حملة مقاطعة داعمي «إسرائيل» في لبنان لم تعد حركة مغمورة. فمنذ انطلاقتها قبل 13 عاماً، باتت من أنشط الحملات المدنيّة اللبنانيّة، مع امتداد عالميّ آخذٍ في التعاظم. وبمناسبة انطلاقة الموقع الجديد للحملة (boycottcampaign.com) كان لنا لقاءٌ مع بعض أعضائها.ما السبب الذي دفعكم الى تأسيس هذه الحملة؟

 

مجدولين درويش (ناشطة سياسيّة): انطلقت الحملة عقبَ مجازر جنين، ربيعَ عام 2002، بدافعٍ رئيسي: فضحُ تواطؤ بعض الشركات مع الكيان الصهيونيّ. فقد شعرنا بأنّ التظاهرات وبيانات الاستنكار لم تعد كافية، وأنّ العدوّ موجود بين ظهرانينا: في المأكولات التي نأكلها، والمشروبات التي نشربها، والملابس التي نرتديها، والعطور والمساحيق التي نستخدمها.

■ لماذا اخترتم هذه التسمية بالتحديد؟ دونا جعلوك (محامية): سمّينا حملتنا كذلك لأننا ظننّا آنذاك أنْ لا شركات إسرائيليّة في لبنان (وقد تبيّنتْ لنا لاحقاً غلطتُنا)؛ ولأنّنا لم نشأ أن تعكس تسميتُنا عداءً لأيٍّ كان باستثناء الكيان الصهيونيّ، الذي لا نعترف بشرعيّته الأخلاقية على أيّ شبرٍ من أرضنا.

■ من أين تمويلكم؟ محمود هاشم (كاتب فلسطينيّ): من عند الله. بجدّ، نحن لا نأخذ تمويلاً من أحد، بل ندفع لنشاطاتنا من جيوبنا (المثقوبة)، ونكرّس ساعاتٍ من وقتنا كلّ أسبوع خدمةً لهذه القضيّة. غير أنّ هذا، في الواقع، هو أحدُ مصادر قوّتنا لأنّنا لا نضطرّ ــ من أجل المال ــ إلى أن نَخضعَ لإملاءاتٍ أو توجيهاتٍ من أحد على الإطلاق.

■ ما هي الأهداف التي تسعوْن إلى تحقيقها؟ وما هي الاستراتيجيّة التي تتّبعونها في عملكم؟ عفيفة كركي (معلّمة ثانويّة): هدفُنا هو تمكين أوسع الفئات من الإسهام في مقاومة الصهيونيّة. بدأ عملنا بالدعوة إلى مقاطعة الشركات التي تدعم العدوّ وفقاً لمعاييرَ، أبرزُها: (أ) بناء مصانع و»مراكزِ بحثٍ وتطوير» في أراضٍ «طُهّرتْ» من الفلسطينيين. (ب) شراء شركاتٍ إسرائيليّة أو أسهمٍ فيها. (ج) دعم جمعيّات «خيريّة» إسرائيليّة. (د) الإسهام في الحرب على شعبنا (عبر تزويد عدوّنا بأسلحةٍ ومعدّاتٍ أمنيةٍ وجرّافات). (هـ) رعاية نشاطات فنيّة ورياضيّة وثقافيّة وتربويّة إسرائيليّة. ومع الانطلاقة العالميّة لـ»حركة مقاطعة إسرائيل وسحبِ الاستثمارات منها وفرضِ العقوبات عليها (BDS)» في عام 2005، تطوّر عملُنا ليشمَلَ المجالات الثقافيّة والفنيّة والرياضيّة.

■ هل من إنجازات؟ سارة قدّورة (طالبة جامعيّة): بالتأكيد، وهي مرشّحة للتزايد والتطوّر مع ازدياد عدد أعضائنا وتوسّع مجالات كفاءاتهم. فلنذكرْ بعضَها سريعاً: منع 3 شركات إسرائيليّة من العمل في لبنان (سينيرون ولومينوس لتقنيّات اللايزر، كيم وزوزي للحليّ والأحذية وغيرها)، إجبار الفنّانة الصهيونيّة لارا فابيان على عدم الإتيان إلى بيروت، إقناع فنّانين عرب بعدم المشاركة في مهرجان «سلام الشرق» في النمسا، فضح تطبيعيّة المخرج زياد دويْري في فيلمه «الصدمة» ودفع مكاتب المقاطعة إلى عدم عرض فيلمه، الإسهام في حثّ فرقة «مشروع ليلى» على عدم تقديم فرقة زارت الكيانَ الغاصب، الإسهام في إغلاق ستاربكس في الكيان الغاصب في نيسان 2003، نشر الوعي بين عشرات آلاف الناس عبر المقالات والمنشورات وموقعنا الجديد،...

■ هل تطرحون المقاطعة بديلاً من المقاومة المسلحة؟ عبد الملك سكّريّة (طبيب أسنان): المقاطعة رديفٌ للمقاومة المسلّحة، لا بديل منها. لكنْ، في حين أنّ المقاومة المسلّحة هي من صُنع قلّةٍ متفانيةٍ وشابّةٍ في الأغلب، فإنّ المقاطعة تتيح لفئات الشعب كافّةً المشاركةَ في العمل المقاوم.

■ ولماذا تركّزون على الناحية الفنيّة؟ رجاء جعفر (محاسبة): إنّ تقديم الفنانين العالميّين عروضَهم في كيان العدوّ يُسهم في التغطية على ارتكاباته وفي تطبيعها في العقول. وبذلك يبدو الفنّانون وكأنّهم يقولون: «سنعزف في إسرائيل غيرَ آبهين لجرائمها واحتلالها وعنصريتها». في رأينا أنّ الفنّ غيرُ منفصل عن السياسة، بل يسهم في زيادة منسوب العدالة أو الظلم في العالم.

■ ألاحظ أيضاً أنكم تعملون على المقاطعة الأكاديميّة والثقافيّة. ما الأسباب؟ شيراز المجلّي (موظّفة في مؤسّسة دوليّة): باختصار، لأنّ المؤسّسات الإسرائيليّة الأكاديميّة والثقافيّة ضالعةٌ في القمع عبر ترويج روايةٍ مزيّفةٍ عن «الديمقراطيّة الإسرائيليّة»، ومنع نشر الرواية الحقيقيّة للنكبة، وتقديم مبرّرات «أخلاقيّة» للقتل، والإسهام في بناء المشاريع العنصريّة (كجدار الفصل)، وتزويد المحاكم العسكريّة بمتخرّجي القانون.

■ موقعكم الإلكترونيّ الجديد انطلق في يوم الأرض (30 آذار). ما أبرز صفحاته؟ أحمد الحلّاني (دكتوراه في الكيمياء): أبرزُها: وثيقة المقاطعة، دليل أبرز الشركات الداعمة لكيان العدوّ، أشكال المقاطعة، التطبيع، نشاطات الحملة، العالم يقاطِع، أدبيّات المقاطعة؛ فضلاً عن بابٍ بالإنكليزيّة من أجل توثيق عُرى التواصل مع المنظّمات العالميّة المقاطِعة.

