاقين بنى نفسه بدون أن يتكل عليهما. عاش خارج البيت وداخله. خارج العائلة وداخلها. وحين شب كان مرآة أبويه ونقيضهما في آن معاً. ما الذي يدفع بموسيقيّ معروف مثله يستطيع أن يجلس في الصف الأمامي أن يكون هنا في الأخير؟ خطر ببالي ألف احتمال إلاّ الخجل، الذي اتضح لي حين عرفته جيدا في ما بعد. لحظات خرج مسرعا فلحقته خوف أن يغادر قبل أن أتحدث اليه، أسرعتُ الخطى، بعض الناس في الخارج يتبعونه بنظراتهم، صبية طويلة القامة اقتربت لتأخذ معه صورة فرفض بحزم وطلب منها أن تتصور مع المُحتفى بها (جميلة بو حيرد). سمعتُ الحديث فعرفت أنني أمام رجل واضح لا يراوغ.. قدّمت نفسي.. رد متفاجئا: «كنت أظنك تتصنعين البحّة تدللا عبر الأثير، هل صرخت كثيرا وأنت صغيرة ولم يسمعك أحد»؟ زياد الصغير لنفترض أن هناك كاميرا تعلو أبطال هذه القصة، هي الآن تنتقل بين منطقتَي «الرابية» حيث كان منزل والديه و «بدارو» حيث كان مكتب العمل.. زياد الصغير يستيقظ عند الرابعة والنصف صباحاً يجهّز نفسه بمساعدة المربية «جمال» ليوصله سائق العائلة «عبدو شليطا» إلى بدارو، وهناك يستقلّ باص المدرسة الذي يلفّ ويدور ليقلّ كلّ التلاميذ من طريق صيدا القديمة إلى معمل غندور، وكنيسة مار مخايل وغاليري سمعان وصولاً إلى مدرسة الجمهور. «حياتي كلّها مرّت على الأوتوستراد العربيّ» يخبرني بلكنته الكوميدية. لم يحب زياد الشقيّ شيئا في المدرسة إلاّ وقت الفرصة، وطبعا تودون أن تعرفوا كيف تجسدت شقاوة هذا الفتى؟! فتح ورفيقه في فرصة العاشرة خزائن التلاميذ وأكلوا زواداتهم، قام بجمع المال من تلامذة الصف لشراء مجلات لنساء عاريات، وكان الشرط بتمريرها بين الطلاب داخل الصف أثناء شرح الأستاذ. «كنّا نستعمل خيالنا الواسع لكي يمضي النهار الطويل بسرعة». كل هذا ولم يعلم أهله ما يفعله زياد في المدرسة بالرغم من العقوبات التي كادت تصل الى الطرد وإعادة العام الدراسي لولا تدخل لجنة الأهل لمصلحته حينها. الطريق شاقة ذهابا وايابا، حيث انه عند الرجوع كان عليه اجتياز غابة «كفوري» مشيا والمرور بالكلب الضال الجائع الواقف هناك للوصول إلى المكتب. زياد الصبيّ الذي لا لون له، المتعب من طول النهار وكثرة الشقاوة والوحيد كبئر يدخل الى المكتب، أبوه وعمه مشغولان بالتأليف والتسجيل وأشياء اخرى، أمه لا تأتي إلّا عند البروفات، يجلس أمام البيانو ويتحول الى أنامل صغيرة تعزف وتنتظر حتى التاسعة ليلا أو أكثر لتعود الى البيت. الكاميرا تعود مع زياد، فيروز الأم بقامتها الطويلة وشعرها النحاسي وكحلتها التي نسيت تنظيفها من ليل امس تختفي حين يدخل الشخصان. «ربما تشاجرا هذه المرة ايضا» يفكر زياد، وعليه أن يترأس المفاوضات مجددا. بطبيعة الحال يحتاج الابن إلى ان يكون والداه متحابيْن، فيعمل جاهداً على مصالحتِهما بالرغم من أنه لا يعرف عن العلاقة بين الرجل والمرأة شيئا بعد. أمه تشكو له لسان أبيه السليط وشتائمه «كان أبي يحب لعب الأيدي، حسّاس في الأغاني التي يكتبها بينما في حياته الشخصيّة كان عنيفاً جدّا». وأبوه الذي كان دقيقا يصبو الى الكمال ليس فقط في الموسيقى بل في كل شيء، يشكو له أمه. يتذكر زياد، وخجل غريب متصل بنظرة علقت في البعيد، والده يَهمّ بالمغادرة من البيت غاضبا، يطلب منه توضيب الحقيبة بينما يُكمل هو الشجار مع زوجته «كنت أنوي تلحين أغنية لهما اسمها: ضبّ بابا ضبّ»! يكرّرها مرتين ويضحك ضحكة هستيرية تُدمع عينيّ.. بعد مغادرته بقليل يتصل عاصي بفيروز سريعا: «حبيبتي، تقبريني»، هذا الاتصال يطمئن قلبا صغيرا ينبض وراء الباب.. «كان يحبها كثيرا حبا صافيا، ولكنها كانت تعامله معاملةً أفضل». اذاً هل كنتَ ترى أنهما يليقان بعضهما ببعض؟ «نعم لم أكن أتخيل الواحد من دون الآخر، فمن سيلحن أغانيها ومن سيغني ألحانه! «هكذا ردّ الموسيقيّ الذي علق في طفولته ولم يخرج منها الى الآن. لقد أرادت فيروز زياد محامياً، وأراد أن يكون طبيبا نفسيا، ولكنه كان وصار بالقوة وبالفعل موسيقيا، ولا يصلح إلا للموسيقى، إخراجا وكتابة وتمثيلا ومسرحا، وهذا ليس بأمر غريب على من عاش وسط الألحان كيفما اتجه فنحوها وأينما هرب فإليها. الموسيقى قريبة اليه اكثر من أمه التي لم يرها في معظم الأحيان. «كنت أشاهدها فقط على عتبة المسرح»، كل الوقت لديّ ولكنّها كانت مشغولة في كلّ الأوقات». يهمس لي بأن فيروز لو اعتزلت الغناء يوما فستصبح مذيعة أخبار باللغة العربية في لندن. «تخيّلي فيروز تقرأ الأخبار» يقهقه عاليا.. زياد طفل يشتاق لأمه اشتياقا أبديا، لم يقل ذلك ولكني شعرت به، بحنان مفقود له شكل الموقد ورائحة اللبن وقريب كفكرة لا يستطيع التقاطها. قصائد الكاميرا تصوّر الفتى يكتب قصائد أظنها دلّت على عبقريته الآتية: «في دنيانا يا أمي لا يوجد فستانٌ بشع ما دام لكلّ فستان واحدةٌ تُحب أن ترتديه». «لو عددتُ درجات بيتي وكم من مرةٍ صعدتُها لكان هذا درجاً طويلاً يخترق السحب وَلو عددت ضحكات أمي لي لرافقتني طوال صعودي ووقعتْ من بعدي الضحكات على الدرج وأزهرتْ زهرا». اكتشف عاصي القصائد ونشرها في جريدة النهار تحت عنوان «صديقي الله» من دون علمه، الأمر الذي أحرجه كثيراً في المدرسة بين زملائه. انتبه زياد لاحقا إلى أنّ أكثر الأفكار التي كتبها موّجهة الى أمّه ولكنه لم يتنبه أن الله صديقه الذي خاطبه في هذه القصائد هو أبوه، السلطة والمثال والرمز «أنا» لا أَحسِدُك على معرفتك مصيرَ كلٍّ منّا، لأنّك قد تبكي على مصيرِ حزين بينما صاحِبه سهران يَضحك. وتَعرِفُ الفرَح قبل وقوعِه فلا ترى مثلنا لذّة المُفاجأة».. من هنا والى الآن لم يخب ما كتبه زياد وما لحّنه ايضا، كلماته تجرح حقيقتُها كما تفعل الحياة، طالعة من مطارح في دواخله نسيَ نفسه أن يزورها، افتكرها امّحت، اختفت، ابتلعتها عزلتها. هو متفرد واستثنائي ولا يشبه إلّا خياله الذي أظنه ما زال يفاجئه ويمتحنه ويقسو عليه أحيانا وقد يلتصق به كأنه وسواس قهري لا يتركه يفتح الباب لأحد كما يفعل به الآن وفي هذه الأيام! زياد الحفيد شابه جدّه ليس في العنف بل في الشرب حدّ الإدمان.. الكاميرا تصور صبيا طريا يتلقى دروسه في مدرسة من أهم مدارس لبنان، ويدرس عزف البيانو عند أهم الأساتذة وابن أهم مبدعيّن في الوطن، يشرب الكحول وهو في الثالثة عشرة من عمره وطبعا في السرّ، من المحتمل أنه حمل عبر الجينات هذه الصفة، ولكن من المؤكد أن المراهق أراد الهروب. «ممّ كنت تهرب»؟ يجيب بارتباك طفولي: «من الطفولة، من المنزل، من الأشياء المريرة التي حدثت في حياتي، الكحول يخفف وطأة القسوة». عاش المؤلف الموسيقي مع الإدمان فترة طويلة ولم يوقفه إلّا جسده الذي ناداه بأن توقف وإلّاّ فستموت. خيبة الماركسي أُثقل الماركسيّ بالخيبات والإحباطات، وهزم مع جيل انتمى اليه، بسبب الحرب الأهلية من جهة وانهيار الاتحاد السوفياتي وفشل مشروع اليسار في العالم من جهة اخرى، بالإضافة الى تدمير المجتمع الذي أصبح رهينة الرأسمال والقوى المنتصرة، يضاف اليه فشله في العلاقات العاطفية وبالتالي الفشل في بناء عائلة وعزلته عن المجتمع.. الماركسيّ كتب خيباته مسرحاً وتنبأ المستقبل فيه، ففي مسرحيّة «بخصوص الكرامة والشعب العنيد»، و «لولا فسحة الأمل»، توقع أنّ المجتمع اللبنانيّ سيعود إلى العصور الحجريّة والحياة البدائيّة في الغابات، وتوقعّ انقسام العراق، وأنّ بغداد ستطالب الأمم المتحدة باستخدام مياه دجلة والفرات. وهذا الشيء قد حدث ما يشبهه.. وحاول في «فيلم أميركي طويل» تشريح المجتمع في الحرب من وِجهة نظر فكريّة ونفسيّة، ووضع الضوء على جدليّة الناس والزعماء والمؤامرة، كما ولو أنّه توصل في النهاية إلى حلّ وهو الجنون. يقول لي بتمعن ساخر: «أفتكر أنّنا كشعب لبنانيّ نعيش خارج الواقع بل خارج التاريخ. لا أظنّ أنّ هناك طريقة أو صيغة ما تروي للأجيال القادمة كيف وقعت الحرب. يُمكن لشخص غير لبنانيّ من جهة دوائر الاستخبارات الخارجية التي تُحرّك الأوضاع في لبنان أن يكتب هذا التاريخ».. في مسرحية «بالنسبة لبكرا شو» حاول تشريح النظام الاقتصادي اللبناني فجسّده على صورة ثريا العاهرة التي تضاجع الأجانب مقابل المال من أجل عائلتها (كم تشبه ثريا 8 و14 آذار؟!). لم يكن الرحباني الشاب الذي ينتمي الى عائلة تملك سلطة فنية ومعنوية مهولة تكاد تختزل الوطن، والذي ثار عليها فانشق مبكرا ورسم طريقه المغاير وطريقته الصادمة، ملحناً فقط بل شخصية استثنائية بالنسبة لجيل شاب أراد يومها الانقضاض على صيغة الوطن، لم يكن كاتب مسرحيات فحسب كما لم يكن تشيخوف وبريخت وغارسيا لوركا، هو كاتب حياة وكاتب موت وما بينهما، في أيامٍ مرّت ليس منذ زمنٍ طويل، كان المكان مسرحاً، والوقت ليس له شكل النهار والليل، والطقس لم يكن ماطراً أو صحواً، والحرب لم تكن تعرف أنّ لها قدمين، بدّد القلق العارم وأكّده، والغيثُ الذي فاجأ المارّة، كان على شكل ضحكة. في المسرح تشبّث بالحقيقة كأنّها نافذته التي يطلّ منها على العالم. حقيقةٌ لا تنفع حطباً ولا مجذافاً، بل تُعاتق العالم المُثلج، وتحنو عليه. مع زياد الرحباني الحديث يطول، تظنه انتهى، ولكنه فقط يأخذ نفسا عميقا، فتأخذ نفسا عميقا أنت ايضا، يتحرك وتبقى مسمّرا، هو كثير الحركة في منزله، المتراكمة أشياؤه والمتكدسة كأنها كائنات تشاركه العيش. كل شيء فيه له قصة، كل ورقة يحتاجها وكل قنينة خالية أو مجلة بالية تعنيه.. لا يهدأ في مكان، يقف ويجلس في آن، يذهب ويأتي، يتكلم ويصمت معا، يضحك ولكنّ حزنا ما في عينيه يطلّ عليك ويختفي، يحرّض حزنك، تتعاطف معه، ربما يصرخ في وجهك وتقبل، ربما يغضبه عدم فهمك لما يقول وتظل متفهماً.. وعليك دوماً أن تضحك لنكاته وتعترف بسرعة بديهته المرضيّة. أرفعُ صوت الموسيقى، أشعر به يداعِبُها كأنّها امرأةٌ شغوف ومتطلّبة وتحتاجُ دوماً إلى الرفقة. تقول أشياء لا أفهم أكثرها ولكني أشعر بها كالماء ينقر الهواء ويستسلم لملمسه واثقة المزاج كبيرة بحجم الفتنة.. تنتهي وأعيدها، تنتهي وأعيدها صادحة واضحة مباشرة ومفاجئة «ايه في أمل» ويلفحني أمل يرفرف أقرب من حمائم الرؤية...
قبل يومين، صوّت نواب «حزب العمّال» بحجب الثقة عن جيريمي كوربين، وقد أيّدهم في ذلك كل من توني بلير وديفيد كاميرون. رفض كوربين الاستقالة، مستنداً إلى الشرعية التي منحه إياها «أعضاء الحزب... الذين أرفض خيانتهم»
رنا حربي - الاخبار
عندما فاز جيريمي كوربين برئاسة «حزب العمّال» البريطاني في 12 أيلول 2015، رأت صحف عالمية أنّ «صديق العرب» و«عدو الرأسمالية» قد أحدث «زلزالاً» في سياسة الحزب، وأن فوزه سيكون المسمار الأخير في نعش «الوسطية» التي أنتهجها حزبه تحت قيادة توني بلير. هذا «الزلزال» بدأت تظهر تداعياته اليوم، إذ يواجه كوربين انقلاباً من قبل من رفض «دفن الوسطية» واختار مواجهة «اليساري المتمرد» في حرب داخلية مدمرة، قد يستغلها «الحزب المحافظ» في الانتخابات المقبلة. لم تكن الحرب على كوربين مفاجئة أبداً، خاصةً أن شخصيته المثيرة للجدل وأفكاره «الراديكالية» لا تتماشيان و«طبيعة» الحياة السياسية في بريطانيا.
حتى إنّ لحيته الخفيفة ينظر إليها الكثيرون على أنها شكل من أشكال المعارضة، وهو شخص من «خارج النظام»، ومن الطبيعي أن يعمل «النظام» على إفشاله وعزله، خاصةً أنه نجح في جذب أعداد كبيرة من المناصرين في القطاعات الشعبية والشبابية المختلفة والذين يمثّل كوربين بنظرهم «نفساً جديداً» سيعيد حزب العمال إلى سابق عهده كحركة للطبقة العاملة. ولد كوربين عام 1949 لأبوين كانا ناشطي سلام في فترة الحرب الأهلية الإسبانية، وعمل في الاتحاد العام للخياطين وعمّال الملابس، حتى بدأت حياته السياسية في عام 1974 عندما انتخب عضواً في مجلس هارينغي (المحلي). وفي عام 1983، تم انتخابه كعضو في البرلمان عن دائرة إزلينغتون الشمالية. يؤمن كوربين بالعدالة الاجتماعية والمساواة، ويسعى إلى رفع مستوى الحالة المعيشية للمواطن البريطاني العادي من خلال تحسين الاقتصاد وإصلاح نظام الرعاية الاجتماعية والميزانية. لا يخفي إعجابه بفلسفة كارل ماركس، ويصفه بـ«شخصية ساحرة يمكن أن نتعلم الكثير منها». ينحاز كوربين بشكل صريح إلى الفقراء والمهمّشين، وقد عارض بشراسة سياسة التقشف الأوروبية، ويؤيد فرض ضرائب إضافية على الأثرياء، كذلك عبّر عن دعمه الكامل للنقابات العمّالية، ورفض مشروع اتفاق التبادل الحر بين أوروبا والولايات المتحدة. إضافةً إلى ذلك، أظهرت «فضيحة النفقات الحكومية» داخل بريطانيا عام 2009 أن كوربين (الذي يصل إلى عمله كل يوم على دراجة هوائية) هو أقل النواب البريطانيين إنفاقاً، فقال معلقاً: «يجب علينا مراقبة كل ما ننفقه، لأنها أموال الشعب وليست أموالنا الشخصية». معروف عن كوربين أنه رجل مبدئي، إذ إنه لم يغيّر مواقفه منذ دخول البرلمان، لا سيما تلك التي تتعلق بالسياسة الخارجية لبريطانيا. فهو من المتحمسين للحلول السلمية، وقال بعد ساعات على انتخابه إن «هدفنا يجب أن يكون إيجاد حلول سلمية لمشاكل العالم».
عرف عن كوربين عداؤه للعنصرية، وألقي القبض عليه عام 1984 أثناء تنظيمه احتجاجاً في لندن ضد نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا. مُنح جائزة غاندي الدولية للسلام لعام 2013 لأنه «بذل جهوداً حثيثة لإعلاء قيم غاندي للعدالة الاجتماعية ونبذ العنف». وكوربين عضو في حملة «التضامن مع فلسطين»، و«منظمة العفو الدولية»، وحملة «من أجل نزع السلاح النووي» و«أوقفوا الحرب». يعدّ زعيم «العمّال» من مؤيدي القضية الفلسطينية ومن المدافعين عن حقوق الشعب الفلسطيني في المحافل الدولية، ويعرف بمعارضته للعدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة. وقد تعرّض للكثير من الانتقاد عندما أشار في مقابلة إلى ضرورة إشراك «حماس» في أي «عملية سلام»، وعند فوزه برئاسة «حزب العمّال» هاجمته الصحافة الإسرائيلية بشراسة، ووصفته بأنه «معاد للسامية». تصدّر كوربين المشهد في الفترة التي أعقبت حربَي أفغانستان والعراق، ولعب دوراً كبيراً في حشد معارضة كبيرة لهاتين الحربين. وعند سؤاله يوماً عن أكثر قرار يفتخر بمعارضته، قال إنه فخور بمعارضته قرار الحرب على العراق في عام 2003. وهو يرى أن على «حزب العمال» الاعتذار من البريطانيين بعد «خداعهم» و«توريطهم» في الحرب على العراق، ومن الشعب العراقي على العذابات التي ألحقت به. وقال في مقابلة: «لقد كانت حرباً غير شرعية، وبالتالي على توني بلير أن يشرح لنا تأييده لها. هل ستتم محاكمته؟ لا أعرف. هل نستطيع محاكمته؟ ربما». أما في ما يتعلق بالأزمة السورية، فيرفض كوربين رفضاً قاطعاً التدخل العسكري، ويقول إنه «ليس مقتنعاً بأن الغارات على سوريا تعطي نتيجة»، مشيراً إلى أنها ستقتل المزيد من المدنيين. وبالنسبة إلى قضية اللاجئين، فقد دعا إلى «إيجاد حلول سلمية» لمواجهة الأزمة، وأول قرار كان قد اتخذه بعد إعلان فوزه كان المشاركة في مظاهرة لدعم اللاجئين. أما في ما يخصّ الولايات المتحدة، فيقول كوربين إن بريطانيا «لعبت دور التابع الأمين» لسياسات أميركا الخارجية على مدار الـ60 عاماً الماضية، ويرى أن على بريطانيا أن تستقل عن الولايات المتحدة في سياساتها الخارجية، وأن تركز أكثر على حقوق الإنسان. وطالب أكثر من مرة بخروج بريطانيا من حلف «شمال الأطلسي»، وذلك لحجم الأموال المخصصة لميزانية الحلف، إضافة إلى رفضه للحروب التي يشنّها الحلف في مناطق عدة. يعارض كوربين بشدة امتلاك الأسلحة النووية، ويدعو بريطانيا إلى التخلي عن ترسانتها، مؤكداً أنه لن يستخدمها إذا تم انتخابه كرئيس وزراء. أيّد بشكل لافت وحدة ايرلندا، وطالب أكثر من مرة بضرورة رفع العقوبات المفروضة على إيران، معتبراً أنها «لا تجدي نفعاً»، وأنه ينبغي البحث عن وسائل «لا تكون لها تداعيات عكسية وسلبية» على الشعوب. منذ تولّي كوربين رئاسة الحزب، طُرحت التساءلات حول مستقبل الحزب في ظل قيادته «غير التقليدية»، وشكك الكثيرون في قدرته على الفوز في الانتخابات العامة وتشكيل حكومة. وبالرغم من وصف بلير لانتخاب كوربين بـ«الانتحار»، الأخير أعاد إنعاش الحزب على المستوى الشعبي، وشكّل ظاهرة كسرت النمطية السياسية التي تحكم البلاد منذ السبعينيات والثمانينيات.
غسان ديبة - الاخبار
"الولايات المتحدة الاوروبية في ظل الرأسمالية هي إما مستحيلة أو رجعية" لينين
إن الحلم الاوروبي، خلافا لما يعتقد الكثيرون، لم يخلق بعد الحرب العالمية الثانية مع افكار روبرت شومان التي تجلت اولاً في معاهدة تشكيل مجموعة الفولاذ والفحم في عام 1950، والتي انبثق منها شيئا فشيئا في نهاية الامر الاتحاد الاوروبي.
ان الحلم بأوروبا واحدة يعود الى القرن التاسع عشر، وراود، في فترة معينة، حتى البلاشفة على شفير الحرب العالمية الاولى، إذ كانوا مقتنعين بفكرة الولايات المتحدة الجمهورية الاوروبية. وكلما استشرف البلاشفة المستقبل رأوا ان الاشتراكية الموحدة للشعوب ستكون هي التي توحد اوروبا. في كتابه "من النيب الى الاشتراكية"، في عام 1921، تخيل الاقتصادي الروسي اللامع، وصاحب نظرية التراكم الاشتراكي الاولي، يفغيني بريوبرجنسكي سلسلة محاضرات تبث على الراديو من قاعة المحاضرات في موسكو الى اماكن اخرى في روسيا في عام 1970. والمحاضرة الاخيرة تتحدث عن قيام اوروبا السوفياتية، حيث تؤدي روسيا دورا خلفيا بسبب التقدم الاقتصادي والتكنولوجي لدول مثل المانيا. ان هذا الكتاب يعكس ليس فقط تصور البلاشفة لما كانت ستكونه اوروبا في ذلك التاريخ، بل يعكس كم ان الماركسيين تخيلوا استخدام التكنولوجيا في استشراف لبث المحاضرات اليوم على اليوتيوب. هذا كان حلم البلاشفة بأوروبا اشتراكية شبيهة بما يدعو اليه اليسار الاوروبي اليوم بـ "اوروبا اجتماعية"، لا اوروبا موحدة في حد ذاتها. ولينين، بحلول عام 1915، عندما بدأت الدول الامبريالية الاوروبية تطحن خيرة ابنائها في اتون الحرب الكبرى، كتب في ما يشبه التنبؤ بأزمة الاتحاد الأوروبي اليوم "إن الولايات المتحدة الاوروبية في ظل الرأسمالية هي اما مستحيلة او رجعية". اوروبا اليوم لم يضرب مشروعها الموحد الإستفتاء في بريطانيا فقط، بل ضربتها فعليا السياسات التقشفية والمعادية للديمقراطية وللعمال التي اتبعها الاتحاد ومؤسسات اليورو، والتي تجلت في اوجها في الحرب الاقتصادية التي شنتها على اليونان الترويكا، التي مثّل الاتحاد الاوروبي احد اعمدتها بالاضافة الى البنك المركزي الاوروبي وصندوق النقد الدولي. فبعد ازمة عام 2008 تبين بوضوح كم ان اوروبا "رجعية" في ظل الرأسمال المالي والعابر للحدود، الذي كان احد تجلياته استدانة جنوب اوروبا من شمالها. والآن بعدما بدأت الشعوب الاوروبية من اليونان الى بريطانيا الى البرتغال وغيرها تأخذ زمام المبادرة في الانتفاضة على هذا النظام الاوروبي، بدأ المشروع الاوروبي يبدو "مستحيلا" كما قال لينين، وبدأ التدمير لأوروبا من الداخل.