■ وماذا عن قانون المقاطعة القديم في لبنان؟ هل من اقتراحات لديكم لتجديده؟ مروان كيّال (محامٍ): نعم، نعمل فعلاً على اقتراح تعديلاتٍ جديدةٍ لقانون مقاطعة «إسرائيل» الصادر سنة 1955، وقد كلّفنا محاميَّيْن في الحملة ذلك. والهدف مدُّ هذا القانون ليشمل مجالاتٍ ثقافيّةً ونشريّةً وفنيّةً لم يلحظْها القانونُ، ومحاولة استثناء فلسطينيّي مناطق الـ 48 من المقاطعة ما لم يروّجوا للتطبيع. ونحن نناشد مكتبَ مقاطعة «إسرائيل»، التابع لوزارة الاقتصاد، أن يدلو بدلوه في هذا المجال، كما في مجالات أخرى تخصّ مقاطعة الكيان الغاصب.

■ ما نشاطاتكم المقبلة؟ ميّ الخطيب (موظّفة): سنصدر قريباً وثيقةً حول «المقاطعة الرياضيّة لإسرائيل» بالتعاون مع حركةٍ نشأتْ في لبنان حديثاً باسم «المخيّمات تقاطع». كما أنّنا في صدد كتابة رسائل إلى فنّانين عالميين قادمين إلى لبنان بعد إحيائهم عروضاً في الكيان الصهيونيّ، ومنهم غلوريا غاينور وشارل أزنافور. وبمناسبة يوم النكبة في 15 أيّار بدأنا حملةً إلكترونيّةً ضدّ لعبةPirate Kings التي طوّرتْها شركةٌ إسرائيليّة. باختصار، نحاول أن نتصدّى، بحسب إمكاناتنا، لعدوّنا الوجوديّ، انتصاراً لفلسطين ولبنان وقيم العدالة. (الاخبار)

غسان ديبة - الاخبار

«الخوف الجماعي يؤدي الى غريزة القطيع وينتج وحشية ضد الذين لا يعتبرون جزءاً منه» برتراند راسل

بعد انتفاضات الربيع العربي في 2011، تنادى البعض الى اعلان الأسف على عدم استفادة لبنان من الاضطرابات في بعض البلدان العربية، ربما متذكراً عن وعي (او بسبب وجود هذه القناعة في اللاوعي الجماعي اللبناني) ما حدث من هجرة للرأسمال العربي الى لبنان نتيجة الانقلابات العسكرية، التي أتت بأنظمة ذات توجهات اشتراكية سارت في دروب التأميم والتضييق على رأس المال، وبسبب الحروب العربية ـ الاسرائيلية الذي بقي لبنان خارجها، وأخيراً بسبب الاجواء السياسية العربية بعدم اليقين والتوتر في ظل محاور متحاربة، والتي وإن كان لبنان في فترة جزءاً من هذه المحاور الا ان حرب 1958 اخرجته منها.

إضافة الى هجرة الرأسمال، ترافقت الاضطرابات السياسية والعسكرية في القرن العشرين في محيط لبنان، دائماً، مع هجرات بشرية ضخمة اليه، كهجرة الارمن بعد الحرب العالمية الاولى وانهيار السلطنة العثمانية وهجرة الفلسطينيين في 1948 وبعد 1967. وبعكس هجرة راس المال الاجنبي المرحب به دائماً في لبنان كونه ساهم في جعل لبنان مركزاً مالياً في الشرق الأوسط فإن الهجرة البشرية دائماً شكلت ازمة للبنان من حيث التأثير الاقتصادي والديموغرافي الحقيقي في بعض الاحيان والمصطنع في أحيان أخرى. الهجرة الأرمنية مثلاً، أدت بسبب كون الاكثرية من الفقراء (الكثير افقر من خلال التهجير والاقتلاع) وتركز الهجرة في مدينة بيروت وبسبب الضائقة الاقتصادية إبان الانتداب، الى رد فعل سلبي من البعض، بسبب المنافسة على الوظائف وانخفاض الاجور الناجمين عن دخول أعداد لا باس بها الى سوق العمل آنذاك. إلا انه على المديين المتوسط والبعيد كان للهجرة الارمنية تأثير إيجابي في الاقتصاد اللبناني، بسبب عرض العمالة في قطاعات معينة كالإنشاء والصناعة، وتوفر عمالة ماهرة ومبادرين أرمن لخلق المؤسسات في قطاعات مثل صناعة السجاد والأحذية.

 

اما في حالة الفلسطينيين، كانت الاعداد البشرية والتمكن السياسي ثم العسكري للفلسطينيين (والمالي أيضاً من خارج اطار البورجوازية الفلسطينية التقليدية) أقوى في تأثيرها السلبي من التاثير الايجابي للراسمال الفلسطيني والعمالة الماهرة، اللذين ساهما أيضاً في جعل لبنان مركزاً مالياً ومركزاً سياحياً وتجارياً. واستطاعت القوى اليمينية ان تؤجج روح العداء ضد الفلسطينيين خدمة لمصالحها السياسية ومشاريعها المغامرة فأدخلت البلاد حرباً اهلية واجتياحات اسرائيلية لا يزال يعاني اللبنانيون والفلسطينيون من اثارها السياسية والاقتصادية والاجتماعية. يستعاد اليوم مع تدفق أعداد كبيرة للاجئين السوريين إبراز الجانب الاقتصادي السلبي للأزمة السورية لهذا اللجوء الجديد. واستعمل تقرير البنك الدولي الصادر في 2013 حول الكلفة في التجييش ضد هذا اللجوء. وتم التشديد على الارقام التي اعطيت حول الكلفة الافتراضية البالغة حوالى 7 مليارات دولار، والتي في اكثرها كانت حسابات محاسباتية وغير اقتصادية، اي على طريقة اضافة تكلفة استعمال البنى التحتية مثل الكهرباء واستعمال الطرقات والمدارس والنفايات وغيرها، من دون الاخذ بعين الاعتبار السعة الزائدة الموجودة في المدارس والتي تخفض الكلفة الفعلية او عدم الاستعمال الفعلي لهذه الخدمات بسبب نقص العرض كالكهرباء مثلاً. كما تم التركيز على فرضية ان البطالة سترتفع الى اكثر من 20% اي بزيادة 100% بالاضافة الى انضمام اكثر من 170000 الى صفوف الفقراء في استعمال غير دقيق للارقام، التي لا يمكن ان تكون صحيحة بناء على الحدس الاقتصادي البسيط. وبشكل عام يشوب هذا التقرير الكثير من العيوب المنهجية. والآن بعد حوالى السنتين على صدوره، لم يتم حساب تطابق الواقع الآن مع هذه التنبؤات او الافتراضات. فعلى الرغم من صحة بعض هذه السلبيات، الا ان الارقام مبالغ بها وتعتمد إما على حسابات غير اقتصادية، أو على نماذج اقتصادية مبنية في داخلها نتائجها، خصوصاً لناحية استبدال العمالة اللبنانية بالعمالة السورية، وتجدر الاشارة هنا إلى أن اكثرية اللاجئين هم من الاعمار التي لا تعمل ومن النساء الذين لا ينافسون في سوق العمل. الى ذلك، فإن بعض الجوانب الاقتصادية الإيجابية لم يتم أخذها بعين الاعتبار ولم يتم نقاشها بشكل جدي على المستوى العام. أولاً، تدفق اعداد لا بأس بها من البورجوازية والطبقة الوسطى السورية، وما لذلك من تاثير ايجابي في الطلب على السلع والخدمات. ثانياً، الإنفاق من قبل المؤسسات الدولية على اللاجئين، وبالتالي اصبح العديد من المناطق يعتمد على الإنفاق على الطعام والنقل والخدمات التعليمية مثل اجور المعلمين، وكل هذا الانفاق في اكثره على السلع المنتجة محلياً، ما يؤدي الى تاثير إيجابي في الاقتصاد. وفي دراسة لم تنشر بعد تم حساب المضاعف لهذا الانفاق وبلغ حوالى 1.3، وهو شبيه بالمضاعف في الدول الراسمالية المتقدمة. ثالثاً، ان ظاهرة اللجوء أدت الى تحول الإنفاق للعمالة السورية الى الداخل اللبناني، بعد ان ارتحل الكثير من العائلات الى لبنان، وبالتالي فإن ما كان يقال إن العمال السوريين لا ينفقون اجورهم في لبنان لم يعد صحيحاً بالكامل. رابعاً، ان تدمير الصناعة السورية ادى الى تراجع منافستها للسلع اللبنانية. خامساً، ان الكثير من المبادرين الراسماليين السوريين أنشأوا مؤسسات في لبنان في الكثير من القطاعات، وبعضها نقل وسائل عمل وتكنولوجيات حديثة في التصنيع، ولو كان هذا الاستثمار من غير السوريين لكان سمي «استثمار اجنبي مباشر» وصنف بالايجابي من ناحية تاثيره في ميزان المدفوعات وخلق الوظائف. مما لا شك فيه ان اللجوء السوري الى لبنان قضية معقدة ولا يقتصر تاثيره في النواحي الاقتصادية بل يتعداها الى الجوانب السياسية والاجتماعية والديموغرافية، ولكن استعمال الاقتصاد للتحريض وخلق مناخات من العداء ضد السوريين، لعبة خطرة، وقد استعملت في السابق إن كان في لبنان او في انحاء العالم، ولا تزال تُستغل من قبل القوى السياسية التي تستعمل التحريض على الاجانب أساساً في جذب المهمشين والفقراء والطبقة الوسطى الخائفة دوماً الى اجنداتها الفاشية، وهذا ما يجب النضال دائماً ضده.