في المملكة المتحدة كان الانقسام، إلى حد كبير، طبقيا. فشمال انكلترا الصناعي، على الرغم من ميوله الى حزب العمال الذي دعم حملة البقاء، صوّت مع الخروج، لأن مصالحه بدأت تتعارض مع مركز لندن المالي وحركة رأس المال الذي يفتش عن تعظيم الربح. في هذا الاطار، لدى حزب العمال البريطاني فرصة الآن للتوجه الى الطبقة العاملة البريطانية لحمل لوائها والذهاب اكثر فاكثر الى مشروع اشتراكي بريطاني. وقد احس اليمين العمالي، الذي يمثل ارث توني بلير، بهذا الاحتمال، فانتفض بمحاولة انقلابية على زعيمه الجديد جيريمي كوربين محاولا استعادة الحزب الى "الطريق الثالث" بدلا من استمرار توجهه نحو اليسار. والحجة التي يسوقها الانقلابيون هي المعزوفة القديمة التي اعتاد يسار الوسط وأتباع توني بلير وشرودر وغيرهم لعبها، وهي ان هدف اليسار المقدرة على الحكم، والآن المرحلة هي مرحلة تفاوض مع اوروبا، وبالتالي فإن الوصف الوظيفي (Job description) لرئيس حزب العمال تغير من مناضل الى مفاوض! إن هذا الموقف، المغلف بالتقنية، يمثّل محاولة اخيرة لبقايا البليريين لاستعادة السيطرة على الحزب، وهو لن ينطلي على احد ولن ينجح الانقلاب، لأن غالبية قواعد الحزب تدعم الخط اليساري الجديد لكوربين. اضافة الى هذه المحاولات السياسية المباشرة، هناك أيضا محاولات لتصوير الخروج وكأنه غلطة ارتكبها الناس في غفلة ونتيجة حماسة في غير محلها. والبعض يطالب بإعادة الاستفتاء بعدما عاد الناس الى رشدهم بسبب "الكارثة" التي حلّت بالاقتصاد البريطاني. اكثر التحليلات غرابة في هذا الاطار يتمحور حول "سيكولوجيا" الخروج البريطاني. اذ يقول احد أساتذة علم النفس ان الناس لديهم "نزعة تدميرية" يستقونها من عدم تمكنهم من السيطرة على المستقبل في حياتهم الشخصية، اضافة الى نوع من الشعور بالذنب من كونهم يتلقون "مساعدات" مادية عبر اليات الدعم واعادة التوزيع للاتحاد الاوروبي، وبالتالي ينتفضون على وضعهم "المزري" عبر عض اليد التي تطعمهم! الى جانب هذا التحليل الاكاديمي السيكولوجي الجماعي، غير المؤذي عامة، هناك خطر اليمين المتطرف الذي يحاول ان يجعل من هذا الخروج مطية لسياساته القومية والمعادية للاجانب واليسار. في مواجهة التفسيرات ومحاولات الاستغلال والبروباغندا التخويفية، علينا أن نؤكد مرة تلو الاخرى أنّ تفكك اوروبا جزء من مسار الأزمة الرأسمالية التي بدأت عام 2008، والتي انتجت هذه الحالة واعادت خلط الاوراق السياسية بعد عقود من سيطرة ثنائية يمين ويسار الوسط. في هذ الاطار، سيكون لدى اليسار الاوروبي الاجابة العصرية والتقدمية على الازمة ومفاعيلها عبر اعادة الروح لمشروع اوروبا اجتماعية؛ اوروبا العمال والموظفين والعمل اللائق حيث يعاد توزيع الثروة والدخل باتجاه تلبية حاجات المستقبل وحاجات الشباب الاوروبي، الذي يرزح الان تحت نظام ينتج البطالة واجور متدنية، ويرزح تحت تهديد خطر داهم من الرأسمال المتربص للقضاء على المكاسب الاجتماعية والاقتصادية التي تحققت في المئة سنة الماضية؛ هذه المكاسب التي جعلت من اوروبا منارة للتقدم والحضارة. ان اليسار الاوروبي مدعو اذا الى حمل هذه الراية التي تحقق الحلم الاوروبي الحقيقي بعيدا عن الكابوس الذي يعيشه الكثيرون اليوم، وحتى لا تخرج اوروبا من الوحدة الى الفاشية والقومية المتطرفة التي لم تنتج تاريخيا الا الحروب والمآسي.
غسان ديبة - الاخبار
"أنتم أيها الداخلون الى هنا، تخلّوا عن كل آمالكم" جحيم دانته
■ ■ ■
حول طاولة العشاء جلس أربعة من كبار الاقتصاديين السياسيين يناقشون القضايا العامة الحاضرة.
- ادم سميث بمكر واضح قال: استمعت الى أحد البرامج التلفزيونية في ذلك الوطن الصغير لبنان، حيث إنّ رجل دين مسيحياً يتحدث عن الوظائف في الدولة وكيف ان المسيحيين لا يحصلون على حصتهم، واظن انه ذكر "المهمة". لقد اضحكني، اذ انه حمل معه جدولا كبيرا على ورقة كبيرة ليدعم حجته "بالارقام"، كما يقولون هناك. لم استطع ان ارى ما كتب عليها، لكن لا اعلم لماذا ذكرتني الورقة بنظام جداول التصنيف الذي اخترعه فرانسيس بيكون. - نظر ماركس الى سميث بعدما كان مشغولا بالتفكير: آه لا تذكروا هؤلاء، الا يزالون قبائل تتناحر؟ اظن انه في 1860 كتبت عنهم. اخاف منهم هؤلاء اللبنانيين فهم لا يتغيرون بعكس كل شيء. اظن انهم برهنوا انك تستطيع ان تشرب من النهر نفسه مرتين. - مال مالتوس الى جهة ماركس متسائلا: كم يبلغ عدد الشعب اللبناني؟ وكيف ينقسمون بين مسيحيين ومسلمين؟ اريد ان اعرف قبل ان اعطي رأيي. من يتكاثر اكثر؟ هل ينتجون غذاءهم؟ سمعت ان السوشي اليابانية اصبحت من الاكلات المفضلة هناك والسمك المحلي لا يتكاثر كما يجب. فلماذا الخلاف حول وظائف الدولة؟ - سميث: اظنه كان يشير الى وزارة المالية وهي التي بعد الحرب ارادوها عبر الاستدانة ان تكون اسمن من البط الفرنسي الذي يطعمونه بالقوة. على فكرة، الا يتحدث اللبنانيون الفرنسية؟ لا اعلم بالتحديد يا مالتوس لماذا يختلفون، وخصوصا انه قيل لي ان اللبنانيين يحبون الاقتصاد الحر، حتى انهم كتبوا واجب الولاء له في دستورهم. لا اظن انني دعوت الى هذا! - قاطعه ماركس: لا تنسَ... والمبادرة الفردية! - تابع سميث: يبدو عجيبا لي ان شعبا يحب الاسواق الحرة اكثر مني قد يكون مهتما جدا بمن يعمل في الدولة. اليست الدولة "رجل اعمال فاشلا" كما يقولون هناك. فمن يريد العمل عند شخص كذلك؟ ولماذا الناس على سلاحهم، فقد سمعت ان ما يسمونه الان وسائل التواصل الاجتماعي التهبت بعدما عين وزير مالية لويس الرابع عشر، عفوا، اقصد وزير المالية اللبناني، رئيس دائرة مسلما بدلا من مسيحي. - استفاق ريكاردو من سأمه، فهو يحب النماذج المحكمة وبدا له هذا الموضوع متشعبا كثيرا، لكنه بدأ يرى جانبا مضيئا. قال: آه، لا بد ان الريع قد استحوذ على كل شيء في هذا البلد الصغير، والا، كما وصفتموه لي، لكان موضوع الدولة وموظفيها ثانويا. قلت لك عزيزي سميث ان رؤيتك المتفائلة عن الرأسمالية مبالغ فيها، فريع الاراضي سيأكل الربح كله وسيبقى العمال ينعمون فقط بأجور كفاف يومنا. اليس هذا ما يحدث هناك؟ وبالتالي الناس يتعلقون بحبال الليفياثان. اين صديقنا هوبز... لماذا لم تدعوه الى العشاء؟ - تدخل مالتوس قائلا: ليس هناك من غذاء كافٍ لنا كلنا، وهذا ما اظن أنه يحدث في لبنان. وهناك من يتكاثر اكثر من الاخر، بالتالي الاخر يخاف على نفسه. انهم في وضع، كما ذكر صديقنا سبنسر، فيه البقاء للاقوى. - اجاب سميث: لا عزيزي، هناك من اراد ان يبقي وضعه الاحتكاري في الاسواق وفي الدولة ولكنه يرى الامور قد أفلتت من بين يديه. اليس كذلك؟ لكن الاحتكار لا يتعايش مع الاسواق الحرة. وكأنهم فقط قرأوا ما كتبته عن ميل التجار للاحتكار وطبقوه. ظننت ان التنافس يا أعزائي سيحل كل شيء، ولكنني لم اتصور انهم سيتنافسون حتى الموت على وظائف الدولة. تابع سميث: من المضحك ايضا، ان رجل الدين اعطى مثلا عن شركة افران يمتلكها مسلم وارادت ان تفتح في منطقة مسيحية وهي ستوظف مسيحيين حتى يجتذبوا الزبائن، وهو يتساءل لماذا لا تفعل الدولة الشيء نفسه؟ لم اصدق ما كانت تسمعه أذناي! - ماركس: لكن مهلا. هذا يذكرني عزيزي سميث بقصتك التي رويتها في "ثروة الامم" عن عمل الفران الذي يخبز من اجل مصلحته الخاصة، ولكن عمله في النهاية يؤدي الى الصالح العام. مع انك لم تبرهن هذا، وهو أحد اخطائك الكبرى، عدّه الكثيرون من بعدك حقيقة ليست قابلة للجدل، وكأنها مقدسة. رجل الدين هذا ذكي اليس كذلك ايها الموقر؟ موجها كلامه الى مالتوس. - لم ينتبه مالتوس فرد ريكاردو: كل هذا يحصل والعقارات والايجارات هناك تأكل كل شيء. ظننت ان الرأسمالية المتقدمة قد ابطلت صحة نظرياتي، ولكن ها هو بلد في شرق المتوسط يبرهن العكس. لاول مرة احس انني احب اصحاب الاراضي! - ضحك ماركس ونظر الى سميث ومالتوس: انني دائما وجدت نفسي اتفق مع ريكاردو اكثر مما اتفق معكما انتما الاثنين. صحيح ان الريع يأكل الكثير في لبنان، ولكن، كما اطور دائما افكار صديقنا. انا مثل ريكاردو ايضا اجدني احب لاول مرة الراسماليين، فهم فشلوا فشلا ذريعا، ولكن لم يأكلهم الريع فقط، بل ارادوا ان يصبحوا ريعيين أيضا، اي انهم كالحرباء التي تغير لونها، ولكنهم هذه المرة تغيروا الى الابد، وكما دائما يحفرون قبرهم بايديهم. فها هو، كما ذكرت في كتابي رأس المال، معدل الربح ينخفض ربما لاول مرة بوضوح في نظام راسمالي، فهو عندهم ينخفض في ثالوثهم المفضل في المصارف والعقار والتجارة، فلم يبقَ لهم الا الزبالة كمورد للربح. فما رأيك في هذا يا مالتوس؟ - فوجئ مالتوس فرد متلعثما: الزبالة؟ لا اعلم ماذا تقصد، ولكن قرأت انهم استنفدوا النفط والغاز حتى قبل ان يستخرجوهما. غريبون هؤلاء كيف انهم يصرون على اثبات نظرياتنا جميعا. - ماركس: اظن ان الامر يصل كما قال سميث الى حد "حتى الموت". فهم كابله القرية اخشى ان يعيدوا ما فعلوه في السابق وهم يستحضرون الان اشباح الكراهية. ذكرني رجل الدين هذا بميلوسوفيتش عندما ذهب الى كوسوفو في 1987. ما قاله هناك قوض الجنة الشيوعية في يوغوسلافيا. - قفز ريكاردو الذي كاد ان ينام: كنت احلم بانهم يبيعون صكوك اراضيهم لكن هذه المرة ليحجزوا مكانا لهم في الجحيم. بعد كل ما سمعت، اظن انه علينا ان نستعير منك عزيزي ماركس.. "ان اشباحا تخيم فوق لبنان..".
بيار أبي صعب - الاخبار
التحريض المؤسف الذي رافق، في بيروت، إعادة تقديم «لماذا…؟»، قبل أسابيع، لم يكن سوى إشارة رمزيّة، تساعدنا على وضع تجربة عصام محفوظ في إطارها. بعد ٣٥ سنة على تقديم هذه المسرحيّة الخاصة جداً في مساره، برؤيا إخراجيّة تحمل توقيع لينا خوري، أسدت إلينا حفنة من الجهلة والتكفيريين الجدد، خدمة لا تقدّر بثمن.
لقد جاء التأويل الأرعن لأحد المشاهد، ليذكّرنا عنوة بالرجل الذي تفتقده بيروت في زمن الانهيارات الكبرى. كلا لم يكن عصام محفوظ أديب صالونات، ولا كاتباً توفيقيّاً يمكن أن نجترّ اليوم عند قبره خطابات المجاملة، ونمثّل طقوس الاحتفال المعقّمة. لقد كان مثقفاً مزعجاً ونقديّاً، ومبدعاً راديكالياً في علاقة صدام دائم مع الخطاب السائد، والحس المحافظ، والفكر الغيبي، والبنى القمعيّة على اختلافها. كان مثقفاً عربيّاً ماركسياً وعلمانياً ويساريّاً، وكل لبنان يتذكّره اليوم. هذا هو رهانه الرابح. هذا مصير الكتّاب الكبار: أن يكونوا ملك أمّتهم. وتكريمه يبدأ برفع القبعة لأحد ألمع أبناء الجيل المؤسس للحداثة بكل أشكالها، لكنّه يقتضي أيضاً أن نستوحي روح السبعينيات المجيدة، بلا حنين زائد، ونستنير بمشروعها الفكري والقومي والسياسي، في أزمنة التكفير والردّات الظلاميّة والمذهبية. ما زال عصام محفوظ مزعجاً إلى الآن. يكفي أن نستعيد مراحل حياته ونتاجه، من الشعر الذي تركه خلفه بصمة قويّة منسيّة، إلى النص المشهدي الذي أسس للمسرح الحديث، وصولاً إلى المرحلة الفكريّة النقديّة التوثيقيّة التأريخيّة التي زار فيها على امتداد ثلاثة عقود ـــ بلغة الحوار المسرحي والمقابلة الصحافيّة والسيناريو السينمائي ـــ بعض أهم رموز الإبداع والتنوير والتمرّد والماديّة في الحضارة العربية-الإسلاميّة. «سعدون»، بطله العبثي والوجودي، ضحيّة القمع على أشكاله (من اجتماعيّة وسياسيّة وفكريّة…)، ما زال بيننا، رفيقنا وشريك لحظتنا المرّة. لقد كان صاحب «الزنزلخت» طوال حياته في مواجهة مع الرجعيّة والاستبداد. وانتهى فقيراً بلا عمل، ولا منبر، لأنّه اختار السباحة عكس التيار، خرج من طائفته إلى الأمّة والعالم، ولم يتملّق سلطة أو زعيماً أو نظاماً. والاحتفاء به الآن، هو استعادة لهذه الخيارات واحيائها. في الذكرى العاشرة لرحيله، تعالوا نراه كما هو. تعالوا نرسم له «صورة شخصيّة»، أسوة بما فعله هو مع جبران خليل جبران في الثمانينيات. تعالوا نبدأ من الاعتذار إلى عصام ـــ ربما حان الوقت لذلك ـــ لأننا تركناه يعيش سنواته الأخيرة وحيداً. منذ ضاقت به جريدته العام 1996 بعد ثلاثين سنة من الانتماء وتوسيع الآفاق، وحتّى انطفائه معزولاً ومشلولاً، العام 2006، فوق فراش المرض. اليوم نتذكّره بنظارتيه السوداوين، وحديثه المتقطع، وثقافته الواسعة التراثية والمعاصرة، بعبثيته وهشاشته، بوساوسه وأحلامه، بخوفه وتطيره. لتكن مناسبة لإعادة اكتشاف كتبه الخمسين، والترويج لها لدى جيل جديد يكتشف الشارع والتمرّد والوطن، والتحركات المطلبيّة ومفهوم الالتزام، والأدب والحب والحياة. هل تعرفون يا أصدقاء عصام محفوظ؟ عرّاف «الملاحدة» العرب، سليل «رواد النهضة»، خليل «المتمردين» في تراثنا، رفيق بول إيلويار ولوي أراغون وجورج شحادة. تراءى له آرتور رامبو بالأحمر على متاريس «عاميّة باريس». عصام محفوظ مريد «الشيخ الأكبر» ابن عربي، زميل دورنمات وأداموف، وريث مارون النقاش وأبو خليل القباني وأبو نظارة وجورج أبيض وسعيد تقي الدين. عصام محفوظ أحد صنّاع الفرجة ومنظريها أيضاً، كتب مانيفستو الحداثة المسرحيّة في «بيانه المسرحي رقم واحد» الذي صاغ مع بيانات يوسف إدريس وروجيه عسّاف وعبد الكريم برشيد والطيب الصديقي وسعدالله ونّوس، ملامح المسرح العربي الحديث. جمع بين مسرح العبث والمسرح السياسي والمسرح التوثيقي، على مائدته كان يلتقي بيكيت وبنتر وتنسي ويليامس وبريخت وبيتر فايس. مسرحه ينبض بـ «لغة الحياة، لغة الحسّ الدرامي»، بعيداً من الحشو والتنميق والايديولوجيا، بين عامية وفصحى مبسّطة. وهذه اللغة طبعت مسار الفن المشهدي الحديث ثم المعاصر في لبنان. عصام محفوظ معاصرنا. طيفه يخيّم على مقاهي الحمراء التي لم تعد، مسارح بيروت التي لم تعد، الصفحات الثقافيّة التي لم تعد. في مقالة له في «المستقبل» العام 2006، يتذكر الناقد الراحل محمد دكروب صرخة صديقه خلال الاحتلال الإسرائيلي لبيروت (1982)، إذ رفض أن يغادر العمارة التي يقطنها: «لو لم يبق في الحي سواكَ ـــ كتب محفوظ في «النهار» ـــ فإن الوطن سيكون أنت، سيكون على مقاسك، لكم كان يريحك هذا الشعور: أن تكون أنت الوطن». عصام محفوظ الشاهد على تجربة الحداثة. عصام الباحث عن الحرية. عن وطن على مقاسنا. الاحتفاء به في الذكرى العاشرة لرحيله، يكون بمواصلة الاستفزاز والتمرّد، الرفض وتحطيم الأصنام، التجريب والغضب.