 

سعدي يوسف- الاخبار

 

 

ماذا لو اني الآنَ في عدنٍ ؟ سأمضي ، هادئاً ، نحو «التواهي»... والقميصُ الرّطْبُ ، يعبَقُ ، من هواءِ البحرِ . في باب الجماركِ سوف أستأني قليلاً ثم أمشي ، نحو أطلالِ الكنيسةِ سوف أدخلُ: ثَمَّ أمسحُ من ترابٍ أسوَدٍ ، لوحَ البِلى ... بحّارةٌ غرقى أراهم يملأون مقاعدَ اللوحِ العتيقِ . أرى ، هنالكَ ، بينَهم ، لي رفقةً ...

وأصيحُ : أحمدُ ! يا زكيّ ! ويا سعيدُ ! ويا ويا ... إني قطعتُ الكونَ من أقصاهُ ، كي آتي إليكم يا رفاقي فَـلْـتُـفيقوا لحظةً إني أتيتُ لكم بماءٍ سائغٍ من رأسِ رضوى جئتُكُم بالرايةِ الحمراءِ رايتِكُم سأحملُها ، وإنْ وهنتْ ذراعي .

محمد همدر - الاخبار

 

رغم النقلة الموسيقية التي عرفتها أميمة الخليل من مرسيل خليفة الى هاني سبليني، لا تزال صاحبة الصوت الذي طبع ذاكرتنا ورافق ليالي بيروت الحزينة، ملتزمة الغناء عن ألم الناس ومأساة الأوطان. تملك كل المساحة التي تجعلها تغني الحبّ والأحلام من دون غضّ النظر عن الأحوال وما يجري حولها، ومن دون أن تُحبط أو تيأس من التغيير أو أقلّه من التعبير، كما حصل مع عدد من فناني جيل الأغنية الملتزمة قضايا الناس. بعد مغناة «خطبة الأحد» التي تعاونت فيها مع الشاعر الفلسطيني مروان مخول (الأخبار 17/4/2015)، يأتي «وجد» الذي يجمع بين غنائها وعزف هاني سبليني على البيانو والسوري باسل رجّوب على الساكسفون. الأخير تعاون وسبليني تلحيناً وتوزيعاً للعمل الجديد التي تغني فيه أميمة تسع قصائد بالفصحى والعاميّة للشعراء: هاني نديم، جرمانوس جرمانوس، مروان مخّول، نزال الهندي، وجيه البارودي ورئيف خوري. يفرض «وجد» تحدّياً جميلاً على أميمة التي ترافق آلتين فقط في تريو يجتمع فيه هوى الجاز الذي يقترب منه رجوب، وخبرة الموسيقى التصويرية الذي يحترفها سبليني، وشاعرية وحنين صوت أميمة منذ أن بدأت صغيرةً الغناء برفقة والدها على العود قبل أن تتعرف بنت قرية الفاكهة البقاعية إلى مرسيل خليفة ويبدأ المشوار في بيروت.

 

لم ينجح المصنِّفون أو المعجبون في سجن أميمة طويلاً في خانة الصوت اليساري أو خانة منشدي زمن الحرب، فصوتها يستطيع أن يذهب بها أبعد بكثير من التصنيف الذي ساد آنذاك. حين عادت الى الساحة بعد غياب في أواسط التسعينيات، غنّت لأسمهان «يا حبيبي تعال». وظهرت في طلة ولون موسيقي جديدين في البومها «أميمة» عام 2000. خلال السنوات الأخيرة، يظهر بوضوح حماس أميمة وسعادتها بالغناء واعتلاء الخشبات وإصدار عمل تلو آخر من دون إخفاء الحنين والحب الدائمين لبداياتها. حتى عملها الجديد «وجد» يذكرها ببساطة البدايات. ستقدم أميمة «وجد» مع باسل رجّوب وزوجها العازف والمؤلف هاني سبليني على خشبة المسرح وللجمهور قبل تسجيله وإصداره. عمل تغني فيه لبيروت والشام وفلسطين في ذكرى نكبتها، وفي ظلّ النكبة الجديدة التي تشهدها منطقتنا من حروب وتهجير وتطرّف.

* أميمة الخليل، باسل رجّوب وهاني سبليني في «وجد»: 20:30 مساء 16 و17 أيار (مايو) ـــ «مسرح مونو» (الأشرفية) ـ للاستعلام:

اراد أن يهزم الصمت بحمّى الكتابة واستكشاف مكمن الألم بمبضع آخر. ماذا لو شهد خريطة البلاد وهي تتمزّق تحت وطأة الحرب الشرسة؟ هل سيعيد صرخة بطل مسرحيته «الأيام المخمورة»: «ما أشدّ وحشة هذا العالم»، أم يواجه «أبو سعيد الغبرا» الذي خرج من قبره مرةً أخرى، كي يتهم أحفاد أبي خليل القباني، بنشر الفسق والمراذل؟ فواتير كثيرة تراكمت في ذكرى غياب المسرحي السوري الـ 18، من دون أن يسدّدها تلاميذه، أو أن يجيبوا عن أسئلته الأخيرة، أو أن يواصلوا تفتيشه عن الحقيقة التي صارت «إبرة في مزبلة»

خليل صويلح - الاخبار

يكتب سعد الله ونوس (27 مارس 1941 - 15 مايو 1997) في رسالة قديمة إلى صديقه إبراهيم وطفي المقيم في فرانكفورت (مؤرخة عام 1957): «إننا محكومون باليأس»، لكنه سيقوم ــ بعد عقودٍ على كتابة هذه العبارة ــ بتحويل مجراها إلى «إننا محكومون بالأمل». بين اليأس والأمل عبرت مياه كثيرة، وضعت صاحب «مغامرة رأس المملوك جابر» في لجّة العاصفة، لجهة التحولّات التي طرأت على مواقفه ونصوصه وخيباته، وربما لو عاش هذه «الأيام المخمورة» لكان أعاد العبارة إلى أصلها الأول، ونحن ندخل نفقاً غامضاً من احتمالات الغرق. الكنوز التي أودعها المسرحي الراحل في أرشيف المسرح السوري، لم يقربها أحد، خلال سنوات الحرب.