زينب حاوي - الاخبار
في 13 كانون الثاني (يناير) 2016، طُرح العرض الأول لفيلم «بالنسبة لبكرا شو؟» (1978) في الصالات اللبنانية. قبل هذا التاريخ ليس كما بعده. عرض مسرحية زياد الرحباني التي ناهز عمرها 38 عاماً على الشاشة الكبيرة، كان تحدياً كبيراً، خصوصاً أنّ الأجيال ألفتها من دون صورة، وحفظتها عن ظهر قلب.
اليوم، يعيد الجيل الشاب اكتشاف ما تردد على مسامعه من أصدائها، لكن سينمائياً. منذ تاريخ هذا العرض، والأسئلة مشرّعة حول كيفية تظهير هذا العمل تقنياً وفنياً، من قبل شركة M.media (الأخبار 18/1/2016). احتدم الجدل حول هذه الخطوة وأهميتها، خصوصاً في عصرنا السياسي والاجتماعي الراهن. في الأيام الأولى للعرض الأول وما تلاه أيضاً من عروض قبل التدشين الرسمي لهذا الفيلم أمام الجمهور اللبناني، أي في تاريخ 21 كانون الثاني، كنا أمام مشهدين صحافياً وعلى مواقع التواصل الاجتماعي صنعهما كتّاب وصحافيون وناشطون. مشهد أشاد بالعمل رغم شوائبه التقنية، وقسم آخر كان ربما الأشد ضراوة وقساوة، تمثل في بعض الأقلام التي غابت عنها صفات النقد المهني، ليحضر مكانها سيل من الأسطر يحطّم بالعمل ويفرغه من قيمته السياسية والاجتماعية والإيديولوجية، ووصل الى حدّ وصفه «بالعمل الموتور والنزق»، فيما ركز نقاد على رداءة المشاهد والتصوير كأنها هي وحدها التي تحسم القيمة الفعلية للعمل. طبعاً، كانت خلفية بعض المقالات، سياسية بحت. يمكن الاستنتاج ذلك بسهولة من خلال تحليل وتفكيك بسيط لهذه المواد التي ظهرت كأنها حملة إعلامية منظمة على زياد وعلى المسرحية بسبب مواقفه السياسية المثيرة للجدل.
ورغم كل هذا التشويه والتشويش، وإطلاق السهام على العمل منذ عرضه الأول، الا أن النتائج أتت مخالفة تماماً للأهداف التي بنيت عليها هذه الحملة. كما تبين معنا، قلب «بالنسبة لبكرا شو؟» الموازين، إذ حقق أرقاماً خيالية في شباك التذاكر منذ انطلاق عروضه رسمياً، أي يوم الخميس الماضي. جولة على الصالات السينمائية في لبنان، تكفي للجزم بأن ما تشهده حالياً، هو أقرب الى ثورة في تاريخ العروض، يتوقع أن تستمر بهذا الزخم لتحقيق أرقام قياسية جديدة. رنيم مراد من قسم التسويق في M.media تحدثت لـ»الأخبار» عن حلول «بالنسبة لبكرا شو؟» أولاً في تاريخ السينما اللبنانية، وهذا الأمر كما تقول كان متوقعاً. أما هيام صليبي، مديرة المبيعات في شركة Italia Film الموزعة لفيلم «بالنسبة لبكرا شو؟»، فقد أوردت أنّ العمل حقّق 62 الف مشاهدة منذ الخميس الماضي حتى أول من أمس. وتتوقع صليبي في اتصال مع «الأخبار» أن تصل الأرقام الى 250 الى 300 الف مشاهدة في الأسابيع المقبلة. ورغم «رداءة الصور»، إلا أنّ «الإقبال فظيع» كما تردف. طبعاً هذه أرقام خيالية تحققها السينما اللبنانية في وقت قياسي لأول أيام عرض فيلم في الصالات. ويبدو أنّ الضجة لن تقتصر على لبنان، فقد كشفت صليبي عن نية الشركة تسويق «بالنسبة لبكرا شو؟» عربياً بعد الطلب الكثيف عليه في تونس والمغرب ومصر والإمارات، بالإضافة الى سوريا، خصوصاً بعد الحملات الإلكترونية التي نظمها الناشطون السوريون للمطالبة بعرض الفيلم في الشام. مدير البرمجة في صالات سينما Empire بسام عيد، تحدث عن أكثر من 61 الف مشاهدة حتى اليوم، كاسراً بذلك الأرقام التي حققها فيلم The Passion of the Christ لميل غيبسون الذي سجّل وقتها 50 الف مشاهدة بعد أسبوع من عرضه. هكذا، ترسو الترتيبات على التالي في صالات «أمبير» ضمن خانة تسجيل الأرقام القياسية: «بالنسبة لبكرا شو؟»، في المرتبة الأولى، يليه «آلام المسيح»، وفي المرتبة الثالثة فيلم «تايتانيك»، و«وهلأ لوين؟» للمخرجة نادين لبكي في المرتبة الرابعة. أما في صالات «غراند سينما»، فيورد رالف سمعان من قسم التسويق، وصول نسب المشاهدة الى أكثر من 62 ألفاً. يقول سمعان لـ «الأخبار» إنّ هذا «رقم كتير كبير مع أول 5 أيام من العرض» مع بيع أكثر من 28 ألف بطاقة سبقت تاريخ العرض الأول للفيلم. وقارن سمعان ذلك بفيلم «حرب النجوم: صحوة القوة» (إخراج جاي. جاي. أبرامز) الذي يحقق اليوم أرقاماً قياسية في أميركا والعالم وصلت الى مليار و900 وأربعين مليون مشاهدة. وفي لبنان، حقق «حرب النجوم» في أول 5 أسابيع من عرضه 62 ألف مشاهدة في صالات «غراند سينما» ليكسره اليوم عمل زياد الرحباني. زينب...
زينب حاوي - الاخبار
بعد عامين من الانتظار، تعرض قناة «الميادين» السبت المقبل سلسلة «الاجتياح... غزو لبنان 1982» (منتج منفذ نانوميديا - إنتاج الميادين). على مدى 7 أسابيع متتالية، ستعرض أجزاء السلسلة، لتوثّق تواريخ فاصلة في الصراع العربي - الإسرائيلي، ونشوء المقاومة اللبنانية ومجيء الفصائل الفلسطينية إلى لبنان في تلك الفترة.
الفكرة تعود إلى رئيس مجلس إدارة «الميادين» غسان بن جدو الذي أراد الإضاءة على مرحلة الإجتياح الإسرائيلي لبيروت، وتحديداً بين 1982 و1985، والإطلالة على الواقع الحالي وإعادة تصويب البوصلة نحو العدو الأساسي. منذ إنطلاقتها، تعمد قناة «الواقع كما هو» إلى إفراد «مساحات على شاشتها للأعمال التوثيقية والميدانية»، تقول المنتجة المنفذة في إدارة البرامج نيكول كاماتو لـ «الأخبار»، وذلك بهدف «التماس مع التفاصيل الحياتية للإنسان العربي بشكل خاص». أعدّ نصوص الحلقات السبع (مدة كل حلقة 50 دقيقة) الإعلامي رفيق نصر الله الشاهد على تفاصيل كثيرة حصلت في تلك الفترة بصفته صحافياً ومراسلاً وموثقاً «عشت الحصار لحظة بلحظة». يتحدّث نصر الله لـ «الأخبار» عن التجربة التي يوثّق حدوثها منذ عام 1969 لحظة إبرام «اتفاق القاهرة» الذي «نظّم» الوجود الفلسطيني المسلّح في لبنان، كما يعرّج على مرحلة إنتقال الثورة الفلسطينية من الأردن إلى لبنان. يقول نصر الله إن «الهدف الرئيس من كلّ هذا السرد التاريخي التوثيقي هو تبيان جوهر الصراع العربي الإسرائيلي، وإنعاش الذاكرة بتاريخية وأهمية بيروت ومقاومتها ضد الإسرائيلي». يعدنا الإعلامي اللبناني بأن نشاهد وقائع تُسرد للمرة الأولى وتفاصيل لم تُتناول سابقاً من معارك عسكرية ووثائق، ومعطيات كاللقاء الذي جمع بين بشير الجميل وحافظ الأسد قبل أسابيع من الغزو الصهيوني للبنان، أو كشف تفاصيل جديدة عن هوية مرتكبي مجزرتي صبرا وشاتيلا.
الإعلامي الذي شارف كتابه التوثيقي عن الإجتياح الإسرائيلي للبنان على الإنتهاء، يقول إنه حرص في إعداد مادته التلفزيونية على «إيراد المعلومة أكثر من السرد الروائي، وأبعد نفسه وآراءه الشخصية ليترك للمادة التاريخية مهمة التحدث عن نفسها». وحرص أيضاً على «إظهار جوانب أخرى تُهمل عادة في إعادة سرد الحروب ألا وهي الجوانب الإنسانية». سنشاهد إذاً، تفاصيل متعلّقة بالمقاومة وصوغ بيانها الأول، ونستقصي أحوال الطواقم الطبية والمستشفيات إبان الحصار. أكثر من 60 شخصية سياسية، وإعلامية، وشهود عيان، ومقاتلين سابقين، سيتعاقبون على هذه الحلقات من جنسيات مختلفة: لبنانية، فلسطينية، سورية وحتى «إسرائيلية»، كقائد عملية الغزو أوري لوبراني، والمستشار وقتها للرئيس الراحل ياسر عرفات بسام ابو شريف. العمل سيتضمن مادة أرشيفية غنيّة بعدما جرت غربلة 200 ساعة تلفزيونية منها. يُحدثنا مدير شركة «نانوميديا» علي شهاب عن مشاهد تعرض للمرة الأولى من أرشيف التلفزيون الإسرائيلي. العمل الذي إستغرق 6 أشهر لاعداده، يكشف عن محطات ومحاور رئيسة في فترة الإجتياح، وستستخدم فيه تقنيات حديثة، كالتصوير الجوي من طائرة بدون طيار إستعملت لتفحّص أماكن جرت فيها عمليات للمقاومة وقتها، مرفقة بأعمال الغرافيكس الثلاثية الأبعاد، إضافة الى ذلك، أُنتجت موسيقى خاصة (إعداد جو نصر) لترافق السرد التاريخي، حاكت أحداث الحلقات. وعندما تغيب الصور والمادة الأرشيفية، تحضر الرسوم، مع الإستعانة بفنانين عملا على إعادة رسم أحداث محورية كلقاء بشير الجميل بأرييل شارون. يأمل شهاب تقديم هذه المادة التوثيقية للإضاءة على مرحلة مفصلية من لبنان ما زالت تداعياتها مستمرة من خلال «مضمون مشوّق» وتعريف الجيل الشاب بمفاصل غزو «إسرائيل» للبنان.
الجزء الأول من سلسلة «الإجتياح... غزو لبنان 1982»: السبت المقبل 21:00 على «الميادين»
هديل فرفور - الاخبار
«شو ناطر لتكرّس حقك بالسكن؟»، يسأل الإعلان المصوّر لـ «الحملة الوطنية لدعم قضية المستأجرين»، التي تُطالب بإلغاء قانون الإيجارات الجديد الصادر في نيسان عام 2014. يبدأ الفيديو المصوّر بعرض حملات إعلانية تروّج لقروض مصرفية مخصصة للسكن تمكّن «العملاء» من شراء البيت الذي على كل شاب أن «يؤمنه» وفق ما تتبنى «الدعاية»، ليخلص الفيديو إلى أنه على الرغم من «كثافة» عروضات القروض السكنية، إلا أن الإيجار «يبقى الوسيلة الأساسية المعتمدة في بيروت»، ذلك أن أسعار الشقق في بيروت «لا يغطيها أعلى قرض سكني»، فضلاً عن أن «70% من العائلات اللبنانية لا تستطيع الحصول على أدنى قرض سكني متوافر، لأن دخلها السنوي لا يتجاوز 10 آلاف دولار».
ينطلق الفيديو من هذه «المُقدّمة» ليطرح إشكالية قانون الإيجارات الجديد الذي لم يراع حق المواطنين في السكن بمدينتهم التي تحوّلت إلى «مقرّ» لأصحاب الرساميل والمداخيل المرتفعة. ففيما كان المطلوب من هذا القانون أن «يواجه» هذا التحوّل ويعيد، عبر سياسة إسكانية متكاملة، حق ذوي المداخيل المتوسطة والمحدودة السكن في المدينة، أتى ليستكمل المسار الذي يخدم المُضاربين العقاريين وليرسي النظام الاقتصادي الريعي القائم. من هنا، كان العنوان الذي حمله هذا الفيديو: «مدينتي، ومن حقي البقاء فيها»، كنوع من «الاستنكار» الحاصل ضد «نهج» طرد «الناس» من المدينة الذين سيدخلون إليها في ما بعد عمالاً وزائرين وموظفين لا قاطنين، على حد تعبير المعماري رهيف فيّاض. الهدف الأساسي للفيديو هو إعلان إطلاق «الحملة الوطنية لدعم قضية المُستأجرين»، وهي حملة مكونة من عدد من الأفراد من ذوي اختصاصات مختلفة وعدد من المجموعات الناشطة والجمعيات الحقوقية، وتضم كلاً من «لجنة الدفاع عن حقوق المستأجرين»، «المفكرة القانونية»، «الجمعية الاقتصادية اللبنانية»، «التجمّع الديمقراطي»، «اتحاد المُقعدين اللبنانيين»، «مؤسسة البحوث والاستشارات»، «اتحاد الشباب الديمقراطي»، «لجنة أهالي المفقودين»، و»التحالف من أجل العدالة البيئية والعمرانية». تدعم هذه الحملة قضية المستأجرين وتُطالب بإلغاء قانون الإيجارات الصادر في 1 نيسان 2014. وبحسب مُطلقي هذه الحملة، فإنهم «يراهنون» على تحرّكات المستأجرين القدامى «الذين يشكلون وقوداً لحراك مطلبي لسكن ميسّر». أهمية قضية الإيجارات، بحسب الحملة، أنها تشكّل وسيلة يجري خلالها «التركيز على الشق السياسي في نقاشات السكن ـ والسياسي بمعنى التوجه أبعد من الملكية للتطرق إلى الحق في المدينة وأسئلة أساسية عن الحق المكتسب في المكان». أسباب إطلاق الحملة متعددة، ولعل أبرزها «غياب أي سياسة سكنية شاملة وعدم تحمّل الدولة مسؤولياتها في ضمان السكن للمواطنين المعوزين ولا في ضمان بدلات عادلة»، فضلاً عن عدم أخذ الدولة المستأجرين المسنين والمعوّقين في الاعتبار، وعدم مراعاة انتقال ملكية بعض المالكين القدامى إلى المالكين الجدد الذين اشتروا أبنية من المالكين القدامى بأثمان مخفوضة حسم منها أعباء تعويضات المستأجرين، «فجاء القانون الجديد ليحررهم من هذه الأعباء المرتقبة محققاً لهم إثراءً غير مشروع». تجدر الإشارة إلى أن هذه الحملة تأتي ضمن سياق مبادرة «الحق في السكن» التي أطلقها في أواخر شهر شباط من العام الماضي كل من «المفكرة القانونية» و»الجمعية اللبنانية الاقتصادية»، بالتعاون مع «استوديو أشغال عامة»، وهو عبارة عن مشروع قانون يضمن الحق في السكن ويصوّب المسار التشريعي «الذي أتى مبتوراً عند إقرار القانون الجديد»، على حدّ تعبير أصحاب المبادرة. (http://www.al-akhbar.com/node/229553). ودعت الحملة إلى «أوسع مشاركة» في الاعتصام الذي يُنظّمه المستأجرون، اليوم، عند الساعة الخامسة بعد الظهر من أمام ثكنة الحلو، مروراً بشارع مار الياس، وصولاً إلى منزل رئيس الحكومة تمام سلام.