ظلّت هذه النصوص الإشكالية بمنأى عن الخشبة رغم أهميتها القصوى في تشريح ما يحدث اليوم، إذ لطالما اقتحمت نصوصه المناطق الشائكة في علاقة الفرد بالسلطة، ومعنى الخيبة والخيانة والقمع، وكيف يكون المسرح برزخاً نحو الأسئلة الكبرى لجيل وجد نفسه في قفصٍ ضيّق يعوم في مستنقع الهزائم. من هنا كانت شراكته مع المخرج الراحل فواز الساجر في منتصف السبعينيات من القرن المنصرم، العائد للتو من موسكو، بمثابة طوق نجاة، أو التفاحة المحرّمة التي كان يتطلّع إلى قطفها من الشجرة العالية. أثمر هذا اللقاء الإبداعي الخلّاق عن تأسيس «المسرح التجريبي» في عروضٍ لافتة، شكّلت منعطفاً حاداً في تاريخ المسرح السوري، سواء على صعيد الاشتباك مع نصوصٍ عالمية وسحبها إلى بساط المحليّة، أو على صعيد المغامرة المسرحية وزجّها في أتون التجريب، كما فعلا أولاً، في عرض «رحلة حنظلة من الغفلة إلى اليقظة»، المقتبس عن مسرحية بيتر فايس «كيف استيقظ السيد موكنبيت من آلامه». ثلاث تجارب مهمة، أنعشت الخشبة، مثلما أنعشت الشريكين، قبل أن ينطفئ فواز الساجر إثر أزمة قلبية (16 أيار/ مايو 1988)، ما أرغم سعد الله على أن يعيش منفرداً، خيبةً إضافية، ووجعاً روحياً، وصمتاً طويلاً، انتهى به إلى سرطان الحنجرة. زلزال آخر عاشه صاحب «الملك هو الملك» مع هبوب نكبة حرب الخليج الأولى، أو ما سماه «الخفقة السوداء لأعلام الخيبة» وفقاً لاعترافاته الأخيرة في شريط السينمائي الراحل عمر أميرلاي «هناك أشياء كثيرة كان يمكن أن يتحدّث عنها المرء» (1997). كان الرجل يحتضر، كما قطرات أنبوب السيروم، ممدّداً في سرير المستشفى، بـ«مزاج جنائزي» بدا أنه المشهد الأخير، قبل إسدال الستارة على حياته لمرّة أخيرة.

إثر هزيمة «مسرح التسييس» تحت ضربات «التحوّلات الفاجرة» المسرح الذي دافع عنه طويلاً، في نصوصه الأولى، بذرائع إيديولوجية، وخطاب تنويري أو طليعي، تبيّن له لاحقاً، صعوبة ترسيخ مثل هذه المفاهيم، أو التأسيس عليها، سيلتفت صاحب «طقوس الإشارات والتحوّلات» إلى مسرَحة القهر، انطلاقاً من الخليّة الصغرى للعقل العربي، كاشفاً عن أوجاع الفرد، والتقاط القهر الكامن في أعماق الجماعة، وإذا بنا أمام عقل مهزوم تاريخياً، وعدالة مفقودة، وسلطة مستبدة، حوّلت الإنسان العربي إلى كائن مقهور يعيش في قفص. أراد إذاً، أن يهزم الصمت بحمّى الكتابة واستكشاف مكمن الألم بمبضع آخر. هكذا، أنجز خلال سنواته الأخيرة على فراش المرض، مجموعةً من النصوص المهمة بمناوشة اليومي والراهن والحميمي، واستبطان بنية التفكير العربي، ومشكلات المجتمع المعاصر كما في «أحلام شقية»، و«يوم من زماننا»، و«الأيام المخمورة». كأنه اكتشف متأخراً، أن مقارعة التاريخ وحده ليست كافية لمواجهة العطب. وما اندحار المثقف العضوي إلا محصلة لأبشع أشكال الاضطهاد والتهميش والاستبداد التي وقعت عليه. يقول بمرارة وأسى، في أحد حواراته الأخيرة «المسرح ليس بؤرة انتفاضة. كان الاستنتاج مخيّباً ومُرّاً، وكان الحلم ينأى منطوياً في سراب أو وهم، نعم... تبدّد الحلم وانطوى». في الخندق الآخر للكتابة المسرحية، سعى إلى قضايا سجالية من نوعٍ آخر، تتعلّق بالفساد والحب والرغبة والحرية، المفردات التي أهملها في نصوصه المسيّسة، محمولة على هتاف شعري، وسرد متوتر، لا يعبآن بمتطلبات العرض المسرحي، إذ «تضطرب الرؤية ويختلّ اليقين». وسوف تهتف «غادة» بطلة مسرحية «أحلام شقيّة» قائلةً «أين الشعر في هذه الدنيا؟ لا الحلم ممكن، ولا التمنّي ممكن. لا شيء إلا الظلم والموت». هكذا نتعرّف إلى شخصيات تتأرجح فوق حبال الرغبة والانعتاق والانتحار، في محيط عائلي مضطرب، كترجيع لمشكلات كبرى تنطوي على حطام جمعي، ووجع تاريخي يتناسل من شقوق جدران آيلة إلى السقوط، فالتمرّد لديه لم يعد المحرّض الأساسي في الكتابة، بقدر اهتمامه بتعرية أمراض مجتمع مكبّل بأصفاد الأعراف والتقيّة والزيف. هكذا تتلاقى في أعماله، وفقاً لما تقوله خالدة سعيد «صنعة الحرفي، إلهام الرائي، ذخيرة الحكواتي، بصيرة المحلّل وموهبة ابتداع الأساطير والرموز. مهندس منظومات ورؤى، رسّام مسارات عبور وتحوّل، صانع كنايات وأمثولات ونحّات رموز». ولكن ماذا لو شهد سعد الله ونوس مشهد خريطة البلاد وهي تتمزّق تحت وطأة الحرب الشرسة، وما هي المراجعة التي سيقوم بها لنصوصه ومواقفه؟ وماذا سيقول عن مسرح يحتضر، وساحة ثقافية تحرسها فزّاعات محشوة بالقش، ومصحة عمومية للجنون؟ هل سيعيد صرخة بطل مسرحيته «الأيام المخمورة»: «ما أشدّ وحشة هذا العالم»، أم يواجه «أبو سعيد الغبرا» الذي خرج من قبره مرّة أخرى، كي يتهم أحفاد أبي خليل القباني، بنشر الفسق والمراذل؟ فواتير كثيرة تراكمت في غيابه الـ 18، من دون أن يسدّدها تلاميذه، أو أن يجيبوا عن أسئلته الأخيرة «أيقنت أنّ في العائلة دملاً يتستّر عليه الجميع، وأيقنت أنّي لن أستقر في اسمي وهويتي إلا إذا اكتشفت الدمّل وفقأته»، كما سيفتش عن الحقيقة، وإذا بها «إبرة في مزبلة» («الأيام المخمورة»). هذا التحوّل في اهتماماته، يستجيب عملياً إلى شكوكه وقلقه حيال السرديات الكبرى التي انخرط فيها طويلاً عبر مروحة واسعة من العتبات المسرحية التي خاضها بيقين المثقف التنويري، لجهة توظيف أشكال الفرجة التراثية، واستثمار شخصية الحكواتي، واقتباس الحكاية الشعبية، إلى مساءلة السلطة والتاريخ، ثم مغامرة التجريب، وصولاً إلى السرديات الصغرى المتمثلة بشؤون الفرد المقموع، وربطها عضوياً بما هو جمعي، مغلقاً الدائرة على أسئلة الهويات الصغرى وسياقاتها العامة المضطربة، من دون إسراف درامي، منشغلاً في التنقيب عن الدمامل التي أرهقت الجسد المأزوم والمُهان والمكبّل بألفِ حبلٍ وحبل. في رسالة أخيرة إلى صديقه إبراهيم وطفي يخبره فيها عن إصابته بالسرطان، يقول «لستُ قلقاً. ولا أعتقد أني سأموت. ولكن لو متّ فستكون بعصة كبيرة. لأن مشروعي الجدّي لم يتبلور إلا في السنوات الأخيرة. وهو ليس ورائي، بل ما زال أمامي. ومع ذلك، لن تكون البعصة مهمة. وفي الواقع، لم يبقَ إلا ما يبعص». في ذكراه، سوف نسأل مجدّداً: ما مصير مذكراته التي أنجزها قبل رحيله في عشرة دفاتر، وهل سترى النور قريباً، أم ستبقى طي الأدراج، وفي ذمّة التاريخ؟

ساندي الراسي - الاخبار

بمرافقة عازف الكونترباص الهولندي طوني أوفرووتر، تقدّم ريما خشيش حفلة اليوم وغداً في «مسرح المدينة». حتى موعد وصول أوفرووتر الى لبنان وبدء التمارين مع خشيش قبل يوم من الحفلة، كانت الفنانة اللبنانية غير متأكّدة من البرنامج. بطبيعة الحال، تقرّ بأنّه سيتضمن أغنيات جديدة عملت عليها مع ربيع مروة ضمن مشروع تناول أشعار إيتل عدنان. كما ستتخلل الأمسية استعدادات لأغنيات قديمة اشتهرت بتقديمها. البرنامج لا يصبح كاملاً إلا بعد التمارين ورؤية ما يليق بالكونترباص. ولا تخفي أن مقطوعات جديدة عملت عليها لألبومها الجديد ستقدّمها ضمن الأمسية إذا لاءمت الآلة.

المرة الأولى التي أطلت فيها خشيش مع أوفرووتر في لبنان كان عام 2007 في «مونو». لاحقاً، زارا مصر والأردن والبحرين. ورغم أن الجمع بين الغناء الشرقي وهذه الآلة التي نصنفها عادةً غربية، قد لا يبدو مألوفاً، فالفنانة ميّالة جداً اليه. تقول: «إنّها آلة تليق بالصوت النسائي، وموجودة في الموسيقى العربية، لكن استخدامها مختلف عن دورها في الموسيقى الغربية. هي ليست من الآلات التي تؤدي لحناً. ولا يزعجني ذلك، بل على العكس، ففي ذلك خروج عن التقليدي. تمنحني نوعاً من الحرية وتؤمن الفراغات اللازمة كي أشعر بالراحة حين أغنّي. الكونترباص تعزف قرب المغنى». تعمل خشيش حالياً على أسطوانة جديدة، لم تسجّلها، وما زالت في مرحلة التوزيع. بعد ألبوم «هوى ـ موشحات» وألبوم «من سحر عيونك» الذي استعاد أغنيات لصباح، تعمل هذه المرة على أغنيات جديدة، يعود بعضها إلى المشروع الذي عملت عليه مع ربيع مروة، وهو تحية الى الشاعرة إيتل عدنان، ونصوص لفؤاد عبد الحميد. تحلم خشيش بإكمال ما تريد إنجازه، والأهم أن يصل الى الناس. ترى أنّ المشكلة الأساسية في الفن وكل جوانب الحياة اليوم أننا لم نعد نعيش في عصر إبداع. تقول: «هناك انحطاط في كل شيء لا في الموسيقى فقط، بل في حياتنا أيضاً. والموسيقى ما هي الا مرآة للحياة التي نعيشها للأسف».

* حفلة ريما خشيش: 20:30 مساء اليوم وغداً ـــ «مسرح المدينة» (الحمرا)

غسان ديبة - الاخبار

 

 

«فإن أقبلت بعد موعدها فانتظرها، وإن أقبلت قبل موعدها فانتظرها» محمود درويش

 

في 14 أيار 1948 أُعلنت دولة إسرائيل على جزء من أرض فلسطين التاريخية بعد حرب بين المنظمات اليهودية المسلحة والثوار الفلسطينيين وبعض الجيوش العربية. شكل هذا الاعلان صدمة كبيرة للعرب، إذ ظنّوا أن مجرد رفضهم لمشروع التقسيم الذي أقرّته الامم المتحدة في 1947 كاف لمنع إعلان الدولة، وأن الجيوش العربية كفيلة بسحق الحركة الصهيونية المسلحة.

 

كانت النتيجة قيام دولة أكبر من تلك التي أعطيت في قرار التقسيم. هُجّر الفلسطينيون الى الداخل والخارج نتيجة العنف الصهيوني المباشر والوعود العربية بعودتهم. ومرّت السنين ولم يعد أهالي المدن والقرى الفلسطينية الى ديارهم وحقولهم ومصانعهم، على الرغم من حروب عديدة وقيام حركة وطنية فلسطينية مسلحة، في ظل ظروف دولية مؤاتية للتحرر الوطني عمّت آثارها في إنهاء الكولونيالية في أنحاء العالم. هناك تعقيدات كثيرة مرتبطة بالقضية الوطنية الفلسطينية أدت الى هذا الفشل، والاساسي فيها ترابطها مع مسألة نشوء الدول الوطنية العربية وبقاء القدس الشرقية والضفة الغربية وغزة تحت وصاية هذه الدول حتى عام 1967، إضافة الى تحوّل الحركة الوطنية الفلسطينية الى حركة مسلحة في المنفى تحكمها الجغرافيا القاتلة، من دون أي تأثير في الداخل الفلسطيني. حتى انتفاضة الحجارة عام 1987، التي نقلت الصراع الى الداخل، وكان يمكن لها أن تؤسس وضعاً شبيهاً بجنوب أفريقيا، سرعان ما أجهضت إمكانيتها في التحرر الكامل بسبب استعجال القيادة الفلسطينية في اتفاقية أوسلو نتيجة الذعر الذي أصابها بعد انهيار الاتحاد السوفياتي والامل الخادع بالنظام العالمي الجديد.

لكن السبب الاساسي في بقاء القضية الفلسطينية اليوم من دون حل هو عدم شعور الاسرائيليين بالتهديد على وجودهم، وذلك بسبب تفوّقهم التكنولوجي والعسكري والاقتصادي على الفلسطينيين، الذين يرزحون تحت أصعب ظروف اقتصادية، وتحوّل اقتصاد مناطقهم الى أسوأ انواع الاقتصاد الريعي، وأيضاً بسبب تفوق الاسرائيليين على أعدائهم العرب مجتمعين. نشرت صحيفة «السفير» في 27/4 مقالاً لأحد الاسرائيليين عنوانه «لماذا يطيب العيش في إسرائيل؟» (http://assafir.com/Article/415412) تحدث فيه عن التحديات الامنية والعسكرية التي قد تجعل الاسرائيليين يشكون في أن العيش هناك هو الافضل لهم. ومن ضمن الامور التي ساقها أن النصف الثاني من تاريخ وجود دولة إسرائيل «كان كله ازدهاراً: في الثلاثين عاماً الأخيرة تضاعف عدد سكان إسرائيل، لكن ناتجها ازداد عشرة أضعاف. ورغم النفقات الأمنية، فإن الاقتصاد الإسرائيلي الصغير هو واحد من بين 25 اقتصاداً الأقوى في العالم، وإسرائيل واحدة من أول عشرين دولة في معيار التطور الإنساني». بالطبع هذا لا يعني أن كل الإسرائيليين استفادوا من هذا، إذ في الفترة نفسها، ونتيجة التحول نحو النيوليبرلية، ازدادت الفوارق الاجتماعية، وأصبح السكن مشكلة أساسية للطبقة الوسطى، ما يدفعها الى الهجرة. لكن التقدم الاقتصادي الاسرائيلي حسم المعركة الاقتصادية مع العرب. إن الدول العربية في الثلاثين سنة الماضية تراجعت اقتصادياً، فتراجع الدخل الفردي في بعض الدول، حتى النفطية منها، مثل السعودية، وركد في الدول العربية ككل، وتراجعت الانتاجية، وتفككت النظم الانتاجية التي بنيت خلال فترة الاشتراكية العربية، واستبدلت بالاستهلاك المموّل من الريع النفطي. وبالمقارنة، وعلى الرغم من اتباع إسرائيل أيضاً سياسات نيوليبرالية، استطاعت الحفاظ على قاعدتها الصناعية، بل طورتها وشبّكتها مع الرأسمال العالمي وواكبت الثورة التكنولوجية. لم تكن دائماً تلك هي الحال؛ فعندما وقّعت إسرائيل اتفاقية السلام مع مصر في عام 1979 كانت تعاني من أسوأ أزمة اقتصادية لها منذ 1948، وكانت الازمة بنيوية متصلة بالطبيعة العسكرية والقومية الصهيونية للدولة، وإثر حروب 1967 و1973 عليها، بحسب أحد التحليلات التي نشرت في مجلة «فورين افيرز» الاميركية بعيد توقيع الاتفاقية. وخلصت كاتبة التحليل إلى «أن حل معضلة إسرائيل الاقتصادية وإمكانية تحولها الى دولة مستدامة ذاتياً يتطلب سلاماً شاملاً... لكن هذا الحل لا يطرحه أحد في إسرائيل اليوم، ويكمن السبب في أنه لا أحد يرغب في أن يضع سعراً على كلفة الامن الاسرائيلي، حتى لو كان هذا السعر أصلاً هو مرتفع جداً». اليوم حلت إسرائيل هذه المعضلة، إذ إن الأمن، ولو أنه يحمل سعراً عالياً، إلا أنها الآن تستطيع أن تتحمله، بل أكثر من ذلك، إذ إن المجمع الصناعي ـ العسكري أصبح أساساً في التطور الاقتصادي وفي دمج العلم بالاقتصاد عبر التقانة العالية. إن الرأسمال الاسرائيلي والعالمي اندمجا ليدفعا بإسرائيل الى الامام. في المقابل، فإن الرأسمال الطبيعي العربي الذي نتغنّى به يومياً في عالمنا العربي أغلق مجالات التطور وقضى على الصناعة وعمّم ثقافة الاستهلاك، حتى على المستوى التعليمي والثقافي، مخلفاً ليس فقط اقتصادات ريعية مركزية وفرعية، بل مجتمعات ريعية تنقلب على ذاتها في جميع نواحي الحياة، منتجة العنف العبثي بكل أشكاله، وعالماً عربياً يموت انتحاراً. وفي خضمّ كل هذا، يبتعد حلم الفلسطينيين بدولة لهم أكثر فأكثر، ويموت الذين حلموا بالعودة الى بيارات يافا ومصانعها، فيما الباقون يريدون حياة كريمة في العمل والمسكن حيث هم من دون قمع أو إذلال أو حرمان، وهم يهجّرون لمرات أخرى الى أصقاع العالم والى دواخلهم الحزينة، ولم يبقَ لهم إلا أن يحلموا بفلسطين، ينتظروها إن أتت بعد موعدها أو إن أتت قبله، ولكن على أمل ألا يطول الليل

أخيراً، وُضع مؤتمر الحزب الشيوعي على سكة الانعقاد. مؤتمر قد يحرّك مياه الحزب الراكدة. السيناريوات الكثيرة، تبدأ بأمل بنهضة الحد الأدنى وتنتهي بقيادة جديدة ـــ قديمة تُجدّد الأزمة وتزيد من الترهّل

إيلي حنا - الاخبار

لم يكن ينقص الشيوعيين اللبنانيين سوى مارك زوكربرغ وموقعه الأزرق. الحزب الذي عرف العمل السري لعشرات السنين، وبيانات و«أفكاراً» كانت تنشر في الخفاء، أصبح «فيسبوك» الراعي الرسمي لها. ماذا يحدث في الحزب الشيوعي؟ سؤال يطرحه الحرصاء والشامتون والمستغربون. يبدو اليوم أنّ المشكلة في سبب السؤال، لا في طرحه. الجميع لم يرَ نشاطاً أو حركة مستدامة للحزب سوى في «طلّات» تقليدية، كان آخرها تظاهرة الأول من أيار. صورة الشيوعيين اليوم يختصرها: فلان شتم القيادة على مواقع التواصل الاجتماعي. فلان خاصم علّان بسبب الحزب.

الانتقال إلى ساحة «الافتراضي» أغوى بعض «الرفاق» ليضيفوا إلى «سيَرهم» المستجدة واقعاً نضالياً، بما أنهم انتقدوا هنا وأبدوا حرصاً هناك. «الحيطان» المجانية استقبلت من هو في التنظيم أو خارجه أو في «منظمات رديفة» (اتحاد الشباب الديموقراطي مثالاً). وليزيد «الحيط» «طرشة»، أفرزت أزمة الحزب الشيوعي أفراداً يعتبرون أنفسهم في الحزب، بينما مسؤولوهم المفترضون يقولون إنهم خارج التنظيم. اليوم، ما «يميّز» حال الحزب الشيوعي منذ سنوات، الحالة الاعتراضية الكبيرة. حالة تنقسم بين حزبيين «ممارسين» وآخرين خارج التنظيم أو «إلى جانبه» على ما أفرز «الضياع التنظيمي». الحزب المفترض أنّ أحد أهدافه تسلّم السلطة لم يجرِ مؤتمره الحادي عشر منذ 3 سنوات. حالة التململ بين الشيوعيين يعيدها أحد أعضاء اللجنة المركزية إلى غياب البرنامج. «الحزب عايش على ردّة الفعل»، يقول. «يطرح إيلي الفرزلي مشروعه لقانون انتخابي، يردّ الحزب ببيان. تبدأ الحرب في اليمن، فيظهر أيضاً بيان»، يضيف المسؤول. أمثلة القيادي الشاب و«المناخ الحزبي» تجعله يعوّل على المؤتمر الحزبي المقبل الذي من المتوقّع أن يجري نهاية الصيف المقبل. الأسبوع المقبل، تبدأ «اللجنة المركزية» بنقاش الوثائق قبل أن توزّع على القواعد الحزبية في المحافظات في مرحلة تستمرّ ثلاثة أشهر يجري خلالها انتخاب مندوبي المؤتمر.

المادة الخامسة

تعتبر الورقة التنظيمية (الورقة الأخيرة لاستكمال وثائق المؤتمر) الوحيدة بين أيدي أعضاء المكتب السياسي لنقاشها. وتختلف الآراء داخل القيادة الحزبية حول المادة الخامسة من النظام الداخلي التي تفرض دورتين متتاليتين كحد أقصى للأمين العام ونائبه، و3 دورات لعضو المكتب السياسي واللجنة المركزية ومواقع قيادية أخرى. هذه النقطة أوجدت اقتراحات وآراء مختلفة داخل «المكتب»، مثل رفض التعديل أو التعديل الجزئي (يشمل الأمانة العامة فقط مثلاً أو تعديل في شكل النظام الانتخابي) أو تعديل في هيكلية الحزب لتكون على شكل وحدات (وحدة تنظيمية، وحدة إعلامية، وحدة مالية...) مع إلغاء اللجنة المركزية والمكتب السياسي. هذه المادة التي قد «يفصل» فيها في المؤتمر، تحيلنا إلى واقع رديء في حزب يفقد منذ أكثر من 20 سنة كادره الوسطي، أي المنتسبين في أواخر العشرينيات والأربعينيات من العمر. «انقطاع جيل 1990 - 2000»، كما يسميه مسؤول التنظيم في الحزب نديم علاء الدين، أفرز ترهلاً في بنية الحزب وانقطاعاً أكبر بين الفئات العمرية. نمو الكادر البطيء يجعل حكماً من تطبيق المادة الخامسة «تصيب» نحو 27 عضواً في اللجنة المركزية (نحو 70% من المشاركين في الاجتماعات)، وعدداً كبيراً من مسؤولي المحافظات والمنطقيات، وبالتالي إفراغ الحزب «ضربة واحدة» من دون وجود بديل حاضر يسدّ فراغاً هائلاً. عضو المكتب السياسي علاء الدين، يرى أنّ الأزمة ليست أزمة القيادة فقط، بل «الجميع مأزوم»، من معارضين إلى حزبيين. ويعطي أمثلة على نشاطات في بعض القرى «تغني عن مئة اجتماع ونقاش فكري». وعلى الأرض، بعض نشاط الشيوعيين في بعض المناطق حافظ على «نَفَس» شيوعي واستمرارية بين حزبيي تلك المنظمات. الحزب «الواقع في ورطة» منذ أواخر الثمانينيات يراكم الأزمات وتسرّب الكادر الوسطي من قيادة إلى أخرى. وزر أكثر من 20 سنة يحمله «مداومو الوتوات (المركز الرئيسي)» اليوم، وستحمله القيادة المقبلة من أي طرف كانت. «معظم المنظمات في حالة مراوحة تنتظر القيادة... تنتظر الخطة. ضعوا أنتم خطة والأمثلة كثيرة. كيف يتبيّن حضور الحزب دون الشغل تحت»، يضيف علاء الدين. جزء من الشيوعيين يعوّل على «مبادرة حسن إسماعيل» (مبادرة أطلقها الأمين العام خالد حدادة في ذكرى أسبوع المناضل إسماعيل)، لأنها تطرح عودة الشيوعيين ليشاركوا في الإعداد للمؤتمر. لكن أعضاءً في اللجنة المركزية يقولون إن «المبادرة أجهضت» وأصبحت «خلفنا»، أما علاء الدين فيؤكد «فصل الإعداد للمؤتمر عن لجان إعادة الشيوعيين وباقي المبادرات، فعملية إعادة الرفاق عملية لا تتوقف، ووضع المبادرة قبل المؤتمر يعني مزيد من التأجيل». عضو اللجنة المركزية المعارض رباح شحرور، يرى في «مبادرة إسماعيل» بنوداً ممتازة، لكن العمل فيها يوضح أنها ماتت لحظة ولادتها. شحرور يرى أن المهمة اليوم التوحّد حول عقد المؤتمر في أسرع وقت، مطالباً بإشراك جميع الشيوعيين خارج التنظيم «ممّن لم يأخذوا خيارات سياسية أخرى». بدوره، يرى مسؤول قطاع الشباب والطلاب أدهم السيد، أنّ تظاهرة أول أيار «ردّ واضح من الشباب يبيّن حجمهم الفعلي من حيث نسبة مشاركتهم، بالإضافة إلى نشاط الزرارية (حفل سياسي فني أقيم أيضاً بمناسبة عيد العمال)». السيد يعتقد أنّ من الأجدى اليوم التزام النظام الداخلي، ثمّ المؤتمر يفصل في الخلافات. «صحيح أنّه قد تظهر مشكلة في مسألة إفراغ الجسم القيادي، لكن الشيوعيين يحسمون ذلك، وبالحد الأدنى الأمانة العام يجري فيها التغيير»، يضيف. شهور حاسمة سيمضيها الشيوعيون اللبنانيون. «الأمل» باستنهاض القواعد الحزبية يتجدّد قبل كل مؤتمر، لكن المفاجآت السلبية اعتادت الظهور منذ سقوط الاتحاد السوفياتي.

امام انعدام أي أمل في تسجيل كتاب تاريخ رسمي يذكّر بإنجازاتها، يوثّق «وجدت لتنتصر ــ جبهة المقاومة الوطنية» (الفارابي) سنوات القتال العسكري للمقاومة الوطنية ضد الاحتلال الإسرائيلي. المؤلّف الذي أنجزته مجموعة من أسرة «دار الفارابي»، يستند بشكل أساسي إلى وثائق وشهادات لمن شاركوا فيها، خصوصاً كوادر ومقاتلي «الحزب الشيوعي اللبناني»، مستعيداً تاريخاً طويلاً من المقاومة كاد مرور الوقت أن يمحي أثره حتى من الذاكرة

محمد همدر - الاخبار

 

 

يوثّق «وجدت لتنتصر ــ جبهة المقاومة الوطنية» (الفارابي) لسنوات المقاومة العسكرية ضد الاحتلال الإسرائيلي، خصوصاً عمليات «جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية» (جمّول) التي انطلقت خلال اجتياح الــ 82. أمام انعدام أي أمل في تسجيل كتاب تاريخ رسمي يذكّر بإنجازات الجبهة، يكاد يختفي أثر تلك السنوات حتى من الذاكرة، خصوصاً أن المقاومة الحالية (الإسلامية) توثّق عملياتها منذ انطلاقتها وعبارة «نكمل الطريق» التي يردّدها قادتها لن تفرج عن الحقيقة الكاملة لبدايات المقاومة الوطنية. دور توثيقي بحت يؤديه الكتاب لحفظ ذلك التاريخ، مستهلاً برواية حركة المقاومة الوطنية لهذا الاحتلال منذ نشأته وقبل أن تطأ قدمه الأرض على الحدود اللبنانية المعترف بها بعد الاستقلال إلى عام 2006.

 

المؤلّف الذي أنجزته مجموعة من أسرة «دار الفارابي» بإشراف مدير الدار حسن خليل، وقدّم له أمين عام «الحزب الشيوعي اللبناني» خالد حدادة، يستند بشكل أساسي إلى وثائق وشهادات من عاش تلك الحقبة، ومن شارك فيها بشكل مباشر وغير مباشر، خصوصاً كوادر ومقاتلي «الحزب الشيوعي اللبناني». لا تكمن أهميّة الكتاب في استحضاره لماضي المقاومة فحسب، بل أيضاً في توثيقه لجميع العمليات بالتفاصيل والتواريخ. عمليات نوعية لا تعدّ ولا تحصى، خلّفت تأثيراً هائلاً على جيشي الاحتلال الإسرائيلي واللحدي في جنوب لبنان، وأفقدت الإسرائيلي صوابه. أما الردّ فجاء كعادته هائجاً ومنتقماً من القرى والمدنيين حتى وصل عدوانه الى مناطق قريبة من العاصمة كما فعل مرّة في كانون الأول عام 1989 حين استهدف مقر قيادة «الحزب الشيوعي» في منطقة الرميلة. كان المقاومون يشتبكون من أماكن قريبة وكانوا يبقون في ساحة المعركة لساعات وأيام يحاصرهم الإسرائيلي ولا يتمكن من هزيمتهم. وفي بعض المواجهات، استعمل السلاح الأبيض كما في عملية جبل الشيخ التي نفذتها مجموعة الشهيد جمال ساطي في أيلول 1987 التي أُسر خلالها أنور ياسين.

استشهد ثمانية شيوعيين أثناء تصديهم للإنزال الإسرائيلي في عدوان تموز تحضر أيضاً مرحلة المقاومة التي انطلقت بعد «اجتياح 82» من بيروت الى صيدا والجبل والبقاع، وكانت مختلفة باختلاف طبيعة المدن عن القرى الحدودية. لاحقت المقاومة الجيش الإسرائيلي إلى الجنوب بعد انسحابه واستعادت دور الفلسطيني الذي كان قد غادر بعد الاتفاقية التي ضمنت رحيله. مراسلات بين المُخطط والمنفذ، خرائط، ووثائق تم الحصول عليها بعد أسر جنود اسرائيليين أو قتلهم، ووصايا الشهداء وسيرهم الذاتية وأسماؤهم (مع الإبقاء على سرّية أسماء الأحياء من المقاومين) وغيرها من الوثائق المهمة، نقرأها أيضاً ضمن الكتاب. كانت بيانات المقاومة الوطنية تتحدث ببطولة عن عمليات يقوم بها «حزب الله» الذي كان حديث الظهور على الساحة الجنوبية أواسط الثمانينيات، وتسمّي معتقليه وتشيد بعملياته الاستشهادية التي كانت «جمول» تتبعها أيضاً. يذكّر الكتاب بتلك الحقبة التي اختار فيها «الحزب الشيوعي» تنفيذ هذا النوع من العمليات، متسلحاً بأسبابه العقائدية الخاصة غير الدينية، مقدماً نماذج كلولا عبود ووفاء نورالدين وجمال ساطي الذي ركب الحمار وفجّر نفسه في مقرّ الحاكم العسكري الإسرائيلي في زغلة (حاصبيا) في آب عام 1985. ورغم حصة المرأة الكبيرة في المقاومة العسكرية (عبود، نور الدين وسهى بشارة)، ومهمّاتها الاستخباراتية واللوجستية، إلا أن الكتاب لم يذكر الّا نموذجاً واحداً لمشاركة المرأة في التحضير والمساعدة في إنجاز الضربات العسكرية. هناك مساحة للمقاومة الشعبية، نقرأ فيها قصصاً من المقاومة المدنية التي خاضها الناس في القرى المحتلة، عبر المواجهات والإضرابات والاحتجاجات، بالإضافة الى حركة النضال والدعم من داخل السجون والمعتقلات الإسرائيلية. الكتاب عبارة عن فهرس بالعمليات، ومكان وزمان تنفيذها والخسائر البشرية والعسكرية التي ألحقتها بالاحتلال. وثيقة كان يمكن لها تتخذ شكلاً مختلفاً، تمكنها من الوصول إلى شريحة أكبر من الناس، لو أنها تجنبت الأسلوب الدعائي، واتبعت طريقة سرد مختلفة. في نهاية المطاف، وبعد الذروة التي حققتها «جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية» يتقلّص عدد العمليات تدريجاً مع التقدّم في الزمن، خصوصاً بعد اتفاق الطائف. يتوقّف الكتاب عند أسباب هذا التراجع، متناولاً بخجل الأسباب الداخلية التي أدّت إلى ظهور مقاومة عقائدية من لون واحد على الحدود. هكذا يختصر الحديث عن اغتيال مقاومين شيوعيين على الشريط الحدودي، وعن عزل القيادات العسكرية والسياسية العلمانية في الداخل. النقد الذاتي مطلوب طبعاً، لكن عملية الإلغاء والانفراد بالقرار العسكري على الحدود حقيقة أيضاً، لا يمكن لمرور الزمن التقليل من أهميتها. خلال عدوان تموز 2006، خرج شيوعيون ببنادقهم للتصدّي للإنزالات الإسرائيلية من دون أي خطة أو قيادة، لينضم الى القافلة ثماني شهداء، مؤكدين أن الهدف كان ولا يزال مقاومة إسرائيل. حقيقة يؤكدها الكتاب أيضاً، مختتماً فصوله بهذه الحادثة.

الاخبار

«أغانيه القديمة أحلى»، قالت السيّدة الخمسينيّة. «لأنك معتادة عليها»، رد على الفور الشاب الجالس إلى جانبها. وربّما كان الاثنان محقين، لكن، في كل الأحوال، خالد الهبر هو دائماً خالد الهبر. بنقائه السياسي، وكنزته الكحلية البلا أكمام، وطريقته بلفظ الراء، وألحانه وغنائه وكلماته، والغيتار الذي يلجأ إليه أحياناً فيستعيد المخضرمون عندذاك صورة أيّام العزّ والنضال والتفاؤل الثوري. خالد الهبر نفسه، هو الذي لا يخلف موعداً مع العمّال في عيدهم. بالأمس على خشبة «قصر الأونيسكو» في بيروت، مع تأخير طفيف على الروزنامة، استعاد الفنان اللبناني اليساري حيويّته وسط المستنقع السياسي الآسن الذي نعيش، أمام جمهور استثنائي، هو عيّنة معبّرة عمّا يمكن أن تكونه في هذا الزمن العبثي، نواة وطن بديل، ورأي عام بديل. قدّم الهبر مع أوركسترا تجمع آلات النفخ والايقاع على أنواعها، مع القانون (غسان سحاب) والبيانو والغيتار والجوقة طبعاً بالفولارات وربطات العنق الحمراء، برنامجاً منوّعاً يجمع بين اللون الشعبي والجاز، بين أغنيات قديمة مثل «ابنك يا سعيدة» (جوزف حرب) أو «حالة الاحتضار الطويلة» التجريبيّة النفَس (محمود درويش)، وأخرى أحدث نسبياً مثل «ما تنسوا فلسطين» في مستنقع الربيع العربي الذي لم يغلب الاستبداد بل شرّع علينا أبواب جهنّم التكفير والمذهبية واسرائيل… وأخرى تقدم للمرّة الأولى مثل تحيّته إلى دمشق الجريح: «بالشام كنّا نلتقي بالشام». ولم يفت المغنّي الشجاع أن يوجّه تحيّة إلى كرمى خيّاط و«الجديد»، وإبراهيم الأمين و«الأخبار» في مواجه قمع محكمة الفتنة الدولية: «قالولي ممنوع تحكي وتتخطّى الحدود».

الأكثر قراءة