غسان ديبة - الاخبار
«اللينينية تجمع بين أمرين أبقاهما الأوروبيون لقرون في جزئين مستقلين في الروح البشرية: الدين والأعمال»
جون ماينارد كينز
■ ■ ■
في 11 سبتمبر 1973 دخل الجيش التشيلي، الذي قام بانقلاب ضد حكومة سلفادور الليندي، الى غرفة داخل القصر الرئاسي شبيهة بجسر التحكم في السفن الفضائية في «ستار ترك» مؤلفة من سبع كراسي مع كومبيوترات وشاشات مراقبة واستولت عليها.
لاحقاً عندما لم تستطع الديكتاتورية العسكرية ان تفهم كيفية عمل هذه الغرفة، والمشروع الذي كان يعمل عليه عشية الانقلاب، حطمته بالكامل. كان هذا المشروع الذي عرف بـ «سايبر سين» (Cybersyn) اسسته حكومة الليندي كنظام تحكم للاقتصاد على المستويات كافة، وهو في تلك المرحلة لم يكن مكتملاً، وشغلت فقط بعض اجزائه بعد إضراب اكتوبر 1972 الممول جزئياً من الـ CIA، وذلك من أجل الإبقاء على نظم الإنتاج والتوزيع تعمل حتى لا تصاب البلاد بفوضى اقتصادية كانت على اجندة المعارضة اليمينية التي كانت تدفع الى الانقلاب للقضاء على الحكومة الاشتراكية. بدأت في الآونة الأخيرة تتكشف أكثر فأكثر تفاصيل هذا المشروع، اذ عرفت ايدين مدينا في مقالة لها العالم على تفاصيل هذا المشروع، والتي فازت عليه بجائزة الجمعية الدولية لمهندسي الكهرباء والالكترونيات الشهيرة (IEEE) في 2007. يعرف المشروع أيضاً بـ «الانترنت الاشتراكي»، اذ كان يتضمن نظاماً الكترونياً لتبادل المعلومات في الوقت الحقيقي (Real time) -وهو اساس الانترنت الحالي- عبر ربط مراكز الانتاج والتوزيع وغيرها بواسطة تلكسات الى غرفة التحكم. كان الهدف هو التحكم الاقتصادي ضمن الوجهة الاشتراكية لحكومة الوحدة الشعبية، كما كانت للمشروع أهداف أخرى إدارية وفلسفية وحتى سياسية. في الإطار الأخير، كان هناك تفكير لوضع «آلات استشعار» في منازل عينة كبيرة من الناخبين التشيليين يستطيعون عبرها تسجيل آرائهم حول السياسات أو الأوضاع العامة، ما يتيح في «الوقت الحقيقي» كمّاً هائلاً من المعلومات للحكومة تستطيع قياس مدى ارتياح وقبول الشعب لسياساتها. نحو 45 عاماً قبل ذلك، في عام 1928 بدأت في الاتحاد السوفياتي تجربة جديدة غير مسبوقة على المستويين الاقتصادي والسياسي، بل أيضاً على مستوى العلوم الاجتماعية، وهي البدء بالخطة الخمسية الاولى. وقد كانت المرة الاولى في التاريخ التي تطبق أداة علمية للتحكم بالاقتصاد عبر استبدال الاسواق بمجموعة كبيرة من المعادلات الرياضية من اجل دفع حشد الموارد باتجاهات معينة بدل ان تبقى تخضع للسوق ومساوئها، مثل توليد الازمات الدورية وسوء توزيع الدخل والثروة وانتاج مستوى استثمار أقل من المثالي وفي مجالات أقل كفاءة من المطلوب للنمو والتطور الاقتصادي.
هذه المعادلات الرياضية كانت بحاجة الى أمور عدة، أولها إيجاد طرق لحلها وهذا ما أنتجه العلماء الرياضيون والاقتصاديون السوفيات بجدارة كبيرة وصلت الى ان يفوز العالم الرياضي السوفياتي ليونيد كانتوروفيتش بجائزة نوبل للاقتصاد في عام 1975. وجاءت الكومبيوترات لاحقاً لتساعد في حل هذا الكم الهائل من المعادلات. لكن الحاجة الاساسية كانت دائماً هي «المعلومات» وكيفية انتاجها وادخالها الى نظم التخطيط، واهم هذه المعلومات هي استشعار رغبات المستهلكين واوضاع الطلب للسلع المختلفة، وقد أصبح جلياً في المراحل اللاحقة في تطبيق التخطيط المركزي في الاتحاد السوفياتي كيف أن نقص المعلومات كان يؤدي الى فوائض وشح في سلع وقطاعات معينة (لم يكن هذا هو السبب الوحيد فأنظمة التسعير وضرورة حشد الموارد باتجاهات معينة كان لهما التأثير أيضاً). من المفارقة ان الثورة في المعلومات في تحصيلها ونقلها ومعالجتها قد بدأت تحصل بشكل متسارع بعد انتهاء تجربة التخطيط المركزي في 1991. فاليوم حتى رغبات المستهلكين اصبحت متاحة للقياس، وهي المهمة التي كانت تعتبر مستحيلة بسبب عددهم الهائل و»رغباتهم» التي لا يمكن تكميمها كما يمكن تكميم عمليات الانتاج واستعمالات التكنولوجيا. أما الآن ومع تعميم التسوق عبر الانترنت أصبحت لدينا قاعدة معلومات كبيرة حول المستهلكين وتفضيلاتهم. في الصين، مثلاً، تبلغ المبيعات عبر الانترنت والوسائط الالكترونية اكثر من 10% من مجمل المبيعات الاستهلاكية وتتزايد بشكل مضطرد. كما ان الانظمة الذكية تدرس الانماط الاستهلاكية وتستعمل في التسويق لسلع وخدمات حسب رغبات المستهلك حتى فرداً فرداً. في آخر استعمال لأنظمة المعلومات هو مشروع قياس درجة الانتباه لدى المستخدم للكمبيوتر التي يمكن ان تستعمله شركات الاعلان في «تخطيطها». إذ من المعروف ان الانسان الحديث بدأ يفقد مقدرته على التركيز لمدة طويلة ما يعني أن من يستطيع ان يعظم الاستفادة من «الانتباهات الجزئية» للانسان يمكنه ان يحصد الربح الكبير من استغلال هذا «المورد» الذي يزداد مع الأسف شحاً. في ثلاثينيات القرن الماضي، اعلن الاقتصادي النمساوي فريديريك حايك، المناهض للاشتراكية والعدو اللدود للكينزية، ان الاشتراكية غير ممكنة بسبب معضلة نقص «المعلومات» التي لا يمكن تخطيها، وان السوق هي الآلة المثلى لمعالجة المعلومات. ان تجربة الاشتراكية المحققة على مدى 70 عاماً، كما مشروع «الانترنت الاشتراكي» في التشيلي، يؤشران الى رغبة الانسانية في حل معضلة المعلومات هذه. الآن تحصل تطورات على مستوى القدرة على تحصيل ومعالجة المعلومات واخضاعها للانظمة الذكية تجعل، ليس فقط التخطيط المركزي ممكناً، بل تؤشر الى الحاجة الى التخطيط من اجل حل مساوئ السوق، ليس فقط على المستويات الماكرواقتصادية، كالأزمات او التوزيع السيئ للدخل والثروة، وإنما أيضاً على مستوى كفاءة معالجة المعلومات. بذلك تكون الرأسمالية، بقياسها الدقيق في الاقتصاد الهادف الى البحث عن الربح، تؤدي الى تخطي العقبة «الحايكية» وتعبد الطريق لإنشاء نظام أكثر فعالية منها، وهي بذلك تتبع منطقها الاساسي الذي يدفعها دائماً الى انتاج الظروف المؤاتية لتحقيق نقيضها الاشتراكي